دون كيشوت:أريدُ الرحيل من نفسي من هذه المدن.
سانشو:هل حدث لك زلزال يستحق هذه الرغبة يا سيدي الدون؟
دون كيشوت:لا يمكن مقارنة ما يحدث الآن بزلازل الطبيعة.لقد وصل الدمار إلى الأرواح يا سانشو!
سانشو:هكذا أرى .فأنا مثلك يا سيدي الدون حبيس هذا الظلام الذي بات يضيق علينا.
دون كيشوت:ليس أفظع من ظلام النفوس.
سانشو:أعرف ذلك يا سيدي الدون.فكل منْ أظلمتْ نفسهُ،يصبح قبراً لصاحبه وللآخرين على حد سواء.
دون كيشوت:ها أنت قلتها يا سانشو.فظلام من ذلك النوع لا يفك أسراره قمرٌ ولا ينيرهُ مصباح أو تضيئه شمعة.
سانشو:كان الناس في تلك المدن أشبه بالمصابيح،فيما هم اليوم مداخن .
دون كيشوت:أجل .مداخنٌ تعبر عن كل الأشياء التي تحترق داخلها:اللحوم والرايات والورد والكتب والديانات والحب .
سانشو:إنه لألم عظيم يجرفني إلى الهاوية.هكذا أحس يا سيدي الدون.
دون كيشوت:والمدنُ تشعر بنفس ما تشعر به أنت يا سانشو.
سانشو:أعرف بأن الحجر كان أرحم من بعض القلوب التي باتت تنبض على وقع المدافع والراجمات.
دون كيشوت:لو كان أحد من هؤلاء قارئاً، لأدرك ما ستؤول إليه كل هذه الزلازل الملتهبة في صناعة الخراب.
سانشو:كلهم قراءٌ.وكلهم أميون يا سيدي الدون.
دون كيشوت:هذا هو زمن الطواحين.
سانشو:والقيادة للموت فقط.
دون كيشوت:حتى الموت سيمّل منهم يا سانشو،فيتركهم يتلذذون في تشريح جثث بعضهم ،حتى تفتح الذئاب للحومهم المطاعم لخدمة زبائن الطوائف.
أبار النصوص
نحن أرواحٌ تمتلئ ليلاً.
وكم ترانا نتقافز من كؤوسنا
إلى أضرحتنا لنغادر.
ألسنا على مشارف اللوحة.
والانقراضُ الجنةُ الممكنة.
أليس أمامنا الأحواض السوداء للصحراء
وفيها مدافن الأحلام واسعة رطبة،
ومزينة بفاتنات الثعابين.
حيث بقيةُ الحبّ تموء برومانسيتها
داخل الهيكل الجنسي.
لتشرق غباراً يتطاير بنعاسه
إلى ما فوق.
نحن..
واحداً واحداً نجدنا في جماعة
المطلق.
أجنةً حفاةً في تتلاطم في كؤوس.
بيوتنا أنابيبٌ،
ونحن من صفحات الطريق
نتسلل.
لنغسل أحلامنا بما تبقى
من سماوات.
نحن الآخر..
نبتة صبار عائمة على مياه
العقل..
ومن عندنا قبل النوم،
الأقدامُ مراكبٌ بين مداخن
التموج.
كل منا يأخذ من شارعه لقطةً،
ينام فيها على السرير.
ويا أنتَ الآخر هنا..
المائل كبرج بيزا بين شقائق النعمان..
لمَ لا تلتقط من الجليد مرآة،
لتنكسر أمام من تحب.
ويا أنت الشاهق كجوقة
من آبار الكحول.
لا تتدحرج فتنسكب ونستفيق.
ابق عالياً
فنحن نيرانك العملاقة.
وأنتَ سهرتنا المقفاة بالسيوف.
ويا أنتَ الآخر..
استخرج بيتكَ من نفسك بهدوء،
وتشرد على أسطحه بين ألغام
الخيال.
كن سحابكَ سبحانكَ الشخصي.
قبل انصراف الكحول.
غرفة الغرائز
عندما أمتثل لرياح التجريب التي أصبحت دائمة العصف والهبوب إلى درجة الإقلاع والاقتلاع،وهي عادتي التي لن أتوقف عنها كشاعر تجريبي بمهمة غامضة من مهام العالم الافتراضي الجميل،فإنني سرعان ما أقود نفسي إلى الأعماق السحرية للشعر،باحثاً عن أجمل لحظات الاحتراق مع أرواح اللغة التي هي في حالة تعدد وتكاثر تناسلي لا شبيه.
بين طبقات اللغة العميقة،ثمة شعراء جيولوجيون،لا يتوقفون بالبحث عن مناجم ،طالما تأخذهم إلى عوالم غير مكتشفة،بحيث كل شاعر باحث في تلك المناطق غير المأهولة، يقع تحت تأثير مكتشفاته.
قصائد نانو التي اهتديت إليها في عوالم مناطق تلك اللغة،ألهبتنا بسحرها الذي ما يزال عصياً عند كثير من الشعراء العرب.فهؤلاء الشعراء،طالما يدعّون الحداثة،إلا إننا وإنكم ،سرعان ما تجدونهم أشد الجدران صموداً أمام أية تجربة تحاول نقل الشعر من مراكز القوى القديمة إلى الفضاءات التي ليس لديها سجل عقاري((طابو)) ضمن دوائر صناعة الشعر العمودي أو الحر أو قصيدة النثر .
شعراء الرمل والحطب وتنكة المازوت والسرد اليومي الذي زاد قصيدة النثر قبحاً ونحولاً وتفاهة ومرضاً.
ما زالوا يعوّلون على أن الشعر مثل الحمام الزاجل،لابد أن يعود إلى المنازل القديمة التي يتحكمون بها،وهم لا يقدرون فرض السيطرة على قصيدة النانو ،لأنها أشبه بكشاش لذلك الحمام.لا تؤمن بالأقفاص ولا بزعامات تلك الأبراج الشعرية التي باتت باردة وتعاني من ترقق العظام. فالنانو مفتاح الطيران.ولأنها أيضاً،تنتمي لتراب الهواء.
بنك الخيال
النانو:الكهرباء عندما تسقطُ في الحبّ