في المركز الثقافي الاسباني في الرباط من أماسي أسبوع الأدب المتميزة، فقد ألتقى محبو الشعر بالشاعر أدونيس، وأيضا الكاتب الإسباني فيديريكو أربوس، الذي تلى بالاسبانية مقاطع من قصيدة أول الجسد أول البحر لأدونيس، من ديوان لأدونيس ترجم مؤخرا للإسبانية، ليفتح باب النقاش بين أدونيس وجمهوره، وقد خاطبهم الشاعر العربي السوري أدونيس، بانه يود ان يتعلم منهم، ولذا سينصت لهم، لأنهم دائما مصدر ألهامه ومحبته، وقد وقف أمام المنصة الروائي، والوزير السابق لوزارةالثقافة المغربية سالم بن حميش، ليقول كلمة قصيرة في محبة أدونيس وشعره وقد كانت المنصة لا تتسع إلا لشخصين فقط للشاعر ادونيس، ومترجم قصائده إلى الأسبانية أربوس، فبقي لمحبته للشاعر متكئا على جزء من المنصة في وضع قلق وقال معرفا بالمعرف، وقرب للجمهور ماهو مقرب منهم، ومثقفو المغرب معروفون بمحبتهم لرموز الحداثات في النقد والشعر والرواية والقصة، وأدونيس واحد من هذه الرموز، وقد أثنى على المركز الثقافي الذي أستضاف الشاعر أدونيس، وعرفه قائلا، بان أسم الشاعر أدونيس الحقيقي هو علي احمد سعيد أسبر وهو شاعر من سوريا، وقد لقب نفسه بأدونيس نسبة إلى أسطورة إلهة الجمال أفروديت، وحبها لإدونيس، الذي أحبته بسبب وسامته وجرأته، وقد صار هذا الأسم رمزا للربيع، وللولادة الجديدة من الموت، وقد أتخذ الشاعر هذا اللقب منذ عام 1948 وبعد هذه التوطئة القصيرة من حميش، وتلاوة قصيدة له بالأسبانية بدأ الجمهور يوجه أسئلته للشاعر أدونيس، وقد سأله أحد الحاضرين عن قصة القصيدة التي مدح بها الرئيس السوري، فإجاب ضاحكا
مدح الرئيس السوري
قصة هذه القصيدة طويلة، فقد ولدت في قرية فقيرة جدا، ومنفصلة عن العالم، وبقيت حتى سن الثانية عشرة ولم اتعلم القراءة والكتابة، ولم أر سيارة ولا الهاتف، وكنا نقرأ القرآن عند الكتاب تحت الشجرة، كنا نتعلم الخط وحفظ القرآن، وقد تعلمت الخط والشعر وساعدني أبي في هذا كثيرا، فقد كان يتقن قول الشعر العربي ويحفظ القرآن الكريم، وبعد أستقلال سوريا عام 1943صار شكري القوتلي أول رئيس لسوريا، وقلت لنفسي أنه لا بد أن يصغي لقصيدة أقولها، حتى أطلب منه أن يرسلني لأتعلم في مدرسة بعد أن عرفت أن الرئيس سيزور قريتنا، وقلت لأبي ما فكرت به، فقال أبي لا يمكنك أن تصل إليه، لكنني لا أمنعك والله معك، وعندما حان موعد وصول القوتلي إلى قريتنا، قال لي والدي أنه لن يحضر الحفلة، لأن صاحب الحفلة لا أتفق معه في كثير من الأمور، وكان عمري وقتها 13 سنة، وكنت شبه حاف وبملابسي القروية، وذهبت إلى المكان، ولكن حين دخلت مكان الأحتفال، سأل صاحب المكان عني، فقالوا له هذا أبن فلان، فقال أطردوه، فطردوني، فهمت بين الحقول، حتى وصلت مدينة جبلة، ووجدت يافطة لبلدية جبلة ترحب بالرئيس، فتوجهت صوب مبنى البلدية، وقلت لرئيس البلدية لدي قصيدة أريد أن أقولها أمام الرئيس، وقرأت القصيدة له، فقال عظيم سنقدمك ضمن المنهاج، وكان جميع موظفي البلدية جالسين، وقد أعجبوا بالقصيدة، وجاء رئيس الجمهورية، وقرأ الجميع كلماتهم ونسوني تماما، وأراد رئيس الجمهورية أن يقرأ كلمته، فأمسك بيدي موظف، وقادني إلى الساحة العامة، وقبل أن يقول الرئيس شيئا، قال الموظف لدينا طفل من أعالي الجبال، لديه قصيدة ويريد أن يقولها، وصعدت المنصة وألقيت اقصيدة، وقد فرح الحاضرون بها، وقد أخذ الرئيس مقطعا من تلك القصيدة ليجعل منها موضوع خطابه، وقال لي الرئيس ماذا تريد أن أعطيك؟ فقلت له أريد أن أدخل المدرسة، فقال ستدخل المدرسة، وكما ترى لقد قلت هذه القصيدة قبل أن تولد، فقد قلتها عام 1943، ولا اتذكر منها غير بيت واحد هو فأنت لنا السيف …. ونحن لك الغمد وهذا ما حصل فإنا مدين للشعر، ومسؤول جدا أمام الشعر، وأنا لم أفعل بعد ما يليق بالشعر حقا.
الجسد واللغة
ورد الشاعر على عبارة قيلت حول سكوت المترجم، وكذلك عبارة الكلمة أمضى من السيف فعبر عن ذلك بان دائما في الثقافة رائجة، ويجب إعادة النظر بها، أن لغة القصيدة خارج الفكر، وهذا غير صحيح، كما يعتقد أدونيس فاللغة العربية قبل أن يأخذ منها القصائد مرتبطة بالفكر، ولذلك ليس هناك شاعر باللغة العربية إلا إذا كان مفكرا، من طرفة بن العبد، امرؤ القيس، إلى أبي العلاء المعري، وجميع الشعراء الذين أحدثوا أنعطافات هم شعراء مفكرون، والشيء الثاني الذي تتصف به اللغة العربية، أنها ليست لغة تجريدية بل هي لغة للحياة المادية، وبدأ تعبيرها عن حياة الصحراء وحتى وصولها إلى المدينة، وأبتداء من شعر امرؤ القيس وحتى شعر الأنحطاط، الذي أبتكر لغة جديدة، هي امتداد كامل للغة العربية نسميها اليوم لغة الاستخدامات اليومية أو التفاصيل الحياتية والتي تضمنت القنديل والمبخرة، والجسد والحياة اليومية، كذلك أرتباط اللغة بالجسد أعطى للشعر بعدا صوتيا، الصوت بوصفه موسيقى، عنصر مهم، فالقصيدة لا تقرأ إلا جسديا، في الغرب يقرأون القصيدة، وكأن لا علاقة لهم بها، العربي لا يستطيع أن يقرأ القصيدة إلا موسيقيا وصوتيا، فاللغة جزء من جسد العربي وعبر بعد ذلك عن القيمة الحقيقة للإعجاز القرآني حين صدم به شعراء كبار بعد الإسلام، وقرروا أن يتوقفوا عن قول الشعر، لأن ليس هناك أبلغ ولا أكثر تأثيرا وتعبيرا من سور قرأنية قصيرة يتلوها الناس كل يوم، وتعبر عما في خواطرهم من أفكارعن الموت والحياة، الخير والشر الظلم والعدل، والقصص القرآنية الرائعة، وقد وظف الاسلام لأول مرة في تأريخ الشعر الشعر في الدفاع عن الدين الجديد وأفكاره وما جاء فيه من توحيد ورسالة سامية، فإلسلام وظف الشعر أيدلوجيا في قضايا صراعه الفكري مع الكفار والمشركين، وحتى يبشر بالإسلام وينشره، وقد جاءت بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا الأفكار الأشتراكية لتوظف الشعر والآدب أيضا توظيفا أيديلوجيا في الدفاع عن أفكارها.
موسيقى القصيدة
الشعر العربي أضمحل في بداية الدعوة الاسلامية، وبقي كذلك لبعد خمسين سنة بعد نزول القرآن الكريم، لأن الدين الجديد كان مستحوذا على عقول الناس، وتفكيرهم، وقد وضعوا القرآن الكريم في صلب اهتماماتهم، الفكرية والذوقية، والأدبية، ولكن حالما تحول الدين إلى أداة مجردة للحفاظ على الحكم، ليس إلا وليس مادة حقيقة للحكم، خلال فترتي الحكم الأموي والعباسي، عندها أسترد الشعر العربي مكانته، ودوره، كما كان قبل الإسلام، وبقي على هذه الحال حتى اليوم وقد أجاب الكاتب الإسباني فيديريكو أربوس عن خيانة المترجم للنص الأصلي عند ترجمته إلى لغة أخرى لم يكتب بها، فإشار إلى أن المترجم لا يعيد كتابة القصيدة، والترجمة الحرفية للشعرغير ممكنة، وأعترف أن القصيدة بعد الترجمة إلى لغة أخرى تكون قصيدة أخرى، وغير التي أخذ منها المترجم، ولكن ما يبذله المترجم، هو أن يبقي موسيقى القصيدة الأصلية حاضرة في النص المترجم، وروحها، وفي كل الأحوال، أنه إذا ترجم قصيدة لأدونيس للأسبانية، فإن القارىء الأسباني سيظن أن القصيدة لشاعرأسباني، وقال هذا ما صادفني حين ترجمت قصائد أدونيس للأسبانية وعلى المترجم كما قال مترجم أدونيس للأسبانية أن يحافظ على القصيدة الأصل، وإلا قيل عنها انها ترجمت بتصرف
هل نستحقها حقا ؟
وأدلى أدونيس برأيه ليعضد إجابة مترجمه حول الترجمة من لغة اخرى، فعبر عن ذلك بقوله أن ترجمة الشعر منذ القديم هي مشكلة، والجاحظ يقول الشعر لا يترجم والمثل الأسباني يقول المترجم خائن ولكن في جميع الحالات لا يمكن قبول ترجمة حرفية للشعر، ولا يمكن تفكيك الجملة، ووضعها بلغة أخرى أنها بحق خيانة، وعلى المترجم أن يخلق ما يوازي الحساسية الشعرية في الأصل الشعري، وعليك أن لا تنسخه بل تعيد أبتكار العلاقات الموجودة لدى الشاعر، ولا يمكن أن نترجم قصيدة واحدة للشاعر بل عليك أن تفهم الشاعر، وشعره وقصائده جميعا، فالترجمة إعادة خلق، وأحيانا توجد ترجمات بلغة مستقبلة أجمل من الأصل، فكل مترجم خلاق آخر، وإذا لم يكن الوعي موجودا لدى المترجم فلا يمكن أن توجد ترجمة خلاقة، وأهم من معرفة اللغة المنقولة عليه أن يعرف لغته الأم معرفة دقيقة وربما أهم ما قاله أدونيس في نهاية هذه الجلسة الأعترافية عن فضل اللغة العربية، وجمالها وأهميتها، وقدرتها على التعبير البياني المذهل و اتساءل دائما .. نحن العرب هل نستحق لغتنا العربية حقا ؟
أدونيس في أمسية اعترافية عن قصيدة مدح فيها الرئيس السوري لم أفعل بعد ما يليق بالشعر حقا
تعليقات الفيسبوك