دون كيشوت:ماذا فعلت بك الوحدةُ يا سانشو؟
سانشو:منعت عني الحربَ مع الآخر،وتركتني مقاتلاً ضد مخلوقاتي الشرسة في داخلي.
دون كيشوت:ذلك حسنٌ.ولكن هل لابد من الحرب،سواء مع النفس أم مع الآخر؟!
سانشو:لا علاقة لي بالحروب يا سيدي الدون، فهي تراكمية ،وجلها من صنع مؤلفي التاريخ .
دون كيشوت:كأن لا شيء لدى صناع التاريخ ليفعلوه سوى سك السيوف وتشييد بنوك الدم!!
سانشو: لذلك لم يبق لأحد منهم تمثال على هذه الأرض.
دون كيشوت: ربما لأنهم يكتفون ببطولة الموت الذي يمثلونه في السينما الغامضة.
سانشو:إنه لأمر مروع يا سيدي الدون،أن لا يسدّ الموت رّمق التاريخ الأحمر، وبهذا القدر من التوحش؟!!
دون كيشوت:لا يخدعنك التأريخ وحده يا سانشو.لقد أصبحت الجغرافيات قاتلة هي الأخرى .
سانشو:أعرف ذلك.فكأن كل بلاد باتت مسجاة على مائدة بانتظار العشاء الأخير!
دون كيشوت:كلما نظرت إلى العالم العربي ،رأيته كاتولوغاً للخراب.
سانشو:ولا يسدّ رّمق الموت حتى!!
دون كيشوت:لم يعد هذا الأخير يُرهب أحداً،ثمة حالمون بالموت.مثلما هناك من يذهبون إليه بالأجساد المفخخة!!
سانشو:ما من جسد،حتى الأكثر خسةً ووضاعة وعقماً،ويفتنهُ الموتُ بالسيفور أو بالديناميت بهذه الطريقة المازوخية المدوية.
دون كيشوت:ثمة أدمغة لم تصلها الكهرباء بعد.
سانشو:وربما الماء أيضاً.
دون كيشوت:لذلك تراهم يتمرسون على إهلاك الحياة،كبداية تمرين على قفز سور الجنة!
سانشو:صحيح يا سيدي الدون.فقلب كل منهم كيس بنزين ،قابل للاشتعال في أية لحظة.وهم ينفجرون لاختصار المسافة ما بين جهنم ديناميت نوبل الكافر وبين جواري النعيم!
دون كيشوت: ثمة مدارس لتعليم الظلام .وكل لمبة نور من مصابيح إديسون عندهم حرامٌ وبدعة.
حرامٌ لأنها لمخترع من أهل الذمة ،وبدعة،لأن الله نور السموات والأرض ،ولا يجوز استعمال النور الاصطناعي للمضاربة على نور الأصل ؟!!
سانشو:كل هؤلاء،ولا يفقهون .فمن قتل جسداً،قتلَ كلمة من الكتاب.وإمّا من حطم لمبةً،جعل الربُ من عينيه مقبرتين من الصلصال الأسود .
آبار النصوص
((بالأسود))
تتفتحُ ليلاً..
العائدةُ بكرات دمعها.
( وأمام المرآةِ نومٌ دونه البابُ مقفلٌ )
النجومُ النقاطُ من هناك.
تنظرُ إلى تأملاتنا المتدلية
غصوناً من مباني النصوص.
بعد ذلك..
النفسُ ليست بناءةً أمام تفاحةٍ
عاريةٍ في هودج ضال.
ولا أمام خطيئة لا تسأل عن صغار عصافيرها من العطور.
الأمطارُ على الخرائط.
والسديمُ في الأقفال.
وعلى الطاولةِ،
لم يبق من الوجهِ إلا الفراغ.
كذلك البكاء :
طيرٌ لا يتبخر.
كذلك المصباح الأيروسي
المشعّ
بين الهياكل والأنقاض والهجرات والذبول.
ستطفو به ذنوبهُ إلى مغارة أصل
الأنواع.
أرضٌ تنزّ بالنقادِ والضباع والرمال
المهرولة من المطابع.
ليلٌ في قبضتي..
وهو أكبرُ كائناتُ الكأس في خمارةٍ،
ندخلها مصطلحاتٍ، لنخرج منها تراثاً لكل الحروف.
عيني التي تتبعني
( ساعةٌ خربانةٌ )
وسوف نتذكرُ عطراً خارج الأقواس.
((بالأحمر))
أ ذاهبةٌ أنا لمكانكَ في الارتفاع..
أ ذاهبٌ أنتَ في أوبرا الضلالة،
وليس سوى الحداد على كرسيّكَ.
لقد
أبكتنا
بطولاتنا بين الأطلال.
فتمغنط بتربتي..
أنا الشجرةُ الطائرة بكَ.
أيها المملوكُ ليومِ هندستي فيه.
غرفةٌ للغرائز
ليس كل كتابة عن قصيدة النثر ،تُعد كتابةً تفقدية لنبضها وحرارتها وضغطها، أو استبصار دقيقاً لمخلوقاتها المجهرية،بقدر ما هي كتابة استعراضية ،تتناول عضلات من سبقوا بالغوص في أحوال تلك القصيدة ،ممن باتوا اليوم أطلالاً وطللاً.
قصيدة النثر اليوم هي غيرها على عهد سوزان برنار غرباً والحاج والماغوط وبولص شرقاً.لا توجد أسرار في كتابة هذا الطراز من الشعر.ولا وجود لآبار تختبئ في كهوفها كائنات قصيدة النثر ،بل لأن التطور اللغوي الناتج عن الصراع ما بين كاميرات العقل ومجسات المخيلة،هو الذي يضمن وجود كتابات جديدة باهرة،أكثر تطوراً من سابقاتها .
قصيدة النثر برأيي دخلت المرحلة الأفعوية ،فصارت تنزع جلدها كما الثعبان كل عام أو أقل.وهي قصيدة،نجاحها ،لا يخضع لشروط أو التزامات بقواعد أو بخطط إستراتيجية،بقدر أن قوتها ،تكمن في خيانتها للرواد والرموز والأفكار التي تأصلت عليها قديماً.
وكلاء الشعر الآن،لا يوفرون جهداً بوضع قصيدة النثر دجاجة في قفص للزينة ،مع استعدادهم الكامل،لأن يضحوا بتلك القصيدة قرباناً لأي شاعر عمودي ،يرغب بسفك دمها أو امتصاصه.
لا خوف على هذه القصيدة .الخطر أن تنام قصيدة النثر كالأرملة في سرير وثير !!
بنك الخيال
قال إنهُ كتابي
وبه التفاحةُ والأفعى وخريطةُ التيهِ