دون كيخوت:لا أعرف سبباً لكل هذا الأرق الذي يشغلني في هذه الأيام يا سانشو؟
سانشو:ربما بسبب حركة المخيلة التي في رأسك يا سيدي الدون؟
دون كيخوت:ومتى كان الخيالُ مرضاً أيها الأحمق؟!!
سانشو:ربما أصابته العدوى من أمراض واقع تجري به أجسادُنا جرّي الدواب.ألا تعتقد بذلك ؟
دون كيخوت:كان على الخيال أن يبقى حافظاً لنا من تلك الأمراض،لا أن يزجنا في آتونها ،فنخسر مقدمة العقل ومؤخرة العاقل على حد سواء.
سانشو:ربما يعود ذلك إلى خطأ واحد:أن يتنبأ الواقع بحوادث الخيال!
دون كيخوت:يا للهول .لقد دخلت المنطقة الحمراء للفلسفة يا سانشو.لكن قل لي: أتعرف لمَ سُمّي الواقع بالواقع؟
سانشو:هل لأنه وقعَ أرضاً،فعضه كلبٌ ليصاب بالنباح الأبدي؟!
دون كيخوت:معك حق يا سانشو.الواقعُ واقعٌ أرضاً ،وربما هكذا سيبقى إلى يوم القيامة.إلا أن ذلك الكلبُ الامبريالي، لم يتركه بعد تلك الواقعة.
سانشو:هل ما زال ينفخُ فيه لينبح أم ماذا يا سيدي الدون؟
دون كيخوت:لقد تطور الكلبُ الواقعي يا سانشو كثيراً ،حتى صار نباحهُ خطاباً وبوصلة للموت.
سانشو:أسلّمُ بأن هذه الصورة التي قلتها ،هي صورة شعرية يا سيدي الدون.وواقعنا يكاد أن يكون درعاً مضاداً للخيال ومخلوقاته.
دون كيخوت:أعرف ذلك.فكما يبدو أن أحداً لا يريد أن تهرب المجموعات الآدمية من مستنقعات الدم إلى الخيال قبل عسكرته وإنزاله من فوق إلى تحت.
سانشو:ولكن قل لي سيدي الدون :ألا توجد للخيال خنادق لتربية الكائنات الحيّة؟
دون كيخوت:لا أعتقد بذلك مطلقاً .فما أن توجد خنادق في المخيلة،حتى يموت المتخيل ،ويُدفن مع تاريخه سريعاً.
سانشو:لا أعرف ماذا أقول.ولكنني كلما ضقت ذرعاً بالرمال،كنت أحيل الصحراء لمختبر الخيال ،من أجل التمتع ولو بحلم عابر.أما الآن .فلا.
دون كيخوت:لا ينتزعكَ أحدٌ من مصيرك الخيالي.وأمّا نحن ،فأقدامنا تخوض في الوحل،فيما رؤوسنا مثل مقدمات الطير، تشق غيوم الخيال بعيداً عن التصحر.
سانشو:كم أتمنى لو كنت من أحفاد هوميروس يا سيدي الدون ،لأكتب ملحمة عن حروب الأنفس في المستنقعات الضيقة.
آبار النصوص
الأرواحُ الرضيعةُ معنا على أول
السطر.
وسنكملها بالألعاب والتحليق فوق
مدافن العقل.
قال لها ذلك،
وهامَ في موقف قصيدة النثر../
جمهرةَ عناقيد من كل النوافير.
ولما رأته يكسرُ الأوزانَ بتأملاته،
أنشدتهُ بما يلزم من حبّ وتصوفٍ
وخمرِ وغابات.
فصاح هاتفاً بشعوذةٍ:
أيها البركانُ الأبيض.
أنا نزلكَ بمعية الطير.
ولن تمر على فمي القُبلُ
العمودية.
الأوزانُ خرائبٌ على طول أوتوستراد
الذهن،
وما عادت الشهوات تليق بإيقاع
واحد.
هنا النبض مسترسلاً كالأوبرا
فوق التلال.
وهنا الخيالُ يمنح الأعينَ للقطط
والسيوف والنمور والأصوات.
العينُ على جبهة النصّ مفاعل
نووي.
ونحن أسبابُ طلاق اللغة من خريف
القاموس.
كل شيْ سيكون معنا ممتلئاً
مشعاً خارج الاكواريوم المسجى .
المليودراما: الذات الخصبة.
حيث الغريبُ غريقاً أمامَ ظهرهِ.
المليودراما: شباكُ صيد المواليد
من جبالِ وسكارى وكنوز.
المليودراما: حيث لا يأوي التوأم شبيه
في النصوص.
المليودراما: أن يلحسّ جلجامش ُ
غذاءَ الملكاتِ،
ثم يعود لمصحةِ الخلود بلا عشيقة.
المليودراما: وطنٌ مجازي من أيامٍ
وأنهرٍ وذئابٍ وسلاطين وطقوسٍ ترفضُ
مراهقة الآلهة في كهوف الديانات.
وأنت أيها النائم في كهف الساعة..
دع الطبيعةَ الملحدّة تجري في الغجري،
وهو يشتبك بخناجره وأضلاع كمنجاته
المحطمةِ على هامش البرق.
وأنتَ أيها المُثمرُ في الطيور والخيبات..
كن في بعدكَ عن لحى الأنهار
المستقيمة.
فما من هيكلٍ إلا ويمحى بالتصحر.
أليس هو الزمن بجيشٍ وبضائع
على باب الماء.
وهذه الأرضُ..
أليست ظلمة من متواليات
النواح.
قصيدة النثر بالشورت على بلاج
اللغة.
هي بمبة..
هي لمبّة..
لكنها ليست آخر تفاحة للخطيئة.
(( موقف قصيدة النثر))
غرفة للغرائز
لا أشك بأن في جسد كل قصيدة ،عدداً من المحميات التي تنتشرُ هنا وهناك.ولا أشك أيضاً،بأن اللغة،لا تناضل من أجل توفير الحماية لكل كائنات تلك المناطق.هناك فرز.هناك فروق.كما هنالك نظام لغوي يشرعن افتراس الكلمات الضعيفة التي لا تنتج من المعاني إلا تلك التي لا أثر لها في تصنيع الجُمل المضاد للأكسدة.
ثمة كائنات ،قد يكافح شاعر ما ،من أجل خلقها وإنزالها في مساكن نصه،دون وعي منه ،أنها من المخلوقات الهشة في البنية،ولا تستحق من فرسان اللغة أو حارسها العرّاب أية رعاية تذكر.
وإذا كان للصوت مساحة،كذلك للكلمات.من هنا يمكن الإشارة إلى أن كل ضيق في مساحة،هو بمثابة خنق للجذر اللغوي،وبالتالي ،فأن ذلك يقضي على حركة تلك الكلمة,ويجوفها من الأبعاد الثلاث، تأليفاً وقراءةً ورسوخاً.
الشاعر في قصيدته ،ليس غير ((بودي جارد)) للدفاع عن شعرية النص المموهة.وفي حال عدم وجود مثل ذلك الشقي،أو تخليه عن ذلك الدور،يمضي النصُ إلى حتفه مُفرغاً من أسرار اللعبة الباطنية للغة.أنا أعرف قطاع طرقٍ يجوبون متون النصوص وأبارها بحثاً عن كنوز ،عادةً ما تحملها قوافل الشعر على الخط الواصل ما بين رحم اللغة،وبين مصانع المخيلة.وكذلك ،فثمة وجود لرماةٍ مهرة،كما أحسُ بذلك، يطلقون رصاصةَ الرحمة على كل كلمة مريضة،دون أن يخطأ أي رامٍ منهم هدفهُ.
ففي عالم الشعر أشباحٌ، يُخضعون أثداءَ اللغة لاختبارات دقيقة، من أجل استنطاق ذلك الخمر المجازي المكنون بثمالة المعاني المتعددة الشاسعة، تلك التي لا يقدر عليها إلا شعراء الذروة.
كم يبدو النص يتيماً دون تلك الشقاوة ؟
الشاعرُ الاستثنائي، مثلما هو لاعبُ في الهواء الطلق،مثلما هو صياد بارع في المناطق الجوّانية،تلك التي عادة ما يحيا الشعر على أسرار مفرداتها وكائنات طقوسها .
بنك الخيال
وأمّا الجسدُ فباصٌ لركابٍ يتساقطون
تباعاً
29 أبريل