شوقي يوسف بهنام* : سعدي المالح ومتاعب الحظ؛ رؤية نفسية لقصة الحظ *

القاص الدكتور سعدي المالح

* مدرس علم النفس
كلية التربية – الحمدانية
    جامعة الموصل
يبدأ القاص سعدي المالح قصته القصيرة المعنونة ” الحظ ” باعتراف مباشر يعلن من  خلاله عن معتقد او تصور او رؤية عن مسار الاحداث في العالم . فالعالم لا يخضع لقوانين عمياء تقوده حيث تشاء . ولذلك فهو يؤمن بحتمية ما قد تكون مؤدلجة تقوم بتسيير هذا العالم لاسيما الانساني منه . اعني حياتنا الاجتماعية على وجه الخصوص . ولذلك فهو لا يؤمن بالحظ كما يؤمن به الاخرين من الناس عندما يعيشون تحت وطأة القلق من قدوم الاتي الذي يحمل بين جنباته ما يحمله من مخفيات ومفاجآت  وما شاكل ذلك . يقول القاص ما يلي :
” ينبغي ان اعترف اولا انني لا آخذ فتح الفال والتنجيم وقراءة الكف والفنجان ، وكشف الطالع ، على محمل الجد ، حتى وان وجدت نفسي احيانا اقدم فنجاني لقارئة محنكة ، او اقرأ برجي في جريدة ، او اسرد حلمي امام زوجتي التي سرعان ما تفتح كتابها العجيب في تفسير الاحلام وتقرأ لي ما يعنيه حلمي فيكون هذا مجرد لتسلية . اي انني ، والحق يقال ، اقرب الى الاعتقاد بالقول السائد : كذب المنجمون ولو صدقوا ” . ص 66 .
******************
ذلك إذن هو الاقرار الرئيسي للقاص سعدي المالح إزاء تلك الممارسات المألوفة لدى جميع الحضارات في قراءة المستقبل وكشف حجب الغيب . هذه الحاجة بشرية بالمعنى الدقيق للمفردة وفي علم النفس ندرسها تحت مفهوم قلق المستقبل . فقط هي الاحلام التي دخلت مجال الخبرة العلمية وصارت رموزها تعني الكثير لدى العاملين في مجال التحليل النفسي . وما من شك فان سعدي المالح لا يعني هذا الجانب من رمزية الاحلام . هو يقصد ، فيما نعتقد ، تلك الكتب الشعبية الرائجة حول تفسير الاحلام . والقاص لا ينكر ممارسة هذه الممارسات ، ولكنه يبررها تحت غطاء التسلية ، وهذا ما يقوله الجميع ازائها . ولكن قلق المستقبل خبرة انسانية يعيشها الجميع ولكن بمستويات مختلفة وذلك وفقا لخبرات النجاح والفشل في حياة كل منا . فالفرد الذي اجتاز خبرات نجاح مستمرة سوف يعزو ذلك النجاح الى قدراته العقلية وجهوده وثقته وما الى ذلك وبالتالي فانه لا يجد مكانا لشيئ اسمه حظ او قدر . وعلى العكس من هذا فان الفرد الذي مر بخبرات فشل كثيرة واحباطات مختلفة سوف يلجأ الى مفاهيم القدر والحظ وسوف يكون اقرب الى التفتيش عن نقطة تطمئنه وتقدم له مسكنا لقلقه من الشخص الاول . في علم النفس نسمي هذا الاحساس بمركز السيطرة . فالذي يعزو نجاحه الى ذاته نسميه صاحب التفكير بمركز السيطرة الداخلية على حين الشخص الاخر هو صاحب مركز السيطرة الخارجي . والقاص ، لهذا يعيش قلق المستقبل ولكن ، على ما يبدو ، فترات قليله من حياته . ان مسار النجاح عند القاص مسار سليم لا يحتاج الى ما يبرره . كذلك كم الاحباط لديه كم قليل . زوجته ، على رغم من عقليتها الشعبية ، الان انها تشاطر القاص همومه ، والقاص بدوره منفتح عليها . لقد اصبحت وديعة اسراره وخزائنها . يتابع القاص سرده عن ممارسة لا يؤمن بفعاليتها مسبقا . فيقول :-
” ولكن قراءة برجي اليوم قد مرت كسابقتها في صحيفة الصباح دون اي اهتمام للرجل الذي سالتقي ، والتغيير الجذري الذي سيحدثه في حياتي ، كما يزعم معد الابراج ، لولا الاتصال الهاتفي لمدير المؤسسة التي اعمل فيها ، في حوالي الظهر ، ليخبرني ان علي ان احضر في الساعة السادسة من مساء اليوم اجتماعا هاما سوف يضم كبار الشخصيات في البلد في الشيراتون ”  ص 66- 67 .
*******************
إذن فالقاص سعدي المالح معتاد على قراءة الابراج . هذا الاعتياد هو بحد ذاته رغبة لا شعورية تقوده الى مثل هذا السلوك . ولكن لكون قراءة الابراج في ما مضى لم تمنحه املا مثل ما منحته قراءة هذا اليوم . لقد حدث اقتران عند القاص . فبينما يقرأ برجه رن الهاتف فكان المدير هو المتحدث .
” عليك ان تحضر اجتماع هام في السادسة من هذا اليوم “.
*********************
كان برجه يقول ان رجلا مهما سوف تلتقيه وسوف يغير حياتك . ها هي نبوءة البرج قد تحققت من خلال اتصال المدير معه . اهي  محض صدفة ام نبوءة سطرها برجه هذا اليوم ؟. نستطيع القول ان موقفه من الابراج والفناجين والكف بدأ بالتخلخل . لنرى كيف يصف لنا حالته الانفعالية وهو يفكر في نبوءة البرج من جهة وما سيحدث في الاجتماع هذا اليوم . يقول سعدي المالح :-
” كانت هذه اول مرة يدعوني فيها المدير لحضور مثل هذا الاجتماع ، فتملكتني هواجس وروادتني خيالات . عدت الى الجريدة اقرأ حظي مرة اخرى ” عطارد المتحكم في برجك سيتآلف اليوم مع المريخ في زاوية النجاح الكامنة ، ستلتقي بشخصية هامة جدا لم تكن تتوقعها ، ويتمخض عن هذا اللقاء نتائج مهمة تغير حياتك تغييرا جوهريا ، رقم الحظ 6 ، يوم السعد الاربعاء ” نظرت الى ساعتي : اليوم اربعاء ، ونحن في السادس من الشهر ، يا الهي ، قد يكون اليوم هو يوم الحظ الموعود بالفعل . لم لا ، الحظ يأتي مرة واحدة ، يطرق الباب فجأة ويدخل دون ان يحس به المرء ” ص 67 .
********************
على الرغم من الخيالات  والهواجس التي طاردت القاص الا ان توجهه كان نحو الامل وليس مع اليأس . ونستطيع ان نقول انها مشاعر توقع الافضل . راح يعاود قراءة الجريدة من جديد لكي يعيد قراءة التفاصيل . ان نبوءة البرج آخذة بالتحقق تماما . اليوم والشهر والساعة .. كلها تطابقت مع اليوم . ان اتصال المدير هو تحقيق النبوءة إذن . لقد تغيرت اتجاهات سعدي المالح ونظراته نحو تلك الموضوعات التي كان يعتبرها ترهات وخرافات لا غير . وان ممارستها ليست غير ضرب من التسلية وقتل الوقت . ان الموضوع اصبح جديا وها هو يأخذ الامور على محمل الجد . سعدي المالح ، وفقا لنص القصة ، يعتبر نفسه مهمشا في العمل . لأن المدير لم يدعوه الى حضور هكذا اجتماعات من قبل . ومن هنا كانت دهشته تلك . الامور آخذة بالتغيير نحو الافضل . لقد كانت هذه الدعوة بمثابة نقطة تحول في حياته المهنية على اقل تقدير … لقد بدأت تباشير الامل تلوح في الافق في ظلمة حياته . من هنا هذا التعود اللاشعوري ، إذا صحت العبارة ، على قراءة الابراج والفناجين حتى وان تلبست بغطاء التسلية وقتل الوقت . لقد اعادت دعوة المدير له حالة اعتبار الذات لديه . الان ليس بالموظف المهمش . ها هو المدير يضعه في مكانه الصحيح والذي كان جديرا به منذ زمن طويل . لقد جاءه الحظ هذه المرة . وصار سعدي المالح يؤمن بقدومه ومجيئه حتى ولو كان لمرة واحدة في حياة الانسان ومن دون ان يشعر او يحس به . لنرى كيف يصف القاص حيانه الجوانية . انه يقول :-
” اجتاحني شعور بالغبطة ، رحت اشغل نفسي بالعمل . كان الوقت لا يزال ظهرا ، وحتى الساعة السادسة هناك ساعات طويلة من العمل اولا ثم الغداء والقيلولة . فكرت في من عساه يكون الشخص الذي سألتقي : مدير شركة مهمة ؟ لا بد سأجلس الى جانبه اثناء العشاء ويقترح علي العمل لديه براتب مغر ! أم قائدا سياسيا ؟ يقترح علي ان انتمي لحزبه ليرشحنى عضوا في البرلمان ! هكذا اذن ، واخيرا طرق الحظ بابي ولن تضع سنوات الغربة هباء ، سأعود معززا مكرما ، ذا مال وجاه ، ماذا اريد اكثر ؟ الصحة والمال وطول العمر ، كما يقال . وراحت الافكار تأخذ برأسي وتجعله يسرح بعيدا اكثر بحيث لم اتمكن من التركيز على عملي فخرجت قبل انتهاء الدوام ” ص 67 .
******************
تلك هي تباشر الامل قد لاحت في افق ظلمة سعدي المالح بعد سنوات طويلة من الغربة . لم يذكر سبب غربته . الا ان امله بلقاء قائد سياسي يدعوه لحزبه ليرشحه عضوا في البرلمان تدفعنا الى الاعتقاد ان سبب غربته هو الخطاب السياسي الذي يتبناه . الخيارات التي فكر بها القاص هي انه يريد تعويض سنوات غربته الطويلة التي كانت منطلقة من اساس صحيح . ذلك الاساس هو ان خطابه هو الذي ينبغي ان يكون هو الحل لمشاكل الحياة . الصورة واضحة عن اغتراب المثقف في المجتمعات التي تشبه مجتمع القاص . انه يفكر في السلطة . في البرلمان على اقل تقدير . لكي يتمتع بمزايا وصلاحيات عضو البرلمان . سنوات الغربة اذن لم تك هباء ولا عبثا . جاء الوقت المناسب لجني ما زرعه سعدي المالح في اراضي غربته الطويلة . او ان يلتقي بمدير شركة مهمة ويمنحه راتب مغر . المهم هو ان يكون تحت الاضواء . ويكون شخصا مهما وله معية يصدر لها الاوامر ويجلس على كرسي هزاز وأمامه منضدة مصممة تصميما يليق برجل مثله .. سافر واغترب وعانى وجاع وتشرد من اجل قضية ومن اجل خطاب  وبجانبه عددا من الهواتف الملونة . كلا الخيارين يعملان على تحقيق الذات لديه في اقصى صورة ممكنة . الا ان رغبته بان يكون قائدا سياسيا هو الانسب له على الاقل لا شعوريا عند سعدي المالح . قلنا ان غربة المثقف في مجتمعاتنا هي غربة خطاب وغربة مخالفة ومقاطعة مع المعيار السائد في المجتمع . ولذلك لم يفكر بان يكون شاعرا او فنانا او فيلسوفا او استاذا في الجامعة او طبيبا مثلا . طبيعة هذه المهن لا تطلب اللقاء بالجماهير الا في حدود معينة . فكر في العمل في شركة او ان يكون عضوا في البرلمان . حصيلة هذا التفكير هي ” المال والصحة والحياة ” اقانيم الحياة الخالدة التي يحلم بها البشر الاسوياء وبلا استثناء . انه سعدي المالح هنا يبدو لنا رجلا براغماتيا اي عمليا صرفا تغرب لكي يجني ثمار غربته .
على اثر هذه الهواجس التي زاحمت ذهن القاص شغل نفسه بالعمل . الا ان هذا الانشغال لم يك نتيجة للفراغ والملل بل للاسراع بالزمن والامساك به لتكون الساعة السادسة . ومن فرط هذه الزحمة خرج البطل من العمل لعله يجد ما يطمئنه . فاين ذهب ؟ . يقول القاص :-
” في البيت تعجبت زوجتي من عودتي المبكرة ، قلت لها :
جئت لأنام ساعة اضافية في القيلولة لان امامي اجتماع مطول في المساء .
فشكرت الله على احضارها الطعام قبل موعده ، وقالت :
وكأن احساسا خامرني بأنك تأتي مبكرا . ” ص 68 .
******************
مجيئه المبكر هو الدافع الى تغيير موعد الطعام . شكره لله هو بمثابة صورة من الرضا على حياته الاسرية التي وصلت الى شكلها الحالي . الوضع الاسري كما يرسمه سعدي المالح لنا وضع متناغم وسليم قائم على الانفتاح والتفاعل والقبول والرضا . من هنا هذا التخاطر عن بعد بينهما . لقد خامرها ذلك الشعور الغريب بأنه سوف يأتي مبكرا . هذا التخاطر وليد لتلك العلاقة التي تربط القاص بزوجته . يستمر سعدي المالح في سرد عملية احضار الطعام مخفيا سبب قدومه المبكر هذا وكل حيثياته ودوافعه متقنعا بأنه ملزم بحضور اجتماع مطول في المساء .
” عن اي شعور تتحدثين ؟ كيف احست انني سأعود باكرا ؟
اجابت :
لا ادري ، كنت اشاهد فلما ومع انه كان ممتعا الا ان قوة غامضة ، غير مدركة دفعتني لأترك التلفزيون وأتوجه الى المطبخ واحضر الطعام بسرعة ص68 .
****************
بهذا الحدس الذي يعزوه القاص الى زوجته يجعلها ضمن ملاذاته النفسية . وفي ذهنه العبارة التي تقول ” ان وراء كل رجل عظيم امرأة . القاص يتقمص الشخصيات الروائية  الاشتراكية ؛ العمال .. الفلاحين .. الكادحين .. المناضلين عموما لا تستقيم حياتهم الا بجهود نسائهم ، فهن المحرك لهم وهن وقودا لحياتهم . زوجته .. اعني زوجة القاص تفهمه من كل زاوية . فلا عجب اذن عندما تتوقع هذا المجيء المبكر له وكانت هي السباقة فأعدت الطعام فور استلامها ذلك الصوت الذي جاءها من اعماقها . وهذا الذي دفع القاص الى القول بان حدوس زوجته كانت السبب في تعزيز اعتقاده بان الحظ قد اتاه اليوم .  يقول القاص :-
” زاد حدس زوجتي هذا من املي في ان يحالفني اليوم ، لكني لم اخبراها شيئا عن تصوراتي خوفا من ان تسخر مني وتقول : منذ متى اصبحت تؤمن بالحظ والابراج ” . اسرعت الى غرفة النوم للتمتع بقيلولتي في الفراش ساعة ، ساعتين اتقلب يمنة ويسرة ، افكر ، تتزاحم الخيالات والسيناريوهات برأسي ، ولم استطع ان انام دقيقة ” ص 68 .
*****************
في هذه الفقرة يمارس القاص سلوكا انسحابيا واضحا من خلال الاسراع في الذهاب الى غرفة النوم . عدم اخباره لزوجته بسر مجيئه المبكر هو عدم خلخلة صورة الذات لدى زوجته . عرفته زوجته مناضلا .. مكافحا .. واقعيا .. لا يؤمن بالمثاليات او الغيبيات على وجه العموم . هذه هي اول مرة يعيش صراعا مثل هذا النوع . الحظ سوف يأتيه هذا اليوم . لقد اكدت حدوس زوجته ذلك .. اتصال المدير .. كل هذه العوامل جعلته يفتح قلبه وعقله لموضوع الحظ . ولكنه خشي من ان يقول لها خشية ان تسخر منه . فتتخلخل صورتها عنه . وتقلل من طموحها لتواكب المسيرة النضالية معه . ولكن لا جدوى من هذا الانسحاب او الهروب فلا يزال الصراع قائما ولا زالت الخيالات متزاحمة في ذهنه . لنرى كيف واجه القاص توتره النفسي بعدما لم يتمكن من نوم قيلولته . يقول سعدي :-
” نهضت متكاسلا ، دخلت الحمام ، ووقفت تحت رشاش الحمام البارد لأعيد النشاط الى جسدي المتعب . وفعلا ارتاح جسدي قليلا لكن فكري بقي مهموما ، حتى ان زوجتي لاحظت ذلك وقالت لي وهي تناولني ملابسي :
–    اراك اليوم متقلب المزاج ، تارة مهموما ، وتارة فرحا ، وكأن امرا ما سيحدث “. ص 68-69 .
******************
النهوض المتكاسل دلالة على عدم الرغبة في المواجهة من جهة وعلى عدم استقرار القرار وعلامة على التردد ومن ثم الحيرة . القاص يركز كثيرا على حدوس زوجته فها هو اكثر من مرة يذكر ذلك الامر . وهو يعني ان زوجته هي الكائن الوحيد الذي استطاع ان يحتويه . ملاحظتها هذه جعلته يؤكد على قدرتها على التخاطر بينهما . ولكنه لا يزال هو لائذ بالصمت . قلنا ان صمته هو نتيجة خشيته من سخرية زوجته منه . هذه السخرية علامة على خلخلة صورة الذات لديهما في وقت واحد .يستمر القاص في سرده لمسار شعوره فيقول :-
” فكرت ” ياالهي ، ما ارهف حاستها السادسة ، انها تكاد تعرف كل شيئ “بيد اني فضلت الصمت وخرجت الى الاجتماع ” . ص 68-69 .
***********************
حتى خروجه الى الاجتماع كان نوعا من انواع الهروب مارسه ليواجه ما سوف يأتي . الى حد هذه اللحظة . لا يدري لما اتصل به المدير ودعاه الى الاجتماع . صحيح ان برجه هذه اليوم قال له اشياء لم تك في ذهن المدير اصلا . مسألة البرج مسألة سرية بينه وبين نفسه . هي عملية رهان يريد التحقق منها لا غير . وصحيح ايضا ان دعوة المدير له ولأول مرة شكلت اساسا لبداية قناعته بمضمون البرج . مضمون البرج هو اساسا احلامه .. رغباته .. طموحاته .. لماذا اختار الغربة لو لم يك يريد ما يقوله البرج ؟ . من جانب أخر حدوس زوجته المتكررة هي الاخرى كانت عامل تعزيز لقناعته بمضمون البرج . ولكنه لحد هذه اللحظة لم يستسلم للبرج بعد . لا يزال منشطر الى نصفين . النصف الاول نصف واقعي لا يؤمن بالغيبيات ونصف بدأ يشعر بحاجته الى ان يكون الحظ معه ولو لمرة واحدة . هو الان يعيش هذا الرجحان بين هذين النصفين لا يدري الى اي نصف يتجه وينظر .. فكان خروجه السريع نحو الاجتماع علامة على الاسراع بالزمن لكي يكشف ويفضح دعاوي وصرخات البرج لهذا اليوم . المقطع التالي يصف لنا القاص وصوله الى صالة الفندق لحضور الاجتماع . يقول في ذلك :-
” وصلت قبل الموعد بنصف ساعة . فضلت ان اجلس في مقهى الفندق اشرب قهوتي بهدوء ، كان ، ثمة في وسط المقهى ، رجلان يتحدثان بصوت عال حول طاولة ، ورجل ثالث يرتدي بدلة انيقة ، يبدو عليه انه مسؤول كبير أو تاجر غني ، يجلس بعيدا في زاوية ، جلست في الزاوية الاخرى . اصبح الرجل في مواجهتي . كلما التفت يسارا رأيته يتحرك ويعتدل في جلسته ، ومنذ ان جلست لم يحد بصره عني ، بل انه قام غير مرة بحركات تلفت انتباهي أو هكذا تراءى لي . قلت في نفسي :” انه هو ، هو بعينه ، الرجل الهام الذي سألتقي اليوم ” ورحت انظر اليه باهتمام ايضا ”  ص  69  .
***********************
دخول الشيراتون ليس بالأمر السهل على الرغم من عموميته . ل ايرتاده ايا كان . فقط الناس الميسورين والأثرياء وأصحاب الذوات وما شاكلهم . وعندما يكون الزائر رجل مهما تنقلب الدنيا رأسا على عقب . ترى سيارات الشرطة تحيط بالفندق وترى رجال الامن حاملين معهم هواتفهم الطويلة النقالة وهم في حالة اسنتفار قصوى . القاص لم يذكر هذه التفاصيل في قصته . دخل الى صلب الموضوع مباشرة . دخل الفندق وهو الموظف البسيط .. الذي سحقته الغربة ايما سحق .. هو ليس من اصحاب هذه الاماكن .. هو لا يؤمن بقيم مرتاديها وزوارها . بل هو عدو لدود لهم . ولكن القدر اجبره على المجيئ الى هنا .. لولا دعوة المدير له ما كان يفكر ، البتة ، على رؤية زيف الحياة الارستقراطية ومباهجها البراقة الكاذبة . لقد عاش طويلا على ارصفة شوارع  بعض الدول الاجنبية يعتاش على سندويجات ساخنة سريعة ويدخن ارخص انواع السكائر متخذا من القهوة والكحول اصدقاء اعزاء له ويحلم ببناء مدينة حمراء يقودها اصحاب البدلات الزرقاء التي ينضح منها زيت المكائن والآلات . لكنه مجبر على تقمص شخصية زائر فندق الشيراتون ولو لبضع ساعات . إذن وجوده في الفندق مرهون بحضور الاجتماع على الرغم من ان لا شعوره مغمور بالكامل بالأمنيات والرغبات التي تتمحور في حياة على هذا النمط . وصوله الى الفندق مبكر اي قبل نصف ساعة علامة على مسألتين . الاولى حرصه على ان لا يتأخر على موعد الاجتماع وبالتالي حتى يأخذ مديره انطباعا حسنا عنه قد يفيده في ترقية ما وتحسين علاقته مع مديره . الامر الثاني هو ان يكون ملما  بتفاصيل وحيثيات هذا الاجتماع منذ لحظاته الاولى . عادة ما تكون صالات الفنادق ذات النجوم الخمسة في هذا المناسبات محجوزة مقدما والذين يجلسون فيها يعتبرون ضيوفا على شرف الاجتماع فكل طلباتهم التي تحتويها الصالة تكون مجابة على الفور . ها هو قاصنا هو الاخر كان من الاوائل الذين جلسوا في الصالة . لم يك في الصالة سوى اشخاصا قليلون . اثنان منهم يتحاوران بصوت عالي . المألوف في هذه الاماكن ان يكون الهمس هو سيد الموقف وليس الصوت العالي . يبدو انهما من الزوار غير العارفين بأعراف وتقاليد هكذا فنادق . بالنسبة الى البطل ثقافته وإطلاعه هما اللذين يحكمان سلوكه في هذه المواقف . مخيلة القاص وإسقاطاته جعلته يعتبر الشخص الجالس بمواجهته هو الشخص الذي رسمت معالمه سرديات البرج . انه إما رجل مسؤول أو رجل غني صاحب شركة عملاقة يمتلكها في كبريات دول العالم . وعلى وجه السرعة افترض القاص انه هو الشخص الذي تنبأ به البرج . لأنه كان يلاحقه بنظراته وحركاته ويستفزه لكي يستجيب على ذلك الاستفزاز . كان يرتدي بدلة انيقة . لكنها ليست زرقاء ولا أثر لزيوت المكائن عليها ايضا . هذا الاهتمام الذي ابداه هذا الرجل لبطل القصة إنما يعني ، سايكولوجيا ً، ان البطل ذو شخصية كارزمية لا يستطيع ايا كان ان يحتويها او ان يخضعها لتأثيره . البطل هو الذي ينبغي ان يقود لا ان يكون منقادا . ولكنه القدر او الحظ الذي اوصله الى هكذا حال . اعني حالة انتظار مزاج الحظ ورغبات القدر . ها هو يعيش احدى هذه اللحظات ويكون ضحية احدى رغبات القدر انه يعيش ما يمكن تسميته بمحنة الانتظار . ولكنه انتظار مؤلم لا لشيء الا لأنه انطلق من بعض المعطيات التي لا تشكل يقينا ما . بل عملية ضرب الاسداس بالأخماس لا غير . سوف يحسب لكل حدت هنا بألف حساب .انه يوم السعد كما اخبره برجه اليوم .
لنرى ماذا ينتظر البطل من حيثيات متتالية . يقول سعدي المالح :-
” في الاثناء هذه جاءت النادلة وسألتني عن طلبي ، في طريق عودتها ناداها الرجل ، توجهت نحوه ، وقفت امامه ، قال لها شيئا ،وكأنها لم تسمعه أحنت رأسها اليه ، ثم هزت رأسها موافقة وغادرته . خيـّل إلي انه عندما كان يحدثها كان ينظر تجاهي ، فهتف لي صوت من داخلي انه فعلا كان يسأل عني ، ولهذا انتظرت بصبر نافذ ان تأتي النادلة لي بطلبي لاستفسر منها عن صحة توقعاتي . ولحسن الحظ لم تغب طويلا ، جاءت حاملة فنجان قهوة وقدح ماء . لكنني رأيت على الصينية ايضا الحظ الذي كنت بانتظاره ، فكرت : ” هو ذا الحظ يقترب ” . اقتربت النادلة مبتسمة ، ابتسمت لها وسألتها في سري :” هات بالحظ اولا ” ، غير انها ابت الا ان تضع القهوة والماء على الطاولة بتأني ، ثم اقتربت مني خطوة وسألتني :
–  هل انت السيد عبد الله .
فوجئت بسؤالها . كنت اتوقع ان تسألني اي سؤال الا هذا ، وتلفظ اسمي مباشرة ! انتفضت من مكاني  رأسا وأردت ان اصرخ من فرحي ، لكني تذكرت وجودي في مكان عام فكبحت انفعالي وقلت بصوت لا يخلو جذل واضح :
–  نعم ، لماذا ؟
– قالت :
السيد الذي هناك (واشارت باتجاه الرجل ) ينتظر السيد عبد الله ، فهل انت من شركة ” الجنائن الخضراء ” ؟
وأحسست برجفة غير متوقعة في داخلي ، وبعرق بارد يتصبب من جسدي ، فسألت بصوت متهدج :
–  ” الجنائن الخضراء ؟ لا قولي له انني من ” الجنائن المعلقة ” .
قالت :
نعم سيدي .     ص 69-70 .
*********************
في هذا المقطع من نصنا موضوع هذه السطور يستمر البطل ” سعدي المالح ” بالترقب الايجابي للأحداث . هذا الترقب راجع الى حاجته الى تحقيق ما يصبو اليه . في بداية دخوله صالة المقهى في فندق الشيراتون حيث جاء مبكرا بنصف ساعة حيث  رأى الرجلين اللذين كانا يتحدثان بصوت عالي والرجل صاحب البدلة الانيقة الذي صنفه على انه إما رجل اعمال كبير أو مسؤول سياسي مهم . هذا التصنيف ، بحد ذاته ، هو امتداد لتوقعات سرديات البرج . وكما قلنا فقد جعل البطل من نفسه شخصية كارزمية في البداية الا اننا نرى هنا ان هذه الصورة قد انقلبت الى رجل يعيش محنة الانتظار وقلق المستقبل . ان الهالة الكاريزمية سرعان ما تلاشت عندما نادى ذالك الرجل النادلة . ودلالات هذا التلاشي تتجلى بالبعد الانفعالي للبطل عندما سمع النادلة تسأله :-
–  هل انت السيد عبد الله ؟
ولننطلق من الاسم اولا . حيث ان اسم عبد الله اسم تذللي للقدرة الالهية او الكونية او أي مفردة تشاءها للتعبير عن ذالك الذي يسـّير مجرى التاريخ . البطل هنا اتخذ من هذا الاسم صورة للتواضع بل اذا ذهبنا ابعد صورة لتصغير الذات . انه العبد الفقير الذي ظلمه القدر وجنى عليه التاريخ وعبثت به سنوات الغربة الطوال  . الا ان هذا القدر الى حد هذه اللحظة كان متوافقا مع رغبات البطل . نعم اسمه عبد الله فعلا  فكانت هذه الرغبة الجامحة للانتفاض من مكانه لمصداقية سرديات البرج . ولكن سؤالها الثاني هو الذي افسد كل شيئ ودمر كل ما كان يحلم به . انه ليس من الجنائن الخضراء بل من الجنائن المعلقة . الجنائن المعلقة .. تلك التي بناها الملك نبوخذنصر ملك الكلدانيين في غابر الزمان لزوجته التي احضرها من بلاد فارس . انها من عجائب الدنيا السبع في التاريخ القديم . و لا اعتقد ان القاص سعدي المالح اختار هذا الاسم عبثا على الاطلاق !!! . بل من ايمانه العميق بأنه امتداد لتلك الجنائن حضاريا … هنا تلاشت كل تلك الاحلام والتوقعات ولذلك نرى ان جسده قد تصبب عرقا وعلى المستوى السايكولوجي افرز كل مظاهر الالم واليأس والقنوط والخيبة . لقد تراجع نحو الوراء ولم يعد يهتم لفنجان القهوة وقدح الماء اللذين احضرتهما النادلة فور رؤيتها له . واجاب بصوت متهدج كما يقول هو :-
لا ؟ قولي له انني من الجنائن المعلقة “.
لنلاحق البطل مع مساره الانفعالي ولنرى كيف توحل ذلك الامل الى هذا اليأس ..
يقول سعدي المالح :-
” وغادرت ، قلت في نفسي :” ربما قرأت اليوم برج شخص آخر بدلا من برجي ” وارتشفت جرعة كبيرة من القهوة . كانت القهوة مرة مرارة شديدة ، فتجرعتها على مضض ولم اطلب سكرا “ص 70 .
************
العادة في المطاعم والفنادق ذات النجوم الخمسة هي تقديم القهوة بدون سكر . السكر يقدم تلقائيا وبقدح آخر تحسبا ان طالبه ربما يكون مصابا بمرض السكر وهذا التحسب هو تجنب ازعاج النادل . وقوله ان ربما قرأ برج غيره علامة على ان يبقي له بعض الامل . فإذا كان الامر كذلك فما يزال الحظ في الطريق اليه . هذا من جانب . اما من الجانب الآخر فان قراءة برجه اليومي  يتناقض وقوله ان لا يؤمن بهكاذا ممارسات . هذا يعني ان سيئ الحظ على طول الخط . ارتشافه للقهوة بكمية كبيرة هي الاخرى دالة من دالات الانزعاج ويعزز هذه الدالة من انه لم يطلب سكرا . ان حظه إذن مر كمرارة القهوة الشديدة وان السكر قد لا يغير من مذاقها شيئا . السكر هنا رمز لخداع الذات . انك سيئ الحظ فالأمل لن يجعلك سعيدا به ابدا ..
يستمر سعدي المالح في صراعه مع رغاباته واحلامه . كان موضوع الجنائن الخضراء والمعلقة بمثابة الاحباط الاول في يوم السعد هذا . لنرى كيف سار مجري توقعات سعدي . ها هو يقول :-
” في قاعة الاجتماع كان هناك الكثير من الرجال والنساء من بلدان عديدة . في باب القاعة قدمت نفسي ، رحبوا بي ترحيبا حارا وعلقوا شارة على صدري وطلبوا مني ان اجلس في زاوية بعيدة من القاعة لتكون مهمتي تسجيل وقائع الاجتماع وتلخيصها لتقديمها لمديري في اليوم الثاني ، لأنه تعذر عليه الحضور اليوم ” ص 70-71 ”
*******************
في هذا المقطع يحاول سعدي ترميم بنائه النفسي المحطم . اول عملية التحطيم كانت انا لم يكن من شركة الجنائن الخضراء . ولكن مع ذلك كان البطل ذو اتكيت حضاري . حيث انه قدم نفسه باعتباره ينتمي الى شركة الجنائن المعلقة . الترحيب الحار الذي تلقاه عند تقديم اسمه دلالة على اعتبارية شركته . وزاد هذا الاعتبار تغيب المدير عن حضور الاجتماع. لقد اصبح بمثابة المدير ولو لساعات . وبالفعل علقت له شارة على صدره . وهذا يعني ان اصبح واحد من اعضاء الاجتماع . ولكن هذه العضوية وحدها غير كافية من دون إناطة  مهمة ما له . فكانت مهته هي مراقبة وقائع الاجتماع . ان سايكولوجية هذه المهمة هي اشعاره بانه شخص مهم . لقد اصبح بمثابة مركزا للسيطرة النوعية والتقرير الذي سوف يقدمه في الغد الى مديره دليل على انه قد احاط بوقائع الاجتماع احاطة سليمة وكبيرة . وبالتالي فان مهمة كهذه هي علامة من علامات الترميم ذاك . لنرى هل ان البطل ما زال متعلقا بهاجسه الاولي ذاك ؟. يقول القاص سعدي المالح :-
” على الرغم من ذلك كان لي أمل كبير في ان يتقدم احدهم مني ويقول لي مثلا ” انا هو الشخص الذي تنتظره ” كنت اكتب ، ألخص التقارير والنقاشات ، وكل مسؤول يتحدث انتبه جيدا الى اسمه ووظيفته ومركزه ، واحلل إن كان هو الشخص المتوقع ان التقي . في الحقيقة ، كان هناك رؤساء شركات كبيرة ومسؤولون حكوميون وتجار كبار ، وكل اسم من تلك الاسماء كان له صدى كبيرا في البلد ، غير ان احدا لم يتقدم مني أو يسألني حتى من أكون ، كما لم تسنح لي اي فرصة لكي التعرف على احد ، بيد اني مع ذلك ، ولا ادري لماذا ،كنت واثقا من ان يحدث لي شيئ هام في تلك الساعات ويغـّير مجرى حياتي تغييرا كليا “ص 71 .
*****************
لا يزال سعدي المالح متمسكا بالأمل . انه يشبه على حد تعبير المثل الشعبي ” التمسك بشباك الحسين ”  .انه تشبث بالأمل لعله يصيب . وها هي الهالة الكاريزمية تعود ادراجها الى لاوعي سعدي المالح من جديد . ويعيش من جديد محنة الانتظار وقلقه .. والاجتماع الذي كان بمثابة المرشحة له كان يضج بالشخصيات ذات VIP وهو ملخص للعبارة الانكليزية شخصيات مهمة جدا . وسعدي شغوف بمثل هذه الشخصيات يطمح الى ان يكون مثلها في الهيمنة والسيطرة والقدرة لتمرير خطابه بالتالي . ومع ذلك لم تفعل تلك الهالة الكاريزمية فعلها على تلك الشخصيات الى درجة انه لم يسئل من يكون هو . في بنية السرد هناك خلل في البناء . فعندما دخل البطل قاعة الاجتماع كانت هالة كاريزميته فعالة جدا ولكنها هنا معطلة تماما . الان يشعر بمرارة التهميش بشكله الاقصى . ولا يزال موقنا بسرديات البرج الذي قرأه هذا الصباح .كان احتمال قراءة برج شخص احتمال لا يمتلك تلك القوة من الترجيح ولذلك لم يتكأ عليه. لنرى ماذا حل بالبطل بعد الانتهاء من الاجتماع . يقول سعدي المالح :-
” بعد الاجتماع ، خرجت الى بهو الفندق ، وجلست هناك فترة في انتظار أن يدنو الحظ قليلا ، لعلها تكون فرصتي الاخيرة ، او بالأحرى اردت ان اقدم للحظ تسهيلات ومغريات للتحرك .ويبدو انني كنت متعبا جدا والكنبة التي اخترتها كانت مريحة هي الاخرى ، فأخذتني سنة من النوم . عندئذ رأيت رجلا وحشد كبير من الناس يركض وراءه ، سألت : من عساه يكون ؟ قالوا لي : انه الحظ .وهؤلاء الناس يركضون للحاق به ، علهم يظفرون بشيء منه . تعجبت إنني طول اليوم ابحث عنه وانتظره ، وهو يركض هنا بعيدا لا يأبه بي ،وهذا الحشد من الناس يركضون وراءه بهذا اللهاث المضني ! التحقت بالحشد وركضت معه . وللمرة الاولى  اكتشفت أنني أعدو خفيفا سريعا ولا اتعب ، وسرعان ما نسيت كل همومي ووجدت نفسي في مقدمة الحشد ، لكن المشكلة كانت ان الرجل كان يعدو اسرع منا جميعا ، فلم نستطع ان نلحق به .وإنني شخصيا اصبحت غير مرة على مقربة خطوة او خطوتين  منه ، ومددت يدي لامسك به ، استعدت جيدا قواي ، ولا اعرف من اين جاءتني تلك القوة ووثبت عليه كالنمر ، فوقع طرف سترته بيدي ، لكن في الاثناء هذه رن هاتفي النقال فصحوت من غفلتي . كانت زوجتي على الطرف الاخر من الخط تسألني عن سبب تأخري .نظرت الى ساعتي ،كان الليل على وشك الانتصاف ، قلت لها : ” انتهيت الآن من عملي ، سآتيك بعد قليل ” . وقررت ان ابقى حتى ينتصف الليل وينتهي ذلك اليوم تماما ولا اضيع اية فرصة امام الحظ الذ كنت بانتظاره . ص 71-72 .
*************************
هذه الفقرة هي خاتمة هذه المأساة إن صح التعبير . لقد انتهى الاجتماع وصاحبنا كان خلاله يحلل ويراقب ويتنبه ويسجل ويقارن و..و .. ولكنه مركون في زاوية بعيدة من القاعة .وبعد انتهاء الاجتماع خرج البطل الى بهو الفندق يكمل احزان انتظاره ..انتظار من يغبر مجرى حياته. ويبدو من سياق السرد ان البطل غير راض ٍ على حياته .عدم الرضا هذا هو الذي جعله يلجأ الى الحظ على الرغم من عدم ايمانه بدوره وفعاليته في تغيير مجرى الاحداث . ومن جراء الاجتماع وبتعبير ادق من جراء الانتظار كان الاجهاد والتعب قد اخذ مأخذه منه ومن حسن حظه هذه المرة كانت الكنبة التي اختارها للجلوس عليها مريحة فراح في غفوة . ما رآه كان حلما جميلا . في علم الاحلام يعد الحلم تحقيقا لرغبة غير مشبعة كما يرى مؤسس علم الاحلام الحديث اعني فرويد . والحلم الذي رآه سعدي المالح يتمركز حول الحظ ايضا .إذن الحظ ظل يلاحق البطل حتى في احلامه . رآه رجلا يركض خلفه حشد كبير من الناس هؤلاء الناس هم عاثري الحظ مثل البطل . السرعة متفاوتة بين الناس وهذا الرجل . تساءل سعدي عمن يكون هذا الرجل . اجاب الجميع بأنه الحظ . سعدي ينقاد وراء الجميع وينظم اليهم .هذا الانضمام هو تخلي سعدي المالح من قناعاته إزاء الحظ وأصبح منقادا من قبل الوعي الجمعي في تصوراتهم وقناعاتهم . هنا اصبح سعدي واحدا منهم بل فاق الجميع في ملاحقة الحظ . يصف سرعته التي يندهش منها . ولا يدري ان في الحلم تصبح الانا ذات قدرة اطلاقية . تغوص في اعماق البحار وتتسلق قمم شاهقة من الجبال بل تتسلق الى السماء . وباختصار تفعل ما تشاء . من سرعته غير العادية هذه في ملاحقة الحظ . لقد صار الاول من بين الجميع وأصبح قريبا منه لا تبعده غير خطوة او خطوتين . وبالفعل لمس طرف سترته ووثب عليه مثل النمر . هنا دلالة على الحاجة العميقة للحصول عليه . النمر حيوان لا يعرف الرحمة واذا جاع فيثب على فريسته ويمزقها اربا اربا .. كذلك سعدي فقد وثب عليه الا انه ويا لسوء حظه رنين هاتفه النقال كان حجر عثرة في تحقيق تلك الوثبة . وبدلا من يثب على النمر وثب على رنين نقاله . فكانت زوجته على الطرف الآخر . ترك سعدي الحظ يمضي الى سبيله  وترك الناس يستمرون في الركض خلفه واعدا زوجته بان يعود بعد انتصاف الليل ووعد نفسه بان لا يسمح لها بان تعطي فرصة لهذا الحظ ان يطرق بابها .. ترى هل استمر البطل في قراءة برجه في جريدته اليومية  ؟؟؟ . هذا ما لا شأن لنا به …
shawqiyusif@yahoo.com                                                                
shawqiyusif@hotmail.com                

الهوامش :-
*  بردى ، هيثم بهنام ، 2009 ، قصاصون عراقيون سريان في مسيرة القصة العراقية ، وزارة الثقافة ، اربيل . ط1 ، ص 66- 72 .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *