– – كندا .. مونتريال –
* ليش … ؟” سمعتها مرارا في طفولتي .. كانت مزيجا من الخوف الهادئ والدهشة الغامضة .
* ” ليش … ؟ .. أول كلمة تواجه بها الطفولة عالمها السري الذي لاتأبه لتفسيره .. بل تراه كما ترسمه مخيلتها السوريالية .
* أكان علينا أن نعود إلى طفولتنا .. لنستحضر هذه ” الليش ” .. ولكن بطريقة تقرب من الفجيعة وصراخ الصمت .. والأحتجاج الميتافيزيقي الذي لايسمعه أحد … ؟ .

*أكان عليّ وأنا أتكئ على عكازة أعوامي السبعينية أن أكتشف .. أية شحنة من التساؤلات تحتشد بها هذه الكلمة الصغيرة ” ليش … ؟ ” التي لم تختر لأقامتها منزلا ًغير حقول لهجتنا الشعبية الباذخة الشجن .
* لمرتين أبكتني في شيخوختي هذه “الليش…؟ ” وفي أوقات متقاربة .. المرة الأولى عندما وصلتني من ” سيدة الأراضي المنخفضة ” .. كانت حارقة ً كوجع قادم من زمن بعيد .. وكانت وسادتها رسالة تلك السيدة التي ظلت تبحث عني وأبحث عنها لثلاثين عاما ًوحتى لحظتي هذي .. لكن أحدنا لم يجد طريقه إلى الآخر .. وهنا أكتشف أن حياتنا كلها منذ طفولتها وحتى انحناءة ظهرها تظل تتعكز على هذه ” الليش …؟ “الكلمة – الفجيعة ” .
* المرة الثانية التي حضرت فيها ” ليش… ؟ ” لزيارتي .. كانت في ذلك الصباح المبكر .. حيث استيقظت على غير عادتي .. فكثيرا ما يرتفع النهار وأنا اواصل نومي .. لقد تفككت تلك المصالحة الجميلة التي كانت تشدني إلى حضن النوم الدافئ ليلا ًمنذ سنوات لا حصر لها .
*حتى أشعر أنني ما زلت أهيء حقائبي لسفري ” المعاكس ” .. إذن عليّ أن أجعل من صفحات كتاب يسهر قريبا من وسادتي راحلة سفري الذي لن يتحقق أبدا ً .
* لماذا اختار كتاب ” أيام الموت ” لموفق أحمد أن يحرس حزني تلك الليلة … ؟ .
*مرة أخرى كانت ” ايام الموت .. ورسالة سيدة الأراضي المنخفضة ” توقظان بي ذلك السؤال الذي ولد معي .. واتخذ له زاوية هادئة في ” منطقة ضباب الذاكرة ” ليش … ؟ .
*” ليش… ؟ ” السؤال الذي سيظل بلا إجابة .. رغم هذا فنحن نتعثر به من المهد إلى اللحد .
*” موفق أحمد ” .. أيها الفنان الجميل ..أكان عليك وأنت تهرب ” منك – إليك ” أن تكون زوادة سفرك الأكثر مرارة من الموت هذه ” الليش… ؟ .
*”ومثلما جعلت “ليش…؟ ” سيدة ” الأراضي المنخفضة ” التي امتدت على سطر كامل من بريدي الألكتروني كلّ العواصف القطبية تستوطنني .. وكلّ الينابيع الجبلية تتدفق من عينيّ .. هذا ما فعلته ” ليش … ؟ ” موفق احمد بي. وهي تحاصر الصباح الذي استيقظت فيه مبكرا على غير عادتي .
*”أيام موتك ” الأكثر حياة من الحياة ” يا موفق أحمد ” الجميل لم تترك لي فرصة أن أغادر كرم ضيافتها حتى آخر زخة من الدموع ..آخر خطوة رسمتها بقلم الرصاص .. وآخر شاطئ من صرختك َ… ” ليش…؟ ” .
*” أيها الفنان الباحث عن ” عشبة الخلاص ” ..العشبة التي لن نعثر عليها في عالم “هاديس الأرضي ” ..لقد اختصرت حياتنا كلها بهتافك الغاضب … ” ليش … ؟ .
*أنت لم تضع كتابا ً.. أنت دونت قصيدة شعر ستظل طفلة تنظر بعين الدهشة والخوف .. قصيدة اسمها ” ليش …؟ ” .. ” ليش …؟ ” ..السؤال الذي لن نعثر له على إجابة حتى انطفائنا الأخير؟.
*كيف اهتديت يا موفق أحمد أنت .. و” سيدة الأراضي المنخفضة ” إلى مواضع ألمي .. وأنتما تقدمان لي طبقا ً من فاكهة ” ليش…؟ ” لتفجرا بي كل هذا الحنين إلى طفولتها المفقودة … ؟ .