د. حسين سرمك حسن : ظاهرة “مراد علم دار” لإنتحار الأطفال العراقيين

“إنتحار الأطفال العراقيين أو ظاهرة مراد علم دار للإنتحار” هو عنوان مقالة الدكتور “عبد السلام صالح سلطان الشمري” اختصاصي الأمراض الباطنية وعضو برنامج رصد الإصابات الخارجية الوطني والتي نشرها موقع الناقد العراقي، وهي مقالة خطيرة وعلى المستوى الوطني ووفق كل المقاييس. فمنذ مدة والصحافة العراقية المحلية تنشر أخبارا عن حوادث فاجعة لانتحارات أطفال عراقيين في محافظات وطننا المختلفة شمالا ووسطا وجنوبا. والغريب جدا فيها هو أنها انتحارات تتم وفق طرق يشاهدها الأطفال في المسلسل التركي المدبلج الشهير “وادي الذئاب” الذي كنت قد نشرت عنه مقالة في زاوية “زمان جديد” في جريدة الزمان اللندنية قبل شهرين .
وقد اصابني الفزع حين قرأت خبرا نشرته الصحف المحلية قبل شهرين عن طفلين عراقيين قاما بشنق صديق لهما لا يزيد عمره على عشر سنوات بعد ربط يديه وإيقافه على صندوق ودفعه. حصلت هذه الحادثة المروّعة في مدينة الكوت. والخيط الذي يربطها بحوادث الإنتحار هو أنها تمت وفق طريقة شاهدها الأطفال في مسلسل وادي الذئاب كما اعترفا بذلك .
ولكن مقالة الشمري أشد ترويعا فهي نتاج جهد مركز رسمي يهتم بحجم الوفيات الناجمة عن الإصابات الخارجية في العراق وأولها طبعا هو حوادث الطرق. لكن المجتمعين فوجئوا كما يقول الدكتور عبد السلام بمحور يطرح عرضا عن حالات قام فيها أطفال بشنق أنفسهم وفق طرق شاهدوها في مسلسل وادي الذئاب. (ففي معهد الطب العدلي في اربيل سنة 2012 شنقت فتاة نفسها وهي بعمر 8 سنوات، ووصفت قصة الشنق الموظفة المشاركة بالورشة، حيث أُخبرت من قبل الأطباء أن عليها أن تنظم شهادة وفاة لطفلة أثبتت ظروف الحادث والتشريح العدلي أنها شنقت نفسها برباط (حبل غسيل ملابس). أثار فضولها وبدأت تتقصى معلومات الحادثة المروعة: وتتلخص الرواية بأن الطفلة من عائلة فقيرة تتألف من أب كاسب وأم وعدد من البنات كبيرتهم ربة بيت عمرها 23 سنة مدمنة على مشاهدت المسلسلات التركية. وفي أثناء متابعتهم اليومية المسائية للمسلسل التركي العشق والجزاء والممثلة الجميلة “ايلينو” قد شنقت نفسها في تلك الحلقة. أثار هذا المشهد المروّع الطفلة وبدأت تسأل اخواتها: لماذا شنقت نفسها؟ ولماذا تعمل هكذا؟ والحت بالأسئلة ولا تتلقى ردا يفسر لها هذا الموقف، وانما يقولون لها اسكتي أن هذا المشهد ليس حقيقياً والممثلة حية ولن تموت. وزجرتها اختها الكبيرة وقالت لها: كفى لا تشغلي بالك فقط راقبي المشهد وقد تعلق جميع الحاضرين بالمشاهد الدرامية وتقطعت انفاسهم لها. وفي اليوم التالي، وقبل ذهاب الطفلة إلى المدرسة بساعتين والذي يبدأ الساعة الثانية عشر ظهراً قالت لأختها الكبيرة إني ساراجع دروسي في الغرفة العلوية. وكان الجميع مشغولين بالاعمال البيتية المختلفة، ولم يخطر ببال احد ما تضمره الطفلة إلى أن اقترب موعد المدرسة وبدأوا يبحثون عنها ولماذا لم تظهر في البيت ولم تتهيأ للمدرسة كعادتها اليومية. تذكرت اختها الكبيرة انها في الغرفة العلوية. وحينما فتحت الغرفة وجدتها معلقة في حبل الغسيل وقد فارقت الحياة).
وتتوالى حوادث إنتحار الأطفال شنقا : طفلان في ذي قار .. ثلاثة في ديالى .. طفل في البصرة .. أربع حالات في مدينة النهروان ببغداد فقط .. لكن هناك ما لايقل خطورة وهو السلوك العدواني العنيف لدى الأطفال المتأثر بالمسلسل . فقد “عقب مشارك من طوارئ المثنى على الموضوع وقال: مع بداية الجزء الخامس من مسلسل مراد علم دار أي في بداية سنة 2012 دخل الطوارئ طفلان لا يتجاوزان ألـ 14 عشر عاماً. الاول كان مقطوع السبابة اليسرى قطعا كاملا والثاني تتدلى يده نتيجة جرح قطعي غير كامل من منطقة الرسغ الأيسر وذلك تشبهاً بقطع مراد علم دار لأيدي التجار واصابعهم التي يضعونها في الثلج ويذهبون بهم إلى المستشفى ليرجعوها لهم وكان يقول للطبيب أنا “حميد” الشخصية التي قطع يده علم دار في مسلسل وادي الذئاب”. ويستخدم علم دار هذه الطريقة لمعاقبة التجار).
لكنني أعتقد ان الجهات الرسمية العراقية المعنية بما فيها المركز كانت غافلة للأسف عن هذه الظاهرة المرعبة والدليل هو هذا الخبر الذي نشرته جريدة الزمان الغراء قبل شهر: (طفل آيزيدي ينتحر شنقاً في دهوك – دهوك – الزمان- أعلنت مديرية شرطة دهوك أن طفلاً أيزيدياً انتحر شنقاً في مجمع خانكي بقضاء سميل، مؤكدة أنها الحالة رقم (41) التي سجلت في المناطق الإيزيدية خلال العام الجاري. وقال مدير شرطة القضاء محمد إبراهيم في تصريح صحفي امس إن (طفلاً في العاشرة من عمره انتحر ظهر امس شنقاً داخل منزله في مجمع خانكي)، مبيناً أن (المنتحر هو طالب في الصف الرابع الابتدائي ومن أتباع الطائفة الإيزيدية)، وأضاف إبراهيم أن (قوة أمنية نقلت جثة الطفل إلى الطب العدلي فيما فتحت تحقيقاً في الحادث لمعرفة ملابساته). وكان منسق رابطة التآخي والتضامن الإيزيدية عدي حسن قد أعلن في بداية الشهر الجاري أن (الأشهر الخمسة الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الانتحار بين الجنسين بقضاء سنجار)، مؤكداً أن (منظمته رصدت منذ بداية العام الجاري 39 حالة انتحار في قضاء سنجار وحالة واحدة في ناحية بعشيقة بلغت نسبة النساء فيها 65 بالمئة)(انتهى الخبر).
ألا تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر ؟؟

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

تعليق واحد

  1. إنها ظاهرة مؤلمة، وتحتاج إلى علاج تكاملي أي دراسة واسعة من المختصين: علماء نفس، واجتماع، واقتصاد وتربية ومثقفين يخرجون بحلول شاملة تقضي على المتشردين والمتسربين من المدارس وتدعمهم في دراستهم حتى تخرجهم
    أنا أحيي الكاتب المحترم وأتمنى الإكثار من هذه الدراسات المهمة متمنياً له التوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *