كيف تقرأ , وأي شيء تقرأ
كتابة : شكوين كودي
ترجمة : رياض عبد الواحد

reyadإن جميع الكتب التاريخية المتخصصة والأعمال الفلسفية والكتب التعليمية والتوجيهية تعد ادبا في حالات خاصة كأن تكون موجهة إلى القلب الإنساني  كله,  أو إلى  عواطف الإنسان المعروفة . ولعل علم النفس سيساعدنا على إدراك هذه المسألة بنحو واضح , فللعقل البشري  ثلاث خواص  هي : الخاصية التعليمية وتولد لنا الحقيقة , والخاصية السلوكية وتولد لنا الجودة والخاصية الجمالية وتولد لنا الجمال . ومن البديهي  استحالة الفصل  بين هذه الخواص بنحو كلي , الاانه بإمكاننا القول انه في مجال العلم لا نملك إلا العقل , أو الحقيقة , وفي الدين لاشيء إلا السلوك والأخلاق الحميدة , أما في  الفن فلا شيء سوى الجمال , غير إن الدين إذا ما خلا من الحقيقة والجمال أصبح شيئا ضعيفا جدا  ‘ وعليه فأن الفن  بدون الحقيقة والسلوك الجيد  يكون فنا غير صادق . فيما يخص الأدب فأنه ابعد بكثير عن الفن , بيد انه ينبغي أن يكون العمل الأدبي عملا فنيا , ولأجل أن يكون كذلك لا بد أن يمتلك العناصر الجمالية للجمال , وعليه- أيضا-  أن يمتلك كلا من الأخلاق والحقيقة , و بالإضافة إلى هذه الأمور ينبغي أن يجد طريقه إلى العواطف الإنسانية , كأن تكون إيحاءاته إنسانية . إننا نستطيع أن نعترف إن جميع أشكال الفن إنسانية , لهذا تكون إيحاءاته عاطفية ,  غير إن هذه القاعدة ليست الحقيقة الثابتة للجمال , ذلك انه بإمكاننا رؤية الأشكال الرياضية الهندسية المنتظمة ممتلكة خاصية الجمال التامة وتلعب  دورها المهم في جميع الرسوم الفنية الجمالية , بيد أن هذه الأشكال لا تؤتي ثمارها وتشكل عملا فنيا تاما إلا بعد أن تُرسم بواسطة اليد الإنسانية لتجد طريقها إلى المشاعر الإنسانية . إن الهدف من التمييز بين الحقيقة والجودة والجمال هو تمكيننا من الإدراك الأمثل للشيء الجيد لا أكثر  .. وكل ما هو جيد ينبغي إن يكون حقيقيا  ومن ثم ينبغي أن يكون جميلا  .. والذي يفتقد الحقيقة يكون بالنتيجة فاقدا الجمال ولا يمكننا أن نكتشف هذه الحقيقة إلا بعد التمحيص والتحليل . قد تبدو بعض النصوص الأدبية جميلة عند قراءتها لأول وهلة لا لشيء ما عدا إننا لا نفكر إلا بالجمال , لكن دعنا  نختبر جودة هذا النص أو حقيقته , فأن كان يفتقد احد هذين  العنصرين فسنكتشف في الحال النقص الحاصل في جماليته وهو الشيء الذي لم نستطع إدراكه سابقا .. مَنْ منا نظر إلى امرأة لأول مرة ووجدها غير جميلة ؟ عند التمعن بالنظر إليها نجدها تفتقر إلى العقل والشخصية , وعند أعادة التفحص في جمالها سنكتشف مثلا أنها ذات فم ضيق , أو عيون جامدة  ,أو عيوب أخرى كانت في حينه ذائبة في شكلها العام . لقد كنا نقدرها في البداية بيد أن الدهشة تصيبنا عن كيفية التغاضي عن مثل هذه النواقص الجمالية .
. إن حقيقة الأمر تكمن في الخاصية الجمالية الواضحة فيها والتي حجبت عنا النظر إلى بقية النواقص ,  والى أن نصرف النظر عن هذه الميزة الفريدة وتصطاد عيوننا ميزة أخرى . لو كنا نقاد أدب لكانت أولى الخواص الأدبية التي تثير انتباهنا هي الجمال الفني , وهذا يبدو جليا وواضحا  من خلال الأسلوب والانسياب الموسيقي للكلمات وتكثيف الصور وروعتها ونقاء النبرة الصوتية للكلمات . جميع هذه الخواص تشكل بمجموعها الأسلوب الجيد والتي يكون مثلها مثل المصادفة التي تكون مثل الثوب الذي يخفي خطايا مضاعفة ولو كنا طلبة  لكانت نظرتنا تتجه نحو حقيقة الحوادث في النص الأدبي ووقتها والمغزى الحقيقي لها ,  ولكانت تلك النظرة تتحدث عن عمق القصيدة أو القصة أو ضحالتها .  إن القارئ العادي يكون أكثر حكما على العمل الأدبي من خلال جودته . في الروايات يرغب مثل هذا النوع من القراء في شخصيات يعجب بها ويتمكن   من تقليدها , أما في  القصيدة فأنه يبحث عن أفكار تومئ له بشيء ما . وغالبا ما يكون هذا القارئ غافلا عن النقص الحاصل في العمل الأدبي من حقيقة وجمال . يتضح من هذا , إننا نرى الشيء الذي نبحث عنه ونفشل في رؤية الشيء الذي لايهمنا كثيرا ,  إلا أن السؤال الذي يثار هو : ما الدور الذي تلعبه المتعة كثيرا في الأدب ؟ يتناهى إلى سمعنا إن نجم المتعة العام في انحدار ,  وان الرواية هي اقل الأنواع الإعمال الأدبية متعة . هل هذا صحيح ؟ أم أنها تعطينا المتعة الكافية حتى لو لم تكن أدبا ؟ دعنا نرى ما معنى المتعة ؟ إن العبارة المرادفة لها هي الاسترخاء والتي تُفَسرادبيا بأنها الخلق الجديد , وان أي هروب من تقاليد الحياة إلى أجواء تتفق هرمونيا وإمكاناتنا للمتعة هي إعادة خلق أو إبداع . إن المتعة نقيض العمل,والكتاب الذي تقرأه ولا يحتوي على أية إشارة تخص العمل هو حالة من الاسترخاء,لان مثل هذا الكتاب يفسح المجال لإمكاناتنا المتعبة بالراحة,وإلا فبدونها ستظل معطلة ومن دون فائدة مرجوة منها. عندما نتحدث عن كتاب- كمتعة- فأننا نعني بذلك تقديم استرخاء تام لإمكاناتنا ,لأن هذا الاسترخاء التام غير ضروري في عملية إتمام الاسترخاء لأنه بإمكاننا أن نستعمل مجموعة واحدة من إمكاناتنا وندع الأخرى في حالة استرخاء.أذن الأدب ينبغي أن يسبغ الراحة التامة على إمكاناتنا والتي أنهكت كلياً بصيغ الحياة المكررة ومتاعبها , لكن , ما المعيار الذي يتقرر في ضوءه أن تكون الرؤية مسلية أو مريحة؟إن القارئ العام لايرغب بالاسترخاء إلا إننا نلح في طلبه على انه واحد من أهم المراتب التي يمنحها الأدب لنا ,بيد إن الاسترخاء التام للإمكانات المتعبة لن يعيد لنا حيويتنا إطلاقا, فالاسترخاء الذي ينبغي أن نمتلكه في الأدب والمسمى(الإبداع)هو الشيء الايجابي والحيوي ومن ثم الإنساني في العمل الأدبي .إن من واجب الأدب العظيم أن يكون ممتعاً وذا قيمة,والأدب الذي لايعطينا المتعة أدب ميت  وسرعان مايدفنه الأدب الأفضل منه .إن الحقيقة الأساسية هي انه ليس بمقدور نقاد الأدب أن يحنطوا أو يحتفظوا بالنص الأدبي الذي أراد القارئ العادي له الموت أو الدفن .والآن دعنا نسأل عن علاقة العمل ذي الفن الأدبي في حياتنا .إن العمل الأدبي الذي يمنحنا الصورة الحقيقة لحياتنا الفعلية لن يكون ذا متعة أو فائدة مادام الغرض المقصود منه هو  التخلص من أنفسنا وممارسة إمكانات أخرى وامتلاك خبرة جديدة من جهة أخرى.نحن نفهم فقط مايمت لحياتنا بصلة وإذا ماابتعدنا عن خبراتنا الخاصة فهذا يعني خسارة كاملة. إن الحقيقة تكمن في إن العمل الأدبي يجعل أنفسنا في حلم لكن ليس كل مايتمنى المرء يدركه ,فالأدب الحقيقي هو الذي يعزينا بأخطائنا ويوبخ رذائلنا ويقترح طموحاتنا ويحوي الحب والأمل والتقدير .إن مثل هذا الأدب غير موجود من حولنا ,ومن اجل إبراز مثل هذه الصفات ينبغي أن يعتمد الأدب على الحقيقية والجودة وأعلى سمات الجمال ‘, لهذا ينبغي أن يكون الاختيار الأمثل في العمل الأدبي محاطا بالأسئلة الثلاثة الآتية : هل هو جميل ؟ هل هو حقيقي ؟ وهل هو جيد ؟

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *