توفي بدمشق الشام في 14 / كانون الأوَّل / 2005م ، الشاعر والروائيُّ والفنان التشكيلي والمشتغل بالسياسة في آونةٍ ، مكتويا ً بعوائدها من التبريح والوَصَب ، والمتلقي جرَّاءها من اللذع والتجريح ما لا يطيقه ويصبر عليه ، بلْ ويغضي عنه إلا مَن طـُبـِع أو جُبـِل من أعصاب حديد لا يكترث مَن فـُطِر عليها وحُبـِيَ بها ، بما حاق به مِن فرط الانعزال والوحشة ، قلت رحل في ذلك اليوم إلى عالم البقاء الحقيقي الموصلي يوسف الصائغ ، الذي تلاقتْ في شخصه فردا ً كلُّ تلك الميِّزات والمؤهـِّلات المتنوِّعة ، وكان له منها موقعٌ بارزٌ بحيث يُومَا له ويشار بالألمعيَّة والرجحان ومجاوزة الأنداد والنظراء لو تباروا معه في التدليل على كفايتهم وسموقهم ذات يوم .
وصدرَتْ في غضون 2006م ، دراسته الأكاديمية ( الشعر الحر في العراق / منذ نشأته حتى عام 1958م ) ، ضمن مطبوعات اتحاد الكتاب العرب بدمشق ، فهي لمْ يكتبْ لها أنْ تقَرَّ بها عينُ من بذلَ وسعه في تحرِّي المراجع والمظان لاستخلاص ما احتوته من توصُّلات وأحكام ، واشتملتْ عليه من تخريجات ونتائج ، بخصوص الموضوع الذي انقطع له وأوقف جهده عليه وأعفى نفسه من كلِّ مشغلة سواه ، بغية الظفر بمكمِّلات شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة بغداد عام 1974م ، أمَّا كيفَ توافتْ بشكلها المخطوط إلى هذه المؤسسة الثقافية التي على رأسها أعيان جهابذة وأدباء مرموقون وعلى جانب من رعي النتاج الأدبي الأصيل والقطع بأهليته واستحقاقه للذيوع والنشر ؟ ، فجواب ذلك أنـَّه تقدَّم به إليها غداة مغادرته الوطن وتيمُّمه صوب بلاد الشام إثر اجتياح الجناة الغزاة لربوعنا وعيثهم بمحارمنا وأقداسنا ، مخادعينَ جما ً غفيرا ً من الناس أنـَّهم ما جاءونا إلا ليعموا التقاليد الديمقراطية بيننا ، ويروضُوا نفوسنا على تقبل من نختلف معه في رأي ويبايننا في سليقة ، فإذا محصلة ذلك بخلاف ما نرومه ونتمناه ، وقدِّر لنا أنْ نجني ثمرته في ابتدار ساستنا الجدد إلى الاستئثار وتوهمهم أنَّ نزعتهم وحدها هي الموائمة لما درجنا عليه من أعراف وورثناه من أمجاد التاريخ ، والبقية ممَّن لا نقوى حتى على استراق همسهم والإنصات لهم والتسمع لذريعتهم وحجتهم ، هم في درجة لا يحسدون عليها من الضلال والعماية والتخبُّط ، وكذا شاع بيننا اختلال المقاييس والموازين ، وساد عيشنا حال مريع من ضياع القيم ، وتـُنوسِيَتْ أو عفى الزمن بسوءاته ومكارهه على المآثر الكفاحية العريقة والمشهود لها بالتضحيات الغـُرِّ لفصائل هذا الشعب المُمتحَن اليوم بتشبُّث جمهرة من الطارئينَ ممنْ نجهلُ أيَّة سابقة لهم في قراع الاستبداد والطغيان ، وتهافتهم في الانضواء لمحالفات على ما بينهم من اختلافات ونقائض في نوازعهم ومشاربهم ، لضمان ما اسموه تبادل السلطة وانتقال الحكم ، وما هكذا يمارس العمل الديمقراطي في تكتيل وتحشيد مَن نشاءُهُ من أسماء ووجوه وهيئات باسم تعفيتنا وتجرُّدنا من الأهواء والإحن المذهبيَّة ، مستفزِّينَ في ذلك سرائر الطرف الآخر ، ومستثيرينَ دخائله ، هو الذي لا يقلُّ عنهم انتهاجا ً لمختلف السبل والوسائل في الاستمساك بعنان السلطان ، ويـضُـنُّ بعيافه والتخلي عنه ، إنـَّما يمارسُ العمل الديمقراطي ذاك بتصدي الفرد المُدَّعِي وقوفه إلى جانب الشعب وحرصه على مصلحته ، للإعلان عن نفسه وتفصيله في تضحياته وسابق بطولاته الجسور في مصاولة الباغينَ والطغاة ، كما كانَ يجري في الزمن البعيد وإنْ كانتْ الانتخابات عهد ذاك شكلية في عمومها ، ويسمح ذوو الشأن يوما ً بفوز أنفار من النخب الوطنية الصحيحة في أميالها وتوجـُّهاتها ، وذاك هو الواقع السياسي الذي أفاض فيه واستعرضه الباحث يوسف الصائغ عبر مصاقبته لظهور الشعر الحر الذي هو ضرب من التجديد في صياغة القالب الشعري وانبتات صلته بالوزن المحتفظ برتابته وأسماه هو تقليديا ً ، وذلك مرورا ً بالمحاولات والمجهودَات التي سبقته لشعراء المهجر وما صار مألوفا ً ويُلِمُّ به كلُّ دارس ومستقص ٍ لتطورات التجديد الشعري في زمن سابق ، كأنْ ينوِّه بتجارب الشاعر المصري والحضرمي والأندنوسي في اجتهاد هذا الباحث أو ذاك ، والذي فاتني أنْ استفهم من علي احمد باكثير نفسه عن هويته الحقيقيَّة حين وفد إلى بغداد أيَّام مؤتمر الأدباء العـرب الخامس ، وكذلك ما أثِرَ عن الأديب الكامل محمد فريد أبو حديد من استخدامه لطريقة الشعر الحر في ترجمة بعض روائع شكسبير ، ليدلل المؤلف في تمهيده الضافي لدراسته أنـَّه أبعد عن التجرُّد والتنصُّل من اكتناه الواقع السياسي الذي مرَّ به العراق منذ اختتام الحرب العالمية الأخيرة وما أجلبَتْ به من حال في تبدُّل الأذواق والمشارب ، وفي تغير أطوار الحياة والأنماط المعيشية ، وشمل ذلك أيضا ً اطـِّرَاح الأساليب التعبيرية واندراس الصياغات العتيقة والمعنيَّة بالألفاظ الجافية والمسترخصة للمعاني الشريفة ، بحسب ما طوَّقَها وزانها بهذا النعت أولئك الأصلاء من اشياخ تراثنا ورموزه ، ممَّن كانوا يزاولونَ صنعتهم الأدبيَّة عن دراية وتذوُّق ، ويخلصونَ لها عن تلقائيَّة وترسُّل وطواعيَّة ، قبل أنْ تنكب مآثرنا الحضارية بالعفاء والتصويح ، وتكتسح بلداننا بغارات العادينَ وصولاتِ الفاتحينَ .
يشتملُ مبحث يوسف الصائغ عن حركة الشعر الحُرِّ على بابين ِ موزَّعَين ِ فصولا ً مُكرَّسة لتناول جانب ما أو ظاهرة ذات آصرة وعلاقة بأحد عناصر المبحث ذاك ، وليس بالمهمِّ هاته الناحية الشكليَّة بلْ الحريُّ بالالتفاتِ والنظر له بعين الانخطاف والدهشة والإعجاب ، هو هذا النفس الطويل والقابليَّة الفائقة على الاستقصاء وتقرِّي الحوادث والظروف المتتابعة التي مرَّ بها البلد وترادَفت نوائبها وخطوبها عليه وعصفتْ بأحوال ناسه وكدَّرَتْ أجواء حياتهم طوال هذه البضعة من الأعوام القلائل المقترنة بمراس الرعيل الموهوب الواعي من بنيه لنمط من الإفصاح المستحدث والاستناد إليه بالانطلاق منه في تجسيد إحساساتهم ولواعجهم ، وأدائهم لهواجس نفوسهم وخطرات وجدانهم ، بأنْ يعفوا ذواتهم ويُجَنـِّبوها الالتزام والتقيُّد بالرتابة المتوارثة التي تسم ركاما ً هائلا ً من النماذج والشواهد الشعرية المتأتية لنا من عصور سلفتْ ، كان فيها الشاعر الكبير حريصا ً على أنْ تنتهي أبيات قصائده بقوافٍ طالما جَهد في تخيُّرها واستوثق من مناسبتها ، وتأكد له أنـَّها وحدها ضالته التي يَجدُّ في الاستمساك بها .
تلكَ هي ذرائع دعاة الشعر الحُرِّ والنازعينَ لالتماس وسيلة تسعفهم في انطلاق مشاعرهم وكوامن قلوبهم وصدورهم ، بحيث يسترسلونَ في تأديتهم وصوغهم لمعانيهم بمحض التلقائيَّة والعفويَّة دون أنْ يكون هَمُّهم العثور على القافية الشرود والملائمة ، فتكبح من جماحُهم وتحبط من اندفاعهم وتفتر ممَّا أسموه أو جاءهم به نقادهم المنظِرون مؤخرا ً بالتجربة الشعوريَّة ، التي ملأوا بها صحائف فصولهم ودراساتهم في الشعر العربي على أساس أنـَّهم من متذوِّقِيه ومُجتلي مياسم صياغته وإبداعه ، ويتزَّيدونَ على ذلك أكثر بامتلاكهم الخبرة الكافية للتمييز بين الشعر المطبوع وما يغلب عليه التصنع الممجوج ، ولا أدري لِمَ لمْ يزاولوا هـم كـتابة الشعر؟ ، ولعلَّ هذا ما حدا بيوسف الصائغ قبل سنين بعيدة لأنْ يصارح خالدا ً الحلي صباح يوم غشينا فيه مقهى الفرات في الحلة والتي انتقل بها صاحبها من مدخل شارع الأمين ببغداد إلى الحلة ــ وعلى شاطئ الفرات الفرع المتفرع من الفرات الكبير ــ يوسف الصائغ الممتهن للتدريس بدار المعلمين ببابل ، والمتوقف عن مراس الشأن الأدبي يومذاك لسبب وغيره ، وخالد الحلي المُطلِع بمحاولاته الأدبية وقتها إذ كان دائبا ً ومواظبا ً على موافاة مجلة ( المعارف ) اللبنانية بأخبار الأدب في العراق وتعريفاته ببعض الكتب الصادرة حديثا ً هنا وهناك ، فضلا ً عن نظمه القصائد ، هنا انبرى له يوسف الصائغ لائما ً وموجـِّها ً بأنْ يعاف هذا التنوُّع في نشاطه الأدبي ويهجر بالمرَّة هذا الذي يسمونه نقدا ً ، وهولا يعدو أنْ يكون في غالبيَّته مشغلة العاجزينَ والأدباء الفاشلينَ والجُهَّال المقلدينَ ، ممَّن صوَّبُوا أنظارهم لمَن حولهم من ناس فخالوهم قدوة تقتدى ، ومالوا لمحاكاتهم في مزاولة النقد الأدبي الذي يستدعِي في حالة تسليمنا بوجوبه كفن أدبي ، قلتُ : يستدعي أنْ يتوافر لشخص مزاولِه جانب من الفطرة السليمة والطبع النقيِّ والنفسيَّة المُبَرَّأة من فنون الاضطغان والحقد ، فأينَ هذا الشرط اليسير الهَيِّن من المواصفات والشرائط المتطلبة من هذه الطويَّات المزحومة والضائقة ذرعا ً بما تـُحمَلُ عليه كل آن وأثناء كتابتها النقدية ، من التحلي بقدر من التعفف ومصافاة الأسوياء ؟ .
فلِمَ إذن صارَ يوسف الصائغ ناقدا ً وهو منهمكٌ في سجاله أعلام الشعر الحُرِّ وتقصيه أغراضهم المودعَة في مقطعاتِه ونصوصِه ، وهي لا تبعد عن استيحائهم الواقع السياسي المفعم بالجور والبطش اللذين ِ يكتوي بلذعهما جمهور الشعب ؟ ، لأنـَّه يرصد كونهم متحدِّرينَ في عمومهم من بيئات كانتْ في السنين الخالية أبعد ما تكون عن ألفة التمَدُّن والحياة العصريَّة ، وإنـَّهم إذ جاءوا المدينة أو الحاضرة بغداد لغرض الدراسة ، اعترتهم الدهشة لما ألفوه فيها من أوضاع مغايرة لطبيعة بيئاتهم الأصليَّة ، فخبرُوا زحام الناس في الشوارع وغشيانهم القهوات والسينمات ، واستغراقهم اللا متناهي في الحديث السياسي عن الفساد المستشري في الدوائر والأوساط الحكوميَّة ، وصدَّقوا ما تلهجُ به صحف بعينها عن ارتباط حكامهم بعجلة المستعمر وراعهم ما يتفشى بين الناس عادة جرَّاء هذه الأحوال من التذمُّر والسُّخط والاستياء من شيوع الاقتسار والإجحاف بمصائرهم وأقواتهم ، وهذه هي نواة الوعي الذي يُعَمِّر الصدور وليس غيرُه مُستنفِرا ً للناقمينَ والساخطينَ أنْ يندفعوا في طلاب التغيير ويقصدوا إلى تصحيح الأوضاع ، ويسترشدوا بتوجيهات قادة الأحزاب كلُّ حسب ارتباطه وانتمائه ، وينصاعُوا لما يوعزونَ لهم به من تحرُّك ونشاط وتحرُّش بالنظام القائم لاستغوار ردود فعله كأنْ يستعين بشُرطِه وأجناده ، ويكلُ إليهم مهمَّة التأديب والردع واعتماد الوسائل القمعية ، لإسكات صوت المتذمرينَ والساخطينَ ، وكذا أسهبَ المؤلف وأطنبَ بلْ أضنى نفسه في رسم أجواء أطبقتْ على عيش الناس إبَّان تلك الأعوام الماضية ، وهي على ما اكتنفها من سأم وملالة جرَّاء العنت والتضييق وحجز الأفكار والمعتقدات ، وتأتي مُلهبَات الشعر ووفور مُلهماته رغم ذلك ، أو هي نتيجة له وناجمة عنه ، لتعَدُّ الفردَة التي تـُستحَقُ أنْ تعاشَ ، وكان يوسف الصائغ هو المؤهَّل والجدير بأنْ يستعرض فصولها ويحكي وقائعها ويفصِّل في حوادثها ، في غمرة استغراقه في تملي لقيات الشعر الحرِّ الجاعل منه ذووه الحقيقيون الصدى العاكس لتلك الأحوال والماجريات .
وتطلبه الإلمامُ بجميع الخصائص الاجتماعية والنفسية التي أذعن لها الشعراء طواعيَّة في تعاملهم اليومي ، أنْ يحيط بمكونات جملة من المراجع والكنوز الأدبية والمدوَّنات السياسية والتاريخية وحتى الاقتصادية ، وكلها متفرِّقة ومتوزِّعة بين مجلة وجريدة وكتاب ومقالة مستلة من موضعها الأساسي في دورية ما ، مضفيا ً عليها تسمية مصادر البحث ، وأقمن بها أنْ تدعَى مراجع في ملة مشترعِي قواعد البحث الأدبي ، إذ يطلقونَ على الدوريات والذخائر القديمة تسمية المصادر ، وينيطون بالحديثة والصادرة لتوها على أنـَّها المراجع ، ثم أنـَّها من وجه ثان ٍ إذ احتشدَتْ على هاته الشاكلة من التوحيد بينها ، يحوجها التفريق والتصنيف كما جرى على هذا النهج مؤلفون قبله ، ولزموا الخطة نفسها .
ينظرُ كتاب يوسف الصائغ هذا في أهميَّته وأهليَّته لتنوير الوسط الثقافي والأدبي وتثويره ، وتعريف الجمهور الغالب بالمعاناة القاسية التي كابدَها ورزح تحت وطأتها جيل المثقفينَ التواق لمجاوزة الصعوبات والمشاق التي تعتاق طريقه لإثبات موجوديَّته وانتصاره على الظلمة من الصنايع والأجراء الذين بولغ في رسم صورة قاتمة لعهودهم ، إذ هي لا تعدم إتاحتها الفرص المحدودة أمام الكثرة الساحقة لألفة حياة الازدهار والتخفف من الاستباحات حينما يتخلى الأسياد الكبار ويعفون ذواتهم من التلسط والتعسُّف والتمادي في إذلال النفر المهطعينَ ، حيث يخلص الزمام لرهطٍ من الساسة المعتدلينَ تبين عليهم مسحة من الإخلاص والوطنية ، فيبذلونَ مجهودهم في تقديم ما بوسعهم من مظاهر الإشفاق والتحويل والإنعاش وإفعام صدور الملأ بالمسرَّة والبهجة ، قلتُ : ينظر هذا السفر المكتنز بالتحليلات المطنبة في دواعي الشعر الحر وبواعثه وما صدع برصفه وحبكه من أشكاله وضروبه وحمل الجمهور المتلقي على تقبله والرضا به كأمر واقع لا يقوون على استهجانه والقدح به على ما يرتكن له رادته من تيارات ومنطلقات فكرية كالماركسية ونحوها ، ممَّا يتشدَّد في الاختلاف مع أشياعها ويعارضونَ أنْ يُستهدَى بها ويستنار بضوئِها معاشر من الوعاة لا يعدمونَ الحسَّ الوطني الذي يبالغونَ في كتمه على حساب إشهار شعورهم القومي ، فيندر أنْ تلتقي آراؤهم على صعيد وتجتمُّع وجهات نظرهم عند حد ، ويظلُّ هاجس التشكيك بالنيَّات والدخائل هو المتحكم بأميال كلا الصنفين وتصرُّفاتهم ! ؛ وينظر هذا المبحث الفريد أيضا ً في مواكبة الشعر الحرِّ لكتابٍ مباين له في التاريخ للقالب الشعري المتوارَث ومنذ فجر النهضة ، جازَ به الدكتور علي عباس علوان مرحلة الدكتوراه وجلـَّى فيه ما جلـَّى استيحاءا ً واستنباطا ً واستقراءا ً وأسلـوبا ً وإتيانا ً وإيابا ً بالمحصِّلات والأحكام النقدية التي غفلَ عنها البعض واستهونَ شأنها واقتصر في استدلاله على النقدة المجلينَ في الساح الأدبي وامتدح المتولعينَ بالوصفات الجاهزة بصدد سائر الأعمال القصصية ، وتراعُ نفوسهم جرَّاء ما تعانيه شخوصهم من الإحباط والانكسار إثر ما انتهت إليه حركة تموز 1958م ، من مصائر الخذلان والانتكاس ، وفي غاية التعامي وغياب الفطانة لخطل رسم الفرد القصصي المخيَّب بالبطل .
ليسَ لِي أنْ أدينَ الصائغ بنصوله من معسكر المعارضة ملتحقا ً بها في غشيان المنافي ، ومن ثم َّأوبته إلى الوطن منتصف الثمانينيات ، وجنوحه للتصافي والتصالح والاصطفاف بجانب السلطان ، مبقيا ً على مسافة مباعدة منه تعصُّمه من إرخاص ذمَّته عند اقتسام الهبات والجدى ، ولا أنْ اتهمه بالتحوُّل من طبع لآخر ضدَّه ، ( فكلُّ فردٍ بما والى وما اعتقدا ) بتعبير بدوي الجبل ، ثمَّ إنَّ مجاني هذه الديمقراطية بعد أنْ بشَّر بها أولاء المعارضونَ الذين لا بُدَّ من أنْ لفيفا ً منهم نغصُّوا عيشه ، وسئم من وجوده بينهم ، ومَلَّ المقام في ظلال معاشرتهم ، حيثُ أنَّ التجارب المريرة ومجريات الأحوال أثبتت للجميع أنَّ المسالك الأخلاقية موهونة الارتباط والصلة بالمدَّعيَات والمبادئ والمعتقدات ، إذ الالتزام بالأخيرة يُحمِّل الناس ما لا طاقة ولا قِبَل لهم به ، ويقتضيهم من السير في درب الاستقامةِ ما لمْ يحاولوه ويجربوه ، أجل قلتُ : أودَتْ بي هذه الديمقراطية إلى نهاية غدوْتُ فيها بلا نصيبٍ من آلاء ِبلادي ! ، وحسبي أنْ أعيش يومي ممتعا ً بالسلامة وستر الحال مغتربا ً متباعدا ً عن ملتقيات المَكـَّارينَ مِن المرجعيات الأدبية المزعومة ، فليس على كلِّ المسيئِينَ يُعتـَبُ .
********
MahdiShakerAlobadi@Yahoo.Com
MahdiShakerAlobadi@Hotmail.Com