هشام القيسي : دلشا.. يقظة المكان

عاشقة ومعشوقة عبر إيقاعات قدحها الزمكان ، بارعة ماهرة في ( قفلات ) حد الدهشة . مسكونة بتواصل  امتدادات الهوية / العشق – الوجود / العشق . وفي قصائدها جماليات تتلألأ عبر عوالم الأيحاء الشعري .  دمها نهار قلبها الوضاء في ليالي الزمن الملعون ومورفولوجيته . وتسللها الدائم الى صفحات الحب ، غير صامت ،يفتح الفضاء الطلق بقصائد ترتفع  مدياتها  عالياً . هكذا هي دلشا ، وطن لقمان وقيثارة المكان .
تقاسم الهموم والآلام والأحلام بعض مايتمناه العاشق الجليل في مرايا الأشجار والأسفار .
ابتداء إذا كانت المدلولات المتناسلة في الذات المعبرة عن جانب من اسقاطات المكان ومساراته تشير الى مديات التعلق ، فهذه الحاضنة في ذات الوقت تأسر الجانب اللغوي والجمالي بقصد إسعاف المتلقي بمستويات تتحرك في اطارها الذاكرة والنفس والحواس . وهكذا يكون التحول من المستوى المادي الى المستوى الحسي الشفاف الذي يسمو ويعلو ويسحر :
(( أيها الحلم العميق
حينما يخيب كل رجاء
أشفق حتى على العتمة
بهذا النور القاحل
على الأرض …. ))
حلم الوطن
وعلى هذا يصبح المكان قاعدة في التأسيس الرؤيوي والتخيلي عبر جدلية محورية قطبيها الأنسان / المكان وعبر توصيفة موجزة يمكن اجمالها بعزف الذات على أوتار الموضوعات المكانية . وتأسيساً على هذا تكون العلاقة التأثرية والتأثيرية مساحة  تقدح انساق المكنونات الداخلية بمختلف النوافذ النفسية والروحية والحيوية :

(( أيها الوطن الأول
والأخير
مازلت أكتب
بصبر الحرية
أجراس اللقاء ))
كـــــــــــذا

ان ما مكن الشاعرة دلشا يوسف من امتلاك التنوع الصوري الدلالي في قصائدها العاشقة هو جدل المسار  الداخلي الذي إنشغل في جحيم المرجع المكاني مما جعل إطلالاتها مبثوثة في ثنايا تحولية متفاعلة ورؤية تسمو ضمن مساحجات صارخة بنفس الشاعرة :

(( معك يا حبيبي
أكتشف حياتي
وأكتشف معنى العمر الضائع
لكن
كل شيء مر حزيناً
كأثر الحروب على الأرض ))
مر حزيناً

وإيحائية صورها قد بلغت من الأهمية بحيث أصبحت العلاقات تستحضر كامل الأبعاد ، في ذات الوقت الذي تجسد الفاعلية المشهدية من خلال الكشف والأفصاح عن صميمية الفضاء النفسي بتمايزه ومفارقاته ومطابقاته عبر تجربة شعورية تشخيصة للمحسوسات :

(( كالمطر
سأدق حيطانك الطينية
على قدك وقامتك
لأشيد محلها
لهذا القلب
قصوراً من العشق ))
مر حزيناً

وهكذا فان مساحات التفاعل والتوتر تقودنا الى فهم حي لشعرية الشاعرة والى سياقات تشع علاقاتها بكينوناتها  وحركاتها من خلال فاعلية نلمس غنائيتها :

(( اعتلى عرشي وإيواني
وحين غمست اصبعي
في عسل حبه ،
تحولت خلاياي
إلى قص
وبدأت أقطر
رضاب عسل… ))

أيضاً ان التداخل الصوري يمنح أبعادا موسيقية مهيمنة بدءا من الهمس وصولاً الى الأنفعال والأيغال الموفق الذي يستثير القاريء ويحيله الى مشاهد تخيلية وحسية تتواجه عندها مراجع المشاهد الحياتية :

((  دعوتك الى النزال
وواجهتك ،
حين التقى سيفانا
علا صليلهما
وبرقا ،
حينها
كانت أجراس اللقاء أيضاً
تقرع
وتبشر بلقاء أبدي ..  ))
أجراس اللقاء

و

(( لاتستكين أمواجي
في مدي وفي جزري
لا معنى للسعادة عندي
ما لم ترسى سفينتي
المنهكة
في مرسى عينيك …))
العشق

وهكذا نجدها تفيض بتلوينات تهطل منها إمكانيات توليدية  تتسق بشكل عفوي وصادق .
وفي صيغ التواصل ، هي – هو ، تجاذبات تتراكم فيها منارات الأندماج ، الأيحاء ، الأختيار ، الأوتار  لذلك فان أحاسيسها ووجدها من خلال الحرائق والحقائق يجعلها مسكونة بالعشق ، عميقة في مساراته :

(( أركن قرب جمرك
وأستحل فنجاناً
كي أفور إليك .. ))
العشق

و

(( حارسه منه .. وفيه
لكنه
لايصبح مفروشا
لأي ضيف ! . ))
القلب

كذلك

(( زوبعة الروح الحبلى بالأحاجي والماجريات
مكابرة الآلهة في توحدها
النورس الذي سلب صعقر أسماك بحيرتي
وأقام عشه
على هامة قلبي .

ملك العشاق… هو
دون استئذان ، )) .

ملك جمال العشق

ووفق ما تقدم وضمن لوحات  شعرية  تنعم بالموسيقى والعذوبة ، وتستجيب للمواقف والمواقع ، استطاعت  الشاعرة عبر انزياحات المكان واسقاطاته أن تؤسس لأمكنة متوهجة وتجربة حارة لا تستبعد المجاهل ولا تبتغي سوى الحرية في كل مكان .
دلشا يوسف إذاً مساحة شعرية مكتملة تتفجر بديمومة إطلالاتها على العالم والوجود والانسان عبر تطواف تلقائي هادر شاعر ساحر .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *