
في الحلقة الأولى من مشروعنا المتواضع هذا رأينا ان حسين مردان ومن خلال تجربة السجن المؤلمة قلل من شأن ذاته وحاول ان يخفض من صورة تلك الذات . ولكن هنا وفي القصيدة التي أهداها الى نفسه وهي من المحاولات القليلة التي يوجه الشاعر قصيدة الى ذاته . يقول حسين مردان فيها :-
لم أحب مثلما أحببت نفسي
فإلى المارد الجبار بثياب الضباب
الى الشاعر الثائر والمفكر الحر
الى .. حسين مردان
أرفع هذه الصرخات التي انبعثت
من عروقه في لحظات هائلة
من حياته الرهيبة
ح . مردان
بغداد 26-11-1949
(الأعمال الكاملة ، الجزء الأول ، ص 11)
********************
ولد حسين مردان بتاريخ 1927 في قضاء ” طوريج ” التابع ” للهندية ” في محافظة بابل . وهذا يعنى ان عمره وقت الإهداء الذي كان يناهز 22 سنة . أي انه كان قي مقتبل العمر . ويرى مقدم أعماله * ان حسين مردان عاش في ضيق مالي أدى به ان ينشأ متمردا على واقعه ، دخل المدرسة الابتدائية في بعقوبة وكان له حضور متميز في اللغة العربية ، وحين أكمل الدراسة الابتدائية والانتقال الى المتوسطة زادت آلامه بسبب واقعه المادي واخذ يعمل في البناء لمساعدة والده . (المصدر نفسه ، ص 7) . ويفترض في عملية الإهداء وجود طرفين . المهدي والمهدى له . وعن الهدية أو الهبة التي يعرفها سليم على انها ” هبة يقدمها شخص لآخر Gift exchange وكان تقديم الهدايا من الأساليب الهامة في توزيع الإنتاج في المجتمعات القديمة ، وقد ظل فعالية اقتصادية هامة بين عدد كبير من الشعوب البدائية ، وبخاصة شعوب (أوشينيا) و‘يعتبر تقديم الهدايا ، الذي يتم في مناسبات خاصة ، كالزواج والأعياد والزيارات ، أمرا متوقعا من الأشخاص الذين يرتبطون بعلائق اجتماعية معينة . كما يقترن دائما بتوقع رد الهدية ، لأن التقاليد الاجتماعية تفرض تطبيق مبدأ (المقابلة بالمثل) . وقد يكون التبادل احتفاليا ، رغم انه يكون مصحوبا بنوع من المقايضة .. ويذهب بعض الباحثين الى ان تقديم الهدايا وردها من العلائق الاجتماعية ، وانهما ينطويان على معان رمزية ، ولذا فهما أمران لازمان ومتلازمان كذلك . وكان أول من درس ” الهدية ” دراسة انثروبولوجية اجتماعية هو (موسMauss ) ، وأول من درس التبادل الاحتفالي للهدايا دراسة انثروبولوجية مستفيضة هو مالينوفسكي ” (1) . ذلك إذن هو مفهوم الهدية والإهداء . انه ثمرة من ثمار العلاقة مع الغير . ولكننا نجد عند حسين مردان مفارقة للمفهوم . فهو هنا يلغي هذا الآخر … بل لا وجود له في حساباته . في النص حوار . ولكنه حوار داخلي .. الذات مع الذات .. الأنا مع صورتها .. مع مثيلتها … المخاطـِب والمخاطـَب واحد .. المرسل والمتلقي واحد . لا قناة هناك . المسافة معدومة . هذا الحوار .. هذه المخاطبة .. هذا التواصل .. في مجال نفسي صرف . لم يخرج من الذات قط . هذا الحوار قائم على فعل الإطراء والعجب والزهو . أنه حوار بين الذات الواقعية والذات المثالية أو التي يتمنى ان يكون عليها المرء . إذن هو حوار بين الأنا والأنا بحسب مصطلحات التحليل النفسي . بينما إذا كان الحوار قائم على فعل اللوم والعتاب عند ذاك يكون الحوار قائم على المسائلة والمعاتبة والتقريع واللوم .. ويكون بين الأنا والأنا الأعلى . هنا الأنا الأعلى ملغي تماما . مثلما نسر نرجس في الأسطورة اليونانية العالم كله وهام بوجهه الجميل عندما رأى ذلك الوجه في المرآة . وراح يعشق نفسه دون سواها . ها هو حسين مردان يعيش نفس الخبرة النرجسية لائما العالم … رافضا إياه .. محتقرا له .. متخذا من ذاته موضوعا للحب والإعجاب والافتخار … !! .
لم أحب شيئا مثلما أحببت نفسي
****************
اعتراف صريح من قبل الشاعر . علاقاته مع الغير إذن كانت مزيفة أو كاذبة أو ما شئت من عبارات . مهما بالغ في إطراء تلك العلاقات . ولذلك يمكن القول ان كل عبارته الجميلة والبراقة هي ضرب من الخداع والتضليل والتزييف . حسين مردان لم يحب غير نفسه .
فإلى المارد الجبار الملتف بثياب الضباب
إلى الشاعر الثائر والمفكر الحر
******************
ذلك إذن حسين مردان . انه المارد الجبار الواردة أخباره في دنيا الحكايات والأساطير .. المنفلت من اسر المكان والزمان .. صاحب القدرات المطلقة . صحيح انه ملتف بثياب الضباب .. أي ثياب التشرد والتصعلك والتسكع الا ان خلف هذه الثياب مار جبار .. مفكر حر . المفكر الحر هو ذلك المفكر الذي لا يأخذ بأفكار غيره وآراءهم . انه مدرسة فكرية كاملة بحد ذاتها … انه إيديولوجيا مستقلة خارجة عن الإيديولوجيات الأخرى . أنه منبع الأفكار والحكمة بل هو واهبها ومبدعها ..
**********************
إلى حسين مردان
ارفع هذه الصرخات التي انبعثت
من عروقه في لحظات هائلة
من حياته الرهيبة
*******************
عجبا أيها المارد الجبار .. لما هذه الصرخات .. لم هذه الدموع .. لما هذا البكاء .. لما هذا الأنين .. لما .. لما … ! يمكن القول إذن ان حسين مردان لم يشعر بالهدوء النفسي والأمن الروحي لحظة واحدة في حياته قط . من هنا جاء وصفه لمسار حياته ب ” الحياة الرهيبة ” . أنه الحزن كله .. العذاب كله … الالم كله .. ذلك هو حسين مردان … كما يقول …
في نفس الآن الذي يصور لنا حسين مردان بالإهداء الذي وجهه الى ذاته .. كان المارد الجبار .. هذا المارد يأخذ صورة شيطان .. ففي قصيدته المعنونة ” ميلاد شيطان .. ” يصور لنا ميلاده وكيف كان انطباع ذويه عن ذالك الميلاد . وقبل الدخول في دهاليز هذا النص لا بأس ان نرى ما هي رمزية الشيطان في التراث الانساني على وجه العموم . يخبرنا الدكتور خليل احمد خليل عن ذلك ما يلي ” ترهة الشيطانDevil قريبة من خرافات التنين والحية والوحش (حارس العتبة ، ومن رمزيات الانغلاق ..) تجاوز محور التوقيف يعني اللعنة أو القداسة ، ضحية الشيطان أو مصطفى الله . ترتبط بفكرة الله فكرة انفتاح المركز المغلق ، فتح باب والنور والوحي .
1- يرمز الشيطان الى كل القوى المخيفة ، المظلمة ، التي تضعف الوعي وتجعله يتراجع الى وسط الليل (الالتباس والغموض) في مقابل مركز الضوء (الله) : الشيطان يحرق في عالم سفلي ، الله يشع في السماء .
2- الشيطان رمز الكائن الخبيث ، الشرير ، اللعين ، مهما تأنق في أزيائه ، وتحلى في أقنعته ، وتجلى في أشكاله . فهو دوما الغاوي والجلاد .
3- الشيطان (المقسم والمبددDiabole ) هو خلاصة القوى المفككة والمهدمة لشخصية الإنسان . توصف المرأة الفاتنة بأنها شيطانية ، بمعنى أنها تجتذب قلوب الرجال (تجتذب شهواتهم إلى شهوتها) وتقسمهم وتبدد طاقاتهم ووحدتهم .
4- الجحيم ، المجال الحيوي للشيطان ، حيث يندغم الحيوان والإنسان (إبليس) .
5- على الصعيد النفساني ، ‘ يظهر الشيطان العبودية التي تنتظر كل من يظل ّ خاضعا للغريزة خضوعا أعمى ؛ لكنه يشدد في الوقت عينه على أهمية الشبق الذي يمكـّن الإنسان من التفتح والتجدد والتكاثر ، والعودة إلي بيت الله بقوة (2) .
والقصيدة على مقاطع . ويستهلها بعبارة فلسفية مبتكرة تعبر وتستلهم فلسفته العبثية . فيقول :-
الحرية : كلمة عجيبة
لا يفهم معناها غير
الحيوان .
