في مدينة الثورة …. وتحديدا في قطاع 18 والذي يسميه أغلب سواق الرفات والسكنية (حي الاكراد )، كان بيتنا يتوسط القطاع .. بيت شرقي بكل مافي الشرقية من فنون بنائية .. بعد أن تدخل من الباب الحديدي ، تطالعك ساحة كبيرة على يسارها شجرة رمان كبيرة ، وتنور طيني ، وحنفيه تحتها حوض ، هو مجرد حفرة تتصل بمحطات تصريف المياه البدائية طبعا ، كنا في أواخر السبعينات حينما التقط اخي رزاق الخياط صورة ، ولان لديه علاقة مع صديق مصور ، فقد كبر له الصورة ، بعد ان لونها بالوان الباستيل والمائيات كما هو معروف ومتداول في تلك الايام ، ووضعها في اطار جميل ،وعلقها في زاوية من زوايا حجرة الاستقبال ، في ركن تكون فيه بمواجهة كل من يدخل البيت ، في حينها أشتهر المطرب الكبير صلاح عبد الغفور في اغان كثيرة ، وكان التلفزيون يبث اغانيه بأستمرار ، ولانعلم لماذا كنا ننجذب الى صورة صلاح عبد الغفور ، وهو يطالعنا في التلفزيون ، مبتسما وبشعر كث ، حتى قالتها أمنا يرحمها الله ، كلما أرى صلاح عبد الغفور ، اجد الشبه الكبير بينه وبين صورة رزاق .. وكان رزاق يضحك خاصة حينما أيدناها جميعا ، وهذا الأمر الذي
داعب الكثير من نرسيسية شاب في مقتبل العمر ، وسيم وكث الشعر كصلاح عبد الغفور ، وبدأنا نعقد المداخلات والمساجلات والنكات .. بين رزاق وصلاح .. جيث كنا ننادي رزاق بصلاح ، وحينما نرى صلاح عبد الغفور في التلفزيون نقول رزاق يغني ..
فيما بعد … حلت الثمانينات ، وداهم الوطن شبح الحرب ، وعواصفها الهمجية ، وتم سوقنا تباعا الى العسكرية ، كان أولنا رزاق ، الذي اطمئننا عليه ، لانه خياط ، وتبعناه نحن ، كنت أنا أخرهم .. اذ تم سوقنا الى خدمة الاحتياط ، بقيت صورة رزاق ، تقابل وتطالع كل من يدخل .. وكانت امي تقابل الصورة وتدعوا الله أن يحفظ اولادها ، ربما تحولت الصورة في مخيلتها الى رمز كبير يوحي ويشير بوضوح الينا جميعا ، ويزداد نشيج أمنا وهي تطالع صورة صلاح عبد الغفور في التلفزيون ، وتنعي ، حتى اذا كان رزاق مجازا ، لانعلم لماذا كنا نخاف على رزاق كثيرا ، رغم علمنا انه خياط الفوج ، حتى اللحظة التي وصل الينا فيها تابوت ملفوف بعلم ملون ، وكتب عليه الشهيد عبد الرزاق علوان جبر ، ومن يومها ماعادت أمنا تشبه أمنا التي نعرفها ، بدأت تمضي كل وقتها في المقبرة ، بين اسبوع واسبوع تكون هناك ، لكن مشكلتنا كانت تكبر حينما يظهر صلاح عبد الغفور في التلفزيون ، تقابل التلفزيون وتمسك الشاشه ، تمسحها بيديها وتقبلها أحيانا .. يمه رزاق .. هذا صلاح أيغني ، تعال يمه أسمع .. يلحبيب يايمه … هكذا كانت تمضي أيامنا ، وكذلك أيام أمي تمضي على هذه الشاكلة ……
اليوم وبعد استشهاد رزاق باكثر من ثلاثين عاما …توفي صلاح عبد الغفور .. شبيه أخي ، والذي كانت صورته حينما تظهر في التلفزيون تحرق قلب امي …. وقلوبنا .. اليوم عزيزي رزاق اسألك….
هل مت مرة اخرى ، بعد ان مات شبيهك ؟…وداعا رزاق ، و مرة اخرى اقول لك مالذي يمكن ان اقوله لك سوى ان صلاح عبد الغفور مات ، واذا سمعت امي بالخبر، من الذي يمكنه ان يوقف بكائها …
محمّد علوان جبر: صورة لاعلاقة لها بالحرب وذاكرتها ؛ وداعا صلاح عبد الغفور
تعليقات الفيسبوك