نصب الباشق انشوطة الاعدام في الجهة الامامية من فتحة التهوية في برج الطيور الكبير على سطح الدار . ليصيد به القطة التي اكلت بالامس احدى حماماته . بعد ان تالم كثيرا وفارت روحه ، وهو يرى الدم يملا القفص وريش الطائر يتطاير من كل اتجاهات القفص وخارجه . فقرر ان ينتقم . وكانت تلك البداية .
ولد ٌاسود البشرة ، رشيقا ، قوي البنية ، رغم صغر سنه . شرسا لايتورع عن ايذاء الاخرين ، بشرا كانوا ام حيوانات ، حتى اننا كنا نخاف منه ونخشاه . كانت بدايته مع الحيوانات الاليفة بنات البيوت كالقطط والكلاب .
كان سالم ، وهذا هو اسمه . يبدو انهم سموه بذلك الاسم ، اعتباطا لا ليتحدى سطوة الزمن وكل ماتجيء به الايام من قسوة .وكنيته الباشق هذا الطائر العنيف مفترس الطيور. ولم نكن نعرف من اين جاءت تلك التسمية بعد ان كنا نعتقدها لقب عائلته ولكننا عرفنا فيما بعد من اخيه الوحيد الأكبر منه سنا ان عائلنه ليس لها هذا اللقب الذي كناه به اهالي القرية ربما .
اسمه سالم من تأثيرات الحياة رغم إن الآخرين لم يكونوا سالمين منه . وربما سموه بالباشق لرشاقته ، ولخفته في سرقة الطيور وشدة بطشه تجاه اطفال القرية وناسها .
سالم سلمان الحسون ، وكان اسمه يسبق اسمي برقم واحد . هو يحمل الرقم ” 10 ” وانا احمل الرقم ” 11 ” في سجلات المدرسة للصف الرابع الابتدائي الشعبة ” ب ” ولا انسى ما حييت شكله وعينيه اللتين تقطران شررا مثل عيون القطط السوداء ، في ليالي الجمعة . ورغم انه يحترمني ولم يتعرض لي يوما ما الا اني كنت اخاف منه حالي حال الاخرين . ولا ادري لماذا . ربما لانه يكبرني باربع سنوات او اكثر وذلك بسبب خطا سجلات النفوس في ذلك الوقت الناتج من جهل الاباء واعطائهم بيانات غير صحيحة اما تعمدا او جهلا .
كان يحترمني او على الاقل كان يرد على سلامي حين ابادره بالسلام اولا طبعا لخوفي الباطن منه ولم يكن يجيبني بكلمات التحدي او الاستهزاء ، كما مع الاخرين . وكان ذلك لسببين على ما اعتقد او احدهما على الاقل الاول انني كنت شاطر الصف الرابع الابتدائي او ربما شاطر المدرسة كلها وفارس صفي والسبب الثاني وهو الاهم من ذلك كله ان اخي الكبير الذي يكبرني باثنتي عشرة سنة كان معلم الرياضة في المدرسة وكان رئيس فريق الشروق لكرة القدم في القرية و مؤسس ذلك الفريق . وكان اخي رياضي الجسم والهيئة وقويا بلا منازع . وكان اخي ايضا شرسا وعصبي المزاج ، وصاحب سمعة في الشجارات . اي انه كان يتشاجر على الطريقة الحديثة وهي طريقة الملاكمة باليدين ولا اقول العاب القوى الحديثة كالجودو والكاراتيه لانها لم تصل الى قريتنا لغاية ذلك الوقت .
كان سالم سلمان الملقب بالباشق وكنا نظن هذا لقب عائلته طالبا كسولا كعادة هذا النوع من الاولاد . وكان مشاكسا حتى ان المعلمين او بعضهم على الاقل كانوا يتجنبون الصدام معه ، او هكذا كنا نعتقد ذلك .
وكانت لسالم الباشق سمعة هائلة في صيد القطط عن طريق نصب انشوطته على شباك برج طيوره وهو قفص كبير مصنوع من الحديد موضوع على سطح دارهم . وكان الباشق يتعمد ان يترك شباك القفص مفتوحا ليتلذذ بصيد القطط ذات الشهية المفتوحة لاكل الطيور ، ليقوم من ثم بتعذيبها قبل قتلها والتمثيل بجثثها .
كانت طرق الباشق في تعذيب الحيوانات مبتكرة وتسجل له اختراعا . اذ يربطها ربطا قويا محكما ، ثم يبدا بتغطيسها بماء النهرلمدة من الزمن وقبل ان تموت يسمح لها من ثم بشم بعض الهواء ثم يعيد تغطيسها وهكذا . ويستمر في عملية التعذيب تلك على مدى ساعة كاملة او اكثر وقد تستمر لعدة ساعات حسب قوة الحيوان ومزاج الباشق . ومن ثم يبدا بحرق الحيوان جزئيا بطريقة تشبه الكي ما يجعل الحيوان يصرخ ويرفس من شدة الالم دون ان يستطيع الخلاص . وحين يشبع من فرط السعادة والنشوة يبدا في الاجهاز على الحيوان حرقا او خنقا باحكام شده من رقبته او تعليقه . وكان يقوم بكل ذلك على مراى ومسمع الكبار من اهالي القرية وبمعيته الاطفال الذين اتفقت معه امزجتهم خوفا او رغبة . ولم تكن ضحاياه من القطط فقط بل من الكلاب السائبة ايضا اذ يروح يجمع الاولاد الذين ينفذون اوامره بالحرف الواحد خوفا منه او رغبة ، كحال اولئك الذين يبدءون مرغمين على فعل كريه يرفضونه للوهلة الاولى . ثم سرعان ما يعتادون التلذذ في ممارسة ما اجبروا عليه بلذة وشوق وتلهف بعد ذلك . ويروح هو ومن معه بمطاردة الحيوان سيء الحظ ، من كل الجهات بالأحجار والعصي حتى يتعب . عند ذلك تبتدئ مرحلة التعذيب بالإغراق والحرق والشنق والخنق والكي حتى الموت .
وفي يوم من الايام جاء اخي الى البيت وهو بهيئة مزرية كحال من انهى عراكا عنيفا ، للتو بشعره المنفوش وقميصه المقطع الازرار والملوث بالدم والتراب . وحين سألته امي عن حالته قال لها انه تشاجر مع الباشق حتى اسال دمه واذاه. ولم يكن السبب مهما . كل مافي الامر ا ن اخي لم ترق له تصرفات سالم الباشق وكلام من هنا وكلام من هناك حتى حدثت بينهما مشاجرة . ولم تحدث تطورات حول المسالة لان الباشق معروف بمشاكله الكثيرة في القرية . لكن الشيء الاكثر اثارة في المسالة ان الباشق وبعد ثلاثة ايام من تاريخ المشاجرة مع اخي قد وجد ميتا في فراشه . واذ ذاك قلقنا ، نحن افراد العائلة ، جميعا ، مما قد يترتب على موته من تساؤلات تخص اخي بسبب شجارهما ، الباشق وهو قبل وقت قصير . وراود اخي مايشبه الشعور بالذنب . ولكن العجيب ان الامور مرت بخير اذ ان عائلة الباشق حالها حال القرية كلها قد فرحت بموت الباشق ابنهم بهذه الطريقة السهلة ، دون ان يدخلهم بمشاكل كبيرة مع الاخرين .
هذا وقد عزا البعض موت الباشق الذي جاء بهذه السهولة بسبب تذمر الناس من تصرفاته او حظ الحيوانات المسكينة التي كان يقتلها بدم بارد وبطريقته الوحشية . وقال اخرون الى ان سالم سلمان الباشق مات مسموما بعد سباحته في النهر قبل يوم وفاته .
ان الذي حدث بعد ذلك ان القطط والكلاب السائبة قد زادت في القرية زيادة غير طبيعية ، وراحت تؤذي الاخرين وانتشر داء الكلب خصوصا بين طلاب المدارس والعمال الذين يذهبون صباحا الى العمل . وما دعا سكان القرية كل يوم الى الترحم على موت الباشق ، والاسف لانهم فرحوا بموته المفاجيء .حتى ان مثقفيهم كانوا يقولون مرددين الحكمة القائلة ” رب ضارة نافعة “