حسين سرمك حسن: فيلم “ديك سامي”: هل عبّر عن جريمة احتلال العراق أم سطّحها؟

الروائي العراقي سعد سعيد
الروائي العراقي سعد سعيد

hussein sarmak

لقد أُخذ فيلم “ديك سامي – s cock’sami للمخرج الأمريكي جورج لاركن عن قصة بنفس العنوان للروائي العراقي “سعد سعيد” من مجموعته (كوابيس القيامة – نصوص عراقية) التي ينبغي أن نقف قليلا معها قبل لتطرّق إلى الفيلم.  يأتي الإهداء في هذه المجموعة بالنسبة لي – وليس بالنسبة للكاتب طبعا – غائما وبلا ارتباطات مرجعية معلنة أو مستترة تتيح للقارىء تفسير معطياته : (إلى كل عراقي سقط مضرجا بدمه لا لذنب اقترفه، سوى أنه وُلد عراقيا في الزمان الخطأ- ص 5). فاللعنة التي تحل على العراقي هنا ناتجة عن أنه عراقي أولا، وولد في زمان مغلوط ثانيا. لكن أي زمان هو المقصود ونصوص المجموعة تتحدث عن الإحتلال الامريكي القذر والوحشي للعراق والذي أزهق أرواح مليون ونصف المليون عراقي حتى الآن. كان من المفروض أن يكون الإهداء محددا ويضع مسؤولية ذبح العراقيين وتخريب بلادهم وتدمير مستقبلهم على عاتق الأميركان الغزاة الخنازير خصوصا وأن الكاتب قد اشار في مقدمته لنصوصه بالقول: (أما هذه النصوص التي بين يديك عزيزي القارىء، فلم أفكر بكتابتها إلا بعد أن قامت القيامة (التي أسماها الأمريكان: الصدمة والرعب تخفيفا لوقعها على الأنفس) في بلادي- ص 7).

المخرج "جورج لاركن"
المخرج “جورج لاركن”

وعن قصة “وصول” نصّه القصصي هذا إلى المخرج الأمريكي يقول سعد: (وبعد أن عرفت أن (منتجا مسرحيا أمريكيا) يريد نصوصا لكتاب عراقيين يعيشون داخل العراق، لكي يعدها مسرحيا وليقدمها على مسارح مدينة (لوس أنجلوس) الأمريكية حيث يعيش، فخجلت من نفسي إذ أرى الأمريكي يفكر بتقديم حقيقة ما جرى في بلدي ، قبل أن أفعل أنا العراقي، ذلك- ص 7).
فمن هو هذا “المنتج” الأمريكي؟ وكيف “استثمر” نوايا الكاتب العراقي البيض بتوجهاته الما بعد حداثية؟
إن جورج لاركن ليس منتجا فقط بل هو مؤلف ومخرج أيضا. وهو من خريجي جامعة “يال” ويحمل شهادة الماجستير في الدراسات الشكسبيرية من جامعة برمنغهام بإنكلترا ويحضّر حاليا لنيل شهادة الدكتوراه في الدراسات السينمائية من جامعة كاليفورنيا بعد انقطاع عدة سنوات أمضاها في العناية بوالديه المريضين. وهو كاتب مسرحيات نالت أو رشحت لأربع عشرة جائزة في مهرجانات محلية وعالمية مشهورة. وهو من المؤمنين بمناهج ما بعد الحداثة ولهذا أهمية كبيرة. وقد قام مؤخرا بإخراج فيلمين قصيرين عن قضية العراق: الأول هو speaking about Baghdad (2009) عن محاوراته مع كتاب عراقيين استمرت لخمس سنوات عن موضوعة احتلال العراق، والثاني هو ديك سامي – s cock’sami (2010) ، وهو مدار حديثنا هنا.
يفرح الكاتب العراقي حين يسمع أن شخصا أجنبيا – أمريكيا خصوصا – سوف يخرج نصا من نصوصه؟ ينبهر ويشعر بأن نعمة غير متوقعة ستهبط عليه من السماء، وعليه أن يقبلها ويشكر ربه ويسكت؟
أما الكاتب الغربي فسوف يطلب من المخرج توقيع عقد، والحصول على حقوق، ويشترط عدم التلاعب بالنص إلا بمعرفته، والإطلاع على العنوان والمانشيتات، وطريقة التعريف والفكرة النهائية، والإخراج النهائي … إلخ.
لقد إنتقى المخرج الأمريكي قصة (ديك سامي) من بين ثمانية وعشرين نصا ضمتها مجموعة سعد سعيد. وهذا الإختيار يعبّر عن الموقف النفسي الأولي للمنتج الأمريكي وتوجهه الفكري. لقد إنتقى القصّة التي تجعل المتلقي ينقم “شعريا” إذا جاز الوصف على ما حصل في العراق من دون أن توضع سبابة الإتهام الحادة في عين المحتل. فالقصة تتحدث عن سامي الرجل الشرس العنيف الطباع الذي يتفادى أهل القرية كل ما يثير غضبه حتى يأمنوا شرّه. وكان لسامي هذا ديك يحبه كثيرا، ولكنه يزعج أهل القرية بصياحه غير المتوقع من منتصف الليل حتى الفجر، فيحرم أهل القرية من النوم. وفوق ذلك فهذا الديك يبدأ فجرا بتصيّد دجاجات أهل القرية ليشبع رغباته. والرمز واضح . فالقرية هي العراق، وسامي هو الطاغية، وديكه هو أداته في قمع الناس الأبرياء. وأهل القرية تافهون حتى في تفكيرهم برغم أن القاص سيقول لا أقصد ذلك. إذ كيف نصف بشرا (يخافون على شرف دجاجاتهم أكثر من خوفهم على شرف بناتهم الذي كان يُنتهك على يد سامي نفسه احيانا!! – ص 49). وبعد أن ضيّع أهل القرية زمنا طويلا في الهمس العقيم المرعوب بحثا عن حل، تفتق ذهن حدهم عن حل. وهو حل عادي لا يحتاج “تفتق” ونبوغا، وليس حلا سحريا يحتاج إخراجا دراميا من القاص. فقد ذهب الرجل إلى سامي وطلب منه ان يبيعه الديك الفحل المدلل. وبعد مماطلة باع سامي ديكه للرجل. واعتقد أهل القرية أنهم سيضاجعون نساءهم بمتعة بعد أن “خصاهم” الديك، وينامون لأول مرة ليلة هانئة. ولكن ما أن حل منتصف الليل حتى ارتفع صياح عشرات الديكة التي هتكت عفاف العشرات من دجاجاتهم صباحا. كانت هذه ديكة سامي التي قمع عدوانها الديك الأكبر الذي اعتقد أهل القرية خطأ وسفاهة أنهم قد تخلصوا من عدوانه مع بقاء الطاغية الحامي الأكبر سامي يفرّخ الديكة من الجلادين الصغار ويرعاهم.
إختار المنتج الأميركي هذه الحكاية ليقدمها في فيلم جاءت فيه وهي اشبه بحكايا الأطفال أو – في أحسن الأحوال – الحكايات الخرافية التي تناسب التطلع المخزون لدى المتلقي الأمريكي خصوصا، والغربي عموما، الباحث عن أجواء الشرق المليئة بالغرائب والعدوان والتعسّف والجنس والطغيان. ثم ما هي الرسالة التي سيحملها النص للمتلقي الأمريكي؟ شعب مستعبد وغبي يفضل شرف الدجاج على شرف بناته. يضطهده شخص لديه ديك مستبد .. وهذا الشخص يضاجع بنات القرية لكي يكمل ما يقوم به ديكه. وقد تفتق عقل أهل القرية عن حل سطحي وطفولي يربط المحنة بالديك وليس بالطاغية. فاستبدل ديكا ديكتاتورا بعشرات من الديكة الدكتاتوريين الصغار.
إن ما قدمه المخرج الأمريكي يؤكد المزاعم الأمريكية عن ضحالة تفكير الشعوب الشرقية واستسلامها القدري ، وحاجتها إلى منقذ “أبيض” يخلّصها. والفكرة بأكملها فكرة “داخلية” لا علاقة لها باحتلال وتدمير شعب وخراب وطن. كما أن القصة تصلح لأي مكان شرقي، فهي ممكن أن تحصل في الهند أو مصر أو أفغانستان.. وهنا أندهش اشد الدهشة لقول القاص سعد سعيد في مقدمة الطبعة الثانية :
(حاول جورج لاركن جاهدا أن يحقق مشروعه المسرحي ، ولكن يبدو أن مسارح أمريكا، على كثرتها، قد ضاقت به. فقد عجزت ديمقراطية أمريكا عن تحمّل رأي آخر قد يخالف ما تدّعيه. بل وصل الأمر بهم إلى أنهم شككوا في وطنية الرجل بسبب مشروعه هذا- ص 10).
فقد تابعت كل ما نُشر عن الفيلم، ولم أجد أي إشارة ولو بسيطة إلى أن الجهات الرسمية الأمريكية قد ضايقت المخرج أو عرقلت عرض فيلمه أو تضايقت منه. ثم أن الفيلم لا يدين الولايات المتحدة لا من قريب ولا من بعيد ولا يعرض برامجها بل لا يشير أدنى إشارة إليها إو إلى الإحتلال. بل يبرئها بصورة غير مباشرة من خلال وضع المسؤولية على “بنية” القرية العراقية التي من سماتها المتاصلة تفريخ الديكة الدكتاتوريين.
ومن ناحية شروط الفن السينمائي فلا أعرف تحت اي جنس نضع هذا الفيلم. فهو أحاديث مباشرة أمام الكاميرا لمجموعة من الممثلين، وكأنه – إذا حجبت الصورة – برنامج إذاعي. فهو لا يتمتع بأبسط شروط الفن السينمائي.
وإذا لم يكن الصديق سعد سعيد قد تابع عرض الفيلم في الولايات المتحدة والحديث عنه في المواقع الإلكترونية، فيهمني أن اكشف له الكيفية التي استغل فيها المخرج قصته هذه. فقد وضع المخرج تعريفا للفيلم على موقعه يقول :
This short film tells the story of the entire Iraq war in a four minute tale of a rooster!  Written by Saad Seed, an Iraqi writer in Baghdad
أي “هذا الفيلم القصير يخبرنا بقصة حرب العراق كاملة في حكاية من أربع دقائق عن ديك. كتبه سعد سعيد، كاتب عراقي من بغداد”.
أي أن المشاهد الأمريكي سيشاهد حكاية تلخص حرب العراق كاملة من خلال ديك سامي الذي لا يعطينا حقا ولا باطلا عن الإحتلال. بل هو يبرىء أمريكا بصورة غير مباشرة.
أما على موقع الـ IMDb وهو من أشهر المواقع السينمائية في العالم فقد كان التعريف هو:
Sami’s Cock is a animal parable written by an Iraqi writer in Baghdad. Believe it or not, he explains the entire Iraq situation in a story about a rooster
أي “ديك سامي هي حكاية رمزية عن الحيوان كتبها كاتب عراقي من بغداد. صدّق أو لا تصدّق، إنه يشرح كل قضية العراق من خلال قصة عن ديك”.
ومن الطريف أو المؤلم أن أحد المواقع السينمائية ITune Preview صنّف الفيلم كفيلم كوميدي !!
# كوابيس القيامة : نصوص عراقية – سعد سعيد – مجموعة قصصية – دار الفراهيدي – بغداد – الطبعة الثانية – 2011.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *