حسين سرمك حسن: الباحث د. باسم الياسري
أشعار أهل اليمن في العصر الأموي (عرض ونقد)

عندما كنا نقرأ مقولة عمرو بن العلاء (لقد ذهبت اليمن بالشعر كله) لم نكن نجد ما يسند ذلك لأن أغلب الباحثين العرب – إن لم نقل كلهم – كانوا يركزون على شعراء الجزيرة ثم الشام وبغداد . وكانت اليمن تحظى باهتمام محدود في هذا الجانب . لكن الباحث الدكتور “باسم الياسري” أعاد الإعتبار إلى هذه المقولة في أذهاننا كما يؤكد ذلك الدكتور “عبد العزيز المقالح” في إشاراته التقديمية لهذا الكتاب ، والذي يلتقط ملاحظة أخرى كشفها بحث الياسري وهو أن الشعراء الذين اختارهم لم يكتبوا شعرا يمنيا معزولا في قضاياه المحلية بل كتبوا شعرا عربيا يعمل على استقصاء واستغوار القضايا الاجتماعية والهموم السياسية في كل الوطن العربي الذي كان – يومئذ – تحت سلطة الدولة الأموية . وأن شعراء ذلك العصر قادوا الثورة ضد النظام الأموي وهو في أوج قوته وعنفوان تكوينه كما هو الحال مع الشاعر اليمني شريك الحارثي الذي يخاطب معاوية مؤسس الدولة الأموية :
أيشتمني معاوية بن صخر
وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوي يمن ليوث
ضراغمة تهش إلى الطعان
وقد استعرض الياسري في بحثه شعر خمسة من الشعراء اليمنيين هم : وضاح اليمن ومحمد الخنفري وجعفر الحارثي والمقنع الكندي وعمرو الغالبي ولاحق منجزهم من الجاهلية إلى العصر الأموي وذلك عبر دراسة أغراض شعرهم المختلفة . وهذا كان محور الباب الأول الذي جاء بعد مقدمة تمهيدية درس فيها الأحوال الساسية والاقتصادية والاجتماعية – كما يقول – في اليمن في العصر الأموي لكي يحدد العوامل البيئية التي أنضجت إمكانات أولئك الشعراء وتفتحت في ظلها وانشغلت بها .
أما الباب الثاني فقد خصصه الباحث لدراسة نماذج الشعراء فنيا ، وتكون من أربعة فصول تناول في الأول منها بناء القصيدة في الشعر اليمني والتقاءها أو افتراقها عن القصيدة العربية في باقي الأمصار ، في حين خصص الفصل الثاني لدراسة اللغة والأسلوب عند الشاعر اليمني وتطور هذه اللغة والأساليب التي استخدمها دون غيرها . أما الفصل الثالث فقد حلّل فيه الصورة الفنية عند الشاعر اليمني وتأثير البيئة في تلك الصورة واستخدام الشاعر لأنماط معينة من الصور . وقد صم الفصل الرابع دراسة موسيقى الشعر وتحديد البحور الشعرية التي استخدمها الشاعر دون غيرها وسبب هذا الاختيار ، والقافية والحروف التي استعملها وعيوب القافية التي وقع فيها الشاعر .
أماالخاتمة فقد لخّص فيها أهم النتائج التي توصل إليها ومنها أن الباحثين قد اهتموا ببيئة العراق والشام والحجاز وأهملوا اليمن لأنها لم تكن مركزا حضاريا مؤثرا بعد الاسلام . وأن الفخر كان أهم الاغراض الشعرية وخصوصا الفخر بالحضارات والممالك البائدة وهو ما لم نجده لدى الشاعر العراقي والشامي مثلا. وهناك عشق الشاعر اليمني لبلده والإعجاب به وكثرة الأماكن التي يعلن حنينه إليها. ولم تكن هناك قصائد يمنية تشيد بالخليفة أو الوالي الأموي إلا ما ندر بل كان الشاعر اليمني كثير الاصطدام بالسلطة وهذا لا يلغي حقيقة أن اليمني كان يحمل بين جوانحه الإسلام ويبشر به ويمزج قيمه بمخزونه الثقافي لينتج أدبا يحمل عمق حضارته . ومن الظواهر المهمة وجود اثنين من شعراء اليمن يضعان “اللثام” على وجهيهما هما المقنع الكندي ووضاح اليمن وأغلب الظن أنه مخافة الحسد !!
أخطاء فنية :
————–
– على الصفحة الثالثة عشر جاء عنوان (التمهيد) والذي اشار إليه الباحث كـ (مقدمة) في الصفحة التاسعة . وقد أشار إلى أنه قد تناول في المقدمة الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكننا لم نجد سوى تناول للجانبين الأوليين وأهمل جانب الأحوال الاجتماعية .
– وعلى الصفحة الثالثة والخمسين جاء عنوان (المبحث الثاني : الغزل) في حين أن الباحث كان قد أشار إليه في صفحة محتويات الباب الأول “الدراسة الموضوعية” كفصل (الفصل الثاني : الغزل) .
– خصص الباحث الفصل الأول من الباب الأول لموضوعة الفخر ولكنه عاد في الفصل الثالث المعنون بـ “أغراض أخرى” إلى معالجتها من جديد في الفقرة السادسة !
وفي الصفحة الأخيرة من الخاتمة (ص 225) يُنهي الشاعر استنتاجاته بالقول : (مما تقدّم نجد أن الشعر اليمني … إلخ) لكن الغريب أنه يعود ليذكر فقرة استنتاجية أخرى انتهى سياقها هنا فيقول: (كما اهتم الشاعر اليمني بموسيقى الشعر … إلخ).

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

مهند الخيگاني: تشريح الصمت وتصنيف الكلام في عالم ماكس بيكارد

“ولد الكلام من الصمت من الصمت الكامل ، كان كمال الصمت قد انفجر لو انه …

مهند طلال الأخرس: #كل_يوم_كتاب.. طريق الخيّالة

طريق الخيّالة، سبعون عاما من الذاكرة، كتاب سيرة ذاتية وهو بقلم المناضل والفدائي البطل احمد …

تعليق واحد

  1. شكرا أخي الكريم د. حسين سرمك على تفضلك بعرض الكتاب وعلى ملاحظاتك ، والكتاب مكتوب قبل خمسة عشر عاما، وطبع من سبع سنوات، سنتجاوز الملاحظات في طبعة قادمة وشكرا لك مرة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *