ناظم السعود : في الطريق إلى مؤتمر القمة الثقافي!

لو قال لي واحد من الواهمين او الحالمين ان هناك حدثا ثقافيا سيعقد في العراق تحت عنوان ( مؤتمر القمة الثقافي ) لما صدقته على الفور ، ولو قيل ان هناك من يضع الخطط ويعدّد الاستعدادات لإقامة مؤتمر شامل بمسمّى ( القمة الثقافية ) فمن المؤكد أنني سأحيل القول الى دائرة الهذر الثقافي وتفرعاتها ونشطائها وما أكثرها .. وما أكثرهم ! ، من الصعب جدا على واحد مثلي قضى ثلثي عمره في عالم ضاج بالأكاذيب والهزؤ من أي شيء له صلة بالثقافة والنظر الى شؤون الثقافة والمثقفين بنظرات الاستصغار والقصور والتجني أن ينتبه إلى عنوان ضخم مثل ( القمة الثقافية ) ويكتشف وجودا كبيرا للثقافة الى حد ان يتم التفكير بعقد مؤتمر موسع لها على مستوى ( القمم ) !!.
في العام الماضي ( 2011 ) حدثني القاص والناشط الثقافي محمد رشيد عن عزمه تنفيذ مشروع طموح هو الأول من نوعه ، هو غير مسبوق عراقيا وعربيا بكل تأكيد ، وفحوى هذا المشروع هو عقد مؤتمر ثقافي بأسم ( مؤتمر القمة الثقافي الأول ) والحقيقة أنني اندهشت لما سمعته فمعنى هذا أننا أمام حدث تأسيسي لم يجرؤ احد من المشتغلين في الشأن الثقافي ولا فكرت جهة رسمية او أهلية  بإمكان عقد هكذا مؤتمر يرتقي الى مستوى (القمم) فكيف إذا كان صاحب المشروع أديب عراقي لا يملك في هذا الدنيا إلا طموحاته وتضحياته وخساراته التي أوصله بعضها الى المحاكم ؟! .
     أي معنيّ بالعمل الثقافي العراقي يعرف جيدا – لو كان متوازنا في داخله- يعرف ان سيرة محمد رشيد كانت بيضاء طوال العقدين الأخيرين وانه اندغم بإنشاء مشاريع ونفذ مقترحات لا يمكن الا توقيرها والنظر إليها بمستوى الإكبار والظن الايجابي والكثير منها اخذ شهرة عربية ودولية متصاعدة ولهذا حين يبادر هذه المرة ويقيم مؤتمر قمة ثقافي فهو مستند آخر على جديته ورصانته والتماهي مع العمل الثقافي كمشروع حياة له بل انه لا يحسب للحياة من معنى الا بوجود ثقافي متفاعل معها ويتقدمها في أحيان كثيرة والذي يتابعه منذ أواسط التسعينات في القرن الماضي يتيقن من هذه الحقيقة .
وإذا ما عدنا الى مسعاه الجديد الذي أسّس له ونفذّه أواخر العام الماضي
( تشرين الثاني 2011 ) سنجد أننا أمام حدث ضخم لا يبارى فهو مشروع ثقافي طليعي قد يكون من الصعب الإقدام على تفعيله على الأرض من قبل جهات مركزية فكيف تصدى له مجموعة من المثقفين الغيورين يتقدمهم أديب متقد الروح بين المغامرة والجسارة ؟! .. هو يرسم الدرب هكذا ((منذ عام 2006 ودار القصة العراقية وعدد من المثقفين المخلصين يحلمون بإقامة (مؤتمر قمة ثقافي) يناقش ما جرى للمثقف والثقافة العراقية منذ عام 1980 والى الآن كون الظروف التي مرت على العراق والمثقفين العراقيين كانت صعبة للغاية منها (حرب) غبية استمرت ثمان سنوات و(حصار) اخرق حرق الأخضر واليابس لمدة ثلاثة عشر عاما و(حرب عالمية) صادرت أحلامنا الوردية  و(احتلال) اسود اغمد خنجره في خاصرتنا لسنين طوال و( إرهاب ) أعمى ذبح أخي علي وأخي عمر  و…و.. الخ .
هذه الأحداث أثرت بشكل سلبي على حياة المثقفين ومن جميع الجوانب مما يتطلب منا جميعا أن نتكاتف ونعمل بشكل جدي وميداني لإعادة  التوازن ولو قليلا حتى نعيد للمثقف العراقي هيبته .
ان ثمرة هذه ( القمة الثقافية) هي ايجاد حلول منطقية ميدانية فاعلة  تسهم في خروج المثقف العراقي من هذه المحن والأزمات التي زج بها قسرا دون رغبته وإرادته )) .
هكذا رسم رشيد طموحه المدخّر في انتشال الثقافة من سلبياتها ومحنها ودرء مفاسد العابثين بها والمتاجرين باسمها  .. فكيف يمكن لمبتلى مثلي الا يقول كلمته في محفل ثقافي ريادي كهذا ؟!.
حين أشارك – بمعونة الله – في مؤتمر القمة الثقافي الجديد( 25- 11- 2012 ) سأقول وأواجه المؤتمرين بالمعضلة والسؤال :
من المؤكد ان هناك تحولات كبيرة ( وبعضها ريادي ) تحققت عيانا للثقافة العراقية وكان لها نصيبها من الذيوع والانتشار في المجال الإقليمي والدولي لكن السؤال المحرق هنا هل استجابت جهة ما او عنوان محدد لتلك التحولات وكانت عونا وساندا لها؟
عليّ أولا قبل الإجابة ان أتساءل : كيف يمكن لجهة ما(حكومية او غير حكومية) ان تظهر استجابتها لهذه القضية او تلك..سلبا او إيجابا؟ يحصل ذلك في حالتين اثنتين:ان كان هناك تشريع يمنحها او يقنّن لها الاستجابة،او تكون هناك مبادرات او مناخ عام يتيح لها ان تقدم استجابتها بهذا الشكل او تلك الصيغة،وإذا انطلقنا من هذا التمهيد الى السؤال المطروح فسنقول ان الحكومات العراقية المتعاقبة لا يمكن(في ظل براهين)ان تكون لها استجابة مؤثرة او ساندة للتحولات التي جرت او التي تجري في الساحة الثقافية العراقية وذلك لانتفاء الحالتين المذكورتين أعلاه:فليس هناك من مادة دستورية او تشريع قانوني نافذ يكيف او يمنح الحكومة صلاحيات ملزمة او إجراءات قانونية للتعامل مع النشاطات او التمظهرات الثقافية ولا سيما الريادية منها،ثم ان هناك جفافا مريعا في مستوى المبادرات الساندة والحاضنة للثقافة بانماطها ومنتجيها وهذا حدث ويحدث في ظل مناخات سالبة ولا اقول قامعة لكل ما يحسب في خانة الثقافي(وهذا بالطبع يعم بأشكال متفاوتة على الحكومات المتتالية منذ نشوء الدولة العراقية1921)
فكيف تنهض الثقافة إذن وتنمو وتتجدد في ظل أحوال قاتمة كالتي وصفتها؟
لا بد ان أوضح هنا ان هذه الثقافة تعاني من خلل وجودي خطير وهو انها تتسم بكونها ثقافة أفراد وليست ثقافة مؤسسات وهذا يعني ان كل ما تحقق من انجازات ومشاريع يعود لجهود فردية من دون ان تكتمل الدورة الثقافية وتكون هناك جهود مؤسسية حقيقة تواكب وتساند الجهود الفردية فيتكامل طرفا المعادلة ويغني احدهما الاخر ويشرع حراكا حقيقيا ليشمل مفاصل الحركة وتكون الحصيلة نهضة ثقافية متكاملة،لكن هذا الذي نشير اليه لم يتحقق بشكل جدي بل ان ما نلحظه هو وجود فاعل لطرف واحد(المثقف الفرد) وغياب مقلق للطرف الثاني(المؤسسة الحكومية)بمعنى ان ثقافتنا تقوم وتظهر بل وتعمق وجودها وخطاباتها الفكرية والأدبية والجمالية استنادا الى قواها الداخلية فقط.
إذن أهذا السبب في ما نشهده ونحسه من عدم وجود إصلاحات ثقافية حقيقية ؟ لا شك ان الإصلاحات الكبرى في أي مفصل من مفاصل الحياة تحدث حين  يبرز قادة او نخب تحمل الإصلاح كوعي وممارسة ورسالة ومن خلال الحراك المضطرد ينتج التثوير او الإصلاح المنشود ويتم التغيير والانتقال من حال الى آخر،وان ما تعانيه الثقافة العراقية في ظل عهود متتالية من تشرذم وتجاهل ونظرات قاصرة من الحكومات ومن غالبية المجتمع إنما يعود الى السبب الذي ذكرناه وهو غياب القادة الإصلاحيين والنخبة المؤمنة برسالتها والباذلين والساعين لواقع ثقافي حقيقي يختض بالنبوءات والأحلام الثقافية.
واصل الآن الى دور اتحاد الأدباء الذي أشار اليه محور المؤتمر واسأل من خبر الاتحاد وعايشه لأكثر من ثلاثة عقود سؤالا مباشرا: هل ان اتحاد الأدباء والكتاب يمكن ان يشكل ملاذا آمنا يلجا إليه الأديب في محنه؟!!
والجواب سأجهر به هناك في قمة العمارة الاسبوع القادم لو قّدر لي وبقيت من ضمن الأحياء !!.
* nadhums@yahoo.com

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *