دونكيشوت:أحس بموسيقى تلتهب في جوفي .هل يستولي عليك شعورٌ كهذا يا سانشو؟
سانشو:لا أحس بشيء يا سيدي الدون،وكأني جسدٌ جُمعَ من حطام كمنجات.
دونكيشوت:كنت أظن ذلك .فالمخلوق الموسيقي ينكسرُ هو الآخر ،وليست الكمنجة وحدها.
سانشو:أشعرُ وكأننا أصبحنا أشجاراً للحطب يا سيدي الدون!!
دونكيشوت:حطب ولا فائدة للنار منه أيضاً.
سانشو:أهكذا تظن يا سيدي الدون؟!!
دونكيشوت:أجل .فهذا الزمن الماشي بين الخرائب ومستنقعات الدم ،كم أرغب لو يتوقف.
سانشو:حتى لو كان الزمن شاحنةً أو باصاً ،فما وجد للوقوف ،لأنه صنع لنقل الركاب إلى الأبدية.
دونكيشوت:كم تمنيت لو قام أحد الشياطين ،وضرب لنا زماننا على قفاه،فتساقط من ظهره فقرات عموده، ويكف عن المشي،فنستريح من كل الرحلات المفرعة.
سانشو:لا أظن بأن في الزمن رحلة واحدةٌ إلى الجنة.كل الرحلات،وكأنها ستمر من برزخ الموت إلى الجحيم من كثرة الآثام التي تخلفها الحروب والمجازر.
دونكيشوت:ولكن يمكن للمرء أن يغطي على آلامه بالموسيقى.أم ترى ذلك أمراً محتملاً يا سانشو؟
سانشو:أعتقد بأن الأرض أثقلت بحوافر المارشات العسكرية،ومن الصعوبة بمكان عودة الموسيقى إلى الرومانسية بوجود من لا يؤمنون إلا بلذة الجماع .
دونكيشوت:هذا ما أراه واقعاً. ولكن إلا يسمع هؤلاء إلى موسيقى الخراب يا ساشنو؟
سانشو:الطبولُ والآلات النحاسية يا سيدي ،لا تسمع إلا نفسها وفحيح ثعابين الصحارى.وهذا ما يقض مضجع الذائقة الآن.
دونكيشوت:أدرك ذلك.فكل جسد منا ،وقد صار رصيفاً تثرثرُ فوقه الجثثُ بموسيقاها الخاصة.
سانشو:وهل يستمع الموتى إلى الموسيقى يا سيدي الدون؟
دونكيشوت:ربما هم وحدهم من ينتشون بكل أدوات الموت الموسيقية .فليس أشد ثقلاً على النفس من موسيقى الجنائز.
سانشو:فكرت لو أبتلع كمنجةً، وأجلس بها قبالة بحر بعيداً .
دونكيشوت:يا لها من فكرة سريالية يا سانشو ؟!!
سانشو:يوم تكون الموسيقى من المعاصي الحرام ،فما لنا من منقذ يبقى سوى السريالية يا سيدي الدون.
آبار النصوص
بطنُ الحرب منتفخةٌ.
صورة الأرضِ محذوفة.
ولحظة أن خرجَ من تأملاته ِ..
ممتلئاً بالخوذ والمعاطف والجبابرة
والغيوم والألبومات.
لجأت لوصفهِ في موقف المتحف../
قائلة:
مرحباً أيها الحجر ُ.
يا قلعةَ ما قبل الشفوي
وما بعد الورق.
مرحباً أيها السيفُ.
أيها المُرهقُ بدمِ الروايات.
يا ناقلَ المعلوم إلى المجهول.
لا تكملي.
صاح بها ساخطاً وهو يستطردُ:
المتحفَ نعشٌ،
ودائماً
يعتذرُ
عن دخول الأرض.
غرفة للغرائز
ربما يجوز الاعتقاد_بالنسبة لي على الأقل_ أن في كل قصيدة مدفناً ما ،لطمر أهم ما في الروح الشعرية من نشاط ،يُمارس ضده الإخفاء منعاً للظهور في مرآة المؤلف أو في ظلال التأليف.
ومهما يسعى الشعراء لتلافي تلك الحقيقة،أو عدم الرضوخ لسلطتها،فإنهم يقررون بذلك التخلي عن أهم محور من محاول الكتابة في إبداع الظلال السرية للنصوص.تلك الظلال التي تمنع القوى الكامنة للكتابة من الظهور على المسرح.
ما من نص رومنطيقي مثلاً، ويخلو من فعل جنسي أو من شبكة خيوط إيروتيكية ،لكنها عادة ما تذهب إلى تلك المدافن السرية الموجودة في القصيدة،بفعل أجهزة الرقابة أو قوانين التابو أو التحريم التي تحاول مصادرة وجودها على السطح،للإبقاء على رصد نشاطاتها داخل الباطن البئري البعيد.
ليس الحب وحده ،هو من يقود نشاطاته الجنسية الفوارّة إلى تلك المدافن،بل هناك نصوص اللاهوت البالغة الحساسية والتعقيد،إضافة إلى الكتابة في السياسة والايدولوجيا والحرب.
بنك الخيال
ليس مثل الجسدِ قبراً الموت