محمّد يونس : الموضوعية والاغتراب في قصص خيمة العم حسن لخضير عبد الامير

الروائي خضير عبد الأمير
الروائي خضير عبد الأمير
الناقد محمد يونس
الناقد محمد يونس

ان وظيفة السار دائما خلق التباين الاجتماعي ورصد ما هو فيه سمة اغتراب عبر تعبير موضوعي ، كي يبقى واقع النص الادبي فيه نوع من التلازم ، ولا تسوده معالم غرابة وغير مالوفة ، الا اذا ضمنت لها وضوعية السرد ذلك ، والقصة القصيرة تسعى بدقة متناهية لرسم ملامح واقع النص خارجيا وداخليا ، فاما واقع النص الخارج فالسرد يهتم بشكل الواقع باطار موضوعي ، ليجعل حركة الشخوص والنص اجمالا متوازنة ، واما في الجانب الداخلي للنص القصصي ، فهناك السعي الرمزي والبث الدلالي يتأهلان اليا عبر الواقع الموضوعي ، لانهما مضمونه ، وان كانت القصة القصيرة تتميز بالبث الدلالي ، والي بيلغ احيانا التوغل الى اعمق نقطة في كيان النص القصصي ، والادب القصصي السبعيني ، مثل احد اهم وجوهه ، هو تمييز البعد الدلالي داخل كيان النص القصصي ، لكن كان السرد الموضوعي اهم مميزات تلك المرحلة ، وقد تباينت التجارب في المنظور القصصي داخل السمة الموضوعية ، وان تجربة خضير عبدkh khaima الامير واحدة من التجارب الرصينة في السرد الموضوعي ، وفي مجموعته ( خيمة العم حسن) ، قدم تجربة حيوية في اطار موضوعية السرد ، برغم تنوع القصص ، والذي يعكس تاكيد على وجود وحدة اشتغال سردي قد شملت جميع القصص المتنوعة الثيمة، والايقاع ايضا الذي يبدا مالوفا ومن ثم يتصاعد في مواقف حساسة .

ان القصة السبعينية حافظت الى حد ما على الاظار الموضوعي ، واندر من الندرجة ان تجد تجريب تطرف او لاسم ملامح قصية جدا عن ذلك الاطار ، ويحضرني اسم مهم في التطرف الايجابي في تلك المرحلة وهو خالد حبيب الراوي ، لكن خضير عبد الامير كان متوازنا ودقيقا ومقتصدا ايضا ، فاغلب قصص ( خيمة العم حسن ) خالية تماما من اي نسبة من الاسهاب وان كان مجديا ، وقد اتسمت لغة القص في المجموعة بمقطع للوصف استثمر فيه القاص مفردات شعرية ذات معنى جاد كي يبقى السرد في مستوى حدود الموضوعية ، وطبعا نلاحظ هنا ان السرد الانكليزي تحديدا عمل بجدية واضحة على تاكيد السرد الموضوعي ، وطبعا مهمة اللغة ووظيفتها هنا يجب ان تكون دقيقة وواضحة وفي حدود مضمون الفكرة ، وما من قصة في مجموعة خضير عبد الامير ( خيمة العم حسن ) الا كانت نموذج كتابي تميز بذلك الاطار وتمثل له ، طبعا هذا لايعني ان يحدد القاص حدود قصته بذلك الاطار ، وانما يكون مضمونها متمثلا به ، وان القصة الاولى ( خيمة العم حسن ) والتي كانت بذات عنوان المجموعة ، نجدها مع كون القصة شخصية ، تمكن السرد من اغناء المتن الحكائي ، حيث تدرجت الحكاية من افق تقليدي الى افق يسعى الى تاكيد موضوعي الاطار ، حيث الشخصية الاساس ، والتي كان تدرج البناء فيها متميزا ، لم تعد تقبل بموضوعية المجتمع وتؤكد انها شخص لا وجود مشترك معهم ،حيث ان ( حسن ) الذي كان له وجهان ، الاول مالوف والثاني لايبتعد كثيرا ، قد فقد صلته بالمجتمع ولابد له من خيار صعب ، وحسنا فعل القاص ، حيث ابرز عبر المنحى الفكر للقصة التمايز الطبقي ولكن ليس عبر مباشرة استهلاكية ، والقصة الاولى تقريبا هي اطول القصص ، وسعى القاص فيمها الى نهاية دراما تيكية لتاكيد المعطى الفكري في ذلك الظرف الزمني ، واكد موضوعيته معطى فكريا وتعبيرا كتابيا .

ان الية البناء القصصي في قصص( خيمة العم حسن  ) هي اغلبها تقريبا من نمط بناء واحد اعتده القاص ليكرس ثيمته القصصية ضمن بعد الاقناع العام ، والذي يهمله البعض ويتوغل فنيا دون جدوى، وخضير عبد الامير نصه القصصي واضح وقليل الدلالات ،   كونه يركز على سمة الموضوعية لتبرير واقع قصصه دون السعي الدلالي المجهد ، الذي قد يضع القصة في مازق ، وهذا ماجعل خضير عبد الامير يتجه نحو القص الموضوعي ، الذي يتسم بوضح عام ، يبدا من عنصر اللغة السردية ، والوصف ايضا يؤدي ذات الدور، والحوار كذلك يمكن توصيفه بأنه ارسطي ليؤدي وظيفة تدعم البعد الموضوعي الاساس ، وبرغم ان هناك قصص مثلت منذ الاستهلال ان تتجه اتجاها اخر ، ولكن عبر تدرج حركة القصة ، سرعان ما تجد انها لم تغادر الميزة الاساس ، مثل قصة ( الولادة ) التي كان تكنيكها متميزا ، حيث المراة التي تزور المقبرة هي اقرب الى الراوي العليم ، ولكن القاص اعطى فرصة لحوار مفترض تقوم به المراة بالحديث مع نفسها ، لقطع دور الراوي العليم ومن ثم اعادته بعد ذلك الحوار ، والقصة فيها شجن جغرافي ، واقصد ان الاستهلال اكد على ان المقبرة كانت بعيد وزحفت اليها البيوت وطوقتها ، اي ان المعطى الفكري للقصة اشر خللا تمدنيا في بداية القصة واكتفى ، وهذه طبعا هو وظيفة القصة في انها غير مسوؤلة عن الحلول ، وربما تكفي بتبرير تلميحي في ذلك الشان ،وقصة ( الولادة ) طبعا شخصية وتندرج في خانة القصص احادية الحدث ،وان القصة التي تندرج في تلك الخانة ، لابد لروحية الكاتب من وجود ، وقد كان في قصة ( الولادة ) وكذلك قصة (الاشياء والانسان)،  هو الراوي العليم، وهذا ما يجعل فطرة القاص حاضرة دون تموضع او بيان او وضوح .

ليس اساسا موهبة قصصية تحكم القصة من كل الابعاد اذا استثنينا المعطى الفكري للكاتب ، بل ان فطرة القاص او روحية الكاتب كما اسماها نقاد غرب ، تتيح للقاص استحضار غير مرتب للذاكرة الجمعية ، واكثر المواقع تاثيرا يستجاب لها القاص ، ولكن تبقى فكرة غير مبلورة ولا ينهم بها مباشرة الا في حالات استثنائية ، وقصص ( خيمة العم حسن ) ، وهي من ايقونة النص العامة ، والتي هي صفة ايحاء تؤكد لنا وجود فطرة نبيلة وعامل انساني يفعل تلك الفطرة على الدوام ، وما من قصة الا ترى احساسا ادبيا وحساسية عالية، ولكن دون انفراط ، فمثلا في قصة ( لعبة الاقنعة ) ،والتي هي قصة شخصية وفيها حوار مفترض ، نجد هناك قناع يشعربه الشخصية وهناك وجهه الحقيقي ، وكلاهما يحمل فكرا اجتماعيا ، وايضا كل واحد منهما يطلب من الشخصية , ان يتبع اسلوبه الاجدى في التعرف على المراة التي احس بها وهما يركبان الباص ، ويحتكم شخصية القصة الاحادية في النهاية الى معطى القناع الفكري ، حيث يؤكد ضرورة الاهتمام بالمثل الاجتماعية والقيم ،وكانت ذلك التواجه هو نوع من الاغتراب المركب ، فمن جهة هو اغتراب داخل الكيان العام ، ومن جهة اخرى اغتراب داخل كيان الذات ،وهنا القاص محى الفكرة التقليدية عن القناع ، وتبنى فكرة معاكسة لها ،وقد اتسمت القصة مع غيرها بالمتعة القصصية ، وذائقة جمالية وعلى الاخص في الحوار المفترض الذي تبنته الشخصية الاحادية ببعد موضوعي، وصراحة اهمية القص في اطار مفترقات التلقي، لابد لها من الاتسام بالارسطية ، اي يكون بعدها الموضوعي من جهة التلقي الثقافي جدليا ، واما جهة التلقي العام لابد من الوضوح دون بلوغ المباشرة، وكذلك ايضا تصف بالبساطة الجمالية .

اتسمت قصة ( كوميدايا صغيرة ) بسمة دراماتيكية ، وقد اشير الى الحيز الاساس لها عبر عنوان القصة ، وبما ان العنوان هو ايقونة النص فلابد ان يقدنا ضمن طريق الصواب ونستدل على المقصد ، وتتميز القصة بقلب الحدث راسا على عقب ، وببعد كوميديا سوداء ، حيث يشعر شخصية القصة الاساس والذي ترتكز عليها الاحداث ، بانه ليس بخيون وانما هو رضية ، وطبعا هنالك مستويان للقصة ، الاول المستوى الظاهري او الذي يرتبط بسطح كيان القصة ، وهو يتمثل برد الفعل ازاء انقلاب الحدث ، وطبعا ابرز القاص خضير عبد الامير الوجه الواقعي للمجتمع، كرد فعل ازاء انقلاب هرمية الحدث ، وطبعا لايتوافق رد الفعل ابدا وباي صورة مع انقلاب الحدث وعلى الاخص بصورة مفاجاة، بل يرفض ويسخر ايضا منه ، وطبعا يتمثل هنا الجانب الموض وعي الواقعي للقصة، وطبعا هو اطار كوميدي اعتيادي ، والمستوى الثاني يتمثل بالاصرار على قلب هرمية الحدث ، وبلوغ اقصى نقطة في ذلك ، حيث يؤمن تماما خيون بانه رضية ، وهنا اطار موضوعي انتقادي ، ويتمثل هنا يعد السوداوية المرير ، وطبعا يتقابل تكنيكا هنا المستويان ، وهذا ما يجعل القصة ذات اهمية ، وذات قيمة في الرؤية القصصية ، وبعد امتاع برصانة وقوة الثيمة القصصية ، واعتقد انها اهم القصص في مجموعة ( خيمة العم حسن ) ، ومن القصص العراقية الفاخرة ، اي كما ان روحها كما روح النكهة البغداية ، وذلك يعطي خضير عبد الامير اهمية استثنائية ، وكما يؤكد انه قامة قصصية متماسكة وعالية البنيان ، وان اسلوبه القصصي حتى وان كان شخصيا واحادي الشخصية ، لا ينفرط ولا يتداخل ولا تتعدد تاويلاته ، بل ينبثق من المعطى الاجتماعي دون ان يتقيد بشكله وملامحه كليا، وحتى عامل الاغتراب داخل الكيان العام ، واحيانا داخل كيان ذات ، هي لم تتجاوز البعد الموضوعي ، وكانت تتمحور داخله .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *