dawod alshowaily

المبدع الراحل رشيد مجيد
المبدع الراحل رشيد مجيد

القصيدة:
ليلة ممطر

الليلة ممطرة،
والبرد احدّ من السكين
وصوت الريح ، وحشرجة المطر المتدفق 000
والشارع اقفر ، إلا من اصداء خطاها ،
لاشيء سوى هذا ،
وسوى اصداء خطاها وسواها ،
وحقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب في ملل ،
فوق الكتفين 00 وانملها ،
وهي تدق الباب ليفتح 00
من سيكون الليلة ضيفي 00؟
ومن الطارق 000؟
هذا وقع حذاء امرأة ستشاركني اليوم فراشي ،
فسأدخلها 000 او سأراها ،
وانصاع الباب لها ، وامتدت قامتها 000
امرأة تعبى تتأملني ،
لم يتركها الليل ، وهذا المطر المتحدر كالسيل ،000
ان تختار مكانا غير مكاني هذا ،
قالت : انا متعبة ،
هل تسمح لي 000؟
هذا اقرب بيت لمسافرة مثلي 000
القت بخطاها الريح امام سياجكم ،
قالت هذا 000 ورمت بحقيبتها 000
وهي تمر خلال الباب :
سأجفف شعري ، بل واغير اثوابي
اوقدت المدفأة الاخرى ،
ومضيت اعد لها ما تأكله ،
سألتني 000 وهي تحدق بي :
اتقيم هنا وحدك 00 ام ان هنالك من سيجيء ؟
فقلت لها : الليلة لست لوحدي
بل نحن اثنان هنا ،
فلنقتسم الدفء وها قد اذكته جوانحنا ،
وتملكنا شوق ، لا ندري كيف نقاومه ،
الليلة ممطرة ، والريح تحاصرنا ،
والبرد القاسي لا يرحم 000
لولا ان سريري ،
كان على مقربة منا 0

للعنوان اهمية كبيرة ، واثر عظيم في ما سيبوح به النص من دلالات ، وهو الباب الذي يمكن من خلاله ولوج عالم النص ، ان كان ذلك بصورة مباشرة او غير مباشرة ، وهذا لا يعني ان العنوان سيوفر الوقت بعدم قراءة النص ، والاكتفاء به حسب ، إذ ان مثل هذا العنوان ، ومثل ذلك النص لا يرتقيان الى ان يتسميا بـ (نص ادبي) مهما كان جنسه 0
ان للعنوان علاقة وثيقة بعالم النص ، يرتبط معه ، وفي الوقت نفسه يظل بعيدا عنه (قراءة او كتابة) ، وفي اغلب الاحيان لغة ايضا ، ولكنه في احايين كثيرة وفي نصوص كثيرة يؤخذ العنوان من النص نفسه ، كلمة واحدة ، او كلمات ، وربما بيتا شعريا كاملا ، وهذا يعود الى منشيء النص بإرادته او دونها ، وبوعي منه او دونه ، ومن الجدير بالذكر ، ان مثل هذه العناوين ، المستلة من متن النص ، تثبت بعد كتابة النص لتعطي القاريء فسحة من الوقت لعمل ذهني في ما سيقرأ أولا ، في ما يعيش من اجواء يمنحها النص له ثانيا 0
القصيدة التي سنتناولها في هذه السطور ، هي احدى قصائد الشاعر المبدع المرحوم (رشيد مجيد) وقد نشرت العام 1992 (1) وعنوانها (ليلة ممطرة)، واول ما يمكن استنتاجه من هذا العنوان ، المتكون من كلمتين غير معرفتين ، ان هذه الليلة الموصوفة بـ (الممطرة) هي اية ليلة ينزل بها المطر ، لا تاريخ لها ، انها احدى ليلي الشاعر 0
إن تركيبة (الاسم ونعته) توحي بالثبوت والاستمرارية ، ثبوت كونها ليلة (ممطرة) واستمرارية هذا المطر في تلك الليلة معا ، يعطي دلالة تامة بأن النص – حتما – سيعمل ضمن جو هذه الليلة ، أي ان زمن النص سيمتد بكل دقائقه في جو ممطر وما يجلبه المطر من مناخ بارد له علاقة بالحدث الذي سيقدمه النص ، وهذا لا يعني ان النص سيكون سجلا تاريخيا لما سيحدث من افعال خلال الليلة الممطرة ، لان مثل هذا المفهوم سيخل يشعرية النص ، لان القصيدة ليست سجلا لدقائق الزمن الراكض ، وانما هي – القصيدة ومن ثم الشعر – غربال للزمن وحوادثه 0
ان الاستمرارية التي يوحي بها العنوان تؤكدها بنية النص نفسها ، البنية الدائرية ، إذ يبدأ النص بالمقطع الاول الذي يرسم لنا لوحة معبرة عن جو تلك الليلة :
* الليلة ممطرة
والبرد احدّ من السكين
وصوت الريح ، وحشرجة المطر المتدفق 000
والشارع اقفر ، إلا من اصداء خطاها
وينتهي النص في مقطعه الاخير وهو يعيد لنا رسم اللوحة نفسها تقريبا :

* الليلة ممطرة والريح تحاصرنا
والبرد القاسي لا يرحم 000
ينبني هيكل النص ، إضافة للعنوان ، دون اية مقدمات او اهداءات ، كما هو شأن أغلب نصوص رشيد مجيد الاخرى ، في سبعة مقاطع شعرية ، تتنوع بين المقطع الوصفي ، والمقطع الخبري ، والمقطع الحواري ، ومثل هذا النوع استدعى وجود تمفصلات بين مقطع واخر ، مما جعل بناء الهيكل العام للنص يتصف يلبحيوية والتماسك 0
يتمفصل كل مقطع بالذي يليه بأداة العطف (الواو) ، مضافا لبيت شعري ، او جزء من البيت ، سوى مفصل المقطعين الرابع والخامس الذي يفتقد لهذه الاداة كون الفعل (قالت) قد قام مقام التمفصل ، بما توحيه مشاركة المتحدث والسامع من جانب ، ومشاركة شخصي ( بطلي ) النص بفعل القول ، وكذلك مشاركة الدلالة التي اوحى بها المقطع الرابع من وصف المرأة وهي تحت وابل المطر ، وبين طلبها السماح لها بالدخول 0

المقطع الاول :
1 – الليلة ممطرة
2 – والبرد احدّ من السكين
3 – وصوت الريح ، وحشرجة المطر المتدفق 00
في هذا المقطع ، يتحول العنوان من اسم غير معرف الى اسم معرف بأل التعريف ، ومن هنا يتحول زمن العنوان من زمن غائب بين ازمان اخرى (ليلة من ليال كثيرة) الى ليلة محددة المعالم والاحداث ، انها ليلة النص نفسه 0
هذا المقطع اريد به ان يكون مستهلا للنص ومدخلا 000 وفي المقطع نفسه مهيئا السامع والقاريء للدخول الى جو النص ، اذ ان الفضاء الذي سيتحرك فيه ابطال النص – اذا صحت التسمية – 000 هو هذا الجو الممطر وما يرافقه من برد ورياح ، وبالمقابل من تأثيث للنص لـ (السرير ، المدفأة 000 الخ)0
المقطع الثاني :
4 – (000) إلا من اصداء خطاها
5 – لا شيء سوى هذا
6 – وسوى اصداء خطاها وسواها
7 – وحقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب في
8 – بلل،
9 – فوق الكتفين ،
قبل ان نتحدث عن هذا المقطع بأبياته الست علينا ان نذكر ان البيت الرابع قد جزأناه الى جزئين ، كان الاول (والشاعر اقفر) هو المفصل الذي جعله الشاعر اداة الربط بين المقطعين الاول والثاني ، بين وصفه للجو ( البرد والريح والمطر) وبين وصفه (واخبارنا عن 000) ما تركته المرأة – غير المرئية له – من آثار استدل بها عن وجودها وهي تتحرك في الشارع ، إن برودة الجو ، وصوت الريح وحشرجته قد اديا الى خلو الشارع من المارة ، مما يجعل صوت خطاها يصل الى اذني الشاعر ، ربّ سائل يسأل كيف يمكن سماع وقع الخطى في جو يتدفق فيه المطر والريح تصوت ؟
انه الاحساس المرهف للرجل ( بطل النص ، الشاعر) الذي خلقته الوحدة والوحشة في جو ممطر تجاه المرأة ( اية امرأة ) إنه احساس ( جنسي ) تولد عن الحالة التي يعيشها ، فكان لحاسة السمع دورها الكبير في ذلك بعد ان توقفت جميع الحواس الاخرى لعدم حاجته اليها ، وقد اجاب المقطع الثالث عن مثل هذا التساؤل عندما راح تفكير بطل النص ( الرجل – الشاعر ) بعد سماعه صوت خطى المرأة بالتفكير بمشاركة المرأة تلك – دون ان يراها – في فراشه 0
المقطع الثالث :
ولكي ينتقل النص من المقطع الثاني الى المقطع الثالث مر بمفصل محول ، وهذا المفصل هو : ( وانملها ، وهي تدق  الباب ليفتح000 ) لذي يجمع بين اثاث المقطع الثاني ( مخلفات المرأة ، الخطى ، الحقيبة ، الشعر فوق الكتفين ) والاحساس الداخلي لبطل النص ، وكان يقف بين هذا وذاك باب مغلق لا يمكن فتحه إلا بعد دقه 0
