علي الامارة: السؤال فضاء شعريا

ديوان – حرائق التكوين – انموذجا

ali_amaraالشعر اسئلة… وان لم تكن هذه الاسئلة موضحة بعلامات استفهام او ادوات استفهام ، ولكن من اهم قضايا الشعر هو صنع السؤال او التحريض عليه لتكريس حالة الادهاش عند الانسان ازاء مجهوليات الكون واسراره .. لذا قد تترك قصيدة ما او تجربة شعرية ما انطباعا عند المتلقي بما يشبه السؤال .. سؤال في الوجود ، سؤال في العدم ، او في الحضور والغياب ما دام الشاعر يواصل سعيه في البحث عن الحقيقة او مزاحمة الاشياء في سؤالها عن مكامنها ومصائرها . ان الشاعر كله هو علامة استفهام تثير الاخر وتحرضه على البحث عن جواب او البحث عن سؤال ايضا ..

والسؤال في الشعر هو مساحة التعبير عن الدهشة والقلق ازاء الوجود والزمن عند الشاعر .. انه – السؤال – عصا الشاعر السحرية التي يهش بها ذئاب الحيرة والضياع في متاهة الوجود .. عين من الكلمات يبصر من خلالها الشاعر طريقه في غابة من الذهول والاستلاب النفسي .. ومحاولة لازاحة الظلال الكثيفة التي تلقيها الاشياء والاحداث والشخصيات باستمرار على وعي الشاعر مكرسة احساسه بالاغتراب والعزلة .. فالشاعر يبحث عن المسببات المختفية في ضبابية المشاعر والعلاقات المتوترة بينه وبين الاخر ، وفك طلاسم خطاب الاشياء الجامدة المصرة على الحوار وسحب الشاعر الى بساطها المفرداتي وافقها التعبيري الخاص ..

من هنا كان لابد من الاسئلة امتدادا وتماهيا مع خطاب الاخر وانسجاما مع ما يطرحه المكان والموجودات من تجليات متدفقة .. فاقترن الشعر بالسؤال كواحد من ثيماته الدلالية او الفكرية او الفلسفية وبالتالي الانزياحية التي تساهم في اشعاعه الفني والتعبيري ..

فمنذ بداية الشعر العربي كانت الاسئلة تباغت القصيدة او لنقل تباغت المتلقي مثلما تباغت الشاعر نفسه ..

هل غادر الشعراء من متردم ام هل عرفت الدار بعد توهم ؟

لكن السؤال في الشعر تطور وتشعب بتطور الشعر وتوسع افاقه ومعطياته الاسلوبية والفنية .. فاذا كان المتنبي مثلا يستفهم ويستغرب عن تعلق العشق بالقلوب :

ما لنا كلنا جوى يا رسول انا اهوى وقلبك المتبول ؟

فان ابا العلاء المعري اطلق طيور الاسئلة في فضاء الفكر والفلسفة ..

صاح هذي قبورنا تملا الرحب فاين القبور من عهد عاد ؟

وبقي السؤال ملازما للشعر وغائصا في اعماقه وموسعا من تحليقاته الدلالية والفنية .. فامتدادا الى عصر النهضة نطالع اسئلة شعرية ازاء الكون والوجود من مثل قول الزهاوي :

لماذا تحركت الانجم ؟ كانك مثلي لا تعلم

وما هو كنه الاثير الذي دواعيه اني استفهم ؟

وما ان دخل الشعر فضاءاته الحداثية حتى استجاب السؤال لمعطيات الحداثة ومتطلباتها وتوهجاتها على شتى المستويات في المنجز الشعري .. فمنذ عهد الريادة في الشعر الحر تدفقت الاسئلة من مثل سؤال السياب:

اتعلمين أي حزن يبعث المطر .. ؟

حتى اخذ السؤال فضاءه الاكبر شعريا حين صار عنوانا لبعض الدواوين الشعرية مثل ديوان – الاسئلة – لسامي مهدي ، وديوان – مرايا الاسئلة – للشاعر رعد عبد القادر وغيرها .. ليؤكد السؤال استمراريته الشعرية وخصوبته الدلالية في مخيلة الشاعر وتحليقاته الفكرية ..

ولكن هذا السؤال – الشعري – يختلف تركيزه وطريقة استخدامه وحضوره في القصيدة او التجربة الشعرية من شاعر الى اخر و لا سيما حين يتدفق بعفوية غير مقصودة او مزجوجة قسرا في الخطاب الشعري وانما ياتي جزءا من مكونات الوعي الشعري وعمق الاحساس بالحيرة والدهشة والذهول وبالتالي الاستفهام لدى الشاعر ..

وفي تجربة الشاعر ماجد الشرع على الاقل في ديوانه الذي نحن بصدده – حرائق التكوين – الصادر عن دار الواح في اسبانيا 2003 والمعاد طبعه عن دار الضياء في النجف الاشرف عام 2006 تتجلى هذه الثيمة السؤالية حتى تغدو مهيمنة يمكن من خلال تواشجها الدلالي رصد هذه التجربة الشعرية واضاءة مسارها الدلالي والفني .. فاسئلة الشاعر لا تني تتكرر وتتمظهر بمستويات عدة في خطابه الشعري حتى يغدو السؤال هما شعريا وانسانيا يثقل القصيدة بخصوبة متوالدة من مقطع الى مقطع او من نص الى اخر .. وكأن الشاعر يحاول ان يقتنص غزالة الوجود بشباك الاسئلة ..

ففي قصيدة – حديقة الخطوات – تتدفق الاسئلة كمطلع متكرر بكثافة شعرية يؤججها الاستفهام ..

ما هذه السفن الجائعة ؟

ما هذه الوردة الجامحة ؟

ما هذه الهجرة اللاهبة ؟

بل ان السؤال يمتد من فضاء الكلمات الى فضاء الفراغ او ربما من فضاء الوجود الى فضاء العدم فيكمل النص بـ :

…………………؟

………………….؟

………………….؟؟؟

اسئلة لا حدود لها تشير الى لا نهائيتها النقاط المجسدة للفراغ .. ولكن ثمة علامات استفهام تغلق النقاط او تغلق فضاء الفراغ .. لان في الافق جوابا قادما يطلقه الشاعر بوجه هذه الاسئلة المتوالدة :

– انها

نار كينونتي

تصطفي

افقا

او

وترا ..

ولكن الجواب لا يتاح دائما وثمة اسئلة ليس لها اجوبة بقدر ما لها توسعة في فضاء الانزياح الشعري ليبقى السؤال مفتوحا على افق التاويل ومساحة القراءة لدى المتلقي .. أي ان السؤال الشعري معادلة جدلية طرفاها الكتابة والقراءة او القدرة الفنية الكامنة في الخطاب الشعري يقابلها تفعيل القدرة الكامنة على القراءة والتاويل عبر تحريك كوامن الخطاب ومؤثراته في الطرف الاخر من المعادلة .. أي ان الفعل الكتابي – الشعري – يقابله ردة الفعل القرائي – التاويلي – في فضاء السؤال الشعري .. فما ان يستيقظ السؤال في ذاكرة الكلمات حتى تتحفز الاجوبة خارج الكلمات وخارج النص محاولة ان تكون نصها الاخر – الجوابي – نص القراءة المسحوب بقوة الى بؤرة السؤال الدلالية والفنية .. من هنا يتعين على سؤال القصيدة ان يكون شعريا بما يكفي لتحفيز الاستجابة القرائية الباحثة عن الشعر في السؤال والمستيقظة مع اسئلته المباغتة ..

وفي قصيدة ماجد الشرع – حديقة الخطوات – محاولة متكررة لايقاظ هذه العلاقة السؤالية بينه وبين قارئه .. حد ان يسال عن ماهية الاستسلام الشعري لقوة السؤال وذوبانه ورقدته امام هبوبه ..

لماذا

انا

هكذا ..!!

رقدة

في

هبوب السؤال ؟

فهو لا يكتفي بذكر ادوات السؤال وانما يذهب الى ذكر مفردة السؤال او الاسئلة .. كما في المقطع الرابع من قصيدة – انشاد الغياب –

صلاته اخطاء

تكتب في ممحاة

اسئلة البحر ..

وفي مفتتح قصيدة – ذاكرة الغد – يتعالق السؤال الشعري بجوابه الذي ياتي على هيئة سؤال يفجر دلالة السؤال الاول ويوسع مساحته التاويلية باستفهام استنكاري :

نسيت الورد ؟

– قال : الورد

تعني

او

دم التفاح ؟!

وفي المقطع الثاني من هذه القصيدة يتجدد السؤال ويتضاعف ويتجه الى اكثر من جهة لكنه يعود الى مفتتحه الاول ليركز بؤرته الدلالية السؤالية :

اهذا انت ؟!

اينك

لا

تراك

الشمس

و

الوردة … ؟!

ثم تاتي الفراغات لتعمق من متاهة السؤال او من مرآته الجوابية :

………………….

………………….

…………………

هذه الفراغات هي امتداد السؤال المسكوت عنه او تفرعاته التي تقع مسؤولية املائها على فعل التلقي ..

لكن الشاعر لا يترك سؤاله يتناثر في مهب الريح و لاسيما بعد ان توجته النقاط – الفراغات – اللامتناهية .. فيقف بوجه ريح سؤاله ليجيب :

– لقد

خاصمت / ظلي !

فجاء

الى

هنا ،

وبقيت ..

هذا الانشطار الخصامي بين الشاعر وظله هو محاولة للاجابة على فراغات السؤال عن بهاء الطبيعة المتمثل بالشمس والوردة ..

الشاعر يبرر غيابه او حضوره الشفاف العابر الذي تمثله عبارة ( اهذا انت ؟ ) السؤالية ..اي ان الشاعر يحاول ان يجسد جدلية حضوره وغيابه عبر السؤال الشعري وجوابه الذين يفصل بينهما فراغ – نقاط – هو صحراء من الذهول والدهشة وحيرة الانسان الشاعر بين سؤاله وجوابه .. او حضوره وغيابه ..

وبهكذا طرح شعري يتكرس السؤال شعريا ويعمق من فنية الخطاب ويصبح جزءا ومكونا مهما من مكونات الانزياح والخلق الشعري ..

وفي قصيدة – شهقات آدم – يسال الشاعر بلسان الطبيعة – الارض :

مرة قالت الارض :

من سيفك ارتباك الفصول ؟!

لكنه – الشاعر – سرعان ما يتحه الى ذاته الشعرية عبر نافذة الاسئلة .. فاذا ذهب كل الى ملاذه او مصيره فان الشاعر يختار السؤال ملاذا ..

وانا ..

سوف امضي

الى حيث تنصهر الاسئلة

مدنا ،

ازمنة ،

وخيولا

من السفر المر ،

الشاعر في صراع مستمر مع السؤال الذي يواجهه مرة بادوات السؤال و علامات الاستفهام فينبعث السؤال من ذاته الشعرية كاستفهام ازاء الوجود فيفعـّل من حيوية اداة الاستفهام وعلامته ، او حين يتكلم عن فحوى الاسئلة ووهجها الموضوعي ضمن خطابه الشعري فيصبح السؤال موضوعا وغاية يدور في فلكها الخطاب الشعري وليس حين يصبح السؤال وسيلة تحمل اغواءها الشعري بواسطة علامات السؤال وادواته .. فقصيدة – افق – انموذج حي للسؤال موضوعا وثيمة حيوية لا وسيلة ..

سنردها لقصرها واهميتها ..

افق

عندما

صار

افقي / السؤال ..

ماتت العائلة !

ماتت ،

ولم

تمت الاسئلة !!

هذه القصيدة كما قلنا انموذج حي لقوة السؤال في الشعر وحضوره المشع في الفضاء الشعري لدى الشاعر .. فالافق هو افق الشاعر المجسد بالسؤال .. هو حياته وامتداده الشعري معها او بعدها .. فهذه القصيدة تقسمها قوة السؤال في تجربة الشاعر الى قسمين الاول هو الحياة ، والثاني هو ما بعد الحياة .. الاول هو الانتماء الى السؤال والتماهي مع ذوبان الذات الشعرية في تساؤلها ، والثاني هو خلود الاسئلة في هذه الذات الشاعرة .. فالمقطع الاول يمثل تحول الشاعر الى جهة السؤال حين صار السؤال افقه .. مع دلالة التناص مع العنوان – افق – أي حين امتلك الشاعر ناصية خطابه الشعري بمسكه افقه التحولي الجديد / السؤال ، ياتي الجواب على – عندما – وهو الموت العائلي رمزا للموت الانساني الكلي او الجمعي – العائلة – ولكن الذي بقي هو افق الذات الشعرية المتمثل بالاسئلة .. تعرى الارض من كل شيء سوى الاسئلة التي يطرحها الشاعر ويمضي .. وكأن السؤال الشعري حياة مستمرة يفتحها الشاعر كوة على فضاء البقاء .. حتى يغدو السؤال الشعري عشبة الخلود لدى الشاعر .. واحيانا يسقط الشاعر اسئلته على الاشياء او المكان او الطبيعة .. لياتي السؤال من خارج الذات الشعرية لكنه مصطبغ بخطابها وحيرتها ازاء الوجود .. فيسال الشاعر باستفهام استنكاري على لسان الارض :

مرة قالت الارض :

من سيفك ارتباك الفصول ؟!

او على لسان المكان بزواياه المعتمة الغامضة المنسحبة الى عتمة السؤال ..

والزوايا ،

تدور ..

ظلالا

لاسئلة ناتئة !

او ياتي الخطاب السؤالي بلسان الايام – الزمن –

قالت لها الايام :

ايتها

الراحلة

الان

بلا اسئلة ،

بلا دليل ،

السؤال عنوانا :

اما حين يصبح السؤال عنوانا لنص شعري او مجموعة نصوص فان الشاعر سوف يسير خطابه تحت ظلال هذا السؤال العنواني حتى لو لم يذكر مفردات السؤال او علامات الاستفهام وادواته .. لكن روح السؤال تسري في جسد النص مستمدة اشعاعها من تناص المتن مع العنوان ، أي ان المتلقي يتسلم جمرة السؤال منذ مطلع النص او النصوص ، ويمتد في فضاء السؤال العام للنص حد ان يكون النص او مجموعة النصوص علامة استفهام ويصير الشاعر سؤالا متجسدا بنصه ..

فقصيدة – اسئلة الكيان – من ديوان حرائق التكوين وهي عبارة عن ثلاث اغنيات .. تتوشح بعنوانها العام – اسئلة …. – هذا العنوان الذي يزحف على مفتتح الاغنية الاولى – اغنية الجحيم – بسؤال :

يا عذابي

اين ارسو ؟

ثم تليها – اغنية الهذيان – ثم – اغنية طوى – كلها تسبح في فضاء السؤال العنواني – اسئلة الكيان – فممكن مثلا سحب هذا الفضاء السؤالي على المقطع الاخير من – اغنية طوى – وهو خال من ملامح السؤال وعلاماته ولكن تلميحا ما ، واشارة شعرية بعيدة يمكن احالتها الى فضاء الاسئلة بمؤازرة الدلالة العنوانية الرئيسة التي نشرت ظلالها على الاغنيات الثلاث ..

يقول الشاعر في المقطع الاخير من – اغنية طوى –

اه

طوى ..!

اصرخ في الجذور

اصرخ في المواسم

اصرخ مثل ساحر مقهور

اصرخ في عيوني التي تاهت ولم تعد ..

اصرخ يا طوى … !

احبك

ايتها القاتلة القتيلة !!

هذا الصراخ هو امتداد لنداء الكيان المتشح بالاسئلة منذ العنونة النصية .. هذا الصراخ هو اسئلة مكبوتة في سراب المفردات لكن يمكن تحسسها والنظر اليها من فوهة القصيدة التي هي العنوان الرئيس – اسئلة الكيان – تلك العنونة التي يمكن اسقاط ظلالها الشفافة على كل مسارات القصيدة وايحاءاتها وانزياحاتها الدلالية ..

لكن هذه الاغنيات ما تلبث ان تسحب معها معزوفات اخرى من خمسة مقاطع يشدها الى بعضها العزف الثالث الذي يتمثله ازدحام التساؤل ؟؟

في

ازدحام التساؤل

تهرب اصواتنا ،

ونستل اوجهنا ،

سكر

اسود

العظم والخطوات !!

ليصبح هذا المقطع التساؤلي الرابط مع المعزوفات الاخرى جسرا الى اغنية رابعة امتد اليها فضاء السؤال عبر ازدحام التساؤل وهروب الاصوات لكي يمتد الخطاب الشعري الى قصيدة – اغنية في ليل الذئاب – التي تبدا بـ :

واشهد اني توضات

بالحب،

والصحو ،

والشمس ،

والامنيات …

لادون ما لا يدون ..

ولكن مع كل هذه المنجزات والانتصارات الانسانية والتماهي مع جمالية الطبيعة والاحساس بنشوة الحب .. لا يفلت الشاعر من قبضة الانكسار … الذي يلجا اليه الشاعر الى فضاء السؤال للتعبير عنه في مقطع متاخر من القصيدة

كيف لي

ان احد

من الانكسار ؟!

ثم يطلق فراغات السؤال كما اطلقها في قصيدة – حديقة الخطوات – ليبقى السؤال مفتوحا و لا متناهيا معبرا عنه بالنقاط :

………………………..

………………………..

………………………..

ليعبر بشعرية الحذف عن بقايا الاسئلة وصداها في نفس الشاعر وافاق القصيدة ..

ثم تتعالق هذه القصائد ( اغنيات ثلاث ) مع ( عزف لاحتفال المهر) امتدادا الى

( اغنية في ليل الذئاب ) تتعالق مع قصيدة جديدة تسبح في فضاء النغم والعزف حيث يصل الشاعر الى قصيدة ( قائد اوركسترا الاعماق ) التي لا تني تذهب باتجاه السؤال الشعري لتحقق قاسما مشتركا في شعرية السؤال ودلالة العزف والنغم وفضاء الاغنية .. فتبدا فصيدة ( قائد اوركسترا الاعماق ) بـ :

في المساء ،

شجر

في الاقاصي

يفيق

نازحا …

للمرايا ،

ثم تتضح هذه المرايا في منتصف القصيدة بانها مرايا السؤال أي ان هاجس الاسئلة يلازم الشاعر منذ الامتداد الاول في القصيدة الى منتصفها ..

ويرسمها في فراغ الوجوه !

فوق نافذة

نقشت

في مرايا السؤال

ثم يمتد فضاء السؤال في القصيدة مخبوءا في سراب الكلمات حتى ينبثق من صخرة المقطع الاخير في القصيدة …

من وجوهي

التي

اندلقت

فوق جمر الحكايات

الا الصدى ..

سالك

في فضاء السؤال

ليحقق السؤال الشعري دورته الكاملة في مدار القصيدة مثريا انزياحاتها واعماقها الفنية وموسعا دلالاتها ..

السؤال لازمة شعرية

تتمظهر شعرية السؤال احيانا على شكل لازمة شعرية يفتتح الشاعر بها نصه ويكررها كمتوالدات نصية يوسع فضاءاتها السؤال المتكرر مثل لازمة انشادية كما في قصيدة ( موسم لاعتزال ماء القبيلة ) في ديوان – حرائق التكوين – حيث يفتتح الشاعر قصيدته بلازمة سؤالية هي ( من اين اجيء ؟ ) ويكرس حيوية السؤال بالاضافات التي تشي بصعوبة الجواب او صعوبة تحقيق الفعل الذي يطرحه السؤال ..

من اين اجيء ؟

والشارع

يلتف

على اعناق الخطوات …. !

ليشير بدلالة شعرية الى استحالة او صعوبة تحقيق الفعل – اجيء – ويكمل مكرسا شعرية السؤال :

من اين اجيء ؟

وعلامات التعتيق :

ليل ،

نزف ،

رحلة

ثم يبحث الشاعر عن تعابير وثيمات تبرر صعوبة المجيء وتمظهر جدلية حدوث الفعل وعدمه عبر لازمة شعرية توسع بتكرارها فضاء شعريتها ضمن سياقها النصي

من اين اجيء ؟

وشموسي

تتسور

في ايام براءتها ..

ثم يبتعد الشاعر عن اللازمة في تدفق شعري اخر لكن ظلال هذه اللازمة السؤالية ما تزال تلقي بدلالتها الخفية على المفردات حتى يعود اليها الشاعر فيعلن حضورها بقوة التكرار والسؤال :

اتدثر في جلدي

واهيل

عليه الظل !

ليحقق الشاعر صورة شعرية مركبة من قوة التكرار عبر السؤال كلازمة ومن صورتين شعريتين مضافتين لهذا الفعل الشعري التكراري وهما ( اتدثر في جلدي ) والثانية ( اهيل عليه الظل ) عبر الانزياح والاستبدال في الدلالة الذين حققا شعرية عالية مع تناسق سياقهما ضمن تكرارها كلازمة سؤالية شعرية ..

ثم ياتي الجواب على هذه المتوالية السؤالية بعبارة ( واجيء .. ) ليمتد افق السؤال الشعري الى مساحة الجواب لان الجواب هنا مرآة شعرية للسؤال مثلما هو امتداد نصي له ..

واجيء ..

خطواتي

فاقدة الهدب

اذ

التف الان

بالحزن / الصحراء

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *