أسعد الجبوري : الممحاة …. الفوضى الحلّاقة

إشارة : خصّ الأستاذالمبدع “أسعد الجبوري” موقع الناقد العراقي بنشر عموده الأسبوعي المميّز “الممحاة” بالتزامن مع نشره في موقع “الإمبراطور” .. فله فائق الشكر والتقدير.

دون كيخوت:قل لي يا سانشو .هل يمكن أن تكون الحرية واحدة غير متعددة؟
سانشو:ربما يا سيدي الدون.بشرط أن يتحد المتعددون في الواحدة ،فتكون ملكيةً عامة.

دون كيخوت: لذلك أرى يا سانشو ..أن الحرية النظيفة الواحدة ،أعظم  من مليون حر ملوث؟
سانشو: قد يكون ذلك صحيحاً،ولكن كيف تصبح الحرية نظيفةً يا سيدي الدون،هل  نضعها في الغسالة مثلاً ؟

دون كيخوت:اللعنة على العقم الذي بلط رأسك يا سانشو!
سانشو:لماذا تسددُ لي اللعنات ،كلما اختلفت برأي معك  يا سيدي الدون ؟

دون كيخوت:لأنك لا تعرف حتى الآن ،بأن الشعوب هي نفسها من تصنع الغسالات وهي ذاتها من تغسلُ الحرية!
سانشو:ومن أين لي أن أعرف ذلك يا سيدي الدون ،وأنا من مواليد حبل الغسيل؟

دون كيخوت:كن جاداً في موضوع الحرية،ولو لمرة في حياتك يا سانشو.
سانشو:لا  تهمني.فمنذ أن صارت الحرية قنبلة وسيفاً وطبلاً وكرسيّاً ،وأنا أحمل هذا التابوت على حصاني،وأغرق مع موتاي  في هذا التيه الأعمى.

دون كيخوت:وإذا كانت الحرية بلحية ؟
سانشو:سأدلها على أقرب صالون للحلاقة يا سيدي الدون.

دون كيخوت:وهل ترغب بحرية منتوفة الوجه أيها الأحمق؟
سانشو:نعم سيدي الدون،أريد حرية منتوفةً.وإن تطلب الأمر ،فيكونمن الواجب الشرعي،الديمقراطي،الفلسفي ،الغرامي، نزع الشعر عن كامل جسدها،لتصبح ملساء .

دون كيخوت:أي فاسق أنت أيها الوقحُ.أ تريد ممارسة الرذيلة مع الحرية،وكأنها من بنات الهوى؟!!
سانشو:ليس كما تعتقدُ يا سيدي الدون،فما أردتُ قوله،أن الحرية،ومتى ما أصبحت  ملساء،فهي ستمنع البراغيث والقُراد وتماسيح الدم من الاختباء وراء شعرها،خاصة إذا كان الشعرُ أسود بلون التكفير ورايات الجهاد والوجوه التي سوّدها الله، قبل وصولهم إلى الجحيم.

دون كيخوت:كن مهذباً يا سانشو،فأنك بكلماتك الحمقاء هذي ،إنما ستسجل بحقك خرقاً ينال من حريتهم. فقد تكون اللحى من فتافيت الفوضى ((الحَلاقة)) !! .
سانشو:أسلّم بأنّني أخترق في الصخر.علماً إن خرقاً، لا  ينال من هؤلاء ولا خارق.ولكن قل لي يا سيدي الدون، كيف اهتديت إلى حريتهم وهي بالنقاب؟

دون كيخوت:ربما لأن الحرية عندهم تريد الستر!
سانشو:هذا هو المغزى العظيم إذاً .حرية من وراء ستار.وحرٌ من وراء ساترترابي للقتل!.

دون كيخوت: نعم يا سانشو. فمثلما ولدت الحرية عندهم  في الكواليس،مثلما ستبقى برسم الوأد ، تحتضرُ حتى انطباق الحتف .!!

سانشو:أرى غروباً يرتفعُ من وراء الهضاب يا سيدي الدون !

دون كيخوت:ليس كلما غابت شمسٌ،يُسمى ذلك بغروب!

آبار النصوص

الأرضُ تفاحةُ التراب المتداولة
بين الأقدام
ليست مملكةَ الروض العاطر
ليست  بئراً لاستحمام نسوة سقطن سهواً
من شناشيل ألف ليلة
الأرضُ لبتهوفن مع الشك بصحة البيانو
لحمار الوحش مع الخوف من الانقراض
لطائر الفانتوم مع الأمل بفساد الديناميت
لابتسامة الجوكندا أمام ذبابة تسي تسي.
هل ولدنا قبل الأرض أم بعد المدافن.
يسألُ هتلرُ بقايا جنوده تحت شجرة
الجغرافيا الممزقة قرب الرايخ
فيما حرارةُ الأجساد تخرج كالزئبق الأحمر
للتنزه خارج كتب الرائي المبعثر جنازةً
فوق جسور لا تبلغها ألسنةٌ أو أقدامٌ أو خرافٌ.
هكذا ستنهضُ الكلماتُ من سريرها دون حليب
استيتيكي.
واليد ستمشي بشعوبها
تارةً تحيي العابرين من الموتى
وتارة تُقطع كغصن يابس
تارةً تشربُ ظلالها،
وتارةً تغرقُ فيها نصوصُها بحبر العدم.
اليد الآن في  سبات
كانت تتذكر إنها قبضةُ لشاعر مرمية
في الريح
وما أشبه الأرض بالفخ
والأجسادُ بأشجار هرمة الصفحات

غرفة للغرائز

يحزنُ الشاعرُ على تركِ مخلوقاتهِ هائمةً ما بين شوارع ومقاه وجبال وأسرة وتيه مفتوح،دون أن يتمكن من معرفة أشكالها أو مستقبلها ،سواء على الورق ،أو بأعماق منْ يحاولون التمسك بمخلوقات القصائد الشرسة ،فيهيئوا لها المنازل للراحة أو يدربونها على هوى سيركهم المزاجي ،دون أن يدرك أحدٌ ،أن تلك المخلوقات،عادة ما لا يقف بها المقام عند حديقة أو فوق ضريح أو على مقعد في مدرسة.
وإذا كان الشاعر شيطاناً ،كما يتم وصفه عادةً،فما هو الحال بالنسبة لمخلوقاته التي وِلدت منه،وهي تحمل نبضه، أو بعبارة أدق: ماركة جيناته؟
لا بحوث لنا بالأب والأبناء.كل منهم  ينام في صفاته الصامتة.فالشاعر كشيطان،صفةٌ مفتوحة على عوالم الغيب،ودون إدراك واضح لمفهوم الشيطنة ،إلا في مسألة تجاوز خط التراب،بالصعود إلى أعلى ،وذلك عندما يصبح الوحي ،استحلاباً للشعر من المخيلة.فيما الأبناء  ،كمنتج،فهم مخلوقاتٌ،ربما تلتزم بصفاته الوراثية،لكنها تستحدث أفعالاً إبداعية،تُلهم جانباً آخر من الحياة،ودون أن تكون من الكائنات مُستَلَبة.
أفكر.كيف هي أشكال مخلوقات نصوصي الشعرية عندما تخرج من خزائني؟وأين تكون مستمرةً وهائمةً الآن؟
كل كلمة تنزلُ من شاعر ،ذنبٌ على مخلوقٍ سيُفقد لاحقاً.والذنبُ عذابٌ،يخفتُ ناراً أو يتأججُ،كلٌ حسب ما في المفردة الواحدة من طاقة لغةٍ ،نرقصُ على وقع اختراعها اليومي لنا.

بنك الخيال
مذ كان ضاّلاً بين تلك الأناشيد
وهو يُوبَّخُ الكلماتَ الميتةَ بالتكرار السامّ.

29-1-2012

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *