دون كيشوت:كلما توغلنا في عنق الزجاجة يا سانشو،كلما رأيتك بئراً يملؤه الصقيعُ!!
سانشو: ذلك من شدة هول ما حدث بالأمس وبين ما يحدث اليوم يا سيدي الدون.
دون كيشوت:إذاً .. عليك القيام بتصليح ساعتك البيولوجية يا سانشو.فقد تكون مُعطلةً.
سانشو:ما عُطل أو تَعَطل يا سيدي الدون،ليس داخل جسدي،بل في الطبيعة كما أرى.
دون كيشوت:ولكنك كنت تفضلُ الطبيعةَ صامتةً،فلماذا تريدها باردةً بعدما تحركت فيها النيرانُ!!
سانشو:كنت أعتقدُ الربيعَ نبيذا وزهراً وخبزاً وباباً للهوى العذري،لكنني سرعان ما وقعتُ في آتون فرنٍ كقطعة من اللحم.
دون كيشوت:لا بأس بذلك يا سانشو.فثمة لحوم تتقلّبُ على نار الخريف الجهنمي،وثمة شعوبٌ لا تزدهرَ في ربيعها إلا اللحى الإبرية .
سانشو:كأنني أراكَ تود ترحيلي عن هذه الأرض ميتاً يا سيدي الدون؟!
دون كيشوت:لست أنت من نالهُ الموتُ الآن يا سانشو،بل الموتُ نال من الآخر الذي كان فيك غافلاً ،دون أن يرصد من تسللَ إلى ساعته البيولوجية بالفحيح الأيديولوجي الباطني السامّ.
سانشو:كأنني لا أرى حلاً سوى البحث عن قبر ،لأتخلص من قطعة اللحم التي أكونها !!
دون كيشوت:تمهل يا سانشو.. ففي القريب العاجل ،سيشهد العالمُ أعظمَ مدافن التاريخ.
سانشو:وهل ستكون كل تلك المدافن ،لي وحدي أنا يا سيدي الدون؟!!!
دون كيشوت:لا يا سانشو. فالمدافن العظمى ،قد لا تليق إلا بما عظم من البلوى.
سانشو:ولكنني لم أرَ قبراً لبلوى في أية مدينة عربية من قبل ؟!
دون كيشوت:ذلك لأننا نمارسُ الوأدَ يا سانشو،بعدها نبدأ بالمشي على الوجوه هياماً بين الكثبان الرملية .
سانشو:كم وددتُ لو أنتزع من ظهري العمود الفقري،فأنصبه وتداً لخيمة في هذا الفضاء.فالمدنُ هالكةٌ مُهلِكةٌ يا سيدي الدون.
آبار النصوص
في أيّة كؤوسٍ
تلمسنا المشانقَ للمرة الأولى.
وعلى أيّة مرآةٍ من تلك الحيطان،
تجمدنا كالمدافع.
سَألتهُ في موقف الجندي المجهول../
باكيةً.
فردَ عليها هامسّاً:
قطرُ الندى لغزُ الأرحام.
وهناك الألغامُ تتشكلُ وتندفعُ
وتسيلُ كتلَ غيوم.
فيما الجندي المنضوي تحت القميص
الترابي،
تنزّ خمرتهُ على منكبيهِ
بعد القتل ملّونةً.
هو حاكمُ الأحلام في ثكنات
النفس.
ومن جلدهِ صفحاتُ الدستور.
حيث تكون الأرضُ مواطَنةً
لا مملكةً.
((موقف الجندي المجهول))
غرفة للغرائز
في حركة اللغة، أظنُ أن الكلمة تولدُ شيخاً.ومن ثم تعود بالتدريج إلى طفولتها ،لتحيا صغيرةً مثل الجنين بين أعمال الكتابة التي يمارسها المؤلفون.
الكلمة الشيخ تلك، لا تمكنُ كائناً من كان اللعب بنظامها،فقد ينزع عنها المؤلفون العظام لحاء الكهولة طبقة طبقة،وحتى تتجلى كل مفردة من تلك المفردات بدرجة ما من الحساسية اللغوية .كما هناك مؤلفون،قد يستعيدون للكلمة طفولتها من خلال السياق الخاص بوجودها جمالياً ونفسياً وبلاغة ،كمادة كتابة محفزة للغرام الإبداعي .وثمة كتّاب آخرون ،يفشلون بتنسيق وجود تلك المفردة، عندما يجلسونها على الكرسي الخطأ،الأمر الذي يتسبب وبالقضاء على مكانتها كحاضنة للمعنى الدقيق أو المكثف المثير بطاقته التعبيرية.
أيضاً ثمة مؤلفون آخرون للدمار الشامل، يدخلون الحقول اللغوية مثل التراكتورات،فيسحقون كل تجسيد منطقي لأصوات الحروف وزمنيتها،مما يحطم في المفردات المحركات،ويقضي على كل هاجس ،قد يُحركُ أرومات النطف في رحم اللغة.
كل تنضيد عشوائي للجملِ بفعل الاختيار السيئ أو المميت للكلمة نفسها، هو تعذيب اللغة.
والشعرُ في كل مستوياته،بناء لغوي في مجرى الرياح البصرية ،وصولاً إلى المجازات الفريدة العليا،تلك التي تجعل جملة الشاعر خط استواء لا خيط نايلون.
بنك الخيال
يُسمي الخيالَ محبرة الله
ولهُ فيها من الغَوّاصات ما لا يدركون