إشارة : حين نصف الناقد المبدع الدكتور ( عبد الله ابراهيم ) بـ ( المفكر ) فإننا نقرر حقيقة واقعة تثبتها مؤلفاته ذات الطروحات الفريدة المبتكرة والثرة .. وفي هذا الحوار وقبله الحوار السابق حول موقف الإسلام من السرد تتجلى هذه السمة المهمة .. تحية للمفكر عبد الله ابراهيم.
————————————————
الدوحة – منى سعيد: نتاج نقدي وفكري استغرق نحو ثلاثين سنة، ظهر في أكثر من 15 كتابا وعشرات من البحوث والدراسات النقدية والتاريخية والفلسفية، متاهة مترامية الأطراف يصعب الإلمام بها مع المفكّر والناقد العراقي عبد الله إبراهيم،، ففيها النقد السردي الموسّع ممثلا بكتابه الكبير “موسوعة السرد العربي”، وفيها التحليل الفكري الجريء للمنظومات الدينية والاجتماعية، ممثلا بنقده للمركزيات الغربية والإسلامية، وعالم القرون الوسطى في أعين المسلمين، الذي ظهر في أربعة كتب كبيرة تزيد على ألفي صفحة، وفيها الجوانب الخاصة التي لم يكشف عنها بعد بالتفاصيل، فمازال متكتّما عليها، وتمثلها سيرته الذاتية المخطوطة الضخمة، ونحو عشرة مجلدات من اليوميات التي تتوسّع يوما بعد يوم، وتغطي أحداث أكثر من ثلاثة عقود ونصف من حياته وتاريخ العراق، فكان لابد لي أن أختصر وأكثف عبر الأسئلة المباشرة الآتية:
– في العام 2000 مررت بأزمة منهجية عسيرة، فكيف تصف ذلك؟
– تعلمين بأنني أُعددت إعدادا أكاديميا في مجال السرد الأدبي، وربما تكون أطروحتي للدكتوراه، وهي بعنوان” السردية العربية” هي أول أطروحة جامعية خصصت بكاملها لهذا الموضوع. ثم مارست عملي الأكاديمي لتدريس هذا التخصص منذ ذلك الوقت، ولي آراء فيه كثيرة، ومعظم مؤلفاتي كانت في ذلك الجانب. ولكن بموازاته انبثق لدي اهتمام فكري أشمل، فانشغلت بممارسة نقد الظواهر الفكرية والدينية والاجتماعية. ومع نهاية التسعينات وجدت نفسي أعمل في حقلين مختلفين: نقد الفكر بمعناه الشامل، ونقد الأدب بمعناه الدقيق. فلم أعد أعرف أين أنا؟. فإن كنتُ غير قادر على التعرف إلى نفسي، فكيف يتعرّف القرٌاء علي؟!.
لا لوم عليهم إذا ما تركوا الاهتمام بالجانبين؛ وعزفوا عن قراءتي، لأني كنت قد انشطرت فعلا بين حقلين لا تبدو الصلة بينهما واضحة، فتوقّفت عن الكتابة، واصطلح على هذه الحقبة بـ “الأزمة المنهجية”. فتضايقت فكريا ونقديا لأني لا أدري في أي مجال أعمل. حتى اهتديت، وأنا مشغول بهذا الموضوع مدة طويلة، إلى طرح السؤال التالي: أليس كل مركزية، سواء أ كانت دينية أم عرقية أم مذهبية، قائمة على الأخذ بسرد مخصوص، أي الإيمان برواية معينة للماضي، وللذات، والآخر؟!. وقد كشف لي هذا السؤال جوهر العلاقة المتينة بين السرد والمركزيات الثقافية. وللتوضيح أضرب أمثلة دالة، فمن ذلك اعتقاد اليهود بأنهم شعب الله المختار، وإيمان المسلمين بأن ديانتهم هي خاتمة العقائد، وتصوّر الغربيين بأن حضارتهم هي أكمل الحضارات، ويمتد ذلك فيشمل المذاهب والأعراق والطوائف التي أخذت بسرد مخصوص يقول بالأفضلية، أي التمركز حول الذات، والانكفاء على النفس، فكل قوم أو معتقد، أو مذهب، أو قبيلة، يتوهم أنه الأفضل، وغيره هو الأسوأ.
ويعود ذلك إلى الأخذ بسرد يستجيب للرغبات المغلقة، وينكر على الآخرين وجودهم السوي والطبيعي في عالم لا يقبل في حقيقته إلا الشراكة، لكنه مملوء بضروب الاستبعاد والانتقاص والكراهية والذم، والحروب بكافة أشكالها وأسبابها. فارتسمت لي الصلة الواضحة بين السرد والمركزيات الثقافية، وحينما حلٌت لديّ هذه القضية شرعت في إعادة النظر بمشروعي النقدي من أوله، فعدّلت فيه بما يوافق هذه الرؤية الجديدة، فلم يعد السرد بالنسبة لي سردا أدبيا فقط، إنما هو سرد ديني، وتاريخي، وسياسي. وأصبحت المركزيات نفسها سرديات ثقافية مغلقة تحتاج إلى التحرير من أسوارها الافتراضية. ولم تلبث أن أصبحت الكتابة عندي ممارسة ممتعة، وجذابة، وشائقة، لا أعاني منها أي تكلّف، ولا أسترضي بها أحدا.
وظيفة النقد
– في ضوء ما ذكرت، ما هي وظيفة النقد باعتباره ممارسة فكرية تحليلية كشفية استنطاقية، كما وردت ذلك في مقدمة كتابك “المركزية الغربية”.
– لا أجد أن وظيفةً ما قد تعرّضت لسوء فهم عميق في الثقافة العربية القديمة والحديثة، كما تعرّضت له وظيفة النقد، فقد ظل واصفا للنصوص، وشارحا لها. فيما أجده ممارسة فكرية وجمالية تحلل النصوص، وتستكشفها، وتستنطقها، بل وتطرح عليها أسئلة سواء أ كانت نصوصا دينية أم تاريخية أم أدبية، بحيث تزحزح وظائفها التقليدية، وتدرجها في سياق وظائف جديدة. وهذه، فيما أرى، هي الوظيفة الحقيقية للنقد، وليس وظيفته التلخيص، والترويج، وإطلاق الأحكام السريعة.
شكوى
– لطالما كانت هناك شكوى دائمة من عدم مواكبة النقد لإبداع الكتّاب والشعراء فما هو تعليقك؟
– النقد نقدان: صحافي هدفه تعريف الجمهور بالإبداع، وهو لا يغوص في تضاعيف النصوص، إنما يهدف إلى تسليط الضوء عليها من أجل إثارة انتباه القراء. وهذا النوع من النقد مفيد لأنه يدرج الأعمال الأدبية في سياق الاهتمام العام، وأحيانا يقوم بتصفية تلك الأعمال وتنقيتها. أما النوع الثاني، وأنا معني به منذ البداية، فهو الذي يستنطق النصوص، ويفكك العناصر المكونة لها، ويستكشف أبنيتها، ودلالاتها، وجمالياتها. وهذا النقد هو الذي يدرج الأعمال في تاريخ الآداب القومية، ولا يعني إلا بتلك الآثار التي اكتسبت شرعيتها الجمالية والدلالية.
ولطالما جهر المبدعون بشكواهم من النوع الأول لأنهم يربطون كتاباتهم بأشخاصهم، ويبحثون عن ظهور مشترك في الإعلام معا، ولم ينتبهوا لأهمية النوع الثاني الذي يستبقيهم في الذاكرة ويخلدهم في الآداب القومية العظيمة. كثير منهم مشغول بالشهرة العابرة، والسريعة، ومعظمهم يفتقرون للبصيرة العميقة كونهم بُناةً لآدابهم القومية، إنهم يقلبون الحقائق كلية، فيريدون أن يكونوا هم الناطقين بلسان ما يكتبون، والصواب أن تكون كتابتهم هي الناطقة عنهم. ولهذا فمن الضروري عدم بذل اهتمام كبير بالكتّاب أنفسهم، إنما بما يكتبون، فهم زائلون، وهو باق إذا كان متوفرا على شروط الجودة الأسلوبية، والرفعة الفنية. ومن الضروري أن يتجنّب الكتّاب الاستسهال، فذلك يؤدي إلى انهيار قيمة القول الأدبي بأجمعه، كما يلاحظ ذلك في الثقافة العربية الحديثة.
التيموس
– لكن الكاتب كائن نرجسي، ومن حقه الظهور والشهرة، أليس كذلك؟
– لا أبخس الكاتب حقّ الشهرة، لكنني أحذره من الهوس المرضي بذاته وجعلها مركزا ثابتا للعالم، وأطالبه بجودة الأداء فيما يكتب، وإشباع الحالة الإبداعية التي يريد تخيّلها أو تصويرها، فالكفاءة هي التي توفر له الشهرة، بل الخلود في التاريخ، وليس الظهور السريع العابر في وسائل الإعلام التي تلتهم كل شيء، فلا ترتوي، وسرعان ما تنبذ المشاهير أنفسهم، باحثة عن سواهم، بعد أن أصبح هؤلاء حجر عثرة أمامها، لثبات أفكارهم وآرائهم ووجهات نظرهم. ولا يلبث هؤلاء أن ينزلقوا إلى خداع أنفسهم وخداع القراء متوهمين أنهم معاصرون دائما وأبدا، وينبغي تحذير الكتّاب من الوقوع في هذه المنطقة الخادعة، فكم وكم من الكتّاب الذين بذلوا المال من أجل شهرة زائفة سرعان ما خمل ذكرهم بمجرّد نفاذ أموالهم. هذا سلوك يتنافى وكل وعد حقيقي من وعود الكتابة. ولعل أفلاطون قد ناقش هذه القضية في إحدى محاوراته، وقال بأن الإنسان يبحث الاعتراف، ويريد أن يحظى بالتقدير في الوسط الذي يعيش فيه، وأعتبر ذلك أشبه بالغريزة، وسمّاها(التيموس) أي الرغبة الكامنة في أن يقع تقدير لعمل المرء من طرف الآخرين.
– وهل ثمة مانع من أن يستأثر الكاتب بالأمرين معا؟
– من ناحية موضوعية ليس ثمة مانع، لكن قيمة ومكانة وشهرة الأديب ينبغي أن تنبثق من جودة عمله، وليس من حضوره الشخصي ومن أسمه، لأن الإعلام يكرس، أحيانا، أسماء لأدباء لهم نفوذ معيّن لا صلة له بالكتابة الحقيقية، فيرفع مستواهم إلى مصاف كبار الكّتاب وهم لا يستحقون ذلك، وإذا ما أخذنا بهذا واعتبرناه حقا شرعيا، فسوف يهيمن الأدب الرديء، أي الأدب الرخيص، فيما ينبغي أن يستأثر بالاهتمام الأدب الرفيع. لم يكن أحد على معرفة بهوميروس، أو شكسبير، أو أمريء القيس، إنما آدابهم هي رفعتهم إلى مصاف الشهرة العظيمة، فيما خبت أسماء زائفة بخبو حياتها.
– مازلت مصرّة على أننا نعيش في عصر وسائط الإعلام، نركن للانترنت والتلفاز بدرجة أكبر مما للكتاب، فما المانع من أن تظهر أعمال وأشخاص غير الذين أسميتهم بذوي النفوذ فيها؟.
– وما زلت أشدد أنا على أن الاهتمام ينبغي أن ينصرف إلى الأعمال وليس إلى الأشخاص، لأن الأعمال هي الباقية فيما الأشخاص زائلون. ولست من المشجعين لترويج الأسماء الشخصية على حساب الكتابة. إنما أنا من المناصرين والداعين للاهتمام بالآثار الفكرية والأدبية، فهي التي يغتني بها الجمهور، ويهتم به، وينبغي أن نكرس ثقافة واضحة ودقيقة لهذين الجانبين ونفكّ الصلة الملتبسة بينهما، إذ لا ينبغي الحديث عن أشخاص على حساب الحديث عن مؤلفاتهم.
– وما المانع في ذلك، فماركيز مثلا تحدّث حتى عن الوردة الصفراء التي يضعها على منضدته أثناء الكتابة، وعن طقوس الكتابة لديه بأدق التفاصيل؟
– الذي يمنح الشرعية للكاتب ليس شخصه إنما عمله الأدبي أو الفكري، وماركيز اشتهر بعد روايته”مائة عام من العزلة”. فمصدر شهرته كتابته المجيدة، وليس شخصه المجهول، فقبلها كان يعيش معوزا في باريس، هو وثلة من الموهوبين من أميركا اللاتينية، يتبادلون عظمة عجفاء يعيدون جميعهم طبخها بحثا عن قطرة من الدسم، فهو يستحق هذه الشهرة لأن مصدرها الكتابة. وهنا تصبح الشهرة الشخصية موضوعا مفيدا في حثّ الكتاب الآخرين للإقتداء بمثل أعلى هو ماركيز استأثر بالشهرة بسبب أعماله الأدبية، وليس العكس.
– هل يمكن للنقد أن يغير مسار التلقي لدى الكاتب أولا ثم القارئ؟
– من إحدى وظائف النقد الأساسية هي تغيير طريقة تلقّي الأعمال الأدبية والفكرية ، فقد كان ماركس يُقرأ في الإتحاد السوفيتي بطريقة تستجيب لمقتضيات النظرية الشيوعية بجانبها السياسي، فيما كان يقرأه العالم الرأسمالي بوصفه فيلسوفا ومُحللا اجتماعيا للطبقات وللتاريخ. والآن فإن النقد قد أعاد النظر بكثير مما كان يدور حول ماركس قبل قرن، وكذا الأمر بالنسبة لشكسبير، والمتنبي، ودانتي، فالنقد يغير مسار تلقي الأفكار، ويقترح مسارات جديدة لها، وتلك وظيفة مهمة لأنه يقوم بتقليب صفحات التاريخ ويسلط ضوءا جديدا على نقطة لم يسلط ضوء عليها من قبل. والمثال الأكثر شهرة في عصرنا هو موضوع المركزية الغربية، فالنقد لا يستطيع تخريب هذه المركزية ولا تقويضها إنما يستطيع أن يغير نظرتنا إليها، أي أنه يقترح مسارا جديدا للتعرف إليها، مما يؤدي إلى انهيار قيمة مضمونها في نظرنا.
– هل استطعت بوصفك ناقدا من تغيير وجهة نظر كاتب ما نحو قضية معينة أو غيرت مسار تفكيره؟
– مسار التلقي قضية أكبر من الكاتب والناقد، إنها زحزحة وظائف ثقافة معينة، واقتراح بدائل لها، وأنا لستُ معلما، ولا توجد بيني وبين الكتاب حوارات شخصية ومباشرة تقوم على النصح والإرشاد، إنما لدي حوارات معمّقة مع ما يكتبون، ولا أدري إن كانت آرائي قد أثرت سلبيا أو إيجابيا على قُراء آثارهم، فوقع تغيير في مسار تلقّيها عندهم. في الواقع أنا غير معني بتتبّع ما تحدثه أفكاري من آثار عند الكتّاب أو القراء، لكني معني أشد العناية بكيفية تحليل تلك الآثار، ونقدها، وإبراز قيمتها الفنية والجمالية.
أغبط القراء الأحرار الذين لا يكتبون
– أنت تدهشني بدقتك، وأجدك محدّدا بنظام صارم في حياتك، ووقتك، ونتاجك النقدي والفكري، فالمقال مرتبط بعلاقة مع مقال آخر، ومجموع من المقالات يشكل نواة لبحث كبير، والبحث إنما هو فصل من كتاب، ثم أن الكتاب نفسه جزء من مشروع موسوعي. أتخيلك وسط أكوام من الكتب والمصادر. فكيف استطعت تنظيم وقتك بين الوظيفة، والكتابة الصحفية، وتأليف الكتب الكبيرة؟
– لا فرصة لإنتاج المعرفة دون تنظيم صارم للوقت، وضبط العلاقات الاجتماعية. ففي السيطرة عليهما يكمن السرّ، ناهيك، بطيعة الحال، عن الموهبة، والرغبة، والمنهجية، وهاجس الاكتشاف، وكلها من الشروط الأساسية للكتابة. ولن أفشي سرا إذا ما قلت بأني أقرأ وأكتب منذ ربع قرن في إطار دقيق ومبرمج أصبح الآن جزءا من حياتي، ولا أتذكر بأنني قد شُغلت مباشرة بالقراءة والكتابة أقل من عشر ساعات يوميا إلا في حالات طارئة أكون فيها خارج بيتي لسبب ما. وقد زودني هذا النظام الصارم بقراءة وكتابة متواصلتين، إلى ذلك فلا أقرأ إلا تلك الكتب التي أدرجتها في جدول محدّد، ويحتمل أن تكون مادة للتحليل والنقد، أو تلك التي تغذّي أفكار بما هو جديد، فالكتب بمئات الآلاف، بل بالملايين، ولا ينبغي أن نضيع في متاهتها، إنما ننتخب منها ما له صلة بعالمنا، وأفكارنا، والقضايا التي تشغلنا، وإلا ضعنا في تلك المتاهة الكبرى، فلا نعود منها أبدا.
وأضرب لك مثالين من الرواية التاريخية والنسوية، فمن أكثر من10 سنوات تتراكم في مكتبتي روايات نسوية، لكني لم أنصرف لقراءة الأخيرة إلا حينما قررت الكتابة عنها في كتابي” النسوية المغيبة” ووقع أمر مشابه بالنسبة للأولى، فأنا الآن منكبّ على الرواية التاريخية لأنني أعمل على كتاب” السرد والتاريخ”. أحيانا أغبط القراء الأحرار الذين لا يكتبون، فهم يعيدونني إلى زمن رائع كنت التهم فيه الكتب المختلفة دونما تمييز. ولا أنصح بذلك الآن، فكثير من الكتب لا تستحق أن تُقتنى، فكيف أن تقتطع وقتا ثمينا من القارئ؟.
لا أملك الوقت لإضاعته فيما هو خارج مدار اهتمامي النقدي والفكري. ويمر عملي النقدي بمراحل ثلاث قبل أن يكتسب شرعيته الأخيرة، في الأولى أباشر تلك الأعمال الأدبية متوقفا على أهم البؤر المركزية فيها، ويظهر ذلك غالبا في مقالاتي، وحينما استكمل الكتابة عن سلسلة من الموضوعات التي تشترك في قضية واحدة انتقل للمرحلة الثانية، وهي إعادة كتابة كل ذلك بصيغة بحث دقيق ينشر غالبا في إحدى المجلات المتخصصة، وهذا البحث لابد أن يكون مرتبطا بآخر وآخر في موضوع قريب، وربما واحد، وهذه البحوث تتطور في مرحلة ثالثة لتكون فصولا لكتاب، والكتاب جزءا من موسوعة. وفي كل مرحلة أقوم بالمراجعة والتدقيق، بل التغيير والإضافة والحذف، فأتخلص من الاستطرادات، وأتوسع فيما أعتقد إنه بحاجة إلى توسّع، وحتى حينما تظهر المدونة النهائية اكتشف بأنه كان ينبغي علي توسيع موضوع ما، أو اختزال آخر، يكسنني هاجس الكتابة الدقيقة، والنتائج الشاملة، وتحدوني رغبة عارمة في استكمال شروط الكتابة، الوفاء لها، فقد اخترت كل ذلك، ولم أجبر عليه. والكتابة عندي في مجموعها حوار يومي صريح مع النفس، ومع العالم. هذه هي طريقتي في الكتابة والتأليف، وأنا ماض بها منذ أكثر من ربع قرن فلم أضع جهدا، إلا ما ندر، ولم أكتب مجاملة لأحد كائنا ما كان، ولم أستجب لا لمؤتمر أو لندوة إن لم أجد بأن الموضوع المقترح يندرج في إطار عملي النقدي والفكري، واعتذر حينما أجده بعيدا عن اهتمامي.
الرواية النسوية
– لديك اهتمام معروف بالرواية النسوية، خصوصا بعد أن أفردت لها جزءا كبيرا من” موسوعة السرد العربي”. فكيف تعرّفها، وما هو موقعها على خارطة الرواية العربية، بعد أن اختلفت الآراء والمواقف حولها؟
– قادني الاستقراء النقدي للرواية العربية إلى التمييز بين رواية المرأة والرواية النسوية. رواية المرأة هي ما تكتبه المرأة عن الشؤون العامة فتشارك الرجل بذلك، فهي كتابة لا تقوم على هوية جنسية. أما الرواية النسوية فهي ذلك النوع من الكتابة السردية التي تتوفر على أحد المكونات الثلاثة التالية، أو جميعها: أولا أن تحتفي بالجسد الأنثوي بوصفه هوية مميزة للمرأة، فتصف جمالياته ورغباته حتى يصبح المركز الفاعل في فضاء السرد. وثانيا أن تطرح رؤية أنثوية لم تكن معروفة من قبل تمثّل موقع المرأة في العالم الذي تعيش فيه، وهذه هي الرؤية الأنثوية للعالم التي تجاهد للظهور على أنقاض الرؤية الذكورية. وثالثا، فالرواية النسوية تعرض نقدا جذريا للنظام الأبوي الثقافي والديني، وتقدم هجاء مرّا له، وتقترح تفكيكه، واستبداله بنظام أمومي. هذه، فيما أرى، هي المحددات الكبرى للرواية النسوية، وقد استقيتها من المُدونة السردية النسوية على خلفية نظرية واسعة من الاهتمام بالفكر النسوي.
وتتبوأ الرواية النسوية مكانة مهمة في خارطة السرد العربي المعاصر منذ نحو عقدين حين فتحت الآفاق أمام موضوعات جديدة وطرحت رؤى لم تكن شائعة من قبل. وهي ظاهرة تمرّ بمخاض صعب ففيها تزاحم بين النصوص القوية وتلك الضعيفة، وبما أن المرأة قد فتحت قمقم التاريخ، ورغبات الجسد، فقد اندفعت كتلة متوهجة في سماء الكتابة كالبركان الثائر، وسيمر وقت طويل قبل أن تترسب المظاهر بصورتها النهائية، وإلى ذلك الوقت فسنجد كاتبات وروايات لن يسمح لهن تاريخ الأدب أن يتركن أية بصمة في صفحاته الخالدة، فثمة تزوير في الكتابة، وثمة ترويج زائف، وثمة إنشاء إغوائي فجّ، ولكن ثمة أعمال دشنت لهذه الظاهرة، وفتحت لها الأفق في الرواية العربية. وسيقوم كل من النقد، والذوق الأدبي، بغربلة هذه الظاهرة، والإبقاء فقط على تلك الأعمال التي تتوفر على الشروط الأساسية للكتابة الحقيقية. أدرج ضمن الأعمال المرشحة للتصفية بعض روايات لطفية الدليمي، وابتسام عبد الله، وبتول الخضيري، من العراق، وليلى العثمان من الكويت، ورجاء عالم من السعودية، وسلوى بكر من مصر، وآمال مختار من تونس، وأحلام مستغانمي، ومليكة مقدّم من الجزائر، وفوزية رشيد من البحرين، وعلوية صبح، وهدى ونجوى بركات من لبنان، وغادة السمّان، وهيفاء بيطار من سوريا، وسميحة خريس من الأردن،. هذه قائمة تمثيلية انتخبتها من مدونة الرواية النسوية الغزيرة بالأسماء والأعمال.
السلام عليكم. الى الناقد والمفكر العراقي عبدالله ابراهيم انا بنت العراق من مدينتك حاولت جاهدة الحصول على ايميلك ولم استطع. اريد اخذ رأي حضرتك بموضوع بحثي اوردت بعضا منه في كتابك الذي سمعت عنه ولم استطع الحصول عليه وهو عالم القرون الوسطى في اعين المسلمين. ولكم جزيل الشكر في مساعدتي
فيما يخص المقال المقال جيد فيما الاعتراض على قول الناقد ان المسلمين يقولون ان دينهم خاتم الاديان هم لم يقولوا ذلك بل اشار الله تعالى الى ان النبي ص هو خاتم الانبياء وهو جاء مبشرا بالاسلام فعلى ذلك يكون الاسلام خاتم الاديان