في مقالته (بعض تجليات الأدب الشعبي في رواية ما بعد الحداثة) التي نشرها موقع الناقد العراقي قبل أيام ، وفي فقرة (أفكار أولية حول إشكالية المبنى الدلالي للمصطلح وإقتراح عنوان بديل) ، اقترح الباحث الدكتور حسن سرحان جاسم استخدام مصطلح جديد في خطابنا الثقافي قائلا:
(والمصطلح المقترح هو الباراأدب وهو تعريب مباشر للمصطلح الفرنسي (paralittérature). سنستخدم نفس المصطلح في كل فقرات النص وسنتجنب، ماوسعنا ذلك، استعمال ألفاظ متعددة لنفس المعنى حتى لو كانت جميعها، على مستوى من المستويات، مقبولة وذلك بغية محاولة تعميم مصطلح الباراأدب الذي، برأينا، يؤدي المعنى الحقيقي المراد دون تكلف كما أنه من الممكن أن يكون مألوفا أو قابلاً لأن يكون مألوفا ولا شيء يمنع من قبوله كمصطلح قياسي وذلك بسبب قابلية التوليد أو حجة النماء المصطلحي التي يتوافر عليها. والمقصود بهذه الأخيرة هو أن المصطلح المقترح تتولد عنه مشتقات أخرى وصفية وإسمية تغني عن إستخدام ما سواه) .
ولدي عدة ملاحظات جوهرية مناقضة لما ذهب إليه أخي حسن الذي أقدر جهده المبادر ، وأحترم إحاطته الشافية بموضوعه المقنرح :
أولاً : يقول الباحث إن مصطلح الباراأدب هو تعريب مباشر للمصطلح الفرنسي (paralittérature) ، وأنا أقول عكس ذلك . فمصطلح الباراأدب هو “نصف” تعريب ، لأننا مازلنا نقف أمام كلمة مركبة مكونة من كلمتين ، إحداهما عربية هي الأدب ، والثانية أجنبية هي سابقة الـ “para”.
ثانياً : لا أعرف لماذا لم يترجم الباحث “كلمة” para . السبب من وجهة نظري هو أنها نفسها مفردةحسين إشكالية، وهذا ما يعترف به حسن صراحة ، ويعدّه مسألة خلافية . وعدم ترجمتها يدخلنا في دوامة معرفية وترجمية ، فهي سابقة تعني شِبْه ، أو بادئة بمعنى : بجانب . بمحاذاة – نظير أو شبيه . وفي قاموس المورد المأخوذ عن قاموس وبستر الإنكليزي ، فإن الـ “para” بادئة معناها بجانب parathyroid ، نظير أو شديد الشبه مثل paratyphoid ، وغير سوي مثل paraesthesia . ولو فهم القاريء العربي منها المعنى الأخير ، فمعنى ذلك أن معنى المصطلح سيصبح “الأدب الغير سوي” . وهذا خطأ كبير . كما هو الحال ، مثلا ، مع مصطلح الـ paramnesia أي اعتلال الذاكرة .
ثالثاً : يقول الباحث إن أغلب أنواع الفنون الباراأدبية ظهرت عند منتصف القرن التاسع عشر . وأعتقد أنه يقصد الثقافة الغربية الأوروبية ، فقد ظهرت إرهاصات الإهتمام بهذا الأدب عربيا منذ أيام الجاحظ (طبعا هو موجود منذ سجع الكهان) ، وكتبت ألف ليلة وليلة منذ القرن الرابع الهجري ، كما تطرق إلى مفهومه إبن خلدون وإخوان الصفا وغيرهم . وفي القرن السادس الهجري استكملت فنون الموّال والزجل والقوما والكان كان وغيرها ملامحها الأساسية .
رابعا : يضرب الباحث أمثالاً عن أعمال روائية وظّفت الأنواع الباراأدبية مثل : (“كهوف الفاتيكان” و “مزيفو النقود” لأندريه جيد، “مولان العظيم” لآلان فورنييه ، “رحلة ليلية” (1931) و”أرض البشر” (1939) لانطوان سانت اكسوبيري، “الفاتحون” (1928)، و”الطريق الملكي” (1930)، و”الظرف الإنساني” (1933) لأندريه مالرو. ثم يضرب أمثلة عن توظيف الرواية البوليسية لدى كتاب الرواية الجديدة في روايات مثل : (“ممر ميلانو”، “الجدول الزمني” لميشيل بتور، “التحقيق” لروبرت بنجيه و”العشيقة الأنكليزية” لمارغريت دوراس. ناهيك عن “المماحي” و”ذكريات المثلث الذهبي” لروبغرييه) .
وأعتقد أن أربع روايات فقط من هذه الأمثلة مترجمة إلى العربية ، وبالتالي فإن ذكرها كنماذج يضع القاريء العربي أمام حيرة وارتباك ، لأنه لا يستطيع الرجوع إليها للتحقق.
خامساً : وحسب معرفتي لا توجد روايات بوليسية أو روايات تجسس في الأدب الباراأدبي العربي .
سادساً : ويقول الباحث أيضا : (كما يمكن ملاحظة وجود أجناس باراأدبية على مستوى نماذج الشخصيات المستخدمة من طراز: المجرمين، الزناة، السكارى، قتلة الأب، الثوريين والفوضويين، النساء الخاضعات، الفتيات الصغيرات والجميلات، والعاهرات…الخ) .
فأين هي حكايات ونماذج الزناة والعاهرات وقتلة الأب والثوريين والفوضويين في الأدب الباراأدبي العربي ؟
سابعاً : يقول الباحث ايضا : (إن أنواعا غير متجانسة تتجمع تحت تسمية الأدب الشعبي منها: الرواية البوليسية، رواية الويسترن (التي بدأ نشرها في الولايات المتحده منذ عام1840)، رواية الملاحم، روايات الحب، الروايات الخليعة، رواية الخيال العلمي .. ليس هذا فحسب بل من الممكن إضافة الرواية الشعبية ورواية التجسس) وهذا من جديد ، أغلبه وفق المفهوم الغربي ،
ثامناً : ما أراه مناسباً هو أن لدينا مصطلحات شائعة ووافية ومستخدمة منذ عشرات السنين ، تغنينا عن إشكاليات المصطلح المقترح الجديد ، ومن تلك المصطلحات : الأدب الشعبي والموروث الشعبي والتراث الشعبي والأدب الشفاهي وغيرها . وإذا لم تكن مماشية للمفاهيم الحديثة يمكننا نحت مصطلحات جديدة من حجارة جبل عبقرية اللغة العربية العظيمة المظلومة .
وفي الختام أحيي جهد الدكتور حسن ، فقد ألقى حجرا في بحيرة الثقافة السابتة ؛ ليس يوم السبت فقط بل طول أيام الأسبوع .
مناقشات: حسين سرمك يرد على مقترح الدكتور حسن سرحان بتغيير مصطلح الأدب الشعبي
تعليقات الفيسبوك