وقع بين يدي، مؤخرا، العدد السادس والأربعين من من مجلة “الدوحة” الصادر في أغسطس من عام 2011. وقد ضم مقالات وبحوثا ونصوصا متنوعة وغنية، منها مقالة للكاتب “سعيد خطيبي” عنوانها : “أمين معلوف : العربي الثاني في مجمع الخالدين الفرنسي” أشار فيه الكاتب إلى أن أمين معلوف سوف يدخل أخيرا الأكاديمية الفرنسية في نوفمبر المقبل ليشغل المقعد رقم 29خلفا للأنثروبولوجي (كلود ليفي شتراوس) (1908-2009) ليصبح ثاني عربي يلتحق بالأكاديمية الأهم والأكثر شهرة في أوروبا بعد الروائية الجزائرية آسيا جبار (2005). وقد ارتبط (اسم أمين معلوف في ذهنية القاريء الأوروبي إجمالا، والفرنسي خصوصا، بمسائل الهوية والكتابة عن التاريخ المشترك بين الشرق والغرب . يسميه البعض “مستر شرق” ويدعوه بعض آخر “مستر تسامح” . أما معلوف نفسه فيقول : لا أوظف كثيرا كلمة تسامح. لست بالضرورة انسانا متسامحا، ولكنني إنسان يشترط منطقا. أرفض جميع أشكال التميز. تربيت على رفض الاحتقار).
وبالإضافة إلى رواياته المعروفة: ليون الأفريقي 1986،سمرقند 1988، حدائق النور 1991.. وغيرها فقد عرف بكتابه بالغ الأهمية “الهويات القاتلة- 1998” والذي يرى فيه أن الهوية ليست واحدة، لكنها تتشكل وتتحول على امتداد حياة الفرد. ويشير إلى حالته هو شخصيا فيقول : أن تكون عربيا مسيحيا فرنسيا فتلك حالة جد خاصة ، تمثل أقلية ومن الصعب تحمّلها.
وقد لفت انتباهي أن أمين معلوف يعالج قضية التباس الهويات وتشابكها في كتابه هذا من خلال مهاجر تركي في ألمانيا والذي يجد نفسه “أجنبي بالنسبة للألمان، وغير تركي تماما لبني جلدته”. وقد أحالني الوصف الأخير المركز والبالغ الدلالة ، وبصورة مباشرة، إلى القاص والروائي العراقي البارع “علي عبد العال” الذي وصفته في كتابي “الفردوس المشؤوم” بأنه “اختصاصي أدب المنافي”، فقد أصدر هذا الكاتب ، حتى الآن، تسعة أعمال هي:
1- المشي في الحلم – قصص – 1987 .
2- مقتل علي بن ظاهر ومتاهته – رواية – 1996 .
3- أنشودة الوطن .. أنشودة المنفى – قصص مشتركة – 1997 .
4- العنكبوت – قصص – 1998 .
5- أقمار عراقية سوداء في السويد – رواية – 2004 .
6- ميلاد حزين – رواية – 2005 .
7- أزمان المنافي – ثلاث حكايات – 2005 .
8- عالم صغير جدا – قصص – 2006 .
9- جمر عراقي على ثلج سويدي (جيسيكا) – رواية – 2008 .
وهذه الأعمال جميعا تدور حول التباسات ومعضلات حيوات المواطنين العراقيين المهاجرين، وإلى السويد تحديدا، حيث يعيش علي هناك، ولديه ربع قرن من الخدمة في المنفى كما يقول في رواية “جيسيكا”.
وما يهمني قوله هنا هو أن الأطروحات النظرية الحاكمة في صراعات النفس البشرية – ومنها صراعات الهوية والمنفى – التقطها الأدباء أولا في أعمالهم التي ترتكز أساسا على احباطات النفس البشرية وتصادم الإرادات والعواطف والأحقاد والمصالح . وأكثر هذه المواقف تنسرب تحت غطائها دوافع ومكبوتات اللاشعور. الأمر الذي يتيح للمبدع – ومنذ مئات السنين – تقديم القراءة ” الانفعالية ” المحتدمة للغة اللاشعور إذا جاز التعبير ، في حين جاء المحلل النفسي وعالم النفس والاجتماع متأخرين – بعد منتصف القرن التاسع عشر تحديدا أي منذ قرن ونصف – ليقدما القراءة العقلية والمعرفية المنهجية لهذه اللغة وحل شفراتها المركبة. فالعقد التي صار تداولها تقليديا في أدبيات التحليل النفسي طُرحت أولا من قبل المبدعين مثل عقدة أوديب وعقدة ألكترا وعقدة قابيل وعقدة المحارم وغيرها. كما ضمت النتاجات الإبداعية والأسطورية الكثير من أساسيات التحليل النفسي وعلم النفس مثل الآليات الدفاعية – الإسقاط والإنكار والتبرير والإنشطار والإزاحة .. إلخ ودور الأحلام في التعبير عن الرغبات المكبوتة، وفعل مكوني العقل من شعور ولاشعور وأدوار مكونات الجهاز النفسي وصراعاتها؛ الأنا والهو والأنا الأعلى ووجه الأب الشرير (إبليس/ الشيطان )، وصورة الأم الخاصية، وغيرها الكثير الكثير.
وفي قصته “المهاجر” الطويلة (60 صفحة) والتي ضمتها مجموعته القصصية “عالم صغير جدا” يقدّم علي عبد العال وصفا رائعا لالتباس هوية المنفي لا يقل روعة عن وصف أمين معلوف إن لم يفقه بلاغة نفسية حيث يقول على لسان بطله “سلمان ماجد” :
( كنت في مطلع العشرينات عندما جئت إلى السويد. ومضى عليّ أكثر من عشرين عاما هنا . من أنا ؟ أنا عراقي في معشر سويدي ، وأنا سويدي في معشر عراقي . في كل نصف يقف كلي ضد نصفي الآخر . وهكذا وجدتني مشطورا إلى نصفين كاملين ؛ ازدواج متكامل لا يمكنني توليفه بمجرد الرغبة . تلك المعادلة التي حدثت عن طريق الخطأ أو عن طريق الصح ، لا يهم ذلك ، المهم أنها حدثت ، تتقاذفني بشطريها المتعاكسين ، المتضادين ، وأنا محصور بين الدفّتين . أحاول العثور على عناصر أخرى تنأى بي عن هذين القطبين اللذين يطحنان أيامي وأوقاتي في الهباء – ص 96 ) .
حسين سرمك حسن: إلتباس الهويّة بين أمين معلوف وعلي عبد العال
تعليقات الفيسبوك
تحياتي دكتور هناك ايضا الروائية العراقية المغتربة في هولندا
(ليلى جراغي) قرأت لها روايتها الجدار وتتناول ذات الموضوع، التباس الهوية ومعاناة والوطن والغربة..