11 – مَن سيكون الليلة ضيفي 00؟
12 – ومَن الطارق 000؟
13 – هذا وقع حذاء امرأة ستشاركني اليوم
14 –  فراشي00
15 – فسأدخلها او سأراها0
تساؤلات طرحها بطل النص على نفسه ، وفي الوقت نفسه فإن الاجابة عنها افرحته ، فهو اما سيراها ( فحسب) ، او سيدخلها بيته ، عندها – يقرر سلفا – ستشاركه فراشه 000 هكذا انصب تفكيره على ما هو حسي ( جنسي ) على الرغم من عدم رؤيته لها 0
المقطع الرابع :
17 – امرأة تعبى تتأملني ،
18 – لم يتركها الليل وهذا المطر المنحدر
19 – كالسيل
20 – ان تختار مكانا غير مكاني هذا 0
قبل هذا المفصل كان هناك البيت / المفصل ( وانصاع الباب لها ، وامتدت قامتها ) وهكذا ارتبط هذا المقطع بالمقع الثالث ،  مقطع التساؤلات واتخاذ القرار بمقطع ( حالة المرأة ) ، وفي الوقت نفسه جمع هذا المفصل بين المقطعين الرابع والثاني ، بين الانامل التي طرقت على الباب واصياع الباب ( انفتاحه ) ودخولها – أي الوصول الى حالة اليقين إن الخطى التي سمعها هي خطى امرأة لا غير – وفي الوقت نفسه فقد صدق حدس البطل على ان المرأة هذه ( تعبة ) ومن دلالات هذا التعب هو ( حقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب على الكتفين) مما دفعها الى اختيار دار بطل النص 0 وهكذا يذهب تفكيره دون ان يعرف سببا اخر ، الى المرأة نفسها ، ذلك لان كل هواجسها واحاسيسه كانت مرتبطة بالمرأة ( كأنثى ) مما دفعه الى ان يحسم امر سبب الاختيار دون سواه 0
المقطع الخامس :
21 – (000) انا متعبة ،
22 – هل تسمح لي ؟
23 – هذا اقرب بيت لمسافرة مثلي
24 – القت بخطاها الريح امام سياجكم ،
25 – قالت هذا ورمت بحقيبتها ،
26 – وهي تمر خلال الباب 00
27 – سأجفف شعري ، بل واغير اثوابي ،
إن ارتباط هذا المقطع بالذي سبقه كان بفعل القول : (قالت: 00) وهكذا تقررت حقيقة تعب المرأة المسافرة ، وفي مثل هذا الجو 0
يطغى على هذا المقطع صوت المرأة من خلال الفعل ( قالت ) الذي تكرر مرتين ،وكذلك ( حركتها) 0
لقد احتلت المرأة – بوجودها وافعالها وحديثها – حاستي السمع والبصر عند الرجل ( بطل النص ) فتحول سماعه من خارج البيت الى داخله 000 هكذا اصبحت هذه المرأة هي صاحبة البيت ، وهذا ما يريده بطل النص ، اذ إنها ستجفف شعرها ، وتغير ملابسها المبتلة ، فمذا يفعل هو اما مثل هذه المرأة ؟ سوى ان يهيأ لها جوا دافئا ، لكنه يخطيء الاختيار لوسيلة الدفء ، وهذا ما سنذكره لاحقا 0
المقطع السادس :
30 – سألتني 00 وهي تحدق بي :
31 – اتقيم هنا وحدك ، ام ان هناك من
32 – سيجيء،
33 – فقلت لها : الليلة لست وحدي ،
34 – فلنقتسم الدفء 00 وها قد اذكته
35 – جوانحنا 0
هذا المقطع الحواري هو امتداد للمقطع الخامس ، لولا البيتين اللذين مفصلا بينها ( اوقدت  المدفأة الاخرى ، ومضيت اعد لها ما تأكله ) الا ان الاحساس الذي انتاب الرجل ( الاحساس بالدفء ) – ولا ادري ان كان هذا الدفء بسبب حرارة المدفأة ، ام كان بسبب وجود المرأة ؟- والذي يحاول ان يجعل المرأة تشاركه فيه لكي يهيأها نفسيا الى ما يريد ، قد جعله يستدعي اليه الاحساس الاول الذي كان يعيشه وهو البرودة من خلال تمفصل هذا المقطع بالمقطع الاخير الذي يعيدنا الى الوصف الذي افتتح به نصه ، من خلال بيت التمفصل ( وتملكنا شوق لا ندري كيف نقاومه )0
