إشارة :
يقدّم الناقد المبدع الدكتور “فاروق أورهان” خدمة كبرى لقرّاء موقع الناقد العراقي خصوصا وللقراء العراقيين عموما في دراساته التفصيلية للروايات الأجنبية التي لم تصلنا ولا أعتقد أنها ستصلنا يوما ما – مترجمة خصوصا – لأسباب معروفة. وهو يكشف لنا الإنشغالات “الهوليودية” والاجتماعية البعيدة تماما عن هموم مجتمعاتنا وتمزقاتها ؛ هذه الإنشغالات التي طبل لها فرسان الحداثة من النقاد العرب الذين ينعقون وراء كل ناعق غربي في انبهارهم بشفرة دافنشي على سبيل المثال.
وبعد دراسته التحليلية الرائعة لرواية تاتيانا دو روزناي “مفتاح سارة” التي تروّج للهولوكوست متناسية مذابح الشعوب على أيدي الصهاينة والأميركان، نقدم هنا دراسته المهمة جدا عن ثلاثية السويدي “ستينغ لاريسون” : الفتاة ذات وشم التنين، الفتاة التي تلعب بالنار، والفتاة التي تنبش كور الزنبور، والتي سننشرها على حلقتين .
تحية للدكتور فاروق أورهان .
التمهيد:
الرواية بتعبير نقاد الأجناس الأدبية، هي عالم يهندسه الروائي، ويبني له أبعاده، بكلمة أخرى فإن الروائي يؤسس لمجتمع افتراضي يجعل القارئ يلجه من غير أية حواجز، بانسيابية، ومن غير تكلف، فهو من جانبه كمؤلف يقف من بعيد ليرى إلى ما أبدعه من عوالم عليها أن تخترق القارئ بثناياها، لتسكنه بهواجسها فيتفاعل معها، ويتعايش مع أحداثها، وأبطالها، ويميل لبعضها، ويستنكر غيرها، لا يحس بدور المؤلف، ولا بتدخلاته سواء من قريب أو بعيد، بل إن الروائي الفذ قد يضخ معلومات عبر شخصياته من غير أن يحس القارئ بأنها آراء المؤلف نفسه، وبهذا يكون القارئ منسجم، ومتوافق، بل ومتعايش مع السياق حتى النهاية، لهذا يحرص الروائيون أن يقفوا بمسافة مناسبة عن شخصياتهم، ولو أن بعضهم يتماهى في أكثر من شخصية ويجسد أحداث مرّت به من غير أن يحس القارئ بتدخل، أو افتعال، وهذا جوهر كل عمل أدبي، وفني بالمقاييس الجمالية منذ أرسطو.
إذن هناك نمط عام، ولكن الأساليب والتفرعات في الجنس الأدبي ممكنة لكي لا تأتي الأشكال بقوالب جاهزة، لهذا يختلف روائي عن آخر، ويبرز أحدهم في جانب مختلف عن نظيره، لكن اختراق أصول جنس أدبي، ومزج أدواته بجنس آخر هو إما عدم فهم الروائي لما يقوم به، أو أنه يؤسس لمدرسة، أو جنس جديد، وهذا لا يحصل إلا نادراً، ومن خلال عبقرية نادرة، ومحاولة غير مسبوقة.
استهلال:
في الرواية السويدية الثلاثية لـ”ستنغ لاريسون” ترجمة ريج كيلاند للإنجليزية: الفتاة ذات وشم التنين، الفتاة التي تلعب بالنار، والفتاة التي تنبش كور الزنبور، بما مجموعه ألفي صفحة، كان المؤلف قد دفع المسودات للمطبعة عام 2004، وتوفي بعد عدة أشهر، وقد صدرت الطباعة الإنجليزية بين 2007 – 2010، وقد صارت الأكثر مبيعاً في العالم، فقد طبع من كل واحدة من الروايات الثلاث 21 مليون نسخة، : أما المؤلف ستيغ لاريسون فقد كان رئيساً لتحرير مجلة بعنوان “ضد التحييز إكسبو”، وعمل كمحرر غرافيك لمدة عشرين سنة في وكالة الأخبار السويدية، وعمل خبيراً في مؤسسات تقف مع البشرية، وضد التطرف والنازية.
ولقد علق أحد محرري الصحف حول اشتهار الرواية الثلاثية بالقول: إن السويد منذ اشتهرت بالفرقة الغنائية آبا، ولم تعد السويد إلى مجد شهرتها إلا بهذه الرواية وبعد أكثر من ثلاثة عقود، فماذا في الرواية الثلاثية من أمور أهلتها لهذه الشهرة، بل وإن شركات صناعة السينما قد سارعت لإخراج الروايات الثلاث “سنأتي على الأفلام بعد مشاهدتنا لها”:
منذ مطلع الرواية الأولى (الفتاة ذات وشم التنين) وبعد سبعين صفحة من التفاصيل المتشعبة، غايتها ربما تحقيق أرضية ابتدائية للقارئ، قد تعينه على متابعتها، أو يتيه فيها، يبين لنا المؤلف أهمية دور الصحفي المحترف، وأهمية الصحافة لو تبوأت مكانتها الحرفية بجدارة، فهي تفوق في بعض الأحيان قدرات أجهزة الاستخبارات بكل مواهبها في أية قضية، ولربما في مجالات البحث الدقيق، وذي الأبعاد المتعددة، ومن دون حكم مسبق، أو اتخاذ قرار قبل تكملة القرائن، والبحث العصيب.
ولعل المؤلف الذي عمل طول حياته محرراً صحفياً، بدأها كمراسل في العديد من الأمكنة، والأحداث الهامة في القرن الماضي، قد اتخذ من هذه المقارنة بين عمل شرطي المباحث، والصحفي مجالاً يعقد عليها معادله الموضوعي، ويرنو من بعيد، بل يومئ بتلميحات لا محدودة للعجز الذي وصلته قابليات السلطات، للحجز بين الشعوب، وبين تواصلها مع بعض من غير حواجز، وجوازات سفر، وبوابات حدود بين البلدان، فعالم السايبر قد فتح الآفاق للتلاقي والتلاقح بين الناس من مختلف الأعمار، والأجناس، والألوان، والجغرافية، توحدهم الهموم المشتركة، ولا تفرقهم حتى كرابيج الشرطة التي لم تعد تؤلم مثلما كانت تفعله من قبل وسائل التعذيب؛
المهم أن المؤلف مأزوم بقضية الحرية الشخصية، ومتأزم من شرور الذين يهيمنون على قدرات الشعوب، فيستغلون مناصبهم في رغبات خسيسة، وانتهاكات تطال القاصر، والبالغ، والمعوز، والجاهل، والذي لا عون له، ومن يتم اصطياده، وغسل دماغه، ولا تتوانى السلطات في سبيل قضية دنيئة أن توهم الناس بأن ما تفعله هو للمصلحة القومية المتعلقة بمصير البلد، ولا يهم أن تدمر حياة أفراد ليمعنوا تسرب معلومة ما، أو حماية ثلة شراذم في السلطة من الانكشاف، لهذا تتشكل داخل كيان كل سلطة عصابات فرعية، تعمل كل منها لكي تغتنم الفرص لمنفعة ما، والضحايا هم الأبرياء، وفئران المخابر البشرية.
الرواية الأولى “الفتاة ذات وشم التنين”
ميكائيل بلومكفيست صاحب صحيفة دورية “ملينيوم” شهرية، وذي خبرة صحفية كبيرة، يتعرض لمحاكمة والسجن لمدة شهرين، بكونه أعد تقريراً عن مؤسسة وينيرستورم المالية لمالكها “هانس- إيرك وينيرستورم”، من غير مصادر موثقة، في هذه الأثناء، يتلقى اتصال من محام “هنري فاغنر” رئيس إحدى الشركات الكبرى في هيستاد إحدى المدن السويدية خارج العاصمة ستوكهولم، يقدم له عرض مغر، لكي يحقق للجد رغبته الأخيرة في البحث عن مصير حفيدته التي غابت فجأة، وبشكل غامض منذ أكثر من ثلاثة عقود؛
وفي اللقاء الطويل لعشرات الصفحات، بين مايكل، والجد، يسترجع الأخير مجريات اختفاء الحفيدة هنرييت، ويقدم له ملفات عديدة من تحقيقات الشركة، ومباحث الشرطة السرية، والعلنية، دون الوصول إلى سبب، ومكان، ومضمون عملية اختفاء هنرييت، من غير أثر لجثة، أو شاهد، أو أثر خلفه اختفائها.
بعد أن يقبل مايكل العرض المغري لعقد مدته سنة، حتى من غير التوصل إلى نتائج مناسبة، يجتمع مايكل بضابط شرطة متقاعد، كانت قضية هنرييت موكلة إليه لأعوام، فيستعيد الضابط ذكريات مدفونة بين ذاكرته، وبين الأوراق والصور التي ما تزال هناك، وقد علاها ركام من الأتربة، في الوقت نفسه يتصل مايكل بأحد أصدقائه “أرمانسكي” الذي يدير مؤسسة للبحث، والتقصي، أي مؤسسة مباحث سرية أهلية خاصة، من خلال المصادر القديمة، والأخرى الحديثة التي تعتمد على عالم السايبر “النيت”، فيرشح له “ليسبث سالاندر” الفتاة التي تبدو وكأنها دون السادسة عشرة من عمرها، ولكنها في العقد الثالث من عمرها، وعندما تصل، وتعمل معه، يندهش من قدراتها العلمية، والعميلة، وتحملها جهود كبيرة، بل وأهم أمر هو سرعة إنجازها للمهام، إضافة لقابليتها العالية في قرأة أي كتاب، أو تقرير بسرعة فائقة، في غضون ساعات، لا يهمها إن أكلت، أو نامت قبل أن تنجز مهمتها، ولكنها عنيدة، قليلة الكلام، وتخفي أمور شتى لا تدع أحد يعرفها، وهناك خطوط حمراء بينها وبين الآخرين، ومع هذا فإنها تغرم من طرفها بمايكل وبطريقتها الخاصة، في حين أن مايكل لا يداخل بين العمل، والجنس، أو الحب بالمعنى الأوروبي، لأنه أولاً أكبر منها بالعمر على الأقل بعقدين، وثانياً فإن له علاقات جنسية مع نساء يغرمن به، ويقضي معهن ليال لو كان متفرغاً، ومنهن رفيقة مهنته وشريكته في دورية ميليينيوم “إيريكا بريغر” التي لم تتوان أن يكون زوجها أستاذ الجامعة على علم بهذه العلاقة وهو متقبل للأمر بشكل عادي، ورسمي.
سالاندر هذه تعاون مايكل في الكشف عن أمور غامضة تتعلق باختفاء هنرييت، وتتفرغ لتعمل بعقد لأسابيع في نفس البيت الذي أفرده جد هنرييت لمايكل، في هيستاد ولا تهتم لو كشفت عن وشم التنين على جسمها، وبخاصة لما تعرت للمرة الأولى، وذهبت من غرفتها إلى مايكل تسأله أن يقضي الليلة معها، رغم أنها لا تقرب الرجال كثيراً، ولا تدري ما ميولها الجنسية، وإلى أين تقودها.
على صعيد العمل في قضية هنرييت يلاقي مايكل، وسالاندر تهديدات خفية، وهما في البيت، أو لما يعودان، كأن يريان إحدى قطط الجيران التي كانت تتود لهما، فيأويانها فيجداها مقطعة الأوصال على شرفتهم الأرضية أمام الدار، وتسرع سلاندار بنصب أجهزة مراقبة، وتنصت، ولكن يبدو أن الشخص الذي يهدد أذكى من أن يقع في فخهم، فيشكان بعدة نساء من أقارب هنرييت، ومنهن أمها، أو قريباتها، وكثيراً ما يقود المؤلف إلى شخصيات حادة المزاج، وفي عين الوقت يرينا شخصيات مسالمة، ولكنها غامضة كشخصية “مارتن” أخو هنرييت المفقودة، وهو في عين الوقت رئيس مجلس إدارة شركات الجد، ووريثه الأقرب، وممثله في مجلس إدارة مؤسسة ميلينيوم الصحفية بعد أن اشترى الجد أسهما فيها لمساعدة المؤسسة في أزمتها التي تعرضت لها من جراء مقاضاة مؤسسة وينيرستورم المالية.
في عين الوقت يكتشف مايكل من هفوة كلام محامي الجد، أنهم عندما استقصوا عنه، لكي يعمل معهم استعانوا بمؤسسة أرمانسكي، وكانت سالاندر هي التي جمعت عنه المعلومات، ودخلت على خصوصياته من خلال موقعه الشخصي على النيت، فيغضب، ويصارح سالاندر بالأمر، لكونه يقدر أمانتها، وإمكاناتها الخارقة في المعرفة، ليس الكومبيوترية فحسب، وإنما في الحسابات الرياضية، وسرعة استيعابها قراءة الكتب العلمية والمعرفية، والتحقيقات بساعات قليلة فإنه يتجاوز الأمر.
وفي سيرة سالاندر الذاتية الكثير من الأمور التي لا يكشف عنها المؤلف باعتبار أن سالاندر نفسها لا تريد ذلك، ربما لكي يستخدمها في الروايتين التاليتين، ومنها موضوع رعايتها من قبل ضامن شخصي، عائلة أو شخصية، ودخولها مركز تأهيلي نفسي يدعى سان استيفن؛
لكن أهم ما يطرأ على حياتها الذي سوف ينتقل للرواية الثانية، هو تعرضها للاضطهاد الجنسي القسري، والممارسة السادية من قبل ضامنها المحامي بجورمان، الذي يستغل ظرفها، ويهددها به، فبعد الممارسة السادية المريضة له معها، بشكل مقرف، ومقزز، تأتيه في المرة الثانية، وتدخل مباشرة إلى غرفة النوم، وتكون سالاندر وقتها قد وضعت كاميرا خاصة في حقيبتها، وجعلتها في مكان مناسب ليصور الحدث الرقيع، والمؤسي؛ وبعدما تخرج، تقرر سالاندر الانتقام هذه المرة على طريقتها، وهي التدرب على مهنة التوشيم، إضافة إلى أنها رياضية مدربة على الملاكمة، ورياضات أخرى، وثالثها التسلح بجهاز ليزر يشل حركة مهاجمها؛
ففي الوقت الذي يطلب بجورمان منها أن تزوره كل نهاية أسبوع تنصاع له، وفي المرة الثانية والأخيرة، لما يدخلان الغرفة تفاجئه بلسعة من جهاز الليزر، فتشل حركته، ويغيب عن الوعي، فتقوم برسم كلمات وشمية على كرشه تقول: أنا سادي قذر، وأمارس الشذوذ الجنسي. ولما يفيق تفاجئه سالاندر التي كانت قد ربطته بالسرير بالطريقة التي مارسها معها، وتريه فيلم الفيديو، يصور عملية اغتصابه لها، وكذلك الوشم الذي رسمته على كرشه، وتطلب منه شروطها، وهي أن يقدم تقاريره الشهرية عنها بأنها سالمة نفسياً وصحياً، وأن لا يتعرض لها، وإلا فإن الـ”CD” لفيلمه الجنسي الذي اغتصبها فيه سوف يصل ليس للإعلام فحسب، وإنما لكل الجهات بما فيها المحاكم، وتنتهي بذلك حياته العملية والاجتماعية معاً.
ويقضي مايكل، والمؤلف ونحن عشرات الصفحات، بل ربما ما يقرب مائتي صفحة في دراسة مركزة على تدقيق صور أخذت يوم اختفاء هنرييت، وكان يوم تصادم حافلة بسيارة على جسر بلدة “هلستاد” التي هي المكان الذي يقيم فيها الجد، ويدير أعماله، وتقيم العائلة بكاملها، هي نوع من الإمبراطوية هناك، وفي النهاية يركز مايكل على صورة تظهر فيها هنرييت، وكأنها تنظر إلى أمر يفزعها، قبل أن تختفي، ويكون في الصورة نافذة وراءها سيدة يشكك مايكل في كونها أحدى قريباتها اللواتي تعرّف عليهن، وأعجب كل منهما ببعضهما، بل قضيا أيام في السرير معاً، وفي الختام يتمسك بأن يدينها، وعندما يكشف لها الأوراق، تعترف له بأنها ليست السيدة في الصورة بل أختها الصحفية المقيمة في لندن، والتي نادراً ما تزور البلدة، ولأمر ضروري، وخاص جداً ربما يتعلق بالجد، أو بالإرث، وفي هذه الأثناء يكون مارتن أخو هنرييت بعيدا عن الشبهة، ولكنه في الوقت الذي يكون لطيف مع مايكل، ويرسل له تهديد مبطن، لم يكن في قائمة تصور مايكل حتى بعد أن كان مايكل يجرى تمرين السير عبر ضفة النهر، ويتعرض لمن يحاول قتله ببندقية صيد، ومع هذا يكون مارتن فيمن يحتاط منهم، وذات يوم يحاول مايكل الوصول إلى مارتن، فلم يجده، وتكون سلاندر قد قامت بمهمة للبحث في المكتبة عن مراجع خاصة تعود لوقت بعيد في سجل العائلة، فلم يجد مايكل سوى أن يذهب إلى بيت مارتن لكي يلتقيه هناك ربما، ويدور حول البيت لما يعجز عن الاستجابة من الباب الرئيسي، وفي الخلف يرى باب السرداب “Basement” موارباً، وما أن يقترب منه حتى يسمع صوت مارتن يدعوه إلى الداخل، ويقول له: أنا بانتظارك، فأدخل،،، وما أن يدخل مايكل حتى يكون مارتن قد اصطاده، وكبله بقيود، ووضع له مشنقة تجعل قدميه لا تصلان الأرض، ويقوم بالاعتراف له بما تشكك مايكل به، وبكل موبقاته ابتدءً من اغتصابات أخته هنرييت، ومروراً باغتصاب فتيات ضالات من دول شرق أوروبا من غير أن يدري بهن أحد، وبعد ذلك يقتلنهن، ويدفنهن، أو يقطعنهن ويرمينهن في أماكن متعددة، كأي سادي قاتل، والآن جاء دور مايكل لأنه تمادى في فضوله، وحاول اختراق التابو، ومحرمات لم تستطع الشرطة بكل أجهزتها أن تصل إليها، حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، ويبادر مارتن، مايكل بتفسير توجساته، وأمله في المماطلة ربما لأنه يتوقع أن سالاندر سوف تكتشف غيابه، ولكن أي مارتن قد احتاط للأمر، وهناك من يراقبها في المكتبة، فيفتح الهاتف ليكلم المراقب هناك، فيطمأنه الأخير بأن سالاندر ما تزال تبحث هناك داخل آرشيف المكتبة، أما سالاندر فما أن تنتهي من عملها، فإنها تستعجل لتصل بأخبارها لمايكل، فتخرج من الباب الخلفي، وتتردد في أن تعود لتخبر الخفر هناك لكنها تتهاون، وتذهب للبيت الصيفي الذي تقيم مع مايكل فيه منذ أن استوزرها في البحث، ولكنها لم تجده، وتبحث عنه في شكك لما قد حصل من أمور في الأيام الأخيرة، وما يمكن أن يحصل لو تمادى الذي يهدد مايكل.
وما أن يكون مارتن قد بدأ بانتهاك حرمة جسد مايكل، وقد عراه وهو معلق ليستمني معه قبل قتله، يكون قد نسي الباب المؤدي للسرداب نصف مغلق، وبفطنتها تدخل سالاندر إلى السرداب وهي مسلحة بألة إلكترونية تشل حركة مهاجمها، “التي تستخدمتها للدفاع عن نفسها في الأوقات الحرجة” فتصل لتقف عن قرب من مارتن المشبق، وتفاجئه بركلة، ولما يقاوم ترميه بشحنة ليزر من جهازها، وفي محاولتها انقاذ مايكل يتحرك مارتن، فتستدير لتركله بركلة رياضية محنكة، وبما أن وضع مايكل لا يحتمل، ويمكن للمشنقة أن تقتله، فإنها لم تنتبه لهروب مارتن، وما أن يرتمي مايكل على الأرض حتى تكتشف سالاندر هروب مارتن، فتهرع وراءه بعد تأكدها من سلامة مايكل، وتدور حول المكان فترى أن مارتن قد هرب بسيارته، فتستقل سيارتها، وتلاحقه فتراه مسرعاً أمامها في شارع ضيق فتزيد من سرعتها لكي تلحق به، فيتهور مارتن في السرعة حتى تصدمه شاحنة، وما أن تنزل سالاندر لترى إليه، يكون قد فارق الحياة فتترك المكان، لأن الشرطة سوف تأتي في أية لحظة، وتعود لتتم انقاذ مايكل، وتأخذه معها إلى البيت.
وتتشكل لدى مايكل قناعة بأن هنرييت ما تزال على قيد الحياة، ولكنها مختفية لسبب ما، ويستعين بسلاندر لكي تبحث معه عن إمكانية التحقق من عنوان قربية هنرييت في لندن، وتقوم سالاندر بالاستعانة بزملائها ضمن عالمهم الخاص المدعو “جمهورية القراصنة”، يحمل كلاهما معداتهما بعد انقضاء التعزية بموت مارتن، ويهرعان إلى لندن، ويكون في استقبالهما أحد أعوان سالاندر السابريين المقيم في لندن، فيقودهم إلى العنوان، وتبقى سالاندر في السيارة، ومعهما معدات تنصت، ويدخل مايكل بيت قريبة هنرييت من غير أذن، ويفاجئها بمعلوماته، فتخبره بوجود هنرييت في أستراليا تحت اسم مستعار لزوجها، فيقرر السفر هو وسلاندر، لكن سلاندر تعود إلى السويد لأن خبر وفاة أمها في المصح جاء في اللحظة الأخيرة، وعليها أن تكون هناك؛
ويصل مايكل إلى أسترليا، وتقوده العناوين إلى ضاحية لمزارع تربية المواشي، يوصله إليها أحد المتشككين بمايكل من الشباب “هو أحد أبناء هنرييت نفسها”، وتكون المفاجئة أن يلتقي بهنرييت ذات الخمسة عقود، فتبدأ بشرح سيرتها بعد مساجلات مايكل الحدية، والتي لا تفسح للمقابل من غير الإدلاء بما لديه، وبكل ثقة.
وتروي هنرييت من حيث ابتدأ والدها المدمن من اغتصابها، ومزاولة الجنس معها، ولا يكتفي بذلك الفعل المجرد، بل ويقوم بضرب مارتن أخيها لكي يبدأ ممارسة الجنس مع أخته بعد أن كان يجبره أن يراهما في السرير، وفيما بعد كان الأب يستمني عندما يرى الشقيقين في سرير واحد، وهنرييت تتألم، وتبكي، حتى جاء اليوم الذي تمكنت من والدها السكير الذي يعجز عن دخولها، فيخرج إلى ساحل البحر، فتلحق به وتجذبه إلى الماء، وتغرقه تحت أعين أخيها مارتن الذي لم يحرك ساكناً، وكان يتفرج بكل برود دم.
وأخفيا الأمر “مارتن وهنرييت”، بشرط أن تنصاع هنرييت لرغبات أخيها، ومن بعدها صار يراودها، وهي تأنف ولا تستجيب إلا تحت العنف والتهديد، وكانت في أيامها الأخيرة مستجيرة بدار جدها، وكانت العائلة تعرف شذوذ مارتن، وربما حدسوا علاقته بأخته فأبعدوه إلى مدرسة داخلية، وفي اليوم الذي تصادمت الشاحنة مع سيارة على جسر البلدة رأت هنرييت أخاها قد عاد، وأرادت بشتى الوسائل أن تخبر جدها، لكنها لم تستطع، وفي ذات اليوم كانت قريبتها العائدة من لندن هناك، فساعدتها على الهرب تحت اسم مستعار إلى لندن لتقضي عدة أشهر هناك، وتتزوج صديق قريبتها، وتهاجر إلى أستراليا، ويورثها أولاد وثروة من مزارع وأغنام.
وبما أن مارتن قد مات، فلم يعد هناك شيء يهدد هنرييت للعودة على الأقل لترى جدها، ولربما تسنح لها الفرصة في عمل شيء، وبينما كان هناك عقد بين جدها، ومؤسسة مليينيوم الدورية، بامتلاك أسهم منها فقد كان لهم الحق بأن يكون أحدهم في مجلس إدارة المؤسسة الصحفية ملينيوم، وكان لفترة الجد ثم أعقبه مارتن، ولما عادت هنرييت تولت ناصية الأمور فيها.
أما مايكل فإنه لما انتهت المهمة المبرومة في العقد مع الجد، بعودة هنرييت انتهت أمور كثيرة، ومنها أن على مايكل أن يذهب ليقضي شهري العقوبة في السجن، بعد أن يولي سالاندر مهمة البحث عن موبقات مؤسسة وينيرستورم التي اشتكت عليه، وقاضته بالسجن لمدة شهرين؛
وفي الوقت الذي ينهي مايكل في السجن مؤلفه عن المؤسسة ذاتها لينشره، وبورود الوثائق التي حصلت سالاندر عليها اكتملت جوانب الكتاب، وصار جاهزاً للطبع، وما على مؤسسة وينيرستورم إلا أن تتلقى أعمالها، ولكن سالاندر كانت قد استبقت الأمور من خلال تقصيها، لكي تسحب أموال مؤسسة وينيرستورم، على حسابات لها في جبل طارق، وجنوب أفريقيا، وسويسرا، وما إليها عن طريق عملائها في السابير “جمهورية القراصنة”، وقد استعارت أسمي سيدتين لم يعد لهما وجود، وتنكرت بصفتهما، وسافرت لكي توزع الثروة هنا وهناك، وتصبح مؤسسة وينيرستورم بين يوم وضحاه مفلسة، ومهددة من قبل القضاء انتقاماً لما فعلته بمايكل.
في عودة سالاندر من أوروبا، تشتري لها شقة باسم مستعار، ولا تظهر، أو تدخل العمارة إلا بزي تلك الشخصية، أما عنوانها القديم، فتنقل صديقتها الصينية “ماريام وو” بلا أجر، ولا تريد منها سوى تسليمها البريد، وينتهي الجزء الأول على هذا الوضع؛
ونعود في الجزء الثاني مع استعادات كثيرة من أحداث الرواية الأولى، وبنفس الأسماء، والشخصيات، ولكن باستمرار لأحداث جديدة، نقول أن الرواية الأولى ربما تنتمي إلى نوع السايكودراما، ولكنها لا تستمر في الروايتين التاليتين كما سنرى إليهما فيما يلي:
الراوية الثانية “الفتاة التي تلعب بالنار”
تبدأ بعد نشر مايكل مؤلفه، عن مؤسسة وينيرستورم وبراءته، ولأن هناك استرجاعات كثيرة من خلال أحداث جديدة، ولكن على منوال بوليسي هذه المرة، فبعد عودة سالاندر إلى ستكهولم، واستقرارها، يكون هناك هاجس لدى المؤلف بأن يرينا أن هناك من يتتبعها، وهي تعرف كيف تتملص من الموقف، وتتوارى، وأهمها تعرضها لعملية قنص من قبل مارد إنساني سيكون اسمه فيما بعد في نهاية الرواية “رولاند نيدرمان” وسنعرف منه هو، وما علاقته بسالاندر من جهة، وبما يسمى زلاجينكو الذي شغلنا، ومايكل، وسالاندر نفسها لعشرات بل مئات الصفحات، بين هل هو مؤسسة، أم اسم، أو شيء وهمي؛
في المقابل فإن مؤسسة ملينيوم الصحفية قد إتجهت هذه المرة إلى التحقيق في قضية المتجارة باللحوم البيضاء، وسوق البغاء، وسماسرته من خلال تعاقد مايكل من زوجين هما: داغ سيفينسن صحفي، ومؤلف، والزوجة ميا جوهانسن باحثة تعد أطروحة دكتوراه، يقوم الاثنان بانجاز كتاب عن هذا الحقل لمحاربته، وفضحه أمام المجتمع السويدي، وتعرية الأيدي التي تساعد التجار الوهميين، وفي بحث سالاندر السابيري عن الزوجين المؤلفين، تزورهما في ليلة اغتيالهما، ربما لتحذرهما، أو لغاية لم تظهر حتى في نهاية الجزء الثالث في المحاكمة، وإنما تقرر المباحث ضمها لجرائم نيدرمان اليد اليمنى لزلاجينو، ويتم اكتشاف الحادثة من خلال مايكل الذي كان على موعد معهما ليتسلم مسودات جاهزة منهما عن المادة ذاتها، فيخبر الشرطة، وبالتدقيق، المخبري يجد المحللون أثار بصمات سالاندر عليها، وهذا السلاح نفسه هو سلاح بجورمان محتمي سالاندر الذي قتل به كما يبدو، وهو سلاحه الذي كان يحتفظ به في شقته التي زارتها سالاندر.
في هذا الموقف يضع المؤلف القارئ أمام ألغاز متعددة، وبخاصة أن من طبع سالاندر ليس العناد، والتوراي فحسب، وإنما الاختفاء الذي كانت قد أعدت له خشية التعرض لنكبة، أو مكيدة، أو هذا ما أراد المؤلف رسمه ليحيك قضية تتوافق شواهدها مع الدلائل، والشواهد التي تدعم موقفه كمؤلف، وتهويمات الشرطة في تحقيقاتها البليدة، والبعيدة عن الواقع، بينما يكون مايكل حسب الأصول بطل حفريات الشواهد الحقيقية، ونابشها من جهة، وشاهد قوي على براءة سالاندر من كل التهم، وبخاصة القتل، ومعه أرمانسكي اللذين يذهلان الشرطة برأييهما المعكوس، والإيجابي حول صحة عقل سالاندر، وسلامتها، بل وذكائها الخارقة، على عكس ما بدأت الأوساط الإعلامية الترويج حوله، وتضخيمه، وكالعادة يوصف المتهم الغائب بشتى الأمور الغريبة، فقد وصفت سالاندر، بازدواج الشخصية “الشيزوفرينيا”، والشذوذ الجنسي، وتعرض تاريخها السابق للتشهير والتعريض بها.
لم تقبع سالاندر في شقتها الفارهة التي اشترتها باسم مستعار من أموال مؤسسة وينيرستورم التي هددت مايكل ساكنة، وإنما كانت كخلية نحل تبحث، وتتقصى، ولكنها امتنعت عن الاتصال حتى بمايكل، ولم تدل له بأية معلومات، رغم متابعته لها، وبما أن عنوانها هذا لا أحد يعلم به حتى ماريام وو نفسها، ومايكل فإن سالاندر لا تخشى أي تسرب لمعلومات، ولا حتى اتصال مفاجئ، وقد عمدت لركن سيارتها التي ابتاعتها بنفس الاسم المستعار في كراج عام قرب البناية، وعندما تغادر، أو تأتي إلى بيتها تتخذ سبل مواربة، ومواصلات عامة في بعض الأحيان.
في تقصيه الحقائق، ودفاعه عن سالاندر يتعاون مايكل مع آرمنسكي، ويتبدلان المعلومات، وتدخل حتى بيرغر شريكته الخط في الإعداد لملف هام يختص بمقتل الزميليين داغ سيفينسن، وميا جوهانسن، واتهام سالاندر بقتلهما، إضافة لقتل محاميها بجورمان، ولكن من غير الوصول إلى نتائج، وإنما هي مرحلة تجميع معلومات، غير أن مايكل يبقى قلقاً حول مصير سالاندر التي لا تستجيب لمراسلاته الإلكترونية، ولا تعطيه مجال لأمل في ذلك، خاصة وأنه لما حاول إنقاذها من المارد القاتل الأشقر نيدرمان، كانت قد فقدت حقيبة ظهرها الخاصة التي تحملها معها أينما ذهبت، وفيها خاصياتها، ومنها معدات الدفاع عن نفسها، كان مايكل يريد إيصالها لها، ولكن سالاندر لا تستجيب بعناد، حقيبة سالاندر التي يعرفها مايكل بشكل جيد، يراها مرمية في الشارع بعد المعركة، وهروب كلاهما “سالاندر، ونيدرمان”، فيحمل معه، ويحتفظ بها.
وتمر الصفحات العديدة، والمناورات، والشد والجذب، وظهور شخصيات شرطية، ومباحث كثيرة، منها محقق، ومنها تابع، ومنها له مهام المراقبة، أو الدفاع عن شخصية ما، ولكن ما يجمع عليه المؤلف، أن مساعي مايكل الحثيثة في البحث تؤكد الكثير من المصداقية، والشواهد، بينما التقارير المبحثية لا تتوصل لغير الهوامش، بل والأكاذيب التي تروجها وسائل الإعلام، يسربها لها جهاز خاص في التحقيقات الجنائية، ومركز فرع سري في سابو “جهاز المخابرات السويدية”، سوف يأتي دوره في الرواية الثالثة،،، وتصر الصحافة وأجهزة الإعلام على سيناريو اعتبار سالاندر المطلوبة للعدالة من المجرمات الخطرات التي ارتكبت ثلاث جرائم، وسرد لتأريخها النفسي، والجنسي الملفت للنظر في سلبياته العديدة.
أما سالاندر فإنها سادرة في بحثها المستديم عن مصطلح “زالا” ويوهمنا المؤلف لمرات بكون هذا المصطلح قد يكون اسم شخص، أو شركة، أو عصابة تهريب نساء، أو ما شابه، بينما نرى اهتمام سالاندر الكبير بالوصول إليه، ولا يكشف عن علاقتها، واهتمامها به إلا في خاتمة الرواية الثانية هذه: عندما تقرر سالاندر السفر لمدينة غوتبيرغ التي تتوقع أنه هناك، وأنها لا بد أن تتبع من يأتي لأخذ الرسائل من البريد المركزي، وصندوق “زالا” نفسه الذي وجدت رقمه، وعنوانه في أحد بحوثها السايبرية، ولما تخرج من شقتها، وتتركها، يصف المؤلف أن خروجها من بيتها سيكون للمرة الأخيرة ربما، وليس لنا خيار غير الاقتناع بما يصفه لنا المؤلف، وبما يسيّر فيه شخصياته المحورية بشكل خاص، ومنهم بطلا الثلاثية سالاندر ومايكل.
يلتقي باولو روبيرتو مدرب الملاكمة بمايكل لاستيائه من أخبار وسائل الإعلام التي تتعرض لسمعة سالاندر، بعد عودته من جولة خارج السويد، وفي مداولاتهما يطلب مايكل من باولو روبيرتو إن كان له علاقة بماريام وو، أن يتصل بها لكي يستعين ببعض المعلومات منها خارج نطاق ما تعرضت له ماريام وو من ملاحقات الشرطة السرية، والتحقيق معها بشكل أساء لها شخصياً، تهمتها أنها صديقة سالاندر، وتقيم في بيتها الذي هو عنوانها الوحيد، ويتفق مايكل وروبيرو على خطة للقائها، لأنها لا تتواجد كثيراً، ويقوم روبيرتو بزيارة ماريام ببيتها، ولكنه لا يجدها فينتظرها في سيارته إلى الليل وفيما بعد التاسعة، وعندما يراها قادمة، وفيما هو يهم للنزول من السيارة لاستقبالها، يتعرض لها المارد نيدرمان، ويخطفها، بحمله إياها، وكأنه يحمل لعبة أطفال، أولا لضخامة الجلاد، وثانياً لضألة حجم ماريام، وتكون شاحنة بانتظاره فيحشرها فيها، وتنطلق الشاحنة، وروبيرتو بإثرها، وكالعادة لا يستطيع روبيرتو الاتصال بمايكل على وجه كامل، ولا بالشرطة، مرة لقطع الاتصال، ومرة لضعف البطارية، ومرة لعدم وجود شاحنة لديه في السيارة، ولزيادة التشويق، وعدد الصفحات ندور في ستكهولم كلها قبل أن تخرج الشاحنة إلى الطريق الرئيسي، ثم طريق ريفي يؤدي لمزرعة فيها مستودع ضخم لعائلة الأخوين ” ليوند ” الشريكين والاشتباه بأمر كونهما سماسرة الجنس الأبيض، وتدور في الداخل مقاومة ماريام للمارد، ومن الخارج يحاول روبيرتو الدخول، وفي النهاية بعد طول تفاصيل يستطيع روبيرتو أن يواجه المارد الذي يهتف باسم روبيرتو، فكما يبدو أن المارد من الملاكمين هو الآخر، ورغم عدم تكافؤ المعركة، ونظراً لا ستخدام كلاهما فنون الملاكمة، واسترجاعاتهما لجولات خاضاها، وفي الختام وبلفتة من ماريام، وحركة من روبيرتو يغشى على نيدرمان، أو تُشل حركته لحين أن يتخلصا منه، ويقود روبيرتو السيارة والدماء، والجروح تغطيه، وماريام فاقدة للوعي، فيصلان إلى أقرب مستشفى، وتعود التحقيقات معهما، وبعد أخذ مايكل المعلومات، وكذلك الشرطة، تصل الشرطة الجنائية إلى الموقع أي إلى المستودع الذي كان أصحابه قد أضرموا النار فيه، ولكنهم يجدون ببحثهم في الحديقة الخلفية فتقودهم الآثار لمدافن ضحايا، ويستمر البحث، ولا ينتهي من قبل ضابط موكل بالعملية هناك، يرسل تقاريره بين فترة وأخرى.
في زيارتها لمسكن بجورمان الصيفي: محاميها الوصي، باحثة عن ملف مفقود يدون مراسلات محاميها مع الجهة المسؤولة عن تقرير سلامتها الصحية الشهرية، وبعد أن تخرج، يكون الأخوين ليوند الجلاوزة ممن يتبعون مؤسسة “زالا” قد جاءا ليستقصيا أمر المكان فيفاجأن بمن يبحثون عنها، ويكون الأمر بالنسبة لسالاندر نفس الأثر من المفاجأة، وتدور معركة تنتصر فيها سالاندر رغم عدم التكافؤ، فتصيب أحدهما بطلق ناري في قدمه، وتفقد الآخر شعوره، وتستقل دراجته النارية لتهرب، وتنجو منهما، وتكون الحادثة سجل جديد لجرائم سالاندر في الصحافة، وللشرطة التي تبحث عنها،
وفي اليوم الذي تجتمع كل القرائن لدى سالاندر عن زالا، تودع المكان، وتلغي كل برامجها على الكومبيوتر، وتحمل أجهزة دفاعها التقليدية، وتسافر لعلها تجد ما تهدف متابعته، وتحقق مرامها الذي انتظرته طويلاً، فقد اكتشفت أن “زالا” هو “زالاجينكو”، وحتى الآن لم يتفضل المؤلف بزيادة معلوتنا عن الشخصية، غير أن السر الكامن تحمله سالاندر في كتمانها، وبوصولها إلى المدينة، تراقب من كثب مدخل صناديق البريد، وبخاصة موقع صندوق البريد الذي عرفت بتحرياتها رقمه، وذهبت لتقارنه، بل لتتأكد من الاسم، ولكن ليس غير ثلاثة حروف هناك لا تدلنا على شيء، إلا فيما يبدو أن سالاندر نفسها تعرف أن لكل حرف اسم، ويأتي أحد السعاة، ويأخذ موجودات البريد، ويهم بالرحيل في سيارته، إلى غووسبيرغا حيث يقيم زالاجينكو، فتتبعه بسيارة كانت استأجرتها، ومن منعطفات المدينة، وشارعها الرئيسي الذي يقود خارج البلد، تسير سيارة الساعي، وتمر بطريق ريفية، وهي تتبعه وقد جعلت مسافة مناسبة بينها وبينه لكي لا يشكك، وعند مزرعة منعزلة يدخل طريق ضيق، فتوقف سالاند سيارتها، لتتأكد قبل أن تجازف بالدخول، وترى إلى السيارة تدخل كراج، وهناك شخص يخرج، فتتعرف على أنه المارد الأشقر، فتعود لتخفي سيارتها في مكان آمن بين الأشجار، وتربض لكي يحل الظلام.
وتراقب سالاندر المكان، وترى من خلال بعض الفتحات في النوافذ المسدلة ستائرها، ترى حركة المارد الأشقر، وهو يسير ليكلم شخص يبدو أنه على كرسي متحرك، وتنتظر الفرصة لكي تجد لها منفذ للدخول، حالما تدرس الوضعية من الخارج، والداخل، وتقدر فيما لو كان هناك حراس، أو من هم تابعون غير الاثنين، وبعد تردد تقترب لتدور حول المبنى، وتدرس المداخل، والمخارج، ومن إحدى البوابات التي تراها مواربة تدخل لترى نفسها في صالون، وتسمع حوار بين الأشقر والآخر، وتفاجأ بأن يباغتها الاثنان، ويبادرها المقعد باسمها، فنعرف أنه زالاجنيكو المشوه؛؛؛
ويسترجع المؤلف حادثة تشويه زلاجينو بعشرات الصفحات للتأكيد على تاريخ حياة عسكري مخابرات الكي جي بي الروسية أيام الاتحاد السوفيتي، وأنه عميل مزدوج للسويد، وبانهيار الاتحاد السوفيتي، هدد زلانجنيكو الحكومة السويدية بابتزازها لو لم تحميه، وقد كان جهاز المخابرات السويدي سابو قد وفر له الحماية، وحصل له على اسم ثلاثي سويدي، ذلك كان قبل حادثة تشويهه؛
تعود قصة تشويهه لتاريخ زالا الجنسي مع نساء، ادعت إحداهن أنها حامل منه فتزوجها، ولكنه كان يكيل لها الضرب كلما قدم، وواقعها، وتلد المرأة ابنتها الأولى، وهي سالاندر، وتعاني هذه من أزمات تتعلق بعلاقة أبيها بأمه غير السوية، لأنه كان يضربها، حتى أثناء ممارسة الجنس، فتغتاظ على خلاف أختها “التي لا وجود لها طوال الروايات الثلاث” التي لم تكن لتهتم، حتى كان اليوم الذي جاء فيه ليمارس نفس أفعاله مع أم سالاندر، فتكون سالاندر قد هيأت “مولتوف” لاحراقه، فترميها عليه وهو يهم بركوب سيارته عندما يخرج من البيت، ويحترق مع السيارة، ولربما أنقذ بعمليات جراحية متكررة، لكنه بقي معاقاً، ومشوهاً، وبقي في نفسه حقد على ابنته سالاندر لا يمكن أن يطفأ مهما طال الزمن، فهي في ذاكرته مادام حاله هذا قائماً، وتعرف سالاندر والدها، وترى ما آل إليه ربما للمرة الأولى، ولكنها لا تهتم لأنه سبب معاناتها الطويلة، فقد أدخلت من وقتها المصحة النفسية، وبقيت تحت الرعاية التي حددت مصيرها، ودمرت حياتها، وحياة أمها التي بقت في دار العجزة حتى ماتت، أثناء وجود سالاندر في لندن في تقصي مصير هنرييت في نهاية الجزء الأول.
ومن المساجلات التي لا تشارك فيها سالاندر نعرف أموراً متراكمة في خلفية الأحداث التي كانت مخفية في ذاكرة الشخصيات، وبخاصة سالاندر؛
ومنها محاولات السابو طمس الكثير من المعلومات، وتدمير حياة سالاندر بالادعاء بأنها ليس سوية نفسياً، وتغطية عمليات متاجرة زالاجينكو بالجنس الأبيض، وهو الذي استغل الظرف السياسي، في كل مرة ليهدد لو أنه لا يحصل على ما يريد فلسوف يكشف تورط الجهاز السويدي في استقاء معلومات غير مصرح بها، واستخدامه هو نفسه كعميل مزدوج،
وفي كلام زلاجينو مع ابنته يبوح لها بحيله، وكيفية مراقبته لها من خلال أجهرة المراقبة، منذ دخولها السور، وحتى في الحقل المحيط، ويعترف لها بأن هذا المارد الأشقر الذي يقوم على خدمته والدفاع عنه ليس إلا ابنه، رولاند ندرمان، أخيها غير الشقيق؛
ويقرر الاثنان: الأب والابن أن ينتهيا من سالاندر بناء على شفرة بينهما فيأخذها نيدرمان إلى الخارج، ويرميها بعدة طلقات، ويحفر لها قبر والأب يتفرج، ويقوم بدفنها ورمي التراب عليها، ويعودان إلى الداخل؛؛
في هذه الأثناء يكون مايكل قد حصل على معلومات بأن سالاندر قد توصلت إلى عنوان زلانجينكو، فيتعقبها، وكأنه على علم بكل الأمور، أو كأن بوصلة تقوده بإتجاه سالاندر، وبعد مناورات يكون قد وصل للمزرعة في الذروة؛؛
وبمخيلة المؤلف الدراماتيكية، البوليسية، لأفلام العصر الجديد، تبدأ سالاندر بالحركة تحت التراب، وتحاول بطريقة أولية إيجاد منفذ للتنفس، وبعد مطولة إنشائية، تقريرية لفيلم سينمائي تنفض سالاندر غبار التراب الذي تراكم فوقها، وهي مدفونة تحته، وكأنها إنسان خارق القوى، وعلى الرغم من جروحها في الرأس، من رصاصة، وجروح أخرى، تخرج وتعود لتنتقم، ولما يعرف الاثنان أنها في المحور، تكون هي قد تناولت بلطة، أو فأس ترميه بكل قوتها فتصيب والدها زلاجينكو، وتبقى الفأس في رأسه، وهو يدور حول نفسه، ويحاول نيدرمان إصابتها، فلا يتمكن، وتصعب عليه المحاولة لمخادعة سالاندار ومخادعتها في التواري؛؛؛
في هذه اثناء يكون مايكل قد وصل المكان بقدرة قادر، بعد أن تأخر في طريقة، قرب الطريق الرئيس للمزرعة، وصادف أمور لم تكن على بال، في الوقت الذي ترواد نيدرمان نوازع الهروب من واعزين، الأول مادام والده قد أصيب، وربما يموت فلما لا يهرب، وسوف يستولي على كل ثرواته في الخارج، ويقيم سعيداً بعيداً عن السويد، هذا الواعز كان مبرره، أن له خوف سايكولجي من الظلمة، ومن الأرواح التي يتخيلها،،،، “هكذا فجأة يصبح المارد الذي لا يقهر، يخاف من ذبابة هي روح شريرة مثلاً، فيهرب”، وفي هذه الأثناء يكون مايكل قد وصل إلى مشارف المزرعة، فيوقفه نيدرمان طالباً منه أن يوصله إلى مكان ما، وهو لا يدري من هو مايكل، لكن مايكل يتذكره من حادثة ملاحقته لسالاندر في ستوكهولم، وفي الحال، وبمناورة بوليسية وبالسلاح يهدد مايكل نيدرمان، ويجعله يربط نفسه إلى شاخصة مرور، ويأتي بعدها ليتأكد من قوة الربط، ومتانته، ومن هناك يتوجه إلى حيث المزرعة فيرى إلى الضحيتين: فيأتي ليتأكد من وضع سالاندر، فيجدها في المبطخ بأنفاسها الأخيرة، ويتأكد من وضع زلانجينو ويتصل بالشرطة، ولما تأتي، يشرح لهم مايكل الأمور، ويريهم السلاح الذي لديه، ولغباء الضابط يرتكب خطأين: توقيف مايكل، وعدم ارسال قوة كافية للإمساك بنيدرمان، رغم تحذيرات مايكل بقوة، وخطورة نيدرمان، فيقتل نيدرمان شرطي، ويجرح الثاني، ويهرب، في هذه الأثناء تنقل الضحيتان “زالاجينكو وابنته سالاندر” إلى مستشفى المدينة حيث ستبدأ مرحلة جديدة من حكاية سالاندر ولكن في الجزء الثالث والأخير من الرواية الثلاثة.