أمضينا ليلةً مرحةً ، في بقعة نضرة بأشجارها وشاطئها الحصوي الجميل ؛ يحيط بنا الماءُ من كل جانب ، وتكتنفُنا أنسامٌ ربيعيةٌ تهبّ رخاء ً في موجاتٍ عبقةٍ ، وكان ضيفُنا شابا لطيفا أتحفنا بمرحهِ وغنائهِ وحركات جسدهِ المحبّبة ؛ وهو يتحدثُ بصوتٍ ناعمٍ رقيق .
وفي أحد مفاصلِ السهرة ، انبرى أحدُ أصحابِنا يستعرضُ مهاراته متنفّجا ً أمام الضيوف ؛ فحدّثنا عن حذقهِ وبراعتهِ في صيد البرّ والنهر ، وحين أرادَ أن يشرح لنا كيف اصطادَ دعلجا ً وذبحه بخنجره ، فز ّ من مكانه في لحظةٍ استعراضيةٍ فاضحةٍ ، وأخرج خنجرَه من طيّة فراشه ، ثم استلّه من غمده ولوّح به أمامَ الجميع .
في حدود الساعةِ الثالثة فجرا ، خفتتْ أصواتُنا وتراجعتْ شهيتُنا عن مواصلةِ السهر ؛ فقام كلٌّ منّا ينشر فراشهِ في مكانه ، وخلدْنا للنوم .
كنتُ ما أزال مستيقظاً ، حين رأيتُ ضيفنا ينهضُ ببطء شديد ، ويذهبُ إلى فراش صاحبِ الخنجر ؛ وبحرفيّة وجُرأة يستلُّ الخنجر من تحتِ وسادتِه ، ويذهبُ بخطوات بطيئةٍ إلى الشاطيء من دونِ أن يلتفت ، ثم يقذفُه بعيداً في النهر .
فرج ياسين : الخنجر
تعليقات الفيسبوك