محمّد علوان جبر : أغنية قديمة ..

mohammad alwan 6إشارة : يوظّف القاص الرائع محمد علوان جبر قطعة شعرية لشاعرة أفغانية يوصلها العجز والنقمة والياس إلى ذبح الديك الذي كان صياحه إيذانا بمغادرة حبيبها إلى الدرب الذي لا يعود منه أحد كما يصف السومريون الموت . لكن محمّداً ، وهنا درس السرد المقتدر ، يؤجّل صيحة الديك الفاجعة إلى ما بعد المتعة التي يخادع هو ومحبوبته ذاتيهما بمحاولة كسيرة للهرب من الموت بالحب الذي تشتعل جذوته الآسرة ممتزجا بالأسى والدموع مع اقتراب المثكل . هذه هي أغنية الحياة القديمة المتجددة ابدا . إنني أؤكد على أن ادب الحرب الكبير يكتب بعد الحرب ، وأن هذا الأدب، بوضعه المبدع في مواجهة الموت، كفيل بتفجير طاقات السارد الإبداعية. تحية لمحمد علوان جبر.

النص ّ :

قالت …. تخاطب الديك الذي ذبحته قبل قليل
لانك لو لم تصح
لكان حبيبي لايزال
بين ذراعي
(شاعرة افغانية)
lohat war 1سألتها.. وانا أمد يدي نحو الحقيبة
ــ  هل نفذ الوقت كله…؟
وقبل أن تصل يدي الى أكرة الباب لاديرها ، أمسكتني من كتفي .. ادرت لها وجهي  ، لمحت في وجهها الكثير من الأسى ، وثمة هالات داكنة تشبه الغيوم تظهر وتختفي في ألق عينيها ، تلمست الثوب الملون المشدود على جسدها ، كان ناعما مثل جسدها ، لافرق  تخيلتها دونه ، كانت تقف في ضوء الفجر .. صافية وواضحة ونهداها يرتفعان وينخفضان مع تسارع انفاسها ، اقتربت من دفئها .. ببطء أول الأمر، ثم بحركة سريعة ضممتها إلي ، فيما  تداعت ذكريات الليلة الماضية التي لاأعرف كيف انتهت ، مرت ساعاتها مثلما مرت ايام الاجازة التي تنتهي اليوم ، بقيت متسمرا في مكاني .. لاأعرف ماذا أفعل ، وقبل ان أعيد الكرة وأمد يدي نحو الباب لأفتحه، جذبتني إليها بحركة عنيفة لم أعهدها فيها من قبل ، القيت الحقيبة على الأرض ، وفيما نحن ننحشر في عتمة الغرفة ، حيث هيمن صمت عميق لم يقطعه سوى صوت المذيع المنبعث من بيت جارتنا ، وهو يعلن عن هجوم يبدأ.. وهجوم مقابل يصده..ومن ثم تنطلق بعد صوت المذيع اغان صادحة تشبه المارشات العسكرية وهي تمتزج مع الكثير من الأصوات التي تمتصها جدران الغرفة المختلطة مع لهاثنا ورائحة العرق المنبعث من جسدينا ، بقينا في صمتنا وسكوننا ساعات ، نمنا فيها كثيرا تغمرنا مشاعر لانعرف لها حدود ، كانت مزيجا من الخوف والرغبة والترقب ، ضحكنا كثيرا من جارتنا التي لاتطفىء المذياع ولم نكن متأكدين هل هي نائمة أم مستيقظة ، ضحكنا وربما ذرفنا دموعا صامتة في تلك اللية التي مرت أسرع من سابقاتها ، رغم اننا تجنبنا بأتفاق غير معلن ان لانعرف الوقت ، لكني وبحركة لم اخطط لها ، ادرت وجهي ناحية الساعة لمعرفة الوقت رغم نظرة الاحتجاج التي رأيتها واضحة في عينيها ، وفيما كنت أحاول معرفته ضمتني اليها بقوة ، اغمضت عيني وانا اضع رأسي على صدرها وسمعت بوضوح انتظام انفاسها التي كانت تلفح وجهي ، وقبل أن اغفو سمعت صياح ديك جارتنا وهو يعلن بدء صباح جديد.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| محمد الدرقاوي : كنت أفر من أبي .

 هي  لا تعرف لها  أبا ولا أما ،فمذ رأت النور وهي  لا تجد أمامها  غيرهذا …

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| كريم عبدالله : وحقّك ما مسَّ قلبي عشقٌ كعشقك .

كلَّ أبواب الحبِّ مغلّقة تتزينُ بظلامها تُفضي إلى السراب إلّا باب عشقك مفتوحٌ يقودني إلى …

تعليق واحد

  1. أحمد جاسم

    قصة قصيرة جميلة يتمنى الإنسان أن يكتب مثلها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *