في المجتمعات البدائية التي تعد الزراعة فيها المصدر الأساسي للغذاء، كان الحكم في يد المرأة، بسبب إحاطتها بقوى الطبيعة، لذا كان الرجل البدائي يعبد آلهة إناثا.
البدائي لا يفهم معنى التعاون بين الجنسين في الإنجاب، لكنه يرى هناك صلة بين خصوبة المرأة التي تلد وخصوبة الحقل الذي يأتي له بالقوت، لهذا عبدهما معا.
الأزواج من الكماليات؛ المرأة تختار زوجا يصغرها سنا. الرجل يشغل وقته بممارسة الصيد أو الحرب. لهذين الفنين سببا في حدوث تغير كبير في تاريخ البشرية.
تعتمد الماشية في وجودها على توفر المرعى، المجتمعات تضطر بأسرها أن تتبع ماشيتها في رعيها. نتيجة ذلك دخل تغير على نظام المجتمع، فبدلا من ان يزرع الرجل حقلا واحدا عاما بعد عام، وجد ان الأسهل عليه ان يعتمد في غذائه على الحيوان، بينما الزراعة موسمية. أخذ الرجال يدركون أنهم أصبحوا يسيطرون على مصدر جديد للغذاء،عندها ثاروا على حكم النساء !.
صاحب هذا التغير اعنف ثورة شهدها تاريخ الأخلاق، الرجال يتحولون من عبادة آلهة الخصب الى عبادة الملكية الفردية، بنوا الأسوار حول مراعيهم.
حكم الرجال بوحشية المظلوم المضطهد..أنزلوا النساء من عروشهن، ضمانا لسلطانهم، سنوا القوانين التي نزلت بهن الى درجة العبودية. احتاطوا لكيلا تعود الى استرداد السلطان. نسب الرجال الى أنفسهم كل صفة حسنة، اعتبروا النساء في المرتبة الثانية. بدأ الرجال يتزوجون نساء أصغر منهم سنا، أخذ الآباء يبتهلون الى الله ان يرزقوا بالبنين، عمدوا الى قتل البنات أو بيعهن.
زاد الرجال حظهم من المعرفة بالفنون والعلوم، أمام النساء تفتحت فنون الطهي، الرقص لإدخال السرور على الرجال، أو الأشغال اليدوية، تناضل علميا من أجل المساواة أحيانا عن طريق العمليات الجراحية(حمل كلاهما وأنجبا كلاهما).
تاريخ قسوة الرجل، حملها على الشعور بالنقص. ان كل امرأة جرؤت على محاولة الارتقاء تعرضت لألوان العسف، دفعت ملايين النساء حياتهن ثمنا لسيطرة الرجل، ملايين أخرى ضحايا بريئة لزهوه .
في قصة(يوم عرس عشتار) للدكتورة ايمان السلطاني،عشتار تمثل النساء، الحياة لها، ولا يوم للرجل(انليل) الذي تطارده لكي (ينحني أمامها).. تتزوج وتطلق للوصول الى(فتى أحلامها، العبد)بهذه اللا معادلة من الناحية السيكولوجية تؤرخ القاصة القهر النسائي!؟.
إزاء وضعية تفرض عليها، إن الاستمرار مستحيل من ناحية التوازن النفسي. لذلك، تبحث عن وسيلة تضمن تحقيقا للذات فعليا أو وهميا. تلجأ الى أساليب دفاعية لمجابهة مأزقها.
تتراوح ما بين الاعتداد بقيم الأنوثة، وبين السيطرة الخفية على الرجل. يتخذ الأمر في الأولى طابع التضخم النرجسي، في الثانية حرب ضمنية أو صريحة، تكاد تكون تاريخية، طالما استمرت وضعية القهر.
عوالم القصة مبتنية على الوضعية الأولى حيث ينطلق التضخم النرجسي من:
1ـ المثلنة التي يحيط بها الرجل والمجتمع، في جسدها ووظائفها الأسرية.. تضعها من الناحية العلائقية في منزلة سامية على النقيض من وضعية العبودية التي تخضع لها، حيث (تزوجت من الاله انليل) صعد الى العالم العلوي، ثم(الاله آنو)فارقته،(تزوجت مزارعا)ثم(غليظ الطباع)و(طيب)ومن رجل(يحب ان يمارس دور المرأة)، وصولا للانتقام من الذكورة(تزوجت من رجل عقيم).
2ـ تعيش المرأة نرجسيتها، من خلال إحساسها بأنها كائن مرغوب فيه، إذن(كيف تتزوج الالهة عشتار من عبد) ؟! .
3ـ الأمومة، تضخم اجتماعيا معنى وجودها الأساسي؛ بالتالي قيمة نفسية، تدفع بها الى التمركز حول ذاتها، جسدها الخصب الذي ينجب الذرية، والتفاني في خدمة الأبناء(أنجبت تؤما، ذكرا وأنثى).
4ـ تجد لنفسها تعويضا في امتلاك الأطفال، من النادر أن يستقل الصبي عن أمه نفسيا (انجبت ذكرين).
5ـ تحتل دور المعبر عن الشرف،هذا يعطيها أهمية في شبكة العلاقات الأسرية ..لذلك تلعب دور الحارس لذاتها، لقد (تزوجت من عقيم) لتلد(خنثى).
6ـ تحصل على تعويض من حرمان الرجل جنسيا، تملك الجذب، والأمل تثيره في نفسه.
7ـ ينكص الرجل المحروم جنسيا الى مستوى الطفل المتلهف الى حنان الأم، حليبها، تحس المرأة الواقع مما يمدها بمشاعر الانتصار، تعطي أو تمنع. تحول التحريم الذي فرضه الرجل على جسدها، الى سلاح للسيطرة عليه.
8ـ التوظيف العاطفي الذي يحدث عند المرأة بالنسبة الى استخدام الملابس والزينة، حيث تتباهى بلعب دور عارضة، من خلال ما تلبس وتتحلى به، افترقت لمجرد(نسي أن يضع وردة على خدها).
هذه تعويضات طرحتها المبدعة الدكتورة ايمان السلطاني في قصتها، تجد المرأة لنفسها قيمة ذاتية من خلالها وتدفعها الى التمسك بها، لكنها تدخل ضمن حالات الاستلاب الذي تتعرض له.
عبد الكريم العامري : وحشية المظلوم في (عرس عشتار) للقاصة ايمان السلطاني
تعليقات الفيسبوك