أختلفت العهود، وجاءت “ثورات” و”انقلابات” وأختلفت التسميات، ولكن “الثوابت” مابرحت تسود في “بلاد الرافدين” و”أرض السواد” و”أم الحضارات”… ولا أحد يدري الى متى، وكيف، والى اين؟؟ … ولمن يريد شهادة استثناء، فذلكم الجواهري العظيم يكتب منذ أزيد من ثلاثة ارباع قرن، وتحديدا بتاريخ الخميس 11 شباط 1937 افتتاحية في العدد التاسع والعشرين من جريدته “الانقلاب” مقالة حملت عنوان” الحريات” وفيها ما فيها من تنبؤات وقيم تنويرية وأستشرافات، لن نطيل الحديث عنها فهي تفيض بما تريد، جريئة، واقعية، بدون مدى.. وفي التالي نصوص تلكم المقالة/ التنبؤات، استليناها من مسودة كتاب “الجواهري، صحفياٌ” الذي ينكب على إتمامه توثيقاً ومراجعة، منذ اشهر، كفاح الجواهري، النجل الاصغر، للشاعر والرمز الوطني العراقي الخالد…
“الحـــــــريـــــــات”
* محمد مهدي الجواهري
سرى في هذه البلاد منذ عهد الاحتلال لغط كثير حول موضوع الحريات وعلاقة الحكومة بها ونصيب الجماعات والأفراد منها وما إلى ذلك من الأمور التي تعنى الدول بها عند بدء تشكيلها…. وقد نلاحظ أن بحث الحريات كاد يقتصر على المطالبة بالحرية السياسية، ولم يتعرض أكثر الكتّاب إلى نواحي الحرية الأخرى إلا بمقدار ما توحيه إليهم مطامعهم وأنانيتهم. وفعلاً أجريت تجارب مختلفة في هذه الحرية السياسية. وآخر ما شاهدناه وخبره كل مفكر عاقل يدفعنا إلى شئ من التوسع في التعليق عليها.
ومما يبعث فينا الأسف بل الغيظ أن ترى نفراً من أولئك الذين سايروا عهود الاضطهاد والاستبداد والذين هتفوا طويلاً لجميع محاولات خنق الاصوات والقضاء على الضمائر الحية وساندوا الجماعات الرجعية في كل مساعيها اصبحوا الآن أشد ما يكونون حماساً ومطالبة لا بالحرية الحقة المقتضاة لنا، بل بشكلها السياسي الذي يجب أن يكون آخر ما تعني به الدول الفتية. ويسوءنا ويسوء كل عراقي مخلص تجاوز هؤلاء النفر كل حد معقول في لغطهم بالحرية فلم يكد يرتفع عن قلب البلاد كابوس الاضطهاد والعسف حتى انبروا لاستغلال الوضع الجديد فخلعوا عنهم ثوباً وارتدوا آخر نصلوا من موقفهم القديم زاعمين أنهم لم يتقدموا إلى مناصرة الظلم إلا بعامل الإكراه والضغط وأن وجدانهم كان مسخراً لغير نزعاته الصحيحة. وقد بالغ هؤلاء في استغلال الحرية السياسية بشكل يبعث على الاشمئزاز وكل صباح يطالعنا منه نموذج جديد.
وإما الحرية التي ننشدها والتي هي قوام الثقافة ودعامة لرقي ومبعث النشاط في الأمم فهي الحرية الفكرية والاجتماعية ولقد طال تحكم الطبقات الرجعية بإبقاء هذا القطر حتى لتمسكنا الحنق عند التفكير بمبلغ سيطرة تلك الطبقات الطفيلية على عقول الناس واستبدادها بالرأي ومساعيها المحمومة لحرماننا من التقدم والرقي حتى لقد اصبح هؤلاء الرجعيون سداً بين الشعب والحكومة وعميت قلوب الافراد عن تقدير اسباب الفلاح والتقدم التي تشجعها حكومتنا الحاضرة بنتيجة تحكم الرجعيين بهم وتوجيه أفكارهم إلى ما ليس في الصالح العام، فليس المصلح مطلق اليد في عرض مناهجه الاصلاحية وليس المفكر حراً في نشر آرائه حول الأوضاع الاجتماعية الفاسدة.
وإلى م يبقى هؤلاء الرجعيون حجر عثرة في سبيل تقدم البلاد؟ إننا نهيب بحكومة الاصلاح ورجالها المسؤولين لإزالة كل أثر لهم على عقول الأفراد ليتسنى لكل مفكر منتج أن يتقدم بما فيه خير البلاد وتقدمها.
هذه هي الحرية التي تعوزنا والتي عليها يتوقف نجاحنا ورقينا، وهي التراث العزيز الذي نعهد به إلى أخلافنا فيسيرون على نوره إلى الأمام. وأما الحرية السياسية التي تمشدق بها الكثيرون وجاوزوا في استغلالها حدود المستحب والمفيد فلها فرصة أخرى.
jawahiricent@yahoo.com
رواء الجصّاني* : الجواهري قبل 75 عاما : هذه هي الحريات التي يريدها الشعب، وما أشبه الليلة بالبارحة!
tiffany outlet http://tiffanyrings-cx.tripod.com