(الأعمال الكاملة –ج1 ، ص 28)
*****************************
مفهوم الحرية Freedom من المفاهيم التي شغلت عقول كبار التاريخ . وحاولت الكثير من الفلسفات والأديان معالجتها وحلها لكن دون جدوى . وها هو حسين مردان يعالجها بكل بساطة من خلال عبارته الأنفة الذكر هذه . والواقع ان ملاحظة حسين مردان تحمل بعض الأوجه من الحقيقة . الحيوان هو وحده قادر على ترجمة واختبار فعل الحرية . الحيوان وحده يستطيع ان يفعل ما يشاء وكما يشاء دونما شرط أو قيد . أليست هذه هي الحرية ؟؟ . أن حسين مردان يريدنا ان نعيش حياة بوهيمية بمفهومها المعروف لاسيما على الصعيد الجنسي منها . المهم من كل هذه الحرية هو الإشباع مهما يكن الثمن ومهما كانت الوسيلة . وحتى لا نتشتت منذ البداية في مفهوم الحرية ، لنرى ماذا يخبرنا حسين مردان عن مولد شيطانه هذا . ومن هو المقصود بالشيطان ؟؟ . يقول الشاعر :-
يا يوم مولدي المشؤوم ما فتئت
ذكراك تزعج أهل البيت أحيانا
فهل أتيت الى الدنيا لأملاها
خزيا وعارا وأحزانا وكفرا
*****************
ما علاقة مولده .. اعني مولد الشاعر بمولد الشيطان ؟ . هل يعتقد أو يتصور ان يوم مولده هذا هو إيذانا بمولد الشر في العالم ؟ . بمعنى أدق هل يرى نفسه هو المسؤول عن شقاء العالم وعن وجود الشرور فيه . هناك مسألة مهمة وهي هذا الإحساس بالدونية والشعور بالنقص لدى الشاعر معززا من قبل إيماءات وإشارت أهل بيته نحو يوم المولد هذا ، خصوصا إذا كان هذا المولود قد ولد ومعه عاهة ما أو اقتران يوم مولده بمصيبة ما نزلت على أهل بيته . وهذا ما يعنيه الشاعر بقوله :
ذكراك تزعج أهل البيت أحيانا
*******************
معنى هذا ان لدى حسين مردان بما يسمى بلغة الطب النفسي Stigma أو علامة أو خاصة جسمية التصقت به منذ طفولته حتى وسم بها فيما بعد . وقد علقت في ذاكرة الشاعر ومن ثم في لاوعيه تلك الاماءات والاشارت التي كانت تدور حوله أو حول عاهته . وهل تطورت تلك الذكريات الى ما يسمى بإيماءات الإشارة التي يعاني منها مرضى فصام الاضطهاد مثلا ؟؟ . النتيجة التي يخرج منها حسين مردان من يوم مولده هذا انه جاء ليملأ الدنيا خزيا وعارا وأحزانا وكفرا . ومن الواضح ان مفردات الخزي Shame والعار إنما هي دالات على السلوك الخلقي المشين الذي سيرافق الشاعر طوال حياته . والحزن هو رايته في تلك الحياة .. بينما الكفر دالة على موقفه المعرفي من العالم واعتناقه للمذاهب المادية أو الإلحادية أو العبثية . الا انه لا يبدو سعيدا بذلك . فهو متشائم من يوم مولده هذا . من هذا التشاؤم ينطلق الشاعر في المقطع الثاني الى وصف لمسار نظنه مسارا شبقيا . فهو يقول :-
شربت ألف حياة في غضارتها
فما ارتويت ولن ينهد جبار
كأنني جذوة حمراء من سقر
لا تطفئ النار في أعماقها النار
(المصدر نفسه ، ص 28)
**********************
لفظ الألف له عدة رمزيات واستخدامات عرضها الباحث الدكتور عمر الدقاق في موسوعته .. ومن بين هذه الرمزيات التي يوردها هذا الباحث ” رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ” كناية عن ضرورة التحلي بالصبر والتفاؤل بالخير ” وأيضا شاع ورود لفظ الألف بقصد المبالغة والتكثير … “(3) . والشاعر هنا يستخدم هذا اللفظ للدلالة على التكثير والمبالغة على ما يبدو . هنا نجد نفس استعراضي لبطولات الشاعر الشبقية والتي لا ولم ولن ترتوي … ولذلك كان وصفه لنفسه بالنار وصفا سليما ودقيقا . حسين مردان بهذا المعنى بركان شبقي ثائر إذن .
لنرى كيف يصف لنا حسين مردان صورته عن ذاته وهل هو راض ٍ عنها في المقطع الثالث حيث يقول :-
رقصت فوق يد الأهوال مبتسما
عشرين عاما فلم اتعب ولم أنم
وعشت في عتمة الماخور منطرحا
فوق اللحوم فلم اشبع ولم أقم
(المصدر نفسه ، ص 28)
*****************
ها هو حسين مردان مستمر في استعراض بطولاته وقدراته الخارقة متحديا الزمان والمكان والقدر والشدائد وكل ما يجول في الخاطر .. وهو في كل هذا مبتسما لا يأبه لشيء . اين كان يعيش لمدة عشرين عاما ؟ . هناك ، في تقديرنا ، تناقض في بنية النص . الذي يعيش في عتمة الماخور منطرحا .. كيف له ان يعيش فوق اللحوم ؟ وهو يقصد ، بالطبع ، لحوم أجساد النساء .. وكانت النتيجة النهم والشره وعدم الإشباع والإلحاح في ذلك . لكننا نجد في المقطع التالي ان هذه الشراهة وذلك النهم قد أصابهما الفتور والملل . وفي تقديرنا ان مرد ذلك ليس الى في الرغبة الجنسية في جانبها البيولوجي بل في البعد النفسي لها . الواقع ان حسين مردان يركز على الجانب الأول في كثير من قصائده . لكنه هاهنا سيجد ان هذه اللذة بدون الأمن النفسي لها لا تساوي شيئا . نحن أمام مفارقة أخرى عند حسين مردان . بل اعتراف من نوع آخر . ترى هل مل النساء لأنه لم يجد من تفهمه منهن .. فالنتيجة هي سئمهن وضجرهن … يخبرنا حسين مردان عن ذلك السر الذي ظل حبيس صدره لأعوام طويلة .. فيقول :-
وجئتني اليوم تبغين الهوى قبلا
بيضاء تنضح بالأحلام والأمل
هيهات لم تترك اللذات في شفتي
يا منية النفس غير القيح والملل
(نفس المصدر ، ص 29)
********************
هذه المرة هي التي جاءته تبغي الهوى . حسين مردان ، هنا ، يتقمص دور دون جوان .. النساء يبحثن عنه .. انه فارسهن الأجمل .. الأشجع … كعادته يتغنى بجملها وبياض جسدها .. ولكن نفسه وقلبه ممتلئان بالحسرة والخيبة .. ترى هل أصيب بالفتور أو الخور الجنسي أم انه وصل الى قناعة ما مفادها : الجنس ليس الغاية في الوجود ؟؟ .. بل الحب . هنا أصبح حسين مردان يميز بين الحب والجنس على ما نعتقد . هيهات ان تجدي ضالتك عندي يا منية النفس . اللذة قد سحقتني … دمرت كل كيانه صيرته قيحا وملل .. تلك هي النجية إذن . انه يعيش أحزان الندم . لكنه سوف يصحو من سباته هذا وسوف يدرك انه كان يخدع ذاته عندما كان يدعي الطهر . وسوف يفاجئنا حسين مردان بجانب خفي من البنية الخلقية لأسرته .. قد تكون رمزا لمفهومه عن الطبيعة الإنسانية . لنرى ما هي تلك المفاجأة التي لدى حسين مردان . يقول :-
أأدعي الطهر والدنيا بأجمعها
تطفو وتغطس في مستنقع نتن
أنا وأختي وأمي والورى وأبي
تسري بأصلابنا الأرجاس من زمن
(المصدر السابق ، ص 29)
*************************
أليس من حقنا القول ان حسين مردان له شوائب على أسرته !!! . معاذ الله . لكن هو الذي يدفعنا الى مثل هذا الزعم . صحيح انه قد بدأ بنتانة الدنيا ولم يستثني أحدا منها حتى أسرته . إذن كم كان البون شاسعا والمسافات النفسية متباعدة بينه وبين أفراد أسرته .. أخته .. أمه .. أباه .. .. الجميع تحت وزر الخطيئة والإثم . في المأثور الإسلامي هناك تصور يقول ” كل بني آدم خطاء …. ” حسين مردان يستلهم هذا المأثور إذن . وهو ليس ببعيد عن التصور المسيحي للخطيئة الأصلية لآدم وزوجته حواء إن لم يك صورة منه . سنرى ان الشاعر سيشير الى هذا في مقطع آخر من القصيدة الحالية . يقف الشاعر مرة الى يوم ميلاده . لنرى كيف كانت تلك الليلة ؟ يقول حسين مردان في ذلك :-
ولدت في ليلة رعناء باركها
رب الجحيم فلم يعلم بها الله
فجئت في صورة شيطان فارتعدت
على شفاه عذاري الحب اواه
(المصدر السابق ، ص 29)
*******************
لقد وصفها وهو إذن و لا احد غيره كيف كانت ليلة ميلاده . كانت ليلة رعناء !!! . تقول الأساطير انه حينما يولد الطفل الموعود من السماء فثمة علامات كونية عديدة تحدث وتظهر علامة على مولد هذا الطفل الإلهي … نجم من السماء .. نور من الشمس .. أطياف قوس قزح وما الى ذلك من الإشارات والعلامات الدالة على مولده .. ها هو حسين مردان يشترك مع أبطال الأساطير هذه ولكن بصورة مختلفة . فبدلا من مباركة الآلهة وتهللها في الحدث العظيم ، يبارك الشيطان ليلة مولد حسين مردان . ولا ادري مدى اطلاع حسين مردان على تلك المأثورات الأسطورية بخصوص ميلاد البطل لكي يقارن نفسه بها ولكن بصورة معاكسة . ولكن ما يلفت النظر في تلك الليلة انها حدثت من غير علم الله !!! . وكأني بالشيطان مارس لعبة الخداع مع الله وسرق حسين مردان من لدنه !! . لأنه خليفته الموعود ولذلك بارك تلك الليلة . ونعتقد ان الاخيولة التي تدور في ذهن حسين مردان هو انه وليد صراع بين القوى الخيرة والشريرة في كوننا العجيب .. ومن هنا تكمن عجائبيته .. انه كائن فريد وليس مثلنا نحن البشر .. وهكذا ولد حسين على صورة الشيطان بدلا من ان يولد وهو على صورة الله … ماذا كانت النتيجة ؟ .. النتيجة هي كما يقول هو نفسه :-
فجئت في صورة الشيطان فارتعدت
على شفاه عذاري الحب اواه .
*******************
لقد حاك حسين مردان يوم مولده على هذه الصورة ليكون مركز استقطاب عذارى الكون كله .. ولا يهمه ان يكون مباركا من الله أو ملعونا منه قدر ما يهمه الوصول الى هذه النتيجة التي تلبي نرجسيته البوهيمية … وعلى الرغم من انه كان ينظر الى الطبيعة الإنسانية من منظور تبنى الخطيئة الأصلية فان هذا التبني إنما هو تلبية أو تبريرا لتلك الحاجة النرجسية . ومن هنا ، في اعتقادنا ، اهتمام حسين مردان بسفر نشيد الإنشاد للنبي سليمان ** . وفي المقطع التالي إشارة واضحة الى تبني حسين مردان مفهوم الخطيئة الأصلية وسقوط الجد الأول آدم وطرده هو وزوجه من الجنة … يقول الشاعر :-
قد كنت أزعم اني بشر مثلكم
لو لم يكن*** جدكم في الأصل حيوانا
مجموعة من الجراثيم مشوهة
تدب في جنبات الأرض ألوانا
(المصدر نفسه ، ص 29)
****************
في تقديرنا ان حسين مردان ، هنا ، يتبنى نظرية دارون في أصل نشوء الإنسان . وقام بعد ذلك بتوظيفها لتفسير السلوك الانساني في مجال الأخلاق .. و لا عجب في ذلك لأن حسين مردان عاش في جيل تبنى التصور الماركسي للتاريخ .. و لا يخفى علاقة الفهم الماركسي للتاريخ ومدى تأثره بمذهب دارون في أصل الإنسان هو ونظيره الفهم الفرويدي في نشوء التاريخ الجنسي له .. هذا الجيل من الشعراء الذين يحلمون ببناء بغداد على غرار موسكو الحمراء كما فعل البياتي وسعدي يوسف وبلند الحيدري وغيرهم … إذن هو هذا هو آدم في نظر حسين مردان .. كائن محشو بالجراثيم المشوهة لتدب في الأرض .. تقول الفرق الباطنية والصوفية ان ادم كان يتمتع بسبع مزايا روحية .. لنرى ماذا يقول شبل في معجمه عن آدم ” الإنسان الأول خلق ذات يوم جمعة (الخامس من نيسان / ابريل) من العام واحد . ولكونه خالف ما نهاه عنه الله الذي جعله خليفته في الأرض (البقرة :30) زعم بعض علماء الكلام انه طرد من الجنة ، مع زوجته حواء ، التي صنعت من إحدى أضلاعه والتي لم يأت القرآن على ذكر اسمها (الأعراف : 19 ) . ولكن الشيطان نجح في غوايتهما (البقرة : 34) . أما عند المتصوفة فقد كان آدم يتمتع بسبع مزايا روحية ، تلك المزايا التي نسبت الى الله ، لكن مزايا آدم كانت محدودة ، ألا وهي المعرفة ، الإرادة ، القدرة ، السمع ، البصر ، الكلام . ونسب إليه الفقهاء أنه بني الهيكل الأول في الكعبة ، على أساس أن مكان السقوط كان في جوار مكة . وبفعل نقطة الاصطدام الخيالية هذه يكون آدم مسهما في رمزية المركز الكوني والجغرافيا المقدسة (4) .. الا ان حسين مردان لا يرى في هذه المزايا الا صورة وشكلا من أشكال الخداع ينبغي ان ننتبه إليه . يقول الشاعر في هذا الصدد :-
لن يخدع النور مثلي في وجوهكم
فكل قلب للرجس شيطان
يمتص بعضكم بعضا
للسلم والحب تضليل وبهتان
(المصدر نفسه ، ص 30)
********************
حسين مردان على دراية واستبصار عميقين بالطبيعة البشرية ، على زعمه هو ، ولذلك فهو ولا ولم ولن ينخدع بالنور والهالة التي تظهر أو يظهرها له الآخرين فهو ، كما ، قلنا على دراية بدوافعهم ونواياهم وتوجهاتهم . يعتقد حسين مردان انه خبير نفسي من الطراز الأول . لعل هذا الاعتقاد مرده خبرته العميقة مع الناس . لا ننسى هنا مقولة سارتر ” الآخرون هم الجحيم ” . يبدو لنا ان حسين مردان يستلهم هذه المقولة ويوظفها لوصف شرانية الآخر ودوافعه ومكنونات طبيعته العميقة . ولكن الجميل في الامر ان حسين مردان لا يستثني أحدا من هذه الشرانية أحدا حتى نفسه . وهذا ، في تقديرنا ، استبصار سليم للطبيعة الإنسانية على العموم . لنرى كيف يصل حسين مردان الى قناعة عن نفسه انه خبير بخفايا البشر وخداعهم .. يقول الشاعر :-
ان القناع الذي يخفي حقيقتكم
قد بات رثا عديم اللون مثقوبا
تطل من ألف شق ذاتكم
شوهاء تضحك مخدوعا ومرعوبا
(المصدر نفسه ، 30)
********************
حسين مردان يستخدم مفردة القناع mask في دلالتها وسياقها الصحيحين . لا بأس من الوقوف قليلا عند رمزية القناع كما يستعرضها الباحث اللبناني الدكتور احمد خليل احمد في معجمه فيقول :-
في المشرق ، تتباين رمزية القناع بحسب استعمالاته . نماذجه الرئيسية هي : القناع المسرحي ، القناع الاحتفالي (الكرنفالي) ، القناع المأتمي .
1- القناع المسرحي ، وهو أيضا قناع الرقصات المقدسة ، لون من ألوان تجلي الذات الكلية . لا تتبدل شخصية حاملة تماما ، مما يعني أن شخصيته ثابتة ، وأن ذاته لن ‘تصب بأي عدوى . لكن تكيف الممثل مع الدور هو الهدف الحقيقي للتمثيل بالذات .
2- القناع الاحتفالي ، في مجلاه اللاواقعي وأشكاله الحيوانية ، هو الوجه الإلهي ، وبالأخص وجه الشمس الذي يخترقه شعاع النور الروحي . لكنه يرمز أيضا إلى الوجه الشيطاني .
3- القناع المأتمي هو النموذج الثابت للميت ، للمومياء ، الذي تنحبس فيه أنفاس الفرد أو نفسه الضالة ، وتفقأ عينا الميت ، تدليلا على مولده في عالم آخر .
4- في الرقص ، ترمز الأقنعة الى نهاية الأعمال الموسمية (فلاحة ، بذار ، حصاد) نهاية أحداث الأصول وتنظيم العالم وكذلك نهاية المجتمع .
5- تؤدي الأقنعة وظيفة اجتماعية : الاحتفالات المقنعة هي حركات كونية تجدد الزمان والمكان ؛ وهي وسيلة لتخليص الإنسان وقيمه من الانحلال الذي يصيب كل شيئ في الزمن التاريخي . إلى ذلك ، تعد الاحتفالات المقنعة مشاهد ترويحية ، يعـّين الإنسان في خلالها ، مكانته في العالم ، ويرى حياته وموته المرتسمين في دراما جماعية .
6- للقناع دور خطير بالنسبة الى حامله ، الذي يتماهى به ، فيغدو مسكونا بروحه أو رمزه (القناع غيبوبة ثابتة) .
7- من القناع (Prosopon) جرى اشتقاق اسم (Personne) الشخص المسرحي . هذا القناع المسرحي يحدّد شخص حامله (ملك ، عجوز ، امرأة ، خادم ،إلخ) ، إنه رمز هوية وماهية .
8- حديثا انتقلت الأقنعة الى الملابس ، لاسيما ملابس الشباب ، التي تبدو كلوحة إعلانات (5) .
لن نصادر حسين مردان ونقول انه كان على علم ودراية بكل هذه التفصيلات عن رمزية القناع واستخداماته بل نقول انه كان على دراية بها على أدنى حد ممكن . المهم في الأمر انه كان مدرك للعلاقة بين الدال والمدلول في هذه الإشكالية .والمقطع الذي وقفنا عنده لهو دليل كاف على ما كان حسين مردان يود ان يقوله . واترك أمر الأسلوبيات والجوانب الفنية في النص الى المختصين في هذا الجانب. والنقطة الأساسية التي تهمنا ، هنا ، هي في اعتقاد الشاعر بأنه خبير بتلك الأقنعة والألاعيب التي يمارسها الناس سواء ضد حسين مردان نفسه أو في ما بينهم . فذاتهم تبدو شوهاء من خلال ذلك القناع الرث والممزق وذوي الألف شق . حسين مردان ليس بحاجة الى مهارة أو خبرة للكشف عن تلك الأقنعة أو الحجب التي يرتديها الناس للتعبير عن سلوكهم أو دوافعهم ونوياهم . انه بهم للخبير إذن !! . في غمرة الصراع مع الآخر تداهم حسين مردان ذاكرته ذكرى الأب .. هذا الذي كان سببا في عذاب ومأساة حسين مردان . الشاعر تائه .. يهيم على وجهه . قدماه تأخذه الى حيث تشاء لا الى حيث يشاء . الفرق بين الحالتين ، على المستوى النفسي ، كبير . فحينما تقود القدمان صاحبهما يكون أشبه بالروبوت علاوة على ذهوله وتيهانه ، بينما في الحالة الثانية يكون في حالة استبصار ووعي مدرك لذاته . انه شكل من أشكال مرض عجز الارادة aboulia وهو كما يعرفه الحفني ” العجز المرضي عن إصدار القرارات وتنفيذها ، كأن يأتي المريض الى بداية الطريق مثلا ، ويتوقف دون حراك لفترة طويلة ، غير قادر على اتخاذ قرار . والابوليا احد أعراض الارادة المضطربة (6) . على طول مسار القصيدة لن يجد القارئ إشارة الى رحلة أو مسيرة يقوم بها الشاعر . انه سرد في الزمان وزمان ذاتي فحسب . في هذا المقطع فقط الشاعر يتجول في المكان .. الشاعر ، كما قلنا ، تائه في صحراء هذا الوجود . الآخرين بالنسبة الى حسين مردان هم الجحيم .. هم الكذب .. هم الخيانة .. هم التضليل .. هم الخداع .. ففي غمرة هذا اليأس .. هذا الفشل الوجودي .. اعني الفشل في التوافق مع الآخرين . وسواء أكان هذا الفشل مرده عدم كفاءة الشاعر أم مرده الى التفاوت القيمي بينه وبينهم . المحصلة واحدة . أي ان هناك مسافة نفسية عميقة بين الاثنين . يعيش حسين مردان ما يمكن تسميته بالنكوص والتقهقر الى مراحل الطفولة الأولى . لنرى ما هي تلك الذكرى التي أزعجت الشاعر وجعلته يشمئز أكثر من اشمئزازه من عالم الآخرين هذا ..؟ هذا ما يتجلى لنا في المقطع التالي ، حيث يقول الشاعر :-
رأيت قبر أبي بالأمس منهدما
تحنو عليه شجيرات من التين
فهل أقول لكم اني بصقت على
ترابه باحتقار لاعنا طيني
(نفس المصدر ، ص 30)
أليس هناك تناصا سيكولوجيا بين حسين مردان وشاعر المحبسين المعري في هذا المقطع . ألم يوصي المعري بأن يكتب على قبره حينما يموت :
” هذا ما جناه على أبي وما جنيت‘ على احد ِ”
نميل الى الظن ان هناك تناصا على الصعيد بين الاثنين . بل يمكن القول ان حسين مردان كان متماهيا مع المعري لكن بثورية انفجارية متطرفة إذا صح التعبير .. قبر الأب ، كما يصفه الشاعر ، منهدم لا تحنو عليه سوى شجيرات من التين .. انه رمز التهميش والإهمال والإقصاء والنبذ .. فإذا كان هذا هو مصير الأب فكيف يكون مصير الابن إذن .. ان سلوك البصق إنما هو سلوك أودييي واضح المعالم .. والإمعان في النزعة الاوديبية يتجلى من خلال مفردة ” باحتقار ” . انه يلعن الطين لأنه لديه احساس عميق بالكراهية نحو الذات . ينهي حسين مردان قصيدته هذه وهو كله تشاؤم وخيبة في العالم وساكنيه .. ها هو يقول :-
إني لأبصر طيف الإثم منتصبا
في كل منعطف تعنو له الناس
فلتفعلوا بي ما شئتم فكلكموا
يا ساكني الكوكب المنحوس أنجاس
(المصدر نفسه ، ص 30)
*********************
تلك هي المحصلة إذن التي خرج بها حسين مردان من خلال تجربته وخبرته بالعالم هذه المحصلة قادته إلي حيرة وضياع زمكاني حتى انه فقد الإحساس بالانتماء إلى جذوره.. ليس هذا فقط بل يمضي ويعانق عذاب شهوته وشبقيته .. ففي قصيدته المعنونة ” وأخيرا هذا القلب ” يكشف لنا الشاعر عن مكنونات عذابه وصراعاته مع جسده الذي كان سببا لهذا العذاب والشقاء .. وكالمعتاد في اغلب فصائد الشاعر فهو يضع لها عبارة أو جملة تعد مفتاحا لعوالم القصيدة . وعبارته لهذه القصيدة رسم عميق للصراع النفسي الدائر بين جوانحه .. يقول حسين مردان في هذه العبارة :-
اذا لم تجد الشهوة جسدا ً تأكله
فهي تأكل جسم صاحبها .. !
(المصدر نفسه ، ص 225)
*****************
واضح هنا ان حسين مردان يتكلم عن طرائق التعبير عن الانفعالات وتسمى طريقة التعبير expressionوهي دراسة وقياس الانفعالات والمشاعر عن طريق ما يحدث في الجسم من تغيرات تصاحب هذه الحالات (7) . وعندما تتعطل هذه الوظيفة تدعى بالأفازيا التعبيرية expressive aphasiaوهي الحبسة أو العجز عن الكتابة أو الكلام أو التعبير عن النفس أو الأفكار ، وعكسها receptive aphasia أي الحبسة الحسية أو التلفية . والوظائف التعبيرية هي التي من شأنها التعبير عن الفرد ، بالوجه أو الصوت أو الحركات والإيماءات ، والحركات التعبيرية هي الحركات المعبرة ، وخاصة حركات الوجه والجسم (8) . ولكن قارئ القصيدة سيرى ان حسين مردان لا يترجم هذه العبارة من خلالها .. اعني من خلال القصيدة .. وسوف نجد ان حسين مردان يخلط ما بين موضوع الشبق وسبل إشباعه وما بين ضياعه الذاتي وبحثه عن هويته . وبعبارة أخرى فانه يعتقد انهما صورتان لحالة واحدة . تاريخ الشبق هو تاريخ الذات . ذاك السبب وهذه النتيجة .. وبالنتيجة فإننا نرى ان الشاعر لم يك موفقا في عبارته التفسيرية الشارحة لقصيدته هذه . ضياعه هو بسبب عدم الارتواء النفسي علاوة على الشبقي . يقول الشاعر :-
إلى أين ؟
لا ادري
أسير بلا هدى
أحدق في كل الوجوه واضحك
وأرنو الى ظلي بعين بليدة
يغفلها **** لون من اليأس مهلك
إلى أين ؟
لا ادري
أسير لعلني
أرى شبحا مثلي عن السم يبحث
لنغطس في حان بعيد مغرب
نغيب مع الأوهام حينا ونبعث
إلى أين ؟
لا ادري
سأبقى بلا غد
(نفس المصدر ، ص 225)
***********************
هذه الأين سوف تلازم الشاعر في مجمل القصيدة . ان التكرار يفيد الإلحاح أو ان ثمة رغبة ما لم تتحقق أو لم تشبع . من هنا هذا الإلحاح في التكرار . الشاعر ضائع في متاهة الوجود .. بل قل في صحرائه القاحلة .. الجافة … اليابسة الجرداء .. لا واحة ماء فيها … وفي المقطع ميولا انتحارية واضحة ومحاولة تغييب الوعي وقطع صلته وقد عبر الشاعر عن رغباته الانتحارية تلك من خلال عملية بحثه عن السم والغطس في حانة بعيدة عن العالم . كان الشاعر قبل قليل يسير في الشارع وهو في حالة من ما يمكن تسميته بالشرود Fugue وهو” حالة نسيان طويلة الأمد يترك المريض بيئته الأصلية ليحيا حياة جديدة ، وتقع معظم حالاته بين تلاميذ المدارس الداخلية والمجندين (9) . وهناك شرود أكتائبي وصرعي وهستيري (10) ، وطالما يتحدث حسين مردان عن ميول انتحارية ولون من اليأس ونوع من لوم الذات فسيكون من السهل وضع شروده ضمن الشرود الاكتئابي . واليأس عنده ليس فقط من الحاضر الذي يعيشه بل من غده الذي لن يتوقع مجيئه أبدا . سيبقى بلا غد كما يقول . ويتابع حسين مردان ممارسته لفعل كراهيته نحو الذات ولومها وإنزال العقاب بها بقوله :-
أمزق صدري بالدخان واكفر
وابصق حولي في عناد كأنني
أقول لحظي منك يا حظ اسخر
الى أين ؟
(المصدر نفسه ، ص 226)
******************
حسين مردان ، هنا ، في مواجهة الذات . ولكن إيه مواجهة ؟ انه ليس بفخور بها ولا إحساس بالقيمة نحوها . تمزيق الصدر بالدخان هو عقاب إرادي نحو الذات وهو محاولة للإسراع بالتوجه نحو الموت والفناء والغياب عن العالم . حسين سجين الحاضر وأسير له .. لا وقت لديه للتفكير في الغد .. وإذا كان كل الحاضر عذابا في هذا الماضي فكيف يكون له المستقبل إذن . هو الآخر عذاب ومشقة وألم . مرة أخرى يبصق حسين على العالم . رأيناه يبصق على قبر أبيه لاعنا طينه .. ها هنا يبصق عل كل من حوله أي على العالم بأسره . انه يسخر بل يسخط من الحظ . حظه العاثر أبدا .. يتابع حسين سرد مسيرته وصراعه مع العالم فيقول :-
وانهدت خطاي ولم اعد
ارى غير وجه بالخداع مخصب
وخال صغير فوق خد مجعد
وخصلة شعر فوق جفن معذب
هنا ..
خلف ذاك الباب خلف وسادة
مطرزة الأطراف تغفو عشيقتي
(المصدر نفسه ، ص 226)
********************
هنا ينتقل حسين مردان الى عالمه السري .. عالمه مع النساء .. حسين مردان لا يتحدث عن واحدة معينة اتخذها موضوعا للحب .. بل هو يصفها بالعاهرة والراقصة وبنت الليل وهنا يسميها عشيقته . وهذه كلها دلالات على بوهيمية حياة الشاعر وعبثية سلوكه الجنسي .. لقد وصف عشيقته هنا ، هي الأخرى بعلامات التعب والإجهاد والوهن والملل .. لقد غفت عشيقته من فرط ما أعطته من شهوات جسدها الساخن وها هي في سبات مزيف كما سوف يصفها في المقطع الأخير من القصيدة .. حيث يقول :-
وقطرت قلبي فوق ثغر ملوث
يرف على شطيه شوق مزيف
وخلفتها عرى تلملم ثيابها
وتهمس في صوت رخي وتهتف
إلى أين ؟
لا ادري
أسير بلا هدى
أفتش عن شبر من الأرض مهمل
(نفس المصدر ، ص 226-227)
*************************
الهوامش :-
* هو الدكتور عادل كتاب نصيف العزاوي .
1- د . سليم ، شاكر مصطفى ، 1981 ، معجم الانثروبولوجيا ، جامعة الكويت ، الكويت ، ط1 ، ص 398 .
2- د . خليل ، أحمد خليل ، 1995 ، معجم الرموز ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص 100- 101 .
3- د. الدقاق ، عمر ، 2006 ، موسوعة الأعداد ، دار فصلت للدراسات والترجمة والنشر ، حلب ، سورية ، ط1 ، 341-346 .
** سوف نتناول هذا الاهتمام في حلقة أخرى .
*** هكذا وردت في الديوان .
4- شبل ، مالك ، 2000 ، معجم الرموز الإسلامية ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص 9 .
5- د. خليل ، احمد خليل ، نفس المصدر السابق ، ص 139-140 . وأيضا ؛ سليم ، مصدر سابق ، ص 604-605 .
6- د . الحفني ، عبد المنعم ، 1978 ، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي ، دار العودة ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ج1 ، ص 4 .
7- د. الحفني ، عبد المنعم ، المصدر السابق ، ص 291 .
8- د. الحفني ، عبد المنعم ، المصدر السابق ، ص 292 .
**** هكذا وردت في الديوان .
9- د. الحفني ، عبد المنعم ، المصدر السابق ، ج1 ، ص 320 .
10- د . الحفني ، عبد المنعم ، المصدر السابق ، ج1 ، ص 320 .
ملاحظة : الآراء الواردة في النصوص والمقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.