عدنان منشد : “ذاكرة أرانجا” رواية الاحلام الكبيرة

adnan manshadmohammad alwanفي رواية منصفة للشيوعيين العراقيين ، يطل علينا القاص والروائي
الصديق محمد علوان جبر بروايته الجديدة (ذاكرة ارنجا)
التي تدور احداثها في دورة مكانية لولبية بين (بغداد / العمارة/ البصرة/ بغداد /كركوك/بيروت / بغداد.. )
يعد الدخول في عالم هذه الرواية سفر ، والخروج منها سفر ايضا.
السفر – في تقديري- اكتشاف ، وفي السفر نتعرف ونعترف بالغياب والحضور في آن ، الموجود وغير الموجود ،
kh mohammad alwanفالغياب يزداد تبعا لازدياد الحضور ، حتى وان كان مآل السفر الموت . لكن لا موت السفر بل موت المسافر.
السفر اقتران بالزمن ، بالطفولة وظرفها الاخر ، والشيخوخة هي الجذر والثمرة. هكذا، يعود المسافر !
نقطة الوصول تتوحد مع نقطة الرحيل ، الطريق دائرية! الطريق هوزمن الفصول .
ليس مستبعدا ان يكون زمن رواية (ذاكرة ارنجا) بالزمن الطويل نسبيا ، الممتد منذ العهد الملكي
حتى مرحلة مابعد الحرب العراقية الايرانية في نهايات العقد الثمانيني المنصرم .
اذ بين الانسان والحياة والكون والاشياء ، الحرية والضرورة ، المظهر والجوهر، الوجود والعدم ،
المثال والواقع عودة لايمكن اجتيازها ، يحاول الروائي علوان جبر اجتيازها بسلاح الفكاهة والترجيديا معا ،
ان يزيلها ، لكن بتعميقها هادما جميع القناطر والجسور التي تصل بين الضفتين، وذلك بفضل الموت.
فشخصيته المحورية التي تسمى (سلام) تسافر نحو واقع اخر لا يصل اليه الا الموت ،
وهو واقع جميل ساحر في نهاية المطاف ، بعد الحكايات والقصص التي يرويها له شقيقه الاكبر
(ابراهيم – عازف الناي ) منذ تغربهما اللولبي في اكثر من محافظة عراقية ،
فالعوالم التي يخلقها الاخير لاخيه الفتى المنغولي ماهو الاواقعه وبالتالي  موته ،
وهو حينما يتعرف على حياته المعطلة سرعان ما يفقدها .
اما اباهما المدعو هوبي عبد الرزاق وكان يسمى بحسن كنيهر ، الذي زور دفتر نفوسه
من اجل التطوع في الجيش طمعا في راتب الدولة الرسمي بدلا من حالات التغرب والبطالة والتهريب ،
فأنه يواجه قدره الملعون بشكل لا ارادي مع حفنة من الشيوعيين العراقيين ، امثال شكيب الحلي ،
علي اكبر الكردي ، وسامر الشيوعي القادم من الديوانية، معتقدا ان اللعنة صبت عليه من خلال تغيير الاسم ،
حتى وان عاش السجون والمعتقلات في كركوك والعمارة واقبية الامن العام. وكانت شهادته في النهاية :
ان الشيوعيين سحرت بهم ، فهم اقرب الناس الى قلوبنا نحن المسحوقين ..
نحن الذين سحقتهم السلطة ورشاشات البور سعيد. لقد عشت معهم .. انهم مختلفون عن غيرهم في كل شئ ،
ولكنهم ليسوا كفرة كا يقول البعض.. القدر بمواجهة الحقيقة في عرف هوبي عبد الرزاق.ولكن الحقيقة ،
كالبراءة الساذجة ، كالحلم ، كالطفولة عريا ، كالجنون وحده وهو الذي يعانقها،
والوعي لا يقبل الحقيقة عارية لذلك يغطيها. وهكذا تكتمل الحقيقة بموت سلام المنغولي،
الذي ينبغي عليه الموت، نظرا لتكوينه الخلقي غير المكتمل   اولا .. وثانيا لانه يمثل الصفحة البيضاء الناصعة التي
يغذيها ويديمها العلاقة الكبيرة التي تربطه بشقيقه المثقف عازف الناي او ابراهيم ،  صحيح يمكن ان نعد مايقوله
سلام كبيرا بالنسبة لطفل منغولي ، لكن الروائي والقاص الكبير محمد علوان جبر استطاع ان يوظف هذه الثيمة
لصالح الرواية التي اعدها نموذجا فذا في روايتنا العراقية الحديثة .
احسب اخيرا ، ان رواية (ذاكرة ارنجا) لمحمد علوان جبر، رواية بولفينية متعددة الاصوات ،
لا بمعايير دوستويفسكي الذي صنع لنا هذا الضرب من الروايات ، ولا بتقعيد او مناهج الناقد الروسي(باختين)
الذي تفرغ في دراساته المبهرة لدستويفسكي وحده، انما هي رواية عراقية اصيلة
ترتكز عليها الذائقة الجديدة لما هو محلي وتاريخي واجتماعي في عراقنا الراهن .
وهكذا تكون الرواية اشارة نحو ما هو ات ، وهذا الاتي حلم قد يؤدي الى حلم اخر .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *