1
الرجل الذي يقابل بيته بيتي يرفع يده بالتحية كلما رآني في الشرفة، وفي أيام أخر يتجاهلني، مثل جميع الرجال الذين يخافون من زوجاتهم.
2
نعم أنا أدرك كم تحبني..أجل أنت تدرك كم أحبك
ولكن ما فائدة الحب عندما يأتي في الزمن الخطأ.
3
نتحدث بأشياء كثيرة كلما التقينا، ندور ونمشي في حدائق الكلام، نتذكر أشياء نسيناها في خضم الحياة، نخوض ونحن نقف على ضفاف نهر الحب الذي كان، مستعيدين ألق أيامنا الماضية، نقول أشياء كثيرة بذات اللهفة المدفونة في أعماقنا…. أشياء ليست من بينها كلمة: أحبك.
4
أين أضعت المفتاح؟
قبل أن يغيب عني الى الأبد ترك لي أبواباً كثيرة مقفلة، كلما كسرتُ باباً تناسلت أبواب أخرى مقفلة.. وأنا لا أدري وراء أي باب تركتُ سنوات عمري وأريد استردادها.
5
طفلان يتيمان، تعرّفا على بعضهما في مخيم كشفي، قال الأول: أبي الآن في الجنة لقد قُتل في تفجير انتحاري وهو في سوق الخضار.. قال الثاني: وأبي أيضاً في الجنة، لقد قُتل وهو يُفجّر نفسه بحزام ناسف في سوق الخضار.
6
مللتُ كلامه عن الموت، منذ عرفته قبل عشرين سنة وهو لا يوقف سيل الكلام عن الموت، حتى بتُ أشعر بأن حياتي أصبحت كفناً وتابوتاً وقبراً سأمضي إليه بعد ساعات قليلة.. أيها الموت أما يجدر بك الآن أن تموت؟
7
مغبرة تلك الطرق التي عدتُ إليها، مقفرة تلك الدروب التي مشيتها بعد ولادتي، متآكلة الحواف واجهات البيوت التي عرفتها، الشوارع ليست هي الشوارع والناس ليسوا هم الناس وحبيبي أنكرني وسخر من الورود التي حملتها إليه..أما بيتي فقد سكنته ثلة من الذئاب وعبثت بمحتوياته.
ياه….. كلُ ذلك يحدث في الحلم وأنا لما أزل أتنفس وراء البحار ! ؟
8
ارتبطتُ بعلاقة حميمة مع تلك النوارس التي تتواجد بكثافة في متنزه المدينة، كل صباح أرتدي بنطلون جينز وقميصاً أبيض وحذاءاً رياضياً لأمارس رياضة المشي، حاملة معي فتات الخبز، وما إن تراني حتى تتحلق من حولي، تزعق وتتقاتل فيما بينها للحصول على حصة أكبر، وما إن ينفد كيس الطعام وأواصل المشي حتى تتبعني، وتظل تزعق وتحلّق فوق رأسي وتحط أمامي أو تسير من خلفي لمسافة طويلة.
ذات يوم خرجت بثوب طويل فضفاض.. لم تحط النوارس ولم تحلق فوق رأسي ولم تزعق برغم أنني دعوتها للنزول من فوق الأسلاك وأسطح البنايات، رميت فتات الخبز الى الأعلى لكنها تجاهلته وتجاهلتني، كانت تنظر الى الطريق ذاته الذي جئت منه، فأيقنتُ بأنها لم تعد تعرفني، ولعلها بانتظار المرأة التي ترتدي بنطلون جينز وقميصاً أبيض وحذاءاً رياضياً.
9
الرجل السمين الذي يلتهم السندويج بشراهة ويتناثر من حول فمه الطعام، يجعلني أتحسر على فقراء العالم الذين يموتون جوعاً كل يوم، ولأنه لا يكف عن التهام الهمبرغر بذات الشراهة فقد غيرتُ مكاني بإدارة ظهري نحو الحائط… لكن الحائط أعاد إليّ الرجل السمين الشره عبر المرآة، فاضطررتُ للخروج من المقهى.
10
أركض.. أركض.. أركض….. منذ دهر من السنين وأنا أركض، ماراثون لم أصل الى نهايته إلا بشق الأنفس، لم آخذ استراحة لأجدد خلايا جسدي، لم أنظر في المرآة لكي لا أرى المرأة المخذولة فيّ، لم أرفع عيني الى السماء لئلا تسقط على رأسي النيازك، كنت أركض فحسب… ركضت، وركضت، وبقيت أركض لكي أكون في المقدمة وأصل الى الهدف… لكنني حين وصلت لم أجد جمهوراً بانتظاري، وعندما التفتً لم أر من يركض ورائي، كنتُ وحدي… فلماذا كنتُ أركض؟
11
الجندي الذي كان يقدم الرشوة للضابط من أجل إجازة لرؤية أمه المريضة، لم يعد لديه ما يعطيه ولم تعد أمه على قيد الحياة، وعندما انتهت الحرب خرج منها بساق واحدة.
صدر الضابط الذي كان يأخذ الرشاوى من الجنود امتلأ بنياشين البطولة بسبب معارك خاضها الجنود نيابة عنه.
12
الورد الأبيض ذو الوريقات الرقيقة جداً، الورد الذي يغازله النسيم بالقرب مني، الورد الذي يستريح على العشب الأخضر الندي، يعيدني إلى زمن أبيض نأى عني ونأيت عنه، إنه يهمس في أذني: ان العالم مهما توحّش وتبشّع سيبقى مكان للبراءة فيه.
13
آه يا صديقي.. أحتاج الى أربعين سنة قادمة لكي أحكي لك ما حدث خلال أربعين سنة من غيابك عني.. لكن عزرائيل لا يسمح لي بذلك.. إنه يقف على عتبة بابي.
هديّة حسين : قصص قصيرة جدا ..
تعليقات الفيسبوك