أنقل حرفياً وبالنص ختام الموضوع الذي كتبه الصحفي الأستاذ رزاق ابراهيم حسن عن المتحقق والمؤجل من فعاليات المؤتمر الأول للمصالحة ، ونشرته جريدة الزمان بطبعتها العراقية يوم 8 تشرين الأول الجاري بعددها الأثير 4324 ، ذلك إنه اتسم بعبارات مركزة ومشخصة لبعض الأدواء الوبيلة التي تعرو وتصاب بها الحياة الثقافية والأدبية في عراقنا إبان مختلف الأدوار والعهود ، وما يتخللها من انحيازات لجانب بعض الأشخاص وتقييمات مضلة تتم من وراء تجاهل آخرين واستبعادهم ، علماً إنهم يرجحون عليهم ويفوقونهم موهبة وابداعاً :
” لقد أشارت الورقة المتضمنة لمنهاج المؤتمر الثقافي للمصالحة الوطنية إلى أن حفل الختام سيشهد توزيع جوائز على المبدعين العراقيين الرواد الذين ضحوا بدمائهم من أجل ثقافة العراق ، ولا نريد أن نناقش هذه العبارة ومدى دقتها ولكن نشير إلى أن الجوائز والهدايا ليست مسألة عابرة وعرضية وإنما هي حساسة ومثيرة للجدل لا سيما إنها تأتي من جهة ثقافية وسياسية مرتبطة برئيس الوزراء ، وكان من المطلوب أن تدرس بعناية فائقة وأن تخضع لمعيارية دقيقة وأن يتحقق ذلك قبل انعقاد المؤتمر بمدة كافية قد تتحدد بأيام معينة وكان من الأفضل تشكيل لجنة من مثقفين حياديين ومعروفين لتحديد المعايير والأسس التي تستند إليها والأسماء المستحقة لها ، ولكن الذي حدث أن التعامل مع الجوائز والهدايا كان أقرب إلى الارتجال منه إلى الإعداد المسبق والمدروس ، فقد جاء تسلسل الأسماء عشوائياً ودون ضوابط وإعادة اهتمام لما هو أفضل ، وايثار رهط بها هم أقل انجازاً ومكانة وتاريخاً ، وذكرِت بعض الأسماء مرات عدة وأهملت أسماء ذات تاريخ ثقافي طويل ، وأعيد تكرار منح جوائز وهدايا لأسماء معينة ، ولم يعمم هذا المعيار على أسماء عراقية كبيرة غادرت الحياة ، وما تزال تذكر بمنجزاتها وأدوارها الكبيرة ، كما منحت الجوائز والهدايا لأشخاص لم يحضروا أية جلسة من جلسات المؤتمر ، وقد يكون الأمر محموداً إذا شمل جميع الذين لم يحضروا ! ولكن الأمر كان انتقائياً وغير قائم على حسابات دقيقة مدروسة “.
ولأقول أولاً في استهلالة تعقيبي واستدراكي عليها : مرحى وألف مرحى لهذه الكلمات الدقيقة ، فما يُعد من العدل والانصاف عند تقسيم الأرزاق والحظوظ أن يثاب العاجز القعدد ويتاح له أن يستأثر بالهبات والعطايا ، ويحلأ عنها مَن عُهِد منه نتاجه الثقافي الغزير ، علماً أنه يعف عن التهافت عليها ويمسك نفسه عن الجري وراءها مورطاً ذاته في ما يخزيها من التشادق والشللية والبهلوانية .
والظاهر إن مستشار رئيس الوزراء السيد عامر الخزاعي الذي أقيم المؤتمر الثقافي للمصالحة الوطنية بإشرافه ، استأنس بمشورة أصحاب مهنة القلم وبعض ممارسي الكتابة الأدبية فصار على شيء من الإلمام بأجناس الأدب ومذاهبه وغدا على دراية بالمجلين والمبدعين في الأداءين الشعري والنثري بمختلف أنواعه من القصة والرواية التمثيلية والسردية ، والافان مهمته مندرجة في ميدان السياسة بشقيها النظري المرسوم والعملي التطبيقي النافذ ، ومنه ابتغاء المصالحة الوطنية بين الفصائل السياسية المتنافرة والأطياف المتباعدة في ما ترتئيه للبلد من مصاير ما دام كل منها مبقياً عل إصراره وتزمته ، فينزع واجب المستشار ذاك للتخفيف قدر الإمكان وجهد الطاقة من ذينك الإصرار والتزمت ، وكي يتسم المؤتمر المعقود ببعض اللطافة والطراوة ، استتمت دعوات الكتاب والأدباء ليلقوا على أسماع الحضور بعض نتاجاتهم الإبداعية من القصائد الشعرية بوجه خاص على أساس أن الشاعر إذا كان صادقاً في شعوره وتغنيه بالوفاق والتسامح ، حظيت لقيته هذه بالاستحسان والتهليل ، وقد تستمكن بعض الشواهد من الأفهام والأذهان دون أن تغادرها . أما أن يجيء في منهاج المؤتمر أنّ حفل الختام سيشهد توزيع جوائز على المبدعين العراقيين الرواد الذين ضحوا بدمائهم من أجل ثقافة العراق ، فهو من قبيل الغلو وتضخيم حجوم محدودة ، فها هم قبالتك يا أستاذ عامر الخزاعي ممتعون بموفور العافية والصحة فأية دماء هدرت في سوح الجهاد والحرية ، وقرينتها المنذورة على سبيل إحياء التراث العربي في العراق وتطوير ثقافته وتجديدها ومعاونة منتجيها ومبدعيها على الانفتاح والاتصال بثقافات العالم من حولنا ، فالريادة والرواد لفظتان فضفاضتان قد لا يفلت مما يلابسهما ويحف بهما من احتراسٍ من بعض التردد في التسليم والقبول ، سوى جمهرةٍ من النابغين وذوي العقليات الراجحة المنفتحة ممن طويت حيواتهم واحتوتهم المدافن والقبور ، أمثال الفهامة مصطفى جواد (التعريف بتراث العباسيين والعلوم اللغوية معاً ) والمؤرخ الثبت جواد علي ( شرح واقع حال عرب الجاهلية ) وكوركيس عواد
( أبرز مصنف عراقي في علم البيبلوغرافي ) وروفائيل بطي ( كفاحه الصحفي في العراق ومصر وصحيفته البلاد في غير حاجة إلى تعريف ) وجعفر الخليلي ،
( جريدته الهاتف ومزاولته للقصة وتقصي تاريخها فضلاً عن اهتماماته الأخرى في تاريخ المدن ودراسة أدب النخيل ) وعبد المجيد لطفي ( القصة والرواية والمقالة السياسية والاجتماعية ) وعلي الوردي ( عالم الاجتماع المقروءة آثاره لأزمان متطاولة بينا انحسرت الأضواء عن بعض شانئيه ) وذنون ايوب ( كتابة المقالة القصصية كما يفترون عليه على أساس انها مفتقرة إلى الحبكة الفنية لكن أنى لأحدٍ أن يضاهيه في تدفقه البياني وسلاسة اسلوبه ، مع بعض تحفظاتنا على جهارته في الكشف عن أسرار حياته كما هو معروف مؤخراً ) ، وعبد الحق فاضل ( العلوم اللسانية وكتابة القصة والترجمة عن الانكليزية والفارسية ) وأكرم فاضل ( الشعر الفكاهي الساحر والترجمة عن الفرنسية والاهتمام بالعادات الشعبية وأدب المقالة الفنية والريادة الصحفية ) ونوري جعفر ( الرجل التربوي وعالم النفس ) ويوسف عبد المسيح ثروة ( المترجم القدير لفصول في النقد الأدبي لدى الغربيين منذ عام 1950 ) وعبد الرزاق الشيخ علي ( الأديب المغيَّب في عهود الظلمات الأولى قبل حركة تموز ، ومؤلف قصص حصاد الشوك ، وكتابته سليمة من الهفوات والأخطاء اللغوية خلافاً لديدن بعض الميسورين ممن لم تنِ الشلل في اعلائه وانباهه وتطويق هامه بالريادة ، والعلامة مهدي المخزومي ( كتابته في تراجم النحويين يُعتد بما يزينها من التصوير البياني المقارب لأداء مصطفى صادق الرافعي وليس هذا بالشيء القليل ) ، وأخيراً الشيخان الجليلان محمد رضا المظفر ومحمد حسن آل ياسين ( التعريف بالمنطق بالنسبة للأول ، والتأليف حول الدين والفلسفة واللغة ومصاولة من يجاوز المسموح به من الرأي الآخر ، بالنسبة للثاني ) ! ، هؤلاء هم الرواد الأوائل في الثقافة العراقية ، عاش معظمهم عيش الكفاف ، ومنهم من بخست قيمته الحكومات الاستبدادية وتجاهلته تماماً .
ومزيتهم الحسنة أن لم تتفش في أوساطهم ما ألفناه في أيامنا من تقسيمات سخيفة وتصنيف الناس بين رجعي وتقدمي والغاية المتوخاة منه إدناء هذا واستبعاد ذاك من شهود المهرجانات والمرابد .
والتضحية بالدماء من أجل ثقافة العراق بعد ، تتفرع وتتشعب إلى معاني التفرد وزكاء النفس وتناهيها في التنزه من أيما غرض ومطمع ، فلم يعرُ الخور ذات يوم نفوسَ أصحابها وتقسرهم ظروف الزمن ومحنه الطخياء على المداهنة والمصانعة ، فهم على هذا الفرض لم يراءوا ويخاتلوا ويدجلوا في رأي أو شعور، وهذا بحكم المستحيلات ونادر الوجود ، لأن الأنسان الفرد محدود الامكان والطاقة وملزم بالوفاء بتبعاته حيال من يعيل ، فهو أبداً عبدُ فمٍ وفرج ، ومرتهنٌ بهما ما حيي على هذا الأديم كما يقول أبو العلاء ، وقد نميل للاستثناء من هذه المداخلة معاشر الأنبياء وحملة الرسالات القدسية في هذا العالم الخرب ، وبذلك يغدو الاستنادُ إلى مقياس موسوم بالسداد والمرجوحية والنصفة في تخصيص الجوائز وتعليقها بمستحقيها عن جدارة وأهلية ، مصيبة المصائب في الثقافة العراقية .
أبصرتُ شمطاءً تتيهُ وفوقها
– تشكو الضياع – قلادةٌ وسِوارُ
مهدي شاكر العبيدي : على هامش مقالة رزاق ابراهيم حسن
حول الريادة الأدبية والمصالحة الوطنية
تعليقات الفيسبوك
الكلام جميل ورائع ، وفيه مصداقية. ملمة وكل مايكتب الاءستاذ رزاق ابراهيم حسن يدخلني في متاهات لا استطيع الخروج منها لماذا وكيف والى متى ، هل ياءتي يوم تشعر باءن فجره نظيف …..!
يوم
اريد عنوان الاستاذ رزاق ابراهيم حسن وأكون مشكورة لك