ناطق خلوصي : “النص الملعون” وجدار العزلة النقدية

 استعير عبارة ” النص الملعون ” من   عنوان المقدمة التي كتبها فؤاد التكرلي لروايته ” بصقة في وجه الحياة ” لأتحدث عن هذه الرواية التي يبدو لي انها أحيطت بجدار من العزلة النقدية ، في العراق على وجه الخصوص . ولعل  سر مثل هذه العزلة يكمن في سببين : أولهما إن الرواية ظلت مخطوطة ً حبيسة مكتبة التكرلي لخمسين سنة ، وحين  صدرت متأخرة كثيرا ً جدا ً عن زمن كتابتها ، ظل تداولها محدودا ً فقد صدرت ضمن منشورات الجمل ( كولونيا ـ ألمانيا ) عام 2000 ، وربما لم تصل نسخ منها إلى العراق عند صدورها أو انها وصلت بعدد محدود تماما ، وكانت قراءتها تتم عن  طريق الاستعارة ، وهو ما كان شائعا ً في تلكم الأيام . أما السبب الثاني فيتمثل في كون مضمونها ينطوي على حساسية خاصة ، ذلك إن الروائي يتناول فيروايته هذه موضوعة غشيان المحارم  والعلاقة المشينة والمحرّمة بين الأب وابنته ، وهي موضوعة  كان تناولها ، وما يزال ، موضع اعتراض  ورفض اجتماعي وأخلاقي ، يستلزم قدرا ً كافيا ً من الجرأة والقدرة على مواجهة ردود  الأفعال التي يتعرض لها كاتبها . ولم يكن التكرلي يمتلك مثل هذه القدرة حين كتب الرواية في مطلع شبابه ، وهو يعترف بذلك . يقول في حوار أجراه معه عدنان حسين أحمد ونشر في ” الطريق الثقافي “( العدد 11 ـ 3   آذار 2008 )  ردا ً على سؤال عن سبب تأخر صدور  ” بصقة  في وجه الحياة ” كل هذه السنوات الطويلة : ” لم يكن المجتمع العراقي في أواخر الأربعينات يتحمل أو يطيق عملا ً من نوع  (بصقة في وجه الحياة ) . ولم يكن باستطاعتي في سني آنذاك، أن أنشر تلك القصة . لا تنسى إن حسين مردان حوكم على نشره ( قصائد عارية ) وسجن ستة أشهر بحكم من محكمة جزاء بغداد . ( بصقة في وجه الحياة ) كانت أخطر بكثير من  قصائد حسين ، ولم يكن أمامي الا المحاكمة  اذا نجحت في نشرها . ”
يشير التكرلي في مقدمة  كتبها لروايته وجاءت بعنوان ” مقدمة لنص ملعون ” انه بدأ بكتابة الرواية في حزيران 1948 ( الرواية المنشورة مذيلة بـ حزيران 1947 ـ  آب 1949 ولعل هذا حصل  نتيجة خطأ مطبعي   ) وكان آنذاك ما يزال طالبا ً في السنة الثالثة بكلية الحقوق العراقية ، واقعا ً تحت وطأة ظروف اجتماعية ومعيشية صعبة  بعد رحيل أبيه . وهو يعترف انه كان يفتقد للنضج الفني حين كتبها وبسبب هذا الافتقاد  جاءت الرواية ” ثمرة فجة قطفت قبل أوانها ، ويجب أن تؤخذ على هذا الاعتبار ” كما يقول . لقد كان ، حين كتبها ، في بداية العشرينات من عمره ، وهي  سن لا تؤهله للمرور بتجربة حياتية ناضجة أو اكتساب خبرة ثقافية تمنحه القدرة على كتابة نص روائي يتناول موضوعة خطيرة  وحساسة مضمونا ً مثل التي كتبها . وكان قد بدأ  مسيرته الابداعية بكتابة الرواية قبل كتابة القصة القصيرة ، فقد ظهرت قصته ” العيون الخضر ” ــ وهي أول قصة قصيرة له ــ مذيلة بتاريخ 1950 حين نشرها في مجموعته  ” الوجه الآخر”  في طبعتها الأولى التي صدرت عام 1960 ، أي انه كتبها بعد أن كتب ” بصقة في وجه الحياة ” .
ويبدو لمن يقرأ ” مقدمة لنص ملعون ” كأن التكرلي يقدم رسالة اعتذار للقارىء  ، ولم يكن قد كتب هذه المقدمة حين كتب الرواية وانما حين دفعها للنشر بعد خمسين سنة من تاريخ كتابتها  ،  ويبدو واضحا ً انه عمد إلى نشرها  لتوثيقها كأول عمل ابداعي كتبه وليوثق من خلالها  جانبا ً من جوانب مسيرته الحياتية القاسية التي عاشها في مطلع شبابه . فهو يقول : ” هذا إذن نص نادر واستثنائي في مسيرتي الكتابية وهو الوحيد الذي عنيت بتقديمه لأنه برغم فجاجته وركاكة لغته ، لا يزال يذكرني ليس بعالمي الذي اندثر بالكامل بل بوضعي النفسي المتأزم آنذاك وبالطريقة الصحية الفذة التي اتبعتها للخروج دون أذى كبير جدا ً من هذه الأزمة ذات الجوانب المتعددة التعقيد ” . فهل يكفي هذا  القول  مبررا ً لنشر نص سكت عن نشره لنصف قرن ، لاسيما انه عاد ونشر رواية  ” الرجع البعيد ” عام 1980 ، أي بعد كتابته  لـ ” بصققة  في وجه الحياة  ” بأكثر من ثلاثين سنة مع انها تنحو في مضمونها المنحي الذي نحاه في نصه الملعون وبشكل أكثر وضوحا ً ومباشرة ً مما في هذا النص ؟
لقد كانت موضوعة الجنس تشكـّل هاجسا ً للتكرلي تجلى في حضوره في معظم أعماله القصصية والروائية ( وبلغ هذا الحضور ذروته في روايته ” المسرات والأوجاع ” ) :  يظهر بشكل مباشر أو بشكل موحى به ، فيبدو انه العامل المحرك لأحداث نصوصه .
تعد ” بصقة في وجه الحياة ” أقصر أعمال التكرلي الروائية . ان نص الرواية نفسها يقع في ثمانين صفحة من القطع المتوسط  وضع لها مقدمة بثماني صفحات  يسبقها مقطع لهنري ميللر بعنوان ” ربيع أسود ” . وتم اختيار لوحة للفنان الكبير محمود صبري في غلاف الرواية .
يعتمد التكرلي هنا نسق اليوميات ( واعتمد هذا النسق في” المسرات والأوجاع  ” أيضا ً) ، وقد صارت التواريخ بديلا ً لأرقام الفصول . تبدأ الأحداث بتاريخ 16 نيسان 1949 وتنتهي بتاريخ 23أيلول 1949. وخلال ما يزيد عن خمسة أشهر استغرقها زمن الأحداث ، ظلت شخصية محي ( وهي شخصية الرواية المركزية )، تكشف عما في داخلها من نوازع وهواجس وارهاصات ، وتعبـّر عن الأفكار التي تؤمن بها ، وهي أفكار مستمدة من الفلسفة الوجودية وتاكيدها على مبدأ الحرية الشخصية . وثمة ما يدعو الى الاعتقاد إن هذه الأفكار هي أفكار التكرلي الذي يتقمص شخصية بطله . إذ ليس من المعقول أن نجد شخصا ً مثل محي ، وهو معاون شرطة متقاعد ، مطعون في ذمته ومتهم بتعاطي الرشوة والتغاضي عن سلوك بناته الشائن ، على مثل هذا المستوى من الوعي والثقافة والالمام بالفكرالوجودي ، لا سيما انه هو راوي الأحداث ومدوّن اليوميات .
ان الفقرة الواردة في الصفحة الأولى من الرواية والتي تقول : ” لم يمض وقت طويل منذ أن أقبلت فاطمة ،  منذ أن نزلت من سيارة التاكسي ، منذ أن أرسلت ضحكة مكتومة قصيرة قبل أن تفتح الباب وتودع الزبون الغني ” ( ص 15 ) ، توجّه صفعة ادانة مباشرة  لبطل الرواية . وفاطمة هذه هي احدى بنات محي الثلاث وكانت قد عادت إلى البيت في حدود الثالثة فجرا ً دون أن يرف له جفن أو يتحمل مسؤليته الأبوية  مثلما يفترض بأبٍ في مثل هذا الموقف . لقد كان على علم بماتفعله بناته :   ”  اني أعلم انهن يفعلن ما يشين ” (ص17 ) واثنتان منهن على وجه التحديد، تخرجان ليلا ً وتعودان في وقت متأخر ولا يستطيع أن يفعل شيئا ً . بل ان الأمر لا يتوقف عند حدود غض النظر وانما يتعداها الى الرغبة فيهن واشتهاء اجسادهن وكأنهن غريبات عنه . ومن بين بناته الثلاث تستأثر فاطمة باهتمام خاص منه وكانت رغبة خفية تشدّه اليها . فهو يشير الى ”  وجهها الأسمر الرائع القسمات ” ويقول عنها ” إني أراها أجنبية عني . أعجب بها  لا كما أعجب بابنتي ، بل بفتاة صغيرة جميلة تتفجر شبابا ً ورغبة في الحياة . وليس غير ” ( ص17 ) . وليست ابنته الأخرى صبيحة بمنأى ً عن شهواته . انه يغادر جلد أبوًته وينمسخ الى كائن لا انساني مهووس بالرغبة في التهام جسد ها .  يراها لوحدها في البيت ولا ينظر اليها نظرة عابرة كما يفترض انما نظرة تمعّن وتفحّص تخترق الثياب لتصل الى ما تحتها وها هو صوته يفضحه : ” كانت  تلبس ثوبا ً أبيض تزينه ورود حمراء ، ولعلها نقوش : وكان ملتصقا ً على جسمها بصورة شاذة بدت عجيبة دون سبب  . وقفت حيالي بشكل جعلني اعتقد انها تريد أن تريني جمال جسدها ، فبقيت أنظر اليها من فوق لتحت مرات عديدة وأنا هادىء مرتخي الأعصاب “( ص56 ) ، و” لم أكن أفقه من معاني العالم الذي يحوطني غير معنى القلق اللذيذ والخوف الرائع اللذين كانا يداعبان عواطفي بأيد خفيفة سحرية : لهذا لبثت جامدا ًملجوم  اللسان احدق في عينيها الواسعتين السوداوين وأنا أتنفس بسرعة نفحات العطر التي كانت تهب منها ممزوجة برائحة العرق  المثيرة وقد وقفت كل حركة في جسمي غير حركة الرغبة الجامحة . ” ( ص57 )  وتمادى في اللهاث وراء رغبته الجامحة ،  حين سمعها تنادي عليه لتطلب اليه أن  يفك لها عقدة حمالة الصدر بعد أن كانت قد نزعت ثوبها وأبقت عليها قميصها الداخلي  . وبدلا ً من ردعها وجدناه يقول : ” أمسكت بها من أعالي ذراعيها العاريين بكلتا يدي ّوكانت حرارتهما ، حرار ة الشباب تبعث في الدماء جنونا ً قاتلا ً . أدارت رأسها بتودد نحوي ، فبدا خدها الأسمر ناعما ً صقيلا ً وظهرت شفتاها حمراوين كالدم المراق وقد رطبتهما برضابها فالتمعتا ، وتهدل شعرها الأسود الكثيف فمس وجهي لمسات رقيقة وتراءى لي ارتفاعا  نهديها الفتيين من بين فتحة الثوب الرقيق ، وكان يبدو ان مصيري محتم . أحنيت رأسي بهدوء مقربا ً فمي من نهاية رقبتها فتصاعدت الى أنفي رائحة طيبة أرجفتني، ورأيتها تطبق جفنيها بسكون  فوضعت شفتي على لحم رقبتها ” ( ص 61 ــ 62 ) .بمعنى انه تجاوزعن عمد وسوء قصد حدود ما طلبته منه ، لكنه تراجع على حين غرة ربما شاعرا ً بالندم  غير ان تصرفه يظل شاهد ادانة له . لم يكن ذلك الحدث وليد المصادفة فقد كان يلاحق ابنته هذه ببصر شبق قبل ذلك : ” لبثت أتطلع الى صبيحة ، وقد لفتت نظري بجسدها الممتلىء المغري ، فرحت أتمعن فيه دون أن أفكر قبل ذلك ــ هل يجوز لي هذا الأمر ؟ كانت سمراء سمرة داكنة ، ذات ملامح خشنة غير دقيقة . فعيناها واسعتان سوداوان وأنفها كبير مفلطح وفمها واسع ذو شفتين غليظتين قانيتي الحمرة وشعرها أسود كث . كان كل  شيء فيها مثيرا ً شهوانيا ً مستعدا ً لألم اللذة كل الاستعداد . ” ( ص 40 ) . ولعل بطل  الرواية كان يعاني من عقدة أورثتها له دمامة زوجته فصار يبحث عما ينفس به عن هذه العقدة من خلال التفكير جنسيا ً باثنتين من بناته الثلاث ويحاول أن يجد من خلال ذلك ما يعوضه عن خسارته النفسية والجسدية وتطمين الرغبة التي كانت تلح عليه : ” لم يشعر بفشلي أحد ، فكثيرا ً ما رقدت بجوار زوجتي ساعات دون أن يخطر لها انني أحاول عملا ً فلا أستطيعه . كانت كأنها جثة مشوهة تشمئز منها النفس وتميل عنها …. كانت كأنها قطعة من جيفة نتنة لا  يمكن للمرء أن يقترب منها ، فكيف اذا أراد  أن يجد فوق راحته قربها لذة إلهية عميقة ؟ ” ( ً 27 ) فهل ثمة ما يبررأخلاقيا ً أن يهرب من زوجته الى  بناته وهوالذي كان قد اختار هذه الزوجة بمحض ارادته على ما يبدو وليس ثمة ما يشير الى انها كانت قد فرضت عليه ؟
يرى محي ان مهمته ازاء بناته انتهت عند لحظة انجابه لهن ولم يعد يتحمل أية مسؤولية ابوية عنهن متعللاً بضيق ذات اليد فجعله ذلك يتركهن يحصلن على عيشهن بطريقة ملوثة وهو على علم بما يفعلنه ( وفاطمة بشكل خاص ) ، ولا يجد غضاضة ً في الاعتراف بذلك وكأنه يعبّر عن شكل من اشكال الحرية الشخصيةحين يفعل ذلك. لقد كان  مسكونا ًٌ بالشبق حقا ًمثل مراهق غض مع ان تجاوز الأربعين ، وتجلى ذلك في أكثر من مناسبة وفي أكثر من راي من آرائه ، لكنه مسكو ن بالعجز أيضا ً . وقد ظلت صورة ابنته فاطمة تلاحقه مثل هاجس مؤرق . وجدها في صورة الفتاة التي  صعدت الى السيارة  حيث كان يجلس وصار يقارن بينها وبين فاطمة وهي تقترب منها سنا ً، حتى  اذا ما نزل في الباب الشرقي وجدها أمامه على بعد خطوات منه . وحدث أن ” عثرت الفتاة وهي تجتاز ساقية اعترضت طريقها ، فنزلت بعيني ّ مسرعا ً نحو ساقيها العاريتين” ( ص 32 ) ، واعترف بانه تمتع برؤية ساقيها الجميلتين . ان مفهوم الحرية الشخصية لديه يتقاطع مع كل ما تمليه الضوابط الأخلاقية والاحتماعية   فليس من أب ٍيحترم نفسه  يشير الى المكالمة الهاتفية التي أجراها أحد زبائن ابنته كأنها مسألة عادية ، فبعد أن وجدها ما تزال نائمة وصاح معلنا ً عن ذلك عاد يقول حين رجاه الزبون أن يتأكد : “لو لم أشم في صوته رائحة التضرع والتوسل لصرخت فيه مرة ثانية بما اسلفت. لكنني وقفت مطرقا ً بعد كلماته تلك وخطر في بالي : وما يعنيني أنا الأمر ؟  ثم قلت له ــ انتظر لحظة  ” . حقا ً لم يكن الأمر يعنيه . لقد لخص علاقته بابنته وطبيعة دوره كأب  بقوله : ” لقد أديت واجبي قبل وقت طويل حين أولدتها وأخرجتها للحياة ، وأنا الآن لا أملك إلا أن أرقب حياتها كيف تجري وكيف تنقضي . ” ( ص 21 ) .
ومثلما لاحق بعين شبقه جسد ابنته صبيحة ، فعل ذلك مع ابنته فاطمة الأثيرة لديه . دخل عليها في غرفتها ليوقظها من نومها حسب طلب الزبون فتسمّربصره على تفاصيل جسدها المكشوف أمامه : ” اضطربت أنفاسي وتسارعت فرفعت نظري عن ساقها الى وجهها فرأيتها مغلقة العينين تتنفس بصوت هادىء رقيق ، فأنزلت عيني الى صدرها فرايت شق ثوبها يبدي قسما ً من نهدها القوي وهو يتابع أنفاسها بحركات رتيبة مثيرة . تملكني دوار عجيب واتكأت على منضدة قربي كيف اصبحت امرأة هكذا بمثل هذه السرعة ؟ “( ص 22 ) .  انه  لم يتوقف عند حدود مراقبتها عيانيا ، انما تعدى ذلك الى الافصاح عن رغبته فيها . ولكي يبرر محاولته الآثمة معها ، استرجع حكاية الرجل الخمسيني التي عرضت قضيته عليه حينما كان يعمل مفوضا ً للشرطة في احدى نواحي الشمال  . فقد حاول هذا الرجل ان يقتل صهره لأنه منعه من ممارسة الجنس مع زوجته ( ابنة الرجل نفسه ) ، وهو استرجاع لا يدين الرجل الخمسيني لوحده وانما محيي أيضا ً ، لأنه أفصح بذلك عن نيته الوضيعة ، ربما متعللا ً بحقه في ممارسة حريته الشخصية . لقد أخذت نيته تلك طريقها الى العلن : ” حاولت معها جهدي . سلكت بها كل الطرق فلم أستطع ان افهمها ، أن اجعلها تنظر الى الوجود بعمق ”  ( ص 87 ) ، بمعنى أن تستجيب لرغباته ، ” وكنت ممسكا ً برسغها الساخن وهي جالسة على فراشها مطرقة ً ــ أكلمها بكلمات كالجمر ، مندفعا ً ثائرا ً ، متهدج الصوت ” ( ص 87 ) وبدا ان جنون الشبق قد استبد به في تلك اللحظات ، لكنها لم تستجب له فقد كانت تخاف الناس وتخاف الله : ” صرخت فجأة فذعرت ُ . ثم أخذت تولول   وتبكي وتضرب على صدرها  ، وأخيرا ً صارت تجذب شعرها كالمجنونة ” ( ص 88 ) ، رافضة ً فخنقها بيديه : ” لم يكن لي مفر من ذلك . أبت الى آخر نفس كان لها في الحياة  …. لم تقاوم أبدا ً . كان يبدو انها تفضل موتها على أي شيء آخر ” ( ( ص 95 ) ، ليعلن بذلك عن هزيمته المشينة وهزيمة الأفكار التي يحملها وحاول تسويقها تحت غطاء الحرية الشخصية .
ان من الخطأ الاعتقاد ان فؤاد التكرلي  يعمد الى تكرار ثيمة الجنس في اعماله  لتوفير عنصر الاثارة في هذه الأعمال  . انه يتعامل مع هذه الثيمة من منظور اجتماعي ومن منطلق انحيازه الى المرأة العراقية واسقاط الضوء على اشكال معاناتها المختلفة  .. فهو يُسقط  بطله الى الحضيض أخلاقيا ً قبل أن يجعله في مواجهة مساءلة قانونية بعد أن عرّضه الى هزيمة مشينة أمام ابنته التي كان هو وراء انحرافها  . ان نموذج ” محيي ” غريب وشاذً ومستهجن  ، وقد عراه التكرلي ووضعه موضع احتقار وهو ما يستحقه فعلا ً .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *