

نعت نقابة الفنانين العراقيين الرائد المسرحي العراقي شفاء العمري الذي رحل عن الدنيا عن عمر نحو 74 عاما، بسبب نوبة قلبية مفاجئة يوم الخميس في مدينة الموصل التي عاد اليها من بغداد حيث شوهد يوم الاثنين في بناية المسرح الوطني ببغداد، لتسدل الستارة على رحلة تعب مريرة وطويلة، ولتضع حدا لخطواته التي تبحث في بغداد عن بهجة مسرحية.
كما نعت نقابة الفنانين العراقيين المخرج الكبير فاروق القيسي الذي يعد شيخ المخرجين العراقيين، عن عمر ناهز 72 عاماً، وكان يعمل على فيلم سينمائي بعنوان (اغتيال مع وقف التنفيذ) ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013 .
ويعد الراحل الكبير شفاء العمري من ابرز الاسماء المسرحية التي انجبتها مدينة الموصل، بل واكثرهم حركة واجتهادا، هو الرجل الذي يقفز اسمه ليقف في الصدارة اذا ما ذكر المسرح في الموصل، وهو صاحب انجازات عديدة على طول تجربته التي امتدت الى اكثر من خمسين عاما، وتخرج من بين يديه عشرات الفنانين المسرحيين، وعلى الرغم من الصمت الذي لازمه بعد عام 2003 الا انه كان مجتهدا ويشارك في الندوات والمؤتمرات التي تعقد في مختلف المحافظات العراقية، كما ان الهم المسرحي كان شاغلا له، ويعوض توقفه عن تقديم الاعمال المسرحية خلال السنوات الخمس ما بعد عام 2003 بالمشاركة في المهرجانات مساهما في النقاشات، الا انه منذ عام 2008 حاول المجيء الى بغداد للمشاركة في تقديم اعمال ضمن نشاطات الفرقة القومية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح، ولكن رغبته هذه طالما اصطدمت بحواجز لا يعرف اسبابها، وكان بين مدة واخرى يأتي الى بغداد من اجل هذا الغرض ولكن النتيجة ذاتها، وهي عدم الموافقة، وقد قال ذلك لـ (ثقافات ايلاف) في حوار معه عام 2009، حيث قال : (حاولت وبحثت مع المدير العام الدكتور شفيق المهدي ان اساهم باعمال الفرقة القومية وفرعها بالموصل باعمال من تأليفي واخراجي، وقد ارسلت اكثر من عمل منذ سنة ولكن الى الان لم استلم اي رد من الدائرة، ويبدو انهم منشغلون بامور اسمى من ان ينشغلوا في محافظة بعيدة ولعلهم اقرب الى العطاء منا)، وللامانة.. فأن الرجل بعد هذا اللقاء، وفي كل مرة يأتي فيها الى بغداد، كان يرفض ان يتحدث لي من اجل النشر وهو يشير لي ان الحوار (خلق مشكلة)، ولكنه طوال السنوات الاربع الماضية لم يتمكن من اقناع ادارة السينما والمسرح من اجل اخراج عمل مسرحي، بل الصدمة الكبيرة التي تعرض لها كانت اثناء انعقاد مهرجان مسرح الشباب العربي نهاية عام 2012 حيث جاء الى بغداد فلم يعتبره المنظمون للمهرجان من الضيوف، فعاد فورا الى مدينته الموصل حانقا غاضبا.
و الفنان الراحل من مواليد الموصل عام 1939، قادته المصادفة الى ابواب الفن ليدخل هذا العالم الذي لا يعرف عنه شيئا، لكنه سرعان ما اكتشف قدرته على التأقلم والتألق، وهو ما اثار الاعجاب، وعن تلك المرحلة يقول : (المصادفة وحدها هي التي قادت خطاي، وهي خطوات شاب يافع طري، الى قبول تحد جديد لم أكن اعرف قدرتي على تنفيذه ولا صمود تجربتي فيه، ذلك هو تحدي التمثيل في نادي الفنون عام 1963، تلك التجربة نزعت اعتراف زملائي الجدد بموهبتي ورفعتني إلى مرتبة عضو في الفرقة ذاتها، هكذا غرقت في مياه المسرح التي ما أزال أعوم لأنجو منها.. زد على ذلك أنني كنت من عشاق السينما وروادها في الأربعينات والخمسينات، حيث تعلقت بعمالقة ونجوم السينما وتعلمت منهم تحديث وتطوير تجربتي)، ويضيف : (أديت أدوارا مبكرة منها دور (الجلبي) في المسرحية الشعبية الموصلية (اللي ما عندو فلس) وهي من تأليف الكاتب الراحل سامي طه الحافظ وإخراج الفنان علي احسان الجراح).
نجاحاته جعلته يؤسس (فرقة مسرح الفن) في نادي الفنون عام 1968م، كما أسس فرقة جامعة الموصل عام 1975، وشارك في اعمال فرقة نينوى التابعة لدائرة السينما والمسرح، وقد تحول من التمثيل الى الاخراج، فيقول عنه (التمثيل مع حب المسرح دفعاني إلى تنمية ثقافتي المسرحية وثقافتي العامة من خلال القراءة ومشاهدة العروض ودراسة النظريات وقواعد المسرح وكيفية نقل تلك النظريات إلى الخشبة، على أيدي أساطين المسرح العراقي: ابراهيم جلال وبدري حسون فريد وسامي عبد الحميد وبهنام ميخائيل وجاسم العبودي وسواهم. فكونت صداقات فنية ثقافية معهم، ولكثرة تداخل هذه الاهتمامات عنَّ لي أن أتحرك بضع خطوات على الخشبة لأتحول من ممثل إلى موجه، بهذه الطريقة تحولت إلى مخرج وبدأت مع المسرحيات الشعبية الموصلية، ثم أغنيت تجربتي بالنصوص العالمية المختلفة الكلاسيكية والملحمية والواقعية، موازنا بين المدارس المسرحية وخصوصياتي، وكانت لي تجارب مع (أوديب ملكا) و(الاستثناء والقاعدة) و(في انتظار اليسار) ثم انتقلت إلى المسرح الشعري ليقوم ما يشبه الثنائي الفني بيني وبين صديق عمري الشاعر معد الجبوري الذي أخرجت له أبرز ما كتب من مسرحيات شعرية.، اضافة الى اعمال مؤلفين عرب مثل معين بسيسو).
اخرج الراحل العديد من الاعمال المسرحية الكبيرة، الشعبية والجادة، لمؤلفين عراقيين وعرب واجانب ففي اواخر الستينيات من القرن الماضي مسرحية سوفوكليس (اوديب ملكا)، وفي مطلع السبعينييت اخرج مسرحية بريخت (دائرة الطباشير القوقازية)، ومسرحية (مغامرة المملوك جابر)، وتبعتها مسرحية (المؤلف والبطل) التي عبر شفاء العمري فيها عن رؤيته التي كانت قد استحالت الى نوع من السوريالية، والى جانب كونه مخرجا, كان شفاء العمري منظِرا لنظرية (مسرح الحوش) التي جسدها في مسرحيته (محلتنا)، لكنه يقول (اعمالي كلها احبها الا ان لمسرحية ( الزير سالم ) وهي من تأليف الفريد فرج مكانة خاصة في نفسي)،كما ان الراحل قام بتأليف مجموعة من المسرحيات وقدمها جميعا على المسرح، وكتب عددا من المقالات نشرت في العديد من المجلات، واخر اعماله المسرحية (قصة حديقة الانسان) لفرقة نينوى ابان استحداثها قبل عام 2003.
يقول عن مجمل حياته المسرحية والفنية : (حياتي.. اذا اردت ان اعود بالذاكرة اليها اجدها كالسلّم، من الدرجة الاولى التي كانت عام 1963الى الدرجة الاخيرة في عام 2009 اجدني نائما، اراني في محطات بدأت في نادي الفنون المسرحية بالموصل مع مجموعة من الشباب ثم جامعة الموصل في فرقة مسرح الجامعة وفي فرقة نينو للتمثيل وفي محطات اخرى قصيرة وسريعة كنت دائما اقوم بدورين اساسيين، الاول : دور تعليمي تربوي، والثاني ابداعي فني، فأداة المخرج هم الممثلون وانا دائما اعمل مع الشباب من صغار السن وصغار التجربة وكنت احاول ان احول المسرحية الى معهد او اكاديمية حين تنتهي المسرحية يكون قد تخرج منها شباب اسهم العديد منهم في نشاطات المسرح العراقي، منهم عل سبيل المثال لا الحصر : يوسف سواس / محمد العمر، صبحي صبري، مروان ياسين، سمر محمد، ريكاردوس يوسف، عبد الرزاق ابراهيم وعبد الوهاب ابراهيم، ورهط اخر كبير من شباب الموصل، وانا فخور بهم، واتمنى ان امتلك القابلية لكي استطيع ان ادفع باجيال جديدة )
رحم الله شفاء العمري، فنانا وانسانا، صامتا ومتكلما، كاتما ومتوجعا، يائسا ومتفائلا، منشغلا فكره بالمسرح، رحمه الله
أما الراحل فاروق القيسي هو مخرج سينمائي وتلفزيوني، ومخطط لإنتاج البرامج السينمائية والتلفزيونية ، ومستشار فني ودرامي، كان دائب الحركة ، يعمل بنشاط ولا يبالي بالتعب والجهد الذي يبذله رغم كبر سنه، لأن علاقته بفنه وثيقة، وشغفه الفني ينسيه أي تعب، وهو صاحب العديد من الإنجازات التي ما زالت حية في ذاكرة الناس لاسيما المسلسل الكبير (عالم الست وهيبة) و(باشوات آخر زمن) و (خريف العنقاء) و (شموع خضر الياس) و(ميليشا الحب) ، فضلا عن المسلسل الذي أخرجه في الكويت وهو مسلسل (حبل المودة) من تأليف وبطولة الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا والممثلة العراقية سلامة سالم، الذي كان من ثلاثين حلقة وحاز على إثره الفنان عبد الحسين عبد الرضا جائزة أفضل ممثل كوميدي عربي، وكان الراحل يتمنى أن تتوفر له الظروف المناسبة لإخراج عمل عن المونولوجست العراقي الشهير عزيز علي ،ولكن هذا الحلم بقي على الرف، وسيظل حبيس الأدراج بعد غياب الحالم بتحقيقه .
وهو والد المغني الشاب بشار القيسي ، الذي نعى والده على فيس بوك بالقول : (انتقل إلى رحمة الله ، والدي فاروق عبد الزراق القيسي، اليوم ٢/٩/٢٠١٣،إنا لله وإنا إليه راجعون…ادعوا له بالرحمة/ الفاتحة) .
القيسي من مواليد بغداد عام 1941 ، حاصل على شهادة : دبلوم عال في الإخراج السينمائي من المعهد العالي للسينما في القاهرة بدرجة ممتاز وبترتيب ” الأول ” على دفعة المتخرجين عام 1965 ، قام بإخراج العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، والأفلام التسجيلية، والسهرات التلفزيونية، والمسرحيات، وبرامج الأطفال، والبرامج التوجيهية لمنظمات عالمية كمنظمة ” اليونسيف “، ومنظمة الصحة العالمية في بغداد، وأعمال فنية متنوعة يتجاوز عددها الألف عمل فني.
يقول عن نفسه : منذ نعومة أظفاري كنت أمارس العديد من الفنون كهواية مثل الرسم، والنحت، والموسيقى ، وفي نهاية خمسينات القرن الماضي وأثناء دراستي الثانوية في الإعدادية المركزية قمت ببطولة مسرحية (ابن جلا) التي أخرجها أستاذي الأول الفنان الراحل إبراهيم جلال الذي قال لي : (فاروق أنت خلقت للفن استمر على هذا الخط لأنك بطبعك فنان، فكان أن درست الإخراج السينمائي بعد تخرجي في ألمانيا، وبعد ذلك في المعهد العالي للسينما في القاهرة وعملت في السينما المصرية مع أستاذي صلاح أبو سيف، ويوسف شاهين، وتوفيق صالح، وحلمي حليم، وبعد ذلك انتقلت إلى الخليج ومارست الإخراج السينمائي والتلفزيوني وكانت أكبر مدرسة أخذت منها هو الإسهام في إخراج مسلسل الأطفال الشهير (افتح يا سمسم) بثلاثة إنتاجات و بـ (390) حلقة.
وعلى لسانه ، يؤكد : من الناحية السينمائية أعتبر نفسي من الجيل الثالث الذين أرسوا قواعد إنتاجات الفن السينمائي في العراق ، وفي ستينات القرن الماضي درست الفن السينمائي في ألمانيا ، وفي ما بعد في المعهد العالي للسينما بالقاهرة ، وبعد تخرجي من القاهرة عام 1965 عملت في الكويت واشتركت سينمائيا في إنتاج ما لا يقل عن (200) فيلم سينمائي قصير ضمن برنامج (افتح يا سمسم) الذي جعل اسمي معروفا في مجال السينما والتلفزيون.
ويوضح : أنا أصلا مخرج سينمائي وما لجوئي إلى الإنتاج التلفزيوني إلا بسبب افتقار المجال لإمكانات الإنتاج السينمائي، فالسينما إذا ما عرضت أفلامها على الشاشة العريضة وفي صالة مظلمة وبالصوت المجسم شيء مبهر وآخاذ، أعشقها وسأختم حياتي الفنية بإخراج عمل سينمائي وأقول للإنتاج التلفزيوني وداعاً .. إنني أعشق السينما ويمكنك أن تطلق عليّ (عاشق السينما .(
وعن الجوائز والتكريمات التي حصل عليها على المستويين المحلي والخارجي ، يقول : أكبر تكريم وأعظم جائزة حصلت عليها بعد تخرجي في المعهد العالي للسينما بالقاهرة بترتيب الأول وبتقدير (ممتاز) ،حيث حصلت في عيد العلم في مطلع عام 1966 ومن يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على جائزة ووسام العلم ،ثم توالت الجوائز والتكريمات ،منها حصولي على جائزة خاصة من إحدى جامعات إنكلترا لإخراجي فيلم (إشارة المعجزة) باللغة الإنكليزية، وجائزة لإخراج فيلم قصير ضمن أفلام (افتح يا سمسم) .. كما حصلت على أهم جائزة وهي جائزة الإخراج الأولى في مهرجان القاهرة التلفزيوني عام (2000) لإخراج مسلسل (عالم الست وهيبة) والجوائز والتكريمات كثيرة وكثيرة.
رحل فاروق القيسي وهو لم يكمل بعد الفيلم الروائي السينمائي القصير الذي اشتغل عليه خلال الأسابيع الماضية، والفيلم من إنتاج دائرة السينما والمسرح، وبتمويل من وزارة الثقافة ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013، بعنوان (اغتيال مع وقف التنفيذ) وطوله نصف ساعة كتبه مدير السينما قاسم محمد سلمان، وسيناريو سمير النجم وإخراجه، ويجسد أدواره مجموعة من الفنانين ، منهم طه علوان، وطه المشهداني، وزهرة الربيعي، وهناء محمد، وفلاح إبراهيم، وفلاح هاشم ، ويتناول قضية شاب مسيحي يستهدف من قوى تعبث بالأمن في البلاد. يمثلها الشرير الفنان فلاح إبراهيم. لكن شابة من عائلة مسلمة تحتضن الشاب المسيحي (طه المشهداني) وتساعده في تخطي ما يضمره له الأشرار.