أسعد الجبوري : الكرسي أم المتكرّس ؟!

على متن الريح
دون كيشوت:لا أعتقد بأننا سنكمل رسم كامل اللوحة بالهيموجلوبين وحده!
سانشو:ليست تلك بقضية يا سيدي الدون.فكل مخلوق جثةُ نفسه الحمراء في نهاية المطاف.

دون كيشوت:ولكننا لم نجد دماً يهجرُ جسداً ،ولا جسداً دون دم قانٍ أو متفحم!
سانشو:أجل يا سيدي الدون،فثمة دماء تتصارع خارج أجسادها علناً ،مثلما هنالك أجساد تحاول منع الدم من الخروج للشارع.

دون كيشوت:ولكن الشارع الذي يسقط في غيبوبة الأحمر،أحمق وناقص أوكسجين.
سانشو:قد لا تبحث الدماء إلا عن الكراسيّ ،لتقعد!!

دون كيشوت:ولكن ما من قاعد على كرسيّ للأبد؟!!
سانشو:أنا رأيتُ أحداً على كرسين .كرسي له في جهنم.ويطمح لكرسي افتراضي آخر في الجنة.

دون كيشوت:ربما أراد أن يكون الأول من خشب وأن يكون الآخر من حديد.
سانشو:المهم أن يرى هؤلاء الكرسي عتيقاً وشاهقاً ،ودون شيخوخة تُثيرُ في الأنفس ذعراً.

دون كيشوت:ولكن قل لي يا سانشو:، أيهما الأطول عمراً من الآخر،الكرسي أم المتكرس عليه ؟
سانشو: ربما شياطين التاريخ  وحدهم يعرفون ذلك يا سيدي الدون.

دون كيشوت:ومن أين نأتي بهؤلاء لنعرف؟
سانشو:الشياطينُ عادة ما يسكنون  بين طبقات غبار الحروب.

دون كيشوت:الحروب الباردة أم الساخنة يا سانشو؟
سانشو:بحرب دافئة كما أظن.بعد ذلك سيرثي البشرُ أنفسهم بالعدم ، ثم يمضون دون رجعة.

دون كيشوت:ويحك يا سانشو!
سانشو: ما أن تخترق الحربُ القلوب الصغيرة،حتى تخرج عن السيطرة، وتصبح مقبرةً لسردّ الموتى فقط.

دون كيشوت:كأنكَ تضعُ أمامي عظام الشعوب،وهي ترتفعُ كما الأوتاد في هذه الصحارى!
سانشو:أجل .وكأنني لا أرى مقيماً في لوحتنا الشبيهة بالمقبرة سوى الرماد الأحمر فقط !!

آبار النصوص

الآن..نركضُ تحت أشجار الصنوبر
لا غيوم فوقنا ولا تلال رملٍ في جيوبنا
نركضُ
نركضُ خارجين من شيخوخة الكراسيّ
من كتب الديزل و التراثِ من الأقفال وربع الغرام
من الدنانير المسبوكة من الذهب
أو تلك التي تشبهُ الزجاج
نركضُ حفاةً
وأشجارُ الصنوبر على امتداد الضفتين
تضربنا غصونُها مخربطةً
تسريحةَ العقل بمقص الهواء
الآن نركضُ
الركضُ إلى الأمام بأقدام مياه
الركضُ في العراء بأحذية شديدة الصلع
نركضُ نركضُ على السبورة النائمة
في الطفولة
نركضُ نهباً للشوارع وضواحي التاريخ
نركضُ غير مكترثين بالحافلات
بلهث الحشاشين
بباصات نقل ركاب الدجاج أو الأوادم
بدراجات سعاة البريد أو بشاحنات
شاه بندر التجار.
نركضُ
نركضُ
أظننا قراء سراب
وملتهبين كحصى النيازك.

غرفةٌ للغرائز

أحياناً،أقرأ نصاً ،فأشعر بثقله الثقيل كأبي الهول.وفي مرات أخرى،تطير نصوصٌ كثرٌ من فوق الرؤوس كالزرازير ،حتى قبل الدخول في طقوس القراءة.ذلك يحيلني إلى أن ثمة كلمات كومبارس في اللغة،لا تمنحنا معنى شاسعاً ،بقدر ما هي عاملة سرفيس ،يرتبط وجودها بمدى الخدمة التي تقدمها لكلمة أخرى.أو كلمةً أقوى ،تقرر مصير الجملة،وتكرسُ حالة الانبعاث الحيوي لكل ما يجعل من تلك الكلمات عالماً يحتمل أن يكون نائماً في القارئ،فيأتي من يوقظه. أو يكون ممحياً،ويتم استعادته الأرشيف بطريقة ما.
اللغة مملكة نحل هي الأخرى.فيها الملكة والعاملات والذكور.كل ذلك يصنع من الكلمات نصاً يُلخص حياةً  ما لمخلوق .لشجرة .لحشرة .لعاصفة.لفيل.فكل ما في باطن اللغة يتلامس.يتحاور.يتصارع حتى الموت.ومن هنا، نجد أن كلمات تنفرُ من بعض الكلمات،رافضةً التجاور معها جنباً إلى جنب في هذه الجملة أو في تلك. ففي اللغة مفكرون كثر،بعضهم عنصري،وبعضهم الآخر مازوخي أو سادي أو شوفيني يستطيع أن يفرض أصول نظامه الفكري الداخلي على كل سطر من النص .والسؤال الأهم:
هل من شاعر شجاع شبيه بذكر النحل،يجرؤ على تلقيح النص ،ويموت بعد ذلك على الفور ؟

بنك الخيال

وما أن يَسقطَ منهُ التفكيرُ
حتى يرى ظلهُ سيفاً مُراهقاً بين طبقات
الشعوب.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *