لم يكن ضليعا باللغات ، للحد الذي يستطيع المقارنة بينها . لكنه تحاور مع صديق متزمت للغة العربية . قائلا :
– أجد إن العربي يستطيع ، ترتيب الكلمات ولو بعشوائية لتعطيه في كل مرة معنى ما .
– وهذا يسمونه البلاغة في اللغة العربية . قال صاحبه .
– ولكنها بالمقابل تفقده المنطق المركّز ، وهو علم التفكير الصحيح . ولا تجعل السامع يفهم ما يريد المتكلم إلا إذا شرح له الفكرة بالمزيد المزيد من الكلمات .
قال :
– وهذا يسمونه ، تورية .
– ولذلك دائما وأمام عجز اللغة عن هضم الأفكار يضع العربي احتمالات شتى في حديثه . وكأنه يقول أمام الإحراج إن هذا مافهمتموه ولكني كنت اقصد ذاك . وان منطق اللغة يستوعب هذا ويرتضيه .
قال صاحبه :
– ربما قام العربي بتطوير لغته الجميلة ، ليختبيء خلفها الهاربون من بطش الاضطهاد الفكري الطويل ؟
– ياصديقي .. نحن ندافع عن لغتنا ، بطريقة انصر أخاك العشائرية ، واضعين أمامها غلالة ضد التطور .
المغني
استحضر المغني ، آلة عزفه . واستحضر خياله الجامح وراح يعزف ويغني ، وهو يرى نفسه جالسا ، في العيون الجميلة . ثم راح يتساءل عن مبدع لم يضع أمام ناظريه النساء .
زوجة المغني تربصت للكلمة الأخيرة ” النساء “، من خلف المسرح. أرادت إخراجهن من عيني المغني قسرا . ثم قامت بجرح قيثارته ، محتجة إلى أن تلك خيانة ..
مات المغني بعد أن بقي طويلا بلا قلب .
قبل أن يموت تمنى لزوجته ، لو إنها تتفهم إن ليس في الأمر من خيانة .
حلم
رآها فيما يرى النائم . وراح منقضا على يديها ورأسها وجبينها بالقبل طالبا المغفرة منها . ليكتشف إنها لم تكن أمه ولم تكن يوما قد أحبته . ولكنه اكتشف إن في سرير العقل الباطن ، مكمن الرغبات النائمة ، قد جلست امرأة ادعت الحنان يوما وقد كانت متدثرة بغطاء ، لم تبن منه أسنانها .
اتيكيت
علموه أن يشبك يديه خلف ظهره ، حين يقترب ليشم العطر ، لكي يتمتع بجمال الوردة .
وعلموه إن الحمار ، حين يقترب من الوردة ، يبادر إلى أكلها .
وعلموه إن الحمير فصيلة ، ليست بشرية ، تتعامل مع الورود بكروشها .
وعلموه ، بيت القصيد ، إن المرأة الرائعة هي الوردة .
وطن
وطني العزيز :
رغم قسوتك َالمفرطة . ورغم تعاليكَ . وكل محاولاتك َخلق الأعذار عن أخطائك بحقي . إلا اني لا أجد – كمن اسقط بيده – إلا أن اغفر لك َ أخطاءك حين كنت أنت حليفا للزمان ، ضد مشاعري . نعم سأغفر لك الجراح التي سببتها لقلبي . ولكن ليس من كل قلبي .
تشبيه
أراد أن يجعل للثقوب السوداء أشباها بما يجري في سواقي قلبه . فبمجرد أن يفقد جرم سماوي صغير طاقته الداخلية حتى يتحول إلى كتلة هائلة لها جاذبية الجرم وحجم مشمشة ، طرية.
لكنه اكتشف إن قلبه اصغر من أن يستوعب مشمشة ثقيلة إذ ستموت كل خلاياه قبل أن يحتوي جاذبيتها .
صديق
ياصديقي كم قلت لك انك حين تمضي فسوف لن تعتريك الرغبة العارمة لإزاحة الضباب المتراكم ، عبر انعدام الرؤية ، للعودة من اجلي . لكن ياصديقي سوف أحمل في قلبي عنك أفكارا لها شوق الخبز والبطيخ والتمر البرحي الذي قراناه معا في زمننا الجميل ذاك .
استغلال ذكوري
الهرّ الذكر ، يحبس الهرّة الأنثى ، في غرفة مغلّقة الأبواب ، ثم يروح يمارس ضدها أبشع حماقاته . وحين تحاول ان تقول ” كفى ” لتدافع عن نفسها – كعادة الكائنات الحية – يسلّط هو عليها جبروت قانونه الصارم . ليقول بعدها :
– حذار من إناث الهررة . إنهن ينمن بعين واحدة . وان كيدهن لعظيم .
صديق قديم
أخبرتُه ، بالفيس بوك ، إني كنت صديقه الحميم . وطلبت منه ان يراسلني ، بعد غياب طويل .
فاخبرني ، انه لم يعد يذكرني بعد مرور ربع قرن من نزيف ذاكرة وألم . وطلب مني ان اذكره بمزيد من الذكريات .
قلت له :
– ولكني كنت صديقك . ولي معك ألف ذكرى وذكرى . في المدرسة والجامعة والعسكرية ، والحرب .
– إذن اخدش ذاكرتي . أو اجعلها تنزف .
– ياصديقي كنا نحب واحدة مشتركة اسمها الحرية . قلت له .
– أنا أحسست بذلك . ولكنا كنا كثيرين ونحب الحرية .
– يا صديقي كنت احبك وتحبني . قلت له .
– أقول لك أنا لا ذاكرة عندي . اعتبرني فقيدا ، ودعني أدفن ذكرياتي في التراب وأسقيها علها تنبت زرع زمن آخر أكثر رحمة ، من زمننا هذا . لعلي أتذكر بناءا اعوجا انتحرت تحته الذاكرة .