نجات حميد أحمد : النواة الكاسحة للمعنى في نظرية البنية الخفية

تنويه وتوضيح :

——————
لابد من السؤال عن بنية المعنى كنظام لغوي جامع,بدل الحديث عنها في مستويات الدلالة والاشارة والرموز.النواة الكاسحة هي مصطلح نقدي وردناها في كتابنا نظرية البنية الخفية التي طبعتها دار اراس للطبع والنشر .وهو الكتاب النظري الذي طرحنا فيه منهجنا النقدي والتحليلي لمفهوم البنية ومفهوم النص وكيفية فراءتهما,ونقصد بالنواة الكاسحة في شكلها العام المعنى التوسطي الجامع.التي باْمكانها تحديد ادوار معاني هامشية في لغة الكتابة ومن ثم اقامة العلاقات المعنوية فيما بينها .لتمهد السبيل اْمام القارىْ طريقة فهمها واستنباط مضمون جوهرها البنيوي,ان النواة الكاسحة لها القدرة على خلق الخيال الحسي الخصب والابعاد الفنطازية للمعنى بغض النظر عن السمة النقدية العامة التي تعطي الحق للقارىْ الحرية في التاْويلات المختلفة للنص ,وما تفرزها اللغة من الدلالات اللغوية .
في هذه الدراسة النظرية نحاول رسم خريطة  لغوية لدور هذه النواة في ابعادها اللