” دون ساباس ،
لنظافته في حي الفقراء ،
يسمى الكناس ……. { 1 }
تتسع حيرته وهو ينظر إلى الأرض .. كل هذه الأوساخ .. كل هذه الركامات .. كل هؤلاء البشر
المعوَّجين .. يسمونني ( الكناس ) .. حسنٌ .. سيبدأ الكناس بكنس أهّم أوساخكم ..
……. و لهذا يبدأ بالصحف الملقاة ..
الأوسخ من كل الأشياء على أرض الرب ………… { 1 }
هذه الأوراق التي تملئونها هذيانا.. يقتل بعضكم بعضا بـ{ رصاص } اتّخذ شكل حروف تكوِّنوها
{هلوسات } ينشر من خلالها بعضكم قذرَ غسيل الآخر …
انحنى يحمل صحيفة اتسخت زاويتها العليا ببراز طير .. كوّرها بأصابعه..ألقاها في وعاء قمامة
يحمله .. انتفض مذهولا .. عاد إلى الصحيفة المكوّرة ..أخرجها من الوعاء..فتحها..ثمة ( إعلان)
في وسط الصفحة بحروف جدّ بارزة :
” لا مكان للأجانب في هذا البلد .. عليهم أن يرحلوا أو
أن نرحّلهم بالشاحنات ….
تذكر أنهم ـ من إحدى زوايا الدولة ـ أبلغوه بأنه من الأجانب .. وتذكر أنه لم يتوسل .. ووعى أنه
قرر أن لا يرحل …
أعاد تكوير الصحيفة الوسخة..دخل في رأسه،و يداه تعملان بجد لإخراج سيجارته.. يقول الصوت
داخل جمجمته :
” احذر يا { دون } .. لست مؤهلا ـ بأي شكل أو مدى ـ للوقوف معارضا اندفاع
الرصاص .. رصاص النار يا { دون } لا رصاص المطابع .. عليك أن تحني
رأسك ، كما تحني رأسها شجرة معمِّرة ضخمة ، أمام عاصفة هوجاء ، لتعود
بعد مرورها واقفة بشموخ .. ماذا يريد أنت ، في بلد يتعاطف { ربها } بالكامل
مع متبنِّي التخاطب بالرصاص الملتهب و العبوات و الأقنعة السود …
توتر أعماقه أخَّر إشعال سيجارته الملفوفة .. لكنه ، في النهاية
…… أشعل سيجارا ملفوفا { دون ساباس } ..
لم يذكر إنْ كان امتص دخانا ،
أو أن سيجارته الملفوفة طارت بين الأنقاض …… { 1 }
لم يبق شبر واحد من أرض تطوف عليها عيناه ، دون أن يُحفر .. و لا جدار ظل قائما حوله ..
الأرض التي بنا وجوده على تنظيفها تزداد وساخة .. و الوساخة تتنوَّع بين حين و آخر …
أصابع .. أيد .. رؤوس بلا رقاب .. أفخاذ طرية كانت يوما حلم أن { يعتليها } مراهق أحب ذاته ..
9
مذ أعلنت الحرب ، لم يشارك{ دون ساباس } بأي قدّاس في أي كنيسة .. ” أنتم أعلنتموها ، و
تسألون الرب أن يحميكم من نارها .. أنا لا أريدكم .. و لا أريد { … } يعجز عن أن يحمي الأطفال
من نيران الحرب .. بيني و بين الـ{ … } مفازة تتسع باتساع تنوِّع الـ ( أزبال ) في حي الفقراء
** ** **
ــ دون ساباس
ــ مرحى هشام .. أينك أيها الـ
ــ أتطير معي اليوم .. أضفتُ جناحا لطائرتي .. اترك وعاء أزبالك و لنذهب
إلى ذاك التل لنقفز منه .. طائرتي صارت قوية بعد أن علمتني كيف أشد
أجزائها .. هيا هيا يا دون …
ضحكة الطفل المقرّبة إلى روحه أقنعت { دون } بأن يجري متجها نحو التل .. الطائرة ترفرف
خلف ظهر { هشام } ، و { دون ساباس } يواصل الجري ، مفتوح رأسه على صور التصقت
في خلايا مخه ، و هو ملقىً على جرف صخري قذفته إليه أمواج تدفعها ريح عاتية .. يتحرك مع
الموج جناحا طائرة ما زالت إحدى يدي { هشام } ممسكة بجزء منها ..
{ من أعلى التل قفزنا .. حملتنا الطائرة ..مضت بنا بعيدا .. نسابق كتلا متراصة
من القطن تملأ السماء حولنا .. لكنني لاحظت أن الطائرة توشك أن تهوي ..
أفلّتُ يديَ ، ليظل هشام معلقا بها وحده .. يطير منتشيا ، و أنا أنظر إليه متحسرا ،
وهو يتباعد منفصل الأجزاء .. يفقد ذراعا ، هشام .. يلحق بها رأسه .. يحمل
وجهه ابتسامة تتسع وهو يدنو مني ، كطير نالته رصاصة صياد ماهر
……. كان الصاروخ يلمع ، و الأطفال ،
ضحكوا قبل الموت ..
و السيجارة طارت في الصوت ………… { 1 }
ويحك يا { دون } .. ما كان حريٌ بك أن تترك هشام وحده .. لو كنت احتضنته ، و هبطتما معا
إلى البحر.. لو كنت حررت يديه من عارضة الطائرة .. لو كنت …
يومان فقط ، يا هشام .. غبت عني لمدة يومين ، فاسودّت لياليّ ، و تضببت أيامي ، و تضخمت وحدتي .. ماذا سأعمل الآن من غيرك ،هشام .. هشا ا ا ا مْ مْ …
أي حركة يمتلئ بها إهابك .. أي كيان تطير به سعادتك قبل طائرتك … هشا ا ا ا
ــ قدْرُ حساء صنعته أُمي..و ضعتْ لي ملعقتين ..اقتنعتْ بأني لن آكل من دونك .
و بعد أن دفنّا أمك ، و أمام كل أقرباءك ، و بصوت يخنقه النحيب
ــ لم يعد لي أحد بعد .. أنت أمي و أبي يا دون .
و يتركانك ، { أُمك و أبوك } .. يتركك {دون ساباس} معلقا وحدك تتلقى الشظايا الحاقدة ، وهو
ينظر إليك محروقا بعجزه و قصور تفكيره .. هشا ا ا ا يا ا ا ا ا
……….. أيها الرب المحايد ،
قليلا من الالتفات إلى حروبنا الوطنية
10
صُبّ الماء على نارها ،
أو فلْتباركنا حين نخمِّدها بأولادنا ………. { 1 }
ريسان جاسم عبد الكريم
كـــركــوك
29 / 5 / 2010
قصص قصيرة جداً ، مكثفة ورمزية ولكن لا أدري لمذا لا أجد تعليقا واحداً ، هل ذلك بسبب أن أحدا لم يقرأها بعد ؟