إشارة : تعبر هذه النصوص من القصص القصيرة جدا للمبدع نصرت مردان عن فهم حقيقي لاشتراطات فن القصة القصيرة جدا التي ابتذلت فصارت سطرا أو نصف سطر من صور قصيدة نثر بلا حدث .. تقول الحكمة الشعبية العراقية : أعطي الخبز لخبازته..
———————————-
السرطان
” .. . تم استئصال ثديي. أفقت من النوم ذات صباح لأفاجأ بشعري الأسود الفاحم الطويل ملقيا على وسادتي .أصبحت امرأة صلعاء ! ..لم يعد بمقدوري تأمل وجهي في المرآة. أجل أصبحت امرأة صلعاء بلا شعر ولاصدر ! .. أرجوك لا تحزن ! لا أريد أن أضيف إلى أحزانك حزنا مضافا. فقط صل من أجلي .. ” .
أحس بأن كل شيء بدأ يدور من حوله بعنف وكأن الزمن قد فقد رشده.
تذكر سنواته مع أخته في كركوك ، ومشاكساته الصبيانية معها التي كان خلال ذروة غضبه يشد شعرها الأسود الفاحم الطويل. جفت أفكاره . انشل قلمه . لم يستطع الا إن يكتب لها ” يااعز الناس .. إنني أصلي من أجلك من كل قلبي ” .
سقطت دمعتان من عينيه فوق الرسالة .
عندما فتحت رسالته في كركوك بلهفة ، سقطت منها الدمعتان على كفها .
السيف والغمد
في ساعات النشوة كان يقول لها، أنتِ غمدي ولابد أن يدخل السيف إلى غمده. كان ذلك قبل أن يفتك مرض السكري اللعين بخبث بكل أعضائه رويدا رويدا .
في تلك الليلة حاول كثيرا أن يدخل السيف إلى غمده الحبيب، الذي طالما استراح في غوره.عجز عن ذلك. بدا كسيرا وحزينا . بادرت هي إلى احتضان جسده الذي يمتد إلى جانبها كل ليلة منذ أربعة عقود بحب. داعبت شعره الأشيب بحنو ثم أحاطته بذراعيها وقبلته من فمه عدة مرات .
الدولمة
بعد ساعات طويلة من التجول بعربة الخضار في أحياء المدينة، عاد منهكا إلى بيته مثل طائر تعب من التحليق،. خاطبته زوجته بانكسار :
ـ لقد أتى الأولاد على قدر ( الدولمة) لكنني احتفظت لك بشيء قليل ، لأنني أعرف أنك تحب هذه الأكلة كثيرا.
وجد في الطبق قطعة من الباذنجان المحشي وورقتين عنب . نظر إلى زوجته متأملا البياض الذي بدأ يفرض سلطانه على شعرها، وهي تجلس في زاوية الغرفة. سحبها من يدها وأجلسها إلى جانبه:
ـ هذه حصتنا معا ياعزيزتي .
كان أطفالهم الأربعة يغطون ساعتها في نوم عميق .
الشخير
نهض قبل الفجر كعادته . كانت زوجته تغط في نوم عميق . استمع إلى شخيرها بمحبة حقيقية. تذكر سنواتهم العصيبة معا ووقوفها إلى جانبه دائما في فترات الفرح والترح، والساعات التي تحولت فيها الحياة إلى جحيم. ظلت معه في سنوات الحرب والحصار والفزع والدمار والمنفى، تشد جراحاته.
فتح النافذة . لم تكن شمس الله قد أشرقت بعد على جنيف. نظر إلى السماء ثم هتف من أعماقه بصدق ” شكرا يا إلهي .. لأننا سنعيش معا نهارا آخر “.
دجلة
وقف يتأمل من فوق الجسر، دجلة وهو ينساب مواصلا منذ قرون سيره في نفس مجراه.
كانت النوارس تتصافح بفرح حقيقي مع صفحة مياهه ، ثم تعلو لتعود من جديد لتقبل بمناقيرها وجه النهر الجميل. أحس في تلك اللحظة أن النهر بات أقرب إليه من حبل الوريد. تأمله باشتياق وشم عبيره طويلا.
فجأة وقفت بقربه سيارة عسكرية . هبط منها عسكري شاهرا سلاحه في وجهه :
ـ إننا نراقبك منذ فترة..ماذا تفعل هنا ؟ هل تخطط لتفجير الجسر ؟ .. تكلم وإلا فجرت رأسك !
13.6.2008
السابعة مساءا