

منذ أكثر من أربعة عقود عرفت عبد الرزاق حسين (أستاذي في الأدب والصحافة) شاعرا ذا بصيرة إنسانية في عالم شعري واسع تمتزج فيه حرية الإنسان بالذات والانفعالية الواقعية بالتخيل يهندس أفكاره وافتراضاته ويتمثل وعي الإبداع لديه في طاقته التعبيرية وعبد الرزاق حسين شاعر موثوق بقلمه الشعري قال الشعر في باكورة عمره وأصدر أكثر من عشر مجموعات شعرية تعتلج فيها ذكريات عاصفة حتى إن قسما منها كان موشحا بكثير من الحزن والمرارة التي مر بهما في حياته وربيع عمره وصيفه وخريفه لكن شعره ذو روح وثابة مفعمة بالحيوية تنطلق منها رعود إزاء أولئك السادرين في أوهامهم الزائفة وذلك لما لرهافة حسه من عمق حتى خياله الشعري يستيقظ بألم ممض لأنه نداء عطش روحي وحرمان عبر مد عاطفي يبث نسجه الشوق والعذاب والبراءة. وقصائده تفرض نفسها على التجربة الفنية باستجابة تلقائية وتمتلك المنطق الخاص بها وبخاصة تلك التي تؤشر إحباطه النفسي من العالم الذي حوله باقتصاد وترويض لغة:
لو نبيع الذي نرتديه ونبقى عرايا
لن تصير المنايا
أماني
لن تصير البلايا
في سواد الليالي أغاني
ويلاحظ في شعره ثراء الرمز وإيماءاته المتعددة بما يؤشر درجة نضجه الشعري وهو يواجه الأشياء بشكل واضح للتعبير عن تجربته الشعرية كما هو واضح في((مختارات قصائد 2003_2010))التي صدرت مؤخرا إذ تكشف عن إيحاءات وصور بنائية لقيم انسانية عريقة وللحظات وجدانية مكثفة:
لم تعد للكلمات
ريشة تعلو بها بين الشظايا
ما الذي يبقى من صورنا في الخراب
ما الذي يبقى من أصواتنا في الضجيج
ما الذي سيبقى من أوراقنا في الحرائق
وكأني به يحرك صوت الزمن المهاجر في اعماقه المختبئ تحت عباءة التجربة المرة التي عاناها حسيا ونفسيا وعبر عنها بكلمات نقية وكأن هناك تؤهات صارخة ليراعه نازفة تفرض نفسها في تكوين الصور وتلوين اللغة في معجمه الشعري الخاص الذي يعج بهواجس نفسية لشاعر يفهم عملية الأبداع الشعري ونسقها الموضوعي في الكيان المتوحد وحياته الخاصة وهو يصدر عن انفعالات عميقة ومؤثرة:
كنت أمشي على كسر من مرايا
رأيت بها وجهي الأمس
كان طريا كفاكهة في الظلال
ستمشي كثيرا ستبكي كثيرا
وياسيدي لا أزال
ان قصيدة عبد الرزاق حسين لها رهافة حسها وعمق احساسها اذ يمسك الشاعر بأدواتها الشعرية ببصماته الخاصة وبذاته القلقة المتألمة تألم الأنسان بقضايا الوجود التي تصل احيانا الى التلاوين الفاحمة وهو يجمع بين شعر القلب الخافق وشعر الفكر المتأمل وتتميز الفاظه بأناة وبراعة للتعبير عن رؤى وقيم وكأنه يجري عملية أعادة تكييف بين الشعر وعالمه الخارجي نتجت عنه بقايا دم محترق:
قرأتني قصيدة على الورق
بعض دمي هذا
وبعضه أحترق
وتنتقل معاني القصيدة عند عبد الرواق من بعث للدهشة إلى اجتاح الصور عديدة الدلالات ومن خلال تراكيب تتوزع بين نقدها للواقع والاسترسال في إيحاءات أو في صور شعرية متشابكة تلمس أعصابنا وتصدر من شاعر ينظر إلى الشعر من نافذة شمولية تلتقي بلهب كرامته التي ترفض الانتهاك وتلتصق بمفاصل الحركة الإنسانية ووحشة الأشياء:
السنوات التي أتعبتني
تحاورني
بوحشة
كل هذه المسافات
ماذا تبقى
أتسلى بصبري
بقي إن نقول إن قصيدة عبدالرزاق وليدة ظمأ وجداني يتحرك اتجاه نبل إنساني يعيد الأزهار إلى غصونها ورغم اختلاطات الخطوط المتغايرة وتغاير الألوان فان الشاعر منحاز تماما إلى رواء القيم الإنسانية وعفتها وتألقها الرفيع
m.saleh_49@yahoo.com