فاروق مصطفى : هشام القيسي / الشاعر في وجه الأيام الجهمة

farooq mostafa 2مايميز صديقي الشاعر ( هشام القيسي ) أمران رئيسان ، أولهما ولعه الشديد بجماعة كركوك ، وثانيهما  تجوالاته الشعرية التي لاتنتهي 0 وما يتعلق بجماعة كركوك فقد كتب عن عيونها وأقطابها وصادق قسما  منهم :
فاضل العزاوي ، جليل القيسي ، جان دمو ، جمع أخيرا رؤاه وأفكاره عن المجموعة في كتاب       عنونه ب (( شعراء جماعة كركوك )) كما يعود اليه الفضل في نشر بعض من نصوص ( جان ) والتي كان  يحتفظ بها وقد أصدرها في مدونته ( جان دمو : قراءة وقصائد لم تنشر ) والجدير بالذكر أنه مازال يراسل    الى هذه الأيام قطبي المجموعة : فاضل العزاوي ومؤيد الراوي 0 وما يتعلق بتجوالاته الشعرية فقد أصدر    العديد من المجاميع الشعرية أذكر منها : ( اشارة لعالم الرماد ) ( في آخر الزمن نجمة ) و ( أوراق دالي ) و ( فصول ) وآخرها اضمامته الموسومة ب ( رؤيا في أطراف الأيام ) 0
إذا كان الشاعر ( سعدي يوسف ) يكتب كيلا يموت وحيدا في منفاه الطويل وتحت ضبابات الشتاءات      اللندنية كما يقول في نصه المعنون  ( ليس من تلاعب ) : –
(( أكتب كي لاأموت وحيدا )) ص58 ديوان : قصائد الحديقة العامة
فإن القيسي يكتب كي يبعد عن نفسه ركامات الخرائب التي تتجمع في طريقه وحتى يخرج من متاهات العمر  وشعابه الملولبة ليس أمامه إلا أن يكتب فالشعر عنده صرخة في وجه زحف اليام الشائخة فهو يتأبط شعره  ويصرخ في وجهها وإلى أين يقوده هذا السرى ؟ hosham 7يتعزى بشعره كما يصرخ بذلك ( نيتشه ) للبحث عن شمسه التي يريد أن يزيل الستر عنها ليسفر محياها  الشهي وبشعره يريد أن يعبر إلى نهر أيامه المنهزمة دفقه الهارموني والأيقاع الذي يضيع مع تدحرج  الساعات الزلقة 0
تتقاسم نصوص هذه الأضمامة دالتان ، دالة العشق والعزف على أوتاره المختلفة ليؤسس مملكة وجده  ومسكن أحلامه فوق أديم الماء :

(( وأعود أصيح
أنني عاشق مثله
أتبع السفر
وأكتب باسم الجمر
مشهد الأنتظار ))

فهو يسقي شجرة عشقه وتأتي الريح تحمل كل أصوات العشق ، القلب يخفق والحب يجوب آلافا من العوالم  في دخيلاء الأنسان  :

الحب ماء يدخل الأعماق
وتتبع خطوه كل الأغاني
والأنتظار
مثل النهار
يشهر صيحته

kh hosham alquisy  3والدالة الثانية التي تنتمي إليها مجموعة اخرى من هذه النصوص دالة الوطن فهو يعزف على هذا الوتر ،  وينقاد هذا الوتر ويلين لأصابعه المموسقة في إخراج كبرياء اليقين وبوحه لأوجاعه التي تصيب البلاد :
(( برتقال يافا وتمر البصرة فاكهة لليقين
إن الماء يبكي
من يمس الأرض إكراما للشهداء
هنا في قسم الأبواب
أو في وجع الأرحام ))
والأيام تمشي وتركم في أحضاننا أتراحها وأحزانها وتحت نوافذنا أكوام الخرائب الشائخة وتطول الرحلة    وهو يعبر من محطة إلى اخرى ، الفصول تتعاقب ونحن ننضح العمر الحزين عبر المسافات الطويلة وبعد    الرحلة الممتدة ماذا يكتشف الشاعر ؟

الكلام لايشبه الكلام
والليالي أتقنت الخرافة
والسخام 0

إن عزاء القيسي في ابهة الحب وتأثيث طريقه برؤاه التي يزين بها اطراف الأيام فهو زاد الشاعر في رحلة العمر :

الحب أعطى في المسار
اكسير النهار

تقول الروائية التشيلية ( ايزابيل أليندي ) صاحبة رواية ( ابنة الحظ )
(( ليس هنال شيء دون طائل ، وما من أحد يصل في الحياة إلى أي مكان إننا نمشي وحسب )) فيحمل الشاعر  زوادته ويضرب في الآفاق وتنزرع قدماه في مخاضات الأغبرة الصاعدة :

(( لنتابع هذه الرقصة
ونرى القصائد
كيف تجيء )) ؟

فهو يحلي شجرة استعاراته بأفنان من المجازات المستحلاة مما تضفي على أسطره الشعرية استمرارية الدفق وبهاءه المستعذب كما في : محرقة الضحك ، يردم الأمس ، والكلام لايجمع ثيابه ، هكذا الحقائب تجلس علىساعة نازفة ، يلطم المطر خده ، غيمة تتهجد ، متى تغادر الدمعة قنوطها ؟
إن أيامه تترى وليس أمامه إلا الزمان الهاطل ، وبزاده القليل وتعبد النبيل يغني حبه شاقا طريقه فلهذا يهتف في القطع الخامس من نصه ( رؤيا في أطراف الأيام ) :

(( لاتسدوا حنينه
ولاتتبعوا أنينه ))

وظف ( القيسي ) أساليب العربية المتباينة في إيصال رؤاه وأحلامه فقد عمد الى اسلوب التقرير واسلوب النداء وأكثر من اسلوب الأستفهام وقصده من وراء هذا البلوغ الى المبتغى الفنى بتوظيف أساليب اللغة بثوب جميل تحقق لحظات الأضاءة واشراقات الكشف ، وبعد ذلك أفرد الشاعر لنصوصه عناوين مفردة مثل :أيام ، الشجرة ، ود ، قطوف ، الفنار ، يسر ، القيامة الخ 00 والعناوين هي ثريا النص والراس الذي يبدأبه النص ومنه نهبط الى الوجه ، وهو الذي يشعل عند المتلقي وهج التخييل القميذة بها ، وهكذا وفق الشاعر فيإصطفائها وتوزيعها على نصوصه ، وهناك الكثير في زوادته ومع تساقط الأيام وتهرؤ الساعات فنحن بانتظار المزيد من هذه الرؤى الممطرة بوجده وحنينه واوجاعه التي تتراكم تحت نوافذه المشرعة 000  0

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *