فليحة حسن : ليس دفاعا عن بدر شاكر السيّاب !

إشارة : تتوالى ومنذ عقود محاولات نهش لحم سيّابنا وخلعه عن عرش الريادة بدءا من المحاولة “العلمية” للباحث المصري “حسن توفيق” وليس انتهاءا بهذا الطرح الساذج لسالم الزمر الذي تنبري الشاعرة فليحة حسن لتفنيده دفاعا عن السيّاب وعن الحق الإبداعي .
كتب (سالم الزمر) في مجلة دبي الثقافية في العدد (84 مايو / ايار2012 ) مقالاً تحت عنوان “بين محمد بن لعبون والسياب” ذكر فيه كاتبه إن بدر شاكر السياب قد أستند الى ابن لعبون –وهو شاعر نبطي ولد قبل السياب بنحو قرن ونصف القرن – استند في كتابة مقطع قصيدته (أنشودة المطر) – والتي يقول فيه :
( أصيح بالخليج : ياخليج ، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى !
فيرجع الصدى
كأنه النشيج
ياخليج يا واهب المحار والردى….) – الى قصيدة ابن لعبون التي يقول فيها :
( أسأل الصدى يا للعجب هل لهم تالي
قال الصدى يا للعجب هل لهم تالي)
وقد استند (سالم الزمر) في قوله هذا الى أمور منها :
1.    إن ابن لعبون قد جاء الى الزبير عام 222 هـ وخرج منها 1243 هـ ،
2.    إن الأديب العراقي حسين عبد اللطيف  كتب مقالاً عام 1992 ونشره في مجلة “آفاق عربية ” في شهر تموز / يوليو يقول فيه : ( ومع إني اجهل المصدر الحقيقي الذي استقى منه السياب ترديدته : “أصيح بالخليج يا خليج يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى، فيرجع الصدى كأنه النشيج ياخليج يا واهب المحار والردى ” ، إلا إنني لا استبعد الظن في انه خلقها من جماع ما يحوم في الذاكرة من مرددات شعبية أو ما يماثلها دون الاستناد الى نص معين )
3.    إن ابن لعبون عند أهل الخليج والجزيرة أعظم شعراً ومقاماً من السياب فلقد قالوا بياناً لعظم قدره (بعد ابن لعبون الشعراء كلهم يلعبون )!
غير إن ما جاء به كاتب المقال هذا يمكن دحضه وبسهولة خصوصاً إذا ما عرفنا إن ابن لعبون هو شاعر (نبطي) فليس من المؤكد أن يكون السياب قد عرف كل الشعراء النبطيين أو قرأ لهم وتأثر بهم خاصة وان السياب يكتب شعراً آخراً يفترق تماماً عن الشعر النبطي في اللغة و المعنى والمبنى ،
ودليل  أن يكون السياب قد اخذ من ابن لعبون لمجرد إن ابن لعبون قد جاء الى الزبير وعاش بها قبل السياب الذي ولد في البصرة التي فيها ذلك القضاء دليل لا يمكن الاطمئنان إليه تماماً !
ثم إن السياب قد عاش عمره القليل نسبياً والذي بلغ (38) عاماً بين السجن والمرض ودراسة الأدب الانجليزي ولا أعتقد إنه في هذا العمر الوجيز الحافل بكل أشكال الألم  قد اطلع على شعر هذا الشاعر النبطي ونسج على منواله ، أو حذا حذوه واقتفى أثره !
وأما الناقد  (حسين عبد اللطيف) في مقالته في (آفاق عربية) لا يجزم كلّ الجزم بأخذ السياب من غيره وهذا ما أكده في نهاية  تلك المقالة قائلاً :  (….دون الاستناد الى نص معين )
فإذا ما عدنا الى ترديدة بدر شاكر السياب التي يقول فيها  : ( أصيح بالخليج : ياخليج ،
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى !
فيرجع الصدى
كأنه النشيج
ياخليج يا واهب المحار والردى….)
فأننا نرى إن الشاعر وان كان قد استعمل أحد أساليب الإنشاء ألا وهو النداء(ياخليج )  إلا إن النداء هنا نداء غير مكتمل ، لأنه نداء مقطوع أو مغاير فالصدى لم يكن أميناً في ترديد صوت الشاعر حين صاح بالخليج يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى ، بل نراه قد اسقط منه رمز الحياة وهي هنا كلمة (اللؤلؤ) وحصر ترديده بما يدلل على الخواء  والموت وحدهما المشار لهما بكلمتي (المحار والردى ) ، وهو هنا بأبعاده لمصدر الحياة يدلل على خواء تلك الحياة واستحالة العيش بها ،
أما بيت ابن لعبون الذي يقول فيه :
( أسأل الصدى يا للعجب هل لهم تالي        قال الصدى يا للعجب هل لهم تالي)
فما هو إلا محاورة بينه وبين الصدى وقد استخدم فيها انسنة ذلك الصدى  ليس أكثر !
وأخيراً اعتماد كاتب المقال على مثل جاء به قائليه لتطابق السجع لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال دليلاً على عظمة سطوع نجم ابن لعبون وعلو شأنه على مكانة  بدر شاكر السياب الشاعر الذي لم يفعل شيئاً سوى انه قام بتغيير مجرى الشعر العربي كلّه وجعل كلّ من أتى بعده ينتمي إليه بحيازته على ريادة الشعر الحر دوناً عن سابقيه .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

تعليق واحد

  1. صدقت فليحة حسن “طرح ساذج”، وحبذا لو يعيد الناقد العراقي نشر مقالة حسن توفيق ليطلع القراء على رأيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *