
* ترجمه الكاتب عن الانكليزية
دايا ثوسو يناقش في “ظهور الاعلام الترفيهي” أن اختلاط الحدود بين الترفيه والمعلومة في الأخبار ظاهرة قديمة في تاريخ الصحافة. بالنسبة لثوسو الأعلام يعمل كممهد لمجتمع مفرغ سياسيا باتجاه خلق مجتمع ذي طبيعية استهلاكية ( دايا ثوسو49).هذا التعريف يستند الى النظرة الليبرالية الجديدة التي جوهرها يرتكز على مفهوم المواطن المستهلك. يؤكد ثوسو أن الترفيه دخل مرحلة جديدة في عهد ريغان والتي يعتبر فيها المواطنون مستهلكين لهم الحق في تقرير ما يستهلكون (ثوسو 49). خلال هذا الطور تستعير الصحافة آلية السوق التي فيها يكون المواطنون صانعين لسياسة الأخبار. هذا التعريف الجديد للمصلحة العامة يعطي المواطنين السلطة على الخطة الصحفية عبر استطلاع الرأي (ثوسو51). يؤكد روبرت انتمان أن هذا التغيير كان له الأثر البالغ على الصحافة بخلقه “دوامة ضارة” تبدأ بالنظرة اللبرالية الجديدة العالم معتبرة المواطنين مستهلكين , وتنتهي بأناس جاهلين سياسيا (في ثوسو51). ثوسو يشير إلى أن سياسة الأخبار في المرحلة اللبرالية الجديدة يصنعها المعلنون واستطلاعات الرأي (ثوسو 51) . كلمة ” المستهلك” يمكن فهمها على نحوين: المستهلك الذي يستهلك الأخبار ذات المحتوى الإعلاني , وثانيا مستهلك الأخبار، المشاهد, الجمهور الذي يصنع سياسة الأخبار عبر الاستطلاعات. في الحالة الثانية تصبح مناقشة مفهوم “المصلحة العامة” مفرغة من دلالتها حيث أن المستهلك راض بكيفية استمرار عرض الأخبار بهذه الطريقة الترفيهية. هذه المقالة تستخدم في نقاشها اختلاط الترفيه بالمعلومة , مثلين, فيديو بعنوان “مختارات مطولة للعرس الملكي” في 29 ابريل 2011 وفقرة إخبارية ” العرس الملكي , شجرة العائلة” في 13 ابريل 2011 , مأخوذة من موقع البي بي سي على الانترنيت . هذه المقالة تثبت أن تغطية البي بي سي للعرس الملكي 2011 يتم عبر خلط الحدود بين الترفيه والإعلام عبر المشهد الاستعراضي المثير, والإيهام في تعريف “المعلومة” و”المصلحة العامة”, من اجل الإبقاء على الفجوة بين الناس والمؤسسة الملكية.
البي بي سي تستعمل عناصر الترفيه الموجودة في الحدث ذاته لامتاع الجمهور وتدعم الهرمية الاجتماعية في المجتمع. بدأ، الحدث نفسه شي جذاب. في العمق من هذا الحدث حقيقة ان كيت مدلتون من البريطانيين العاديين وقد تسلقت السلم الاجتماعي إلى أعلاه . هذا يجعل الأغلبية في المجتمع تميز نفسها بها , اي تعتبرها مثلا أعلى في ما انجزت. المؤسسة الملكية كانت ولم تزل تعمل على تكرار حكاية سندريلا التي تزوجت من أمير. لقد حدث هذا مع الأمير تشارلز قبلها, لكن فشل التجربة الفضائحية لم يمنع تكرار هذا النسق مرة أخرى. هذه المرة الأمير وليام يختار امرأة من البريطانيين العاديين, من الطبقة الوسطى, التي ترجع جذورها إلى عمال ” مناجم الفحم”. حكاية سندريلا تلتقط ويشتغل عليها بواسطة البي بي سي . اصل كيت مدلتون مركز عليه في وصف عنوان المقالة على موقع البي بي سي ” من عامل في منجم فحم إلى أميرة “. الممارسة الصحفية للبي بي سي , في إعطائها أهمية للمرجعية الطبقية لكيت مدلتون, تستمر في إضافة جاذبية الى الحكاية الخرافية في أذهان الناس. ممارسة أخرى تعزز الفجوة بين المؤسسة الملكية والمجتمع مرئية,هي مخطط يتضمن نسب الأمير وليام وكيت مدلتون كليهما. هو ياتي من الملكة فكتوريا (1819-1901) و نسبه لا يحتوي سوى أفراد من العائلة الملكية من جدوده. في الضد منه , نسب كيت مدلتون يأخذ ثلاثة أضعاف المساحة التي يأخذها نسب وليام في المخطط, خط سلالتها يعكس, في تعقيد زواجاته, مقدار المعاناة التي تحملها أجداد كيت مدلتون ليلتحقوا بالعائلة المالكة. هذه الممارسة الإعلامية تلحق التقرير بالسلطة الرمزية في شكل المعلومة, وتوجهها إلى الجماهير بصيغة الأخبار الترفيه الخفيفة.
التغطية تزودنا بتعريفاتها الخاصة لـ” المصلحة العامة” و” المعلومة ” في صيغة الترفيه , نرى في الفيديو ” مختارات مطولة من العرس الملكي” أفراد العائلة المالكة لابسين الزى الملكي, هنا تأتي مهمة الأعلام ليركز على الزى ويزود المعلومات التي لاتهم الناس. المعلق يعلق أن بدلة وليام “حمراء” مردفا ومعطيا إيانا معلومات عن ان الأمير يرتدي هذه البدلة باعتباره كولونيلا للحرس الايرلندي, وهو لقب أعطي إليه في 1/2/2011. المعلق يعطينا معلومات عن فستان الملكة “ثوب أنجيلا” وفي المقابل نرى على الجانب الأخر الجماهير ترتدي الملابس بشكل عشوائي في فوضى من الألوان والموضات. التقرير يؤطر تجربتنا في المشاهدة عبر هذه الممارسة من جانبين. الأول انه يحاول أن يزودنا بمعلومة وبهذا ينفذ متطلبات الموضوعية الصحفية, كما انه يستجيب إلى مطالب الجماهير بإعلامهم. بالإضافة إلى الإشارة إلى الملابس، الصحفي يتحدث إلى بعض الناس بين الحشد الواقف في بداية ونهاية التقرير. البي بي سي عبر هذا تقدم لنا فهمها للمفهوم الصحفي “مصلحة الجماهير”. أمراة تتحدث عن كونها ضمن هذا الحشد تؤدي مهمة وطنية, وتشعر بالمتعة بهذا الفعل, لان العالم في هذا الأيام يبدو قاتما لها. امرأة أخرى مشغوفة برؤية كيت عائدة في العربة إلى القصر. من خلال هذا التزويد بالمعلومات, يؤطر لنا التقرير الجمهور المحلي ويرينا اهتماماته. وهو أيضا يرينا أناسا من جنوب إفريقيا، البيرو، واستراليا واقفين لساعات خارج القصور الملكية في هذا الوقت يؤطر لنا التقرير الجمهور العالمي: هذا ما تريد الجماهير أن ترى وتعيش وهذه هي المعلومات التي يفضلون.
الخلط وغياب الحدود يتم هنا عبر المشهد الاستعراضي اللافت الذي يؤكد الفجوة ويديم مناخ ألمؤسسه الملكية. وفقا الى غاي ديبور, يصبح المشهد الاستعراضي اللافت حيزا مسكونا بالعلائق الاجتماعية. ديبور يعرف المشهد اللافت بأنه ” علاقة اجتماعية بين الناس عبر الصور” (أنجي بويتنر, “الأخبار كترفيه ومشهد لافت” ). المؤسسة الملكية تهدف الى تمييز نفسها عن بقية المجتمع بشتى الوسائل: المظهر, الطقوس والمقتنيات. التقرير “مقتطفات مطولة للعرس الملكي” يستهلك جل وقته في طقوس العرس الملكي: وصول الأمير وليام وكيت مدلتون منفصلين الى ويستمنستر آبي, وصول الملكة, وصول ام كيت مدلتون وأخيها, سائرين إلى القصر بإيقاع مميز مختلف عن إيقاع الحشد. التقرير يرينا طقوس الزواج مصحوبة بالموسيقى الكلاسيكية, قرع الأجراس والأبواق. بالإضافة إلى أن الحدث يتضمن عنصرا طقوسيا أخر: استعراض السيارات القديمة. كل هذه النقاط مشدد عليها لكي تظهر ملامح المؤسسة الملكية المميزة.
الفيديو يستخدم نبرات مختلفة في بنائه للمشهد اللافت التي تهدف إلى تعميق التراتبية الاجتماعية في أذهان المشاهدين. الصحفي لا يسمح له أن يخبرنا عن الحدث من داخل القصور ومن داخل المؤسسة الملكية، انه قادر فقط ان ينقل أخبار الحشد المنتظر خارج القصور. التقرير يعوض عن هذا النقص في المعلومة باستخدام كاميرات ثابتة كثيرة، مسيطر عليها عن بعد، ومعلقين يجلسون في غرفة بعيدة. التقرير يأخذ 53 لقطة قصيرة، بدءا من التقاط قصر بكنغهام الى ان يقود الأمير وليام مع كيت مدلتون سيارته الزرقاء. التقرير حذر وتبجيلي في اقترابه من الجانب الملكي للمعادلة. حركة الكاميرات الثابتة بطيء وحذر يظهر الاحترام للمؤسسة الملكية، وعلى النقيض من ذلك، الإعلام ممثلا بالبي بي سي، يصبح مأخوذا بإيقاع الحشد الهستيري. الصحفي يخبرنا عن الحدث وينشغل بالحشد، وأحاسيسه وتوقه إلى نظرات يرى فيها أفراد العائلة المالكة. استخدام الكاميرات في جانب الجمهور الحاشد غير رسمي في نبرته وهو يمثل الجمهور، مختلفا عن نبرته في الجانب الملكي. الكاميرات تتحرك هنا بسرعة شديدة فوق رؤوس الناس مظهرة عددهم الكبير الواقف على جانب الطريق. كذلك هناك كاميرا تظهر فجأة من داخل الحشد في بداية التقرير مصاحبة للصحفيين ومتوافقة في حركتها السريعة مع ايقاع الحشد الهستيري. البي بي سي في هذه الممارسة تجعل التراتبية الاجتماعية امرا طبيعيا عبر تقديم الأخبار على شكل ترفيه.
كاميرات البي بي سي لها أهمية جوهرية في بناء المشهد الاستعراضي للعرس الملكي عبر استخدامها تكنيكات الترفيه, عدد اللقطات الكبير للكاميرات الثابتة، من زوايا مختلفة، ارتفاعات مختلفة ومسافات مختلفة يسهم في صنع طبيعة المشهد اللافت للحدث.أنها تقدم لنا معلومات ندرك بها الحدث. مثلا, هناك كاميرا( زوم ان) تنزل من موقع مرتفع جدا، ربما موضوعة في طائرة مروحية، ترينا عظمة منظر بيت الملوك، ويستمنستر آبي، مصحوبة بمعلومات من المعلق: ” بيت السلطة الملكية لألف سنة، الآن مكان للعرس الملكي.” كرين كاميرا، مرتفعة تظهر أين سيذهب العروسان للعيش في قصر بكنغهام، ماسحة بسرعة حشد الناس خارج القصر. هذا التغيير المستمر للكاميرات, باستخدام تكنيكات الترفيه للقطات السريعة القصيرة الزمن, يقدم لنا تجربة غنية بصريا. كل هذا يضع العين الإنسانية للمشاهد في موقف لا تستطيع فيه أن تمسك بكلية الحدث, مأخوذة بالعدد الكبير من اللقطات السريعة المستحوذة على الانتباه, هذا المشهد اللافت والمعد سلفا يؤدي بالمشاهد إلى الشعور بالعجز البصري الذي يعمق في داخله سلطة ألمؤسسه الملكية.الحدود المختلطة بين الترفيه والمعلومة يتم عبر المشهد اللافت وينتج عن عجز في فهم طبيعة قوة المؤسسة الملكية.
البي بي سي تخلط الحدود بين الترفيه والمعلومة في تغطيتها للعرس الملكي عبر استخدام المشهد اللافت. هي أيضا تقدم لنا رؤيتها الذاتية لمفهومي ” المصلحة العامة” و ” المعلومة” وفقا لمفهوم الليبرالية الجديدة التي تعتبر المواطنين مستهلكين. التغطية تفعل ذلك هادفة إلى ترسيخ الطبائع و النظم الاجتماعية السائدة, عبر الترفيه الذي يقود إلى مجتمع ساذج سياسيا.