من المشكلات الشائكة التي تواجه الثقافة العراقية عموما والصحافة خصوصا ، هي مشكلة التوثيق والتأرخة . ومع كل محاولة يقوم بها أحد المعنيين لسد جزء من هذه الثغرة الكبيرة تحصل سلبيات – وهي متوقعة – كثيرة وإغفال لمحطات مهمة في المسيرة التاريخية للنشاط الثقافي المعني . ومؤخرا صدر للباحث ذياب فهد الطائي كتابان موسوعيان عن تاريخ الصحافة العراقية هما :
-الصحافة اليسارية في العراق (1924-2003)
-تاريخ الصحافة النسائية في العراق بين 1923 و2011 (دراسة توثيقية شاملة)
في الكتاب الأول (334 صفحة) سعى الباحث إلى تقديم صورة بانورامية عن صحافة اليسار العراقي خلال الحقبة التي حددها والممتدة بين عامي 1924 والتي شهدت صدور صحيفة – أو “مجلة” – (الصحيفة) الشيوعية في 28/12/1924 وكان صاحب امتيازها ورئيس تحريرها (حسين الرحال) ومدير تحريرها (مصطفى علي) . وقد اشتمل الكتاب على ثلاثة فصول ضم الأول منها ثلاثة مباحث هي : الصحافة الشيوعية ، والصحف الصادرة في الخارج ، وصحافة الأنصار الشيوعيين . أما الفصل الثاني فقد خصص الكاتب مبحثه الأول لتناول (الصحافة اليسارية الصادرة باللغة الكردية) ، ومبحثه الثاني للصحافة اليسارية الكردية في الخارج . أما الفصل الثالث (صحافة القوى السياسية اليسارية) فقد تكون من ثلاثة مباحث ، تناول الأول منها الصحف الصادرة في الداخل ، وتناول الثاني الصحف والمجلات اليسارية في الخارج ، في حين تناول الثالث موضوعة “السلطات العراقية في مواجهة الصحافة” .
# ملاحظات نقدية :
-في المقدمة ، حاول الكاتب تقديم تعريف لمفهوم أو مصطلح (اليسار) ، وهي الخطوة الإجرائية المركزية والمفتاحية لبحثه . فعلى أساس هذا التحديد لمفهوم اليسار نستطيع تصنيف الصحف العراقية التي تقع ضمن هذا الإطار . لكن الباحث اكتفى بنقل تعريفات لباحثين آخرين هم : رياض صويا وحميل هلال وفرنسوا ريفيل ، وانتقل إلى طرح نواقص الكتابات السابقة على بحثه من دون أن يطرح لنا التعريف الذي يراه وافيا أو تعريفه هو شخصيا .
-إن من يُنهي قراءة الكتاب ، وبدءا من فصله الأول ، يعتقد بأن الباحث يؤمن بأن اليسار مرتبط بالعقيدة الماركسية حسب ، وأن الصحافة اليسارية هي التي تستظل بالأهداف الشيوعية . ولعل أكثر التبريرات غرابة هي ما طرحه في القسم الأخير من المقدمة : (نقطة أخيرة) ، حيث قال إن بعض الأصدقاء من اليساريين اعترضوا على توسيع مفهوم اليسار بضم صحف الأهالي وصوت الأهالي والنور وخبات .. فيرد عليهم بالقول إن من ترأسوا تحرير هذه الصحف هم أسماء تندرج ضمن كوكبة أبرز القيادات الشيوعية أو الماركسية في العراق !! كما يذكر أن بعض الأصدقاء اعترضوا على إدراج مجلة الإقتصادية الصادرة عام 1928 ضمن الصحافة اليسارية ، فردّ عليهم بأن من أصدرها هو “غالي زويد” وهو أحد قياديي الحركة الماركسية وأحد قيادات الخلايا الشيوعية الأولى في البصرة !! فإذا كان هذا هو المعيار فسيكون متوقعا عدم ذكر العديد من الصحف القومية الإشتراكية .
-وقد أفضى هذا إلى خلل آخر ، وهو العودة إلى الأطروحات الستالينية الجامدة في تحديد معنى اليسار مثل (طبيعة الرؤية المنهجية لحركة التاريخ والمجتمع باعتباره العنصر الفاعل في تلك الحركة في الصراع مع (الأصح ضد وليس مع) الرأسمالية وما تولده من استلاب (ص 22) . ولا نعلم عن أي رأسمالية نتحدث في عراق عام 1924 ؟!!
-على الصفحة 23 قال الباحث : وأرى أنه ، لزاما ، لابد من التوقف ولو قليلا عند مفهوم الحداثة في المساقات (الافضل السياقات لأن المساق هو المنتهى والمرجع “إلى ربّك يومئذ المساق”) الفلسفية كما هي عند دريدا وفوكو .. وينتهي الحديث من دون التوقف عند دريدا وفوكو .
-ومن الأمور المحيّرة التي تحتاج تفسيرا ، هو أن الكاتب كان قد ذكر في الفصل الأول (الصحافة الشيوعية) أسماء (67) صحيفة شيوعية سواء ما صدر منها عن الحزب الشيوعي كمنظمة أو أن أعضاء في الحزب الشيوعي رأسوا تحريرها حتى لو أصدرت عددا واحدا مثل مجلة “الغد الجديد” التي صدر عدد واحد منها في سجن الحلة عام 1966 . لكن الكاتب يعود في الفصل الثالث المخصص لصحافة القوى السياسية اليسارية – ومن الواضح أنه يقصد بها القوى غير الشيوعية – ليذكر اسماء صحف ماركسية مثل (سينما الحياة) التي أصدرها حسين الرحال الذي يوصف –كما في هامش الصفحة 208 – بأنه (أبو الماركسية العراقية) ومجلة الإقتصاد (ص 210) وصحيفة الشباب (وكيلها في البصرة والمسؤول عن توزيعها المناضل “فهد” – ص 215) وصحيفة اليسار لصاحبها المفكر الشهيد حسين مروة (ص262) وصحيفة كفاح الطلبة التي كانت تصدر باسم الاتحاد العام لطلبة العراق (ص 267) ومجلة المرأة عن رابطة المرأة العراقية ورأست تحريرها الدكتورة نزيهة الدليمي ، والإنسانية لصاحبها الشاعر والمناضل الشيوعي الراحل كاظم السماوي (ص 270) ، وغير ذلك . وأعتقد أن هذا الخطأ المنهجي يعود إلى الخطأ الأساس وهو الإرتباك والخلط في تحديد معنى مصطلح اليسار .
-ولم يطرح الكاتب المعايير التي اعتمدها ليصنّف وفقها بعض الصحف الصادرة في الخارج كصحف “يسارية” . فوفق أية شروط سياسية اعتبر صحفاً ومجلات مثل مجلة “المندائي الجديد” ومجلة “الصابئي الجديد” ومجلة “ضفاف” (ص 298) ، ومجلة التواصل التي أصدرها اتحاد الجمعيات العراقية في السويد ، ومجلة المجتمع ، ومجلة الصدى المندائية في السويد وغيرها … صحفا ومجلات يسارية ؟
-كان من المفروض أن يكون الفصل الثالث الخاص بـ (صحافة القوى السياسية اليسارية) بدلا من الفصل الثاني (الصحافة اليسارية الصادرة باللغة الكردية) في التسلسل الفني ، كما هو الأمر المتبع لدى جميع الباحثين في العالم حيث يبدأون بالكل وينتهون بالجزء لا العكس .
# تاريخ الصحافة النسائية في العراق :
أما الكتاب الآخر ، وهو جهد مهم أيضا ، فهو عن (تاريخ الصحافة النسائية في العراق بين 1923 و2011 – دراسة توثيقية شاملة) . وقد اعتبر الكاتب عام 1923 هو عام ولادة الصحافة العراقية النسوية من خلال صدور أول مجلة نسائية هي (ليلى) لبولينا حسون .
وقد اشتمل الكتاب على ثلاثة فصول عالج الكاتب من خلالها نشوء وتطوّر الحركة النسوية في العراق ، ونشوء وتطور الصحافة التسائية في البلاد العربية ثم لاحق تطورات الصحافة النسوية العراقية من العهد الملكي والعهدين الجمهوريين الأول والثاني ، ثم عهد حكم حزب البعث ، وأخيرا الصحافة النسائية بعد احتلال العراق من قبل الأمريكان الغزاة في 9/4/2003.
وقد كان البحث شاملا حيث لم يقتصر على تثبيت وعرض أسماء الصحفيات اللائي اشتغلن في صحف ومجلات نسائية خالصة ، بل الصحفيات اللواتي عملن خارج نطاق الصحافة النسائية ، وكذلك الصحفيات المتميزات اللائي لم يشغلن وظيفة رئيس تحرير .
كما ختم الكاتب كتابه بمبحث عن أنواع الخطاب في الصحافة النسائية العراقية (الخطاب الديني : مجلة الصديقة ومجلة نصف القمر ، والليبرالي : مجلة نون ، والراديكالي : مجلة نرجس ) .
ملاحظة واحدة سلبية :
هي أن الكاتب كان يشير في مواضع كثيرة إلى وجود (ملحق للصور) في نهاية الكتاب . ولكن الملحق لم يكن موجوداً .
صدر الكتابان عن دار أمل الجديدة في دمشق ، وبغلافين معبّرين (خصوصا غلاف الكتاب الأول) صممتهما المصممة أمل عثمان .
تحية لجهد الباحث ذياب فهد الطائي الموسوعي .
الاستاذ الفاضل حسن سرمك
تحية
شكرا لأهتمامك بتناول كتابي عن الصحافة اليسارية والصحافة النسائية
في بعض النقاط اتفق معك ولكن لدي الملاحظات التالية
1- في الحديث عن اليسار حددت مفهومي بوضوح وربما لاتتفق معي ولكن هذا ماتبنيته
2-كتاب الصحافة النسائية تضمن ملحقا في نهايته بالصور واستغرب انك القريب من دار الطباعة تاهت عنك الصور الملونة وكما مثبت امام كل
عنوان
3-حينما تحدثت عن الراسمالية كنت انطلق من وجهة نظر ايدلوجية وليس من منطلق الواقع العراقي
ثانية اكرر شكري وامتناني لدارستك الكتابين
ذياب الطائي
شكرا جزيلا للأستاذ الفاضل ذياب الطائي
على هذه التوضيحات القيمة عن كتابيه المهمين