صدر للناقد الدكتور عبد الرضا عليّ كتابٌ جديد (عن دار ضفاف) وسمه بـ ” رؤى نقديّة في الشعر وما حوله ” ضمّ عشراً من مقالات نقديّةٍ وقفت عند نصوصٍ مختلفةٍ في الأساليب التعبيريّة، سواء أكانت من شعر الشطرين، أم من التفعيلي، أم من قصائد النثر التي يسميها بـ ” النصوص المفتوحة”، من غير إهمال ما كان من تعبير شعبي في الأداء حيثما كان ذلك ضروريّا ً في خدمةِ الحالة التي يعالجها نقديّاً.
ومقالاته تلك تنسابُ رشيقةً دون ترهّلٍ رخوٍ،أو إطنابٍ غير مبرّر، أو استرسالٍ مملٍّ، لأنّ هدفه فيها (كما يصرّح دائماً) الوصول إلى نتائج منهجيّة سليمة تقتضيها لغة تتصف بالتماسك والتركيز.
في هذه الرؤى وقفات ذكيّة في الإشارة إلى أساطير الخصب والعذاب (كما في الأسطورة في شعر السيّاب) وخلاصات جوهريّة في استلهام التراث الشعري للكتاب المقدّس بعهديه: القديم والجديد (كما في الدراسة التي خُصّصتْ لمجموعة الشاعر الكبير يحيى السماوي: مناديل من حرير الكلمات)، فضلاً عن رؤيته الخاصّة عن علاقة الشعر بالتغيير.
إنّ مقالة ” نصوص لاتحتمل التأويل” التي تصدّرت تلك الرؤى بيّنتْ موقفاً منحازاً إلى النصّ الشفّاف الذي لا يحتمل التأويل، وغمزاً من قنوات أولئكَ النقاد الذين يكثرون من إيراد كلامٍ لا موجبَ له يقومُ على الأباطيلِ الإنشائيّة المتشحة بعبارات غامضة، وتهويمات الهذيان الذي يصفه بـالمفتعل،مع أنّ النصوص التي تتناولها أقلامهم بريئة من تلك التأويلات المتمحّلة. وهو بهذا ينبّهُ إلى أنّ ما يقومُ به هؤلاء النقّاد يزري بالنصوص الجيّدة، ويسيء إليها، ولا يقدّم لأطراف العمليّة النقديّة: (النصّ والمبدع والقارئ) أيّة منفعةٍ جوهريّة، وإن ظنَّ بعضُ أصحاب تلك النصوص المنقودة أنّ ما جاء به هؤلاء يشكّلُ فتحاً مبيناً في الهذيان.
وعلى وفق أسلوبه في التركيز جاءت توطئته لتلك الرؤى النقديّة، فقال: ” هذه قراءات نقديّة يزعمُ كاتبُها أنَّ مقدّماتها المنهجيّة كانت سليمة الرؤى، فأفضت إلى نتائج من نوعها أصّلتِ القولَ في بعضِ الظواهر الفنيّة التي تبدّتْ في نصوصٍ شعريّةٍ عديدة : مجموعة ومفردة (قديمة وحديثة) كان لها أثرها الفاعلِ في تحقيق الإدهاش بوصفهِ أهمّ أهداف الإبداع.
إنّ بعض هذه القراءات قادت إلى منطلقاتٍ نقديّةٍ لا تخلو من ظنٍّ يكادُ يُـصبِحُ يقيناً عند قارئها، فارتأى تقديمها للقرّاءِ الجادّين كي يشاركوه المتعة في تلقّي نصوصٍ حافلةٍ بالإثارةِ والابتداع والجمال، وصولاً إلى خُلاصاتٍ قد تفتحُ أبواباً مغلقة في قراءة النصِّ، وتحليله، وتقييمه؛ طامحاً في الوقتِ نفسه أن تحتلَ منطلقاته هذه مكاناً لها في مكتبة الثقافة العربيّة المنفتحة على الآخر من أجلِ تحقيق الوفاق الإنساني بين الجميع، والحمد لله.”
أخيراً أقول: إنّ هذه الرؤى النقديّة تزوّدنا بما ينبغي علينا تعلّمه من أصول منهجيّة في تناول النصوص الإبداعيّة قبل تصدّينا لتأويلها وتفسيرها وتقييمها، وأنا واحدةٌ من الكثيرين الذين يترقبون بشغفٍ ما يصدر من جديدٍ لهذا العملاق، لأتزود من فيض علمه، وربما أكون الأوفر حظاً بينهم لقربي من أستاذ قلَّ نظيره في هذه الحقبة الصعبة التي كثُر فيها اصحاب اللغوّ الفارغ والإطناب الممل … وقبل الولوج إلى عالم النقد والتحليل أدعوكم لقراءة هذا المنجز المتكامل الذي يشكل دروساً في فهم النص الشعريّ وما حوله ،لأنه بحق خطة متكاملة، واختصار جميل لا يفقد النصوص قيمتها بل يركز على روح النص، لنقترب من الشاعر ومن قضايا الشعر التي يسلكها دون الشعور بالملل، ولعلَّ سلاسة الأسلوب، وروعة العبارات، والروح الايجابية هي أهم ما يميز كتابات أستاذي عبد الرضا عليّ، فمبارك له ، و لطلابه ومريديه هذا المنجز النقدي الجديد .
إيمان محمّد