دونكيشوت:هل فات الميعاد حقاً يا سانشو؟
سانشو:وكذلك أكل الدهر نفسه وشربها دون غصة أو حشرجة يا سيدي الدون.
دونكيشوت:ولكنك يا سانشو ، لم تسألني عن الشيء الذي فات موعده؟
سانشو:ما فات موعده لا يحتاج إلى تفسير .فكل المفاتيح تدور في أقفال الخراب !!
دونكيشوت:كيف يا سانشو ؟
سانشو:نحن يا سيدي الدون في نقطة الارتكاز .وما دمنا هناك،فكل شيء سيستعجل موعده في الحياة التي يضنها خلاصاً فردياً لا اشتباكاً مع سيوف الآخرين.
دونكيشوت:ولكن إلا تظن إن من يستعجل موعده في الحياة ، يعدُ مسرعاً نحو الموت يا سانشو؟!
سانشو:لم يعد الفرق واضحاً ما بين ميت وحي يا سيدي الدون.
دونكيشوت:تعني إنهما تداخلا،ولا انفكاك ما بينهما بعد الآن؟
سانشو:لقد بات الموتى أكثر حضوراً في الصحف وفي المواقع الاليكترونية وفي الفيسبوك ، بل وأهم حضارة من الأحياء يا سيدي الدون.
دونكيشوت:ربما.فكل ميت شهيد حياة.وكل حيّ شاهدة لميتٍ لا يُمحى في ذاكرة.أهكذا تظنُ؟
سانشو: لا أظن بأنني جدّي فيما أقول. فأنا أمازح اللغة في مثل هذه الثرثرة يا سيدي الدون .
دونكيشوت:كأنني أصدقك على الرغم من كل هذا الخداع الذي يملأ كلامك يا سانشو!!
سانشو:تذكر فات الميعاد لأم كلثوم.هذه كل القصة يا سيدي الدون!
دونكيشوت:وهل بقي للغناء مساحة في الأجساد الحافلة بالديناميت وبالقلق وبالتشرد وبالجوع؟
سانشو:كأنه وقت للسبي فقط !!
دونكيشوت:سنكسر القنينة ،لنخرج من عنق الموت .تذكر ذلك يا سانشو.
سانشو:كم تمنيت لو كنت رسالة في تلك القنينة ،وأهيم على وجه المياه دون توقف!
دونكيشوت:رسالة إلى من يا سانشو؟
سانشو:إلى الله يا سيدي الدون.
آبار النصوص
أتذكرُ زمزمَ يوم اختارت الأرضَ سريراً
لتحلمَ بالطيرِ ،
وتقرأ لنا الأساطير في نشيد عظيم.
أتذكرها أماً ،
كلما وقعنا بغيمةٍ أو ببئرٍ أو بنصّ فاسد
من نصوص الرمل.
أتذكرها رغيفاً من بنات الشمسٍ ..
وكيف يسيلُ منه الدفء على مائدة الدهر
في الرفاعي.
هي الأمُ طاردةُ الخريف من الأرواح.
هي الأمُ صيادةُ نقاط الحزن من الأنفس الكواكب.
هي الأمُ التي طافَ في دمعُها سورُ الصين
ولم تقل آخ عيني.
هي الأمُ النخلةُ لمواليد الرطب والعصافير وأمية الرياح.
هي زمزمُ النائمةُ في جيولوجية الغيب،
فوقها الأرضُ قبةٌ.
وفي خيالها المدُّ والجزرُ الإلهي
دون توقف.
غرفة للغرائز
كلما ذهبت إلى الشعر،تخرج الكلماتُ لملاقاتي بمراكبها ،فيما المياهُ تصبح مثل رمال متحركة،ربما لأنها تحاول أن تنذرني ،بأن أي خطأ بالتعبير،سيجعلني كائناً مختنقاً ،ولا تتوفر له الحماية التي تليق بلغته.
الذهاب إلى الشعر،لا يعني الذهاب إلى الفردوس ،بقدر ما هو سفر بين نيران تحاول استنطاق كل أنواع الحطب،ليستفيق ويحترق ويتجلى مرتفعاً إلى أعلى درجات الذروة الشبيهة بذرة الايروتيكي اللغوي،عندما يفتح مخازن الشعر،ويأخذه اللهيبُ من فؤاده على حين غرة.
كل اعتقاد بوجود نظام أو قانون لترتيب العلاقة ما بين الشاعر واللغة، هو في الحقيقة وهمٌ غير مطمئن ،لأنه يمنع النص من لذة الاضطراب.وبالتالي،فالشعر الفارغ من هوس الطوفان أو الزلزلة،لا يعدو أن يكون إلا تفاهة وإن يتملك بعض النبل.
بنك الخيال
يذهبُ إليها لقاحاً
ثم لا يعرفُ أي عدمٍ يطيرُ من ترابهِ