المشهد الاول
يدخل رجل في بداية الاربعينيات من العمر على موظف التعيينات الحكومية ، لم يعبأ به حيث كان مشغولا في تقليب الاوراق وهو يتفحصها ورقةً ورقةً ، لكنه احس بشيء ما يقترب منه رويداً رويداً
– السلام عليكم
لم يرد الموظف
يكررها مرة اخرى
– السلام عليكم
يرفع الموظف رأسه ومن ينظر اليه من خلال الجهة العليا لعيوناته الطبية : وعليكم السلام ، خيراً ، تفضل ، ماذا تريد ؟
– جئتُ من اجل الحصول على وظيفة
– اية وظيفة ؟
– يوجود اعلان على حائط غرفة الاستعلامات عن طلب موظفين
– وهل صدقت الاعلان ؟
– اذا لماذا تضعونه؟
– هذا ليس من شأنك
– صدقني بحاجة الى الوظيفة وعندي عائلة كبيرة
– الوظائف محجوزة مسبقاً
– لمن؟
– للاقارب والاصدقاء ،ومن يدفع اكثر
– بالله عليك ، ساعدني
– طيب ، هذه للوجه الله ، اسمك؟
– سعيد فرحان
– عجيب سعيد وايضا فرحان
– صدقني لم ار السعادة والفرح منذ يوم ولدت ، فقط بالاسم
– هات المستمسكات الثبوتية
– هذه هوية الاحوال المدنية وشهادة الجنسية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية
– اين تسكن يا سعيد ؟
– في غرفة للايجار
– متزوج ؟
– نعم ولدي زوجة وخمسة اولاد
اخذ موظف التعيينات تفحص الاوراق واحدة ًواحدةً وقال : اخي عمرك كبير
– ماذا تعني؟
– قانون موظفي الدولة يشترط في طالب التعيين ان لايتجاوز عمره عن الخمسة والثلاثين عاما
– طيب ،انت متضرر ، معتقل في السابق ؟
– كل العراقيين مضطهدين ، العراق كان عبارة عن سجن كبير ومفاتحيه بيد رجل واحد!
– نحن نتعامل مع الوثائق الرسمية
– لا املك سوى عمري الذي قضيته ابحث فيه عن اسطوانة الغاز وصفيحة النفط عند محطات الوقود ، ماذا افعل أكل التعبُ عمري منذ الصغر ؟
– غير تاريخ تولدك ، او تزور لك هوية احوال مدنية ، اقولها للمرة الف : انت عمرك كبير ز
– ماذا، هل ستحيلوني الى التقاعد قبل التعيين ؟
– أتستهزأ مني؟
– لا والله ،بل من الضيم الذي اشعر به
وهكذا خرج خائباً من دائرة التعيينات وهو يحمل بيده هوية الاحوال المدنية وليس على لسانه سوى عبارة ” عمرك كبير ” يرددها بوجه كل من يدخل الدائرة المذكورة ،حتى ظن البعض ان الرجل مجنونا.
المشهد الثاني
اصيبَ بحالة جنون وقتي يهذي بعبارة ” عمرك كبير ” ، ترك مصيره الى قدميه تقودانه الى حيث تريدان ، طاف شوارع عديدة شعر بالتعب ، فتوقف للالتقاط انفاسه ، ليجلس بعدها على (مصطبة ) في شارع ابي نواس ، تذكر شريط حياته الماضية ثم يقول : في المرحلة الابتدائية وبدأت حرب مجنون تأكل الجميع ، اتذكُر صفارات الانذار وهي تطلق معلنة عن شيء ما والملابس العسكرية وكيف سيقَتَ الى ساحات القتال لاعقدُ صداقةً طويلةً مع الموت ، الموت الّذي يأتي مع ازيز الرصاص ودوي المدافع و(نهر جاسم) و ( جبل كرمند ) و ( بحيرة الاسماك ) ، اتذكر وجوه اصدقائي القدمى ( حسن، محمود ، عثمان ، فرهاد ) ، قائمة طويلة كانت تعود الى اهلها محمولةً على سيارة اجرة وهي ملفوفة بالعلم ،والنهاية قطعة سوداء تكتب على وجهات الدور وتواريخ يتلو بعضها بعضا ، اتذكر سماجة رئيس عرفاء الوحدة ( ابو سرحان ) وكيف كانت هوايته الوحيدة التأمر على الجنود وحفر المواضع في كل مكان . ثم قال : حياتي لم تكن سوى حفر في حفر ، ابتداءا من الموضع العسكري حتى البيت الذي اسكنه هو الاخر لم يكن سوى حفرة صغيرة تضم سبعة اشخاص واخيرا حفرة القبر .
المشهد الثالث
غفا قليلاً من كثرةِ التعبِ والتفكيرِ ، احس بعدها بحركة ما ، اذا برجل وقور كبير السن وينادي عليه : عمو ، عمو ، اذهب الى البيت
– البيت ؟ والذي لايملكُ بيتا ، اين يذهب ؟
– له الله
– ونعمَ بالله ، عمو عندي شيء اريد ان ابيعكَ اياهُ
– ما هو ياولدي ؟
– عمري ، وحقك ياحاج سابيعك عمر نظيف جدا جدا على ( البلاد ) كما يقول اصحاب السيارات، عِمرٌ ليس فيه ذرة حرام واحدة ، عِمرٌ كلهُ تعب وقهر ، بين قوسين عمر عراقي 100%
– لماذا تريد ان تبيع عمرك يا ولدي ؟
– سئمتُ منه ، اربعون سنة وهو معي ، اربعون سنة يمشي معي كظلي ، اريد ان اعطه اجازة ، اذا اردت ان استأجره لك او ايبعك اياه ، لاتخف سأخفض لك السعر.
– عمو انت متعب ، اذهب الى البيت .
– البيت ، اي بيت ؟ غرفة ثلاثة في ثلاثة امتار ، ويا ليتها كانت ملكا !
ثم يحاول ان يلمم ما تبقى من قواه باتجاه البيت وليس على لسانه سوى عبارة ” عمرك كبير ” .والناس تقول : الله يشفيك .
المشهد الرابع
وصل البيت عند منتصف الليل وزوجته سمعُ من خلف الباب ” عمرك كبير “يبدو الامور لاتبشر بخير
– أبشر ماذا فعلت ؟
– عمرك كبير.
– ماذا … ماذا ؟.
– اقول لكِ يا امرأة ” عمرك كبير “.
– ماذا تعني بهذا الكلام غير المفهوم ؟
– موظف التعيينات قال لي ” عمرك كبير ” واصبحت لاتصلح للوظيفة
– طيب ماذا ستفعل ؟
– ارفعُ دعوةً على امين السجل المدني كي يغيير عمري.
– وهل العمر يتغيير ؟
– العمر ليس فقط يتغيير ، بل يمكن تبديل لونه واسمه مثل السيارت
– وأنت اين من هؤلاء ؟
– انا خردة، لاتعمل سوى بالدفع ، لايصلها الصبغ ولا التصليح
– طيب بيعْ الرقم ؟
– من يشتري رقما مضروبا ؟
ويسود الصمت المكان وتهدأ ثورة الغضب عند الرجل
المشهد الخامس
تقدم صوب منضدة كاتب العرائض وهو يحمل اوراقه
– تفضل هوية احوال مدنية ، بيان ولادة ، شهادة جنسية .
– اريد ان ابدل عمري .
– القانون يمنع ذلك الآن ، تغيير العمر متوقف.
– القانون ، هذه المفردة التي لاتسمعها سوى اذني ، والآن ماذا افعل ؟
– باب تغيير العمر مغلق .
– ومتى يفتح ؟
– اعتقد انه اغلق بالتمام.
– هذا اني لم استطعْ ان الحق .
– بما تحلق ؟
– ببقية عمري الذي ضاع بين (كراج العلاوي ) و( كراج النهضة ) وملابس الخاكي والحصار والجوع و و و و و و و
المشهد السادس
خطرت له فكرة ان اوراقه الرسمية ناقصة ورقة اخيرة عليه ان يستخرجها من دائرة ما : انها شهادة الوفاة ، فهو اردَ ان يموت مرتاح البال في انه حصل على هذه الورقة . في مكتب اصدار شهادات الوفاة الموظف المسؤول : تفضل اخي
– اريد استخرج شهادة وفاة.
– اسم المتوفي وتاريخ الوفاة والسبب.
– سعيد فرحان ، العمر :اربعون سنة ، السبب : التعيين
– هل يوجد ان توفى احدهم بسبب التعيين
– نعم ، انا؟
– المتوفي انت ؟
– نعم انا الميت الحي
– لماذا تريد استخراج شهادة الوفاة .
– حتى اتعيين بها.
– اين ؟
– في الآخرة !
– لمن اعنون شهادة الوفاة ؟
– الى دائرة المقابر
وفي النهاية حصل على شهادة الوفاة ووضعها الى جانب ( هوية الاحوال المدنية ، شهادة الجنسية العراقية ، دفتر الخدمة العسكرية ) في ( جنبر ) وعلقه في رقبته وهو ينادي ” للبيع ، ر للبيع ، من يشتري ، من يشتري ، عَمر للبيع ، عراقي 100% ” لكن لم يجد من يشتري منه بضاعته سوى الذي يردد خلفه
– من يشتري ؟
– انا اقول من يشتري ليس انت ؟
– من يشتري؟
– اسكت لعل احدهم يشتري .
– من يشتري؟
– اقول لك اسكت ، اسكت ، اسكت.
– من يشتري؟
– لماذا تريد ان تفسد علي بضاعتي ،انت يا أخ هل تشتري ؟ انت ايها الجالس هناك هل تشتري عمر رخيص للبيع ،اقول لكم عمر للبيع فمن يشتري ؟ لا احد لا احد
– الم اقول من يشتري ؟
– اسكت اسكت انت.
– لا ، من يشتري ؟
– لماذا لاتفارقني.
– من يشتري ؟
– اربعون سنة وانت معي ، اذهب ، اقول لك اذهب ، لقد مللت منك .
– من يشتري ؟
– اربعون سنة وانت تخدعني ، اربعون سنة تأكل ايام واحدة واحدة.
– من يشتري ؟
– اربعون سنة وانت توسوس لي.
– من يشتري؟
– اذهب اذهب اذهب الى غير رجعة ، اريد ان اتحرر منك .
– لا لا لا لا ، انا انت ،وانت انا .
ثم يسقط على الارض .