المقطع الاخير :
38 – الليلة ممطرة ، والريح تحاصرنا
39 – والبرد القاسي لا يرحم 000
40 – لولا ان سريري
41 – كان على مقربة منا 0
قراءة النص او نص القراءة:
بعد هذا التحليل المقطعي للنص ، سأتجاوز بعض الاعراف الادبية ، واعطي لنفسي ( لذائقتي الشعرية اذا صح التعبير) الحق في ان اقرأ – وفي الوقت نفسه – انتج نصي الشعري من خلال قراءة جديدة لهذا النص ، واجد لي مبررا في ذلك ، لان النص بعد ان ينتجه مبدعه يصبح ملكا للاخرين ( القراء ) ، ولهذا سأقوم بعملية إجرائية للنص من خلال حذف بعض الابيات ، او اقوم بترتيب جديد لبعض ابياتها ، وكذلك هناك بعض الملاحظات ،مثل :
اولا :
12 – من سيكون الليلة ضيفي ؟
تساؤل لا مبرر له ، اذ قد اجيب عنه في المقطع الثاني عند ذكر خطى المرأة وحقيبتها وشعرها 000 الخ ، او ان نضع هذا البيت والذي يليه ( ومن الطارق ) بعد البيت الرابع 0
ثانيا :
29 – اوقدت المدفأة الاخرى ،
30 – ومضيت اعد لها ما تأكله 0
ان ايقاد مدفأة ثانية يعني وجود مدفأة اولى موقدة ، هذا اولا ، وثانيا ، ان المقطع الاخير قد اجاب عن كل تساؤل حول برودة الجو من خلال وجود السرير الذي كان على مقربة منهما 0
ومن الطريف انني عندما نبهت الشاعر ( رحمه الله ) بعد قراءته لهذه القصيدة في احدى الاماسي المخصصة له في مدينة الناصرية ، الى عدم الحاجة لهذه المدفأة بعد وجود السرير ، ايد قولي ، اذ قال وهو يبتسم : ( كان على ان لا اوقد تلك المدفأة ) 000 اذ ان السرير يكفي بعد ان اذكيت جوانحهما وتملكهما الشوق الذي لا يقاوم 0
نص القاريء:
1 – الليلة ممطرة،
2 – والبرد احدّ من السكين
3 – وصوت الريح ، وحشرجة المطر
4 – المتدفق 000
5 – من سيكون الليلة ضيفي 00؟
6 – والشارع اقفر ،
7 – هذا وقع حذاء امرأة ستشاركني اليوم
8 –  فراشي ،
9 – لاشيء سوى هذا ،
10 – وسوى اصداء خطاها وسواها ،
11 – وانملها ،
12 – وهي تدق الباب ليفتح 00
13 – وانصاع الباب لها ، وامتدت قامتها 000
14 – امرأة تعبى تتأملني ،
15 – وحقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب في
16 – ملل 000
17 – فوق الكتفين 00
18 – لم يتركها الليل ، وهذا المطر المتحدر
19 –  كالسيل ،
20 – ان تختار مكانا غير مكاني هذا ،
21 – قالت : انا متعبة ،
22 – هل تسمح لي 000؟
23 – هذا اقرب بيت لمسافرة مثلي 000
24 – القت بخطاها الريح امام سياجكم ،
25 – قالت هذا 000 ورمت بحقيبتها 000
26 – وهي تمر خلال الباب :
27 – سأجفف شعري ، بل واغير اثوابي0
28 – سألتني 000 وهي تحدق بي :
29 – اتقيم هنا وحدك 00 ام ان هنالك من سيجيء ؟
30 – فقلت لها : الليلة لست لوحدي
31 – فلنقتسم الدفء وها قد اذكته
32 –  جوانحنا ،
33 – وتملكنا شوق ، لا ندري كيف نقاومه ،
34 – لولا ان سريري ،
35 – كان على مقربة منا 0
36 – الليلة ممطرة ، والريح تحاصرنا ،
37 – والبرد القاسي لا يرحم 000

—————————
(*) نشرت هذه الدراسة في مجلة الاقلام في عدد ايلول –  تشرين الاول 2000 0
   –  نشرت القصيدة في جريدة بابل – الاربعاء المصادف 22 / 12 / 1992 0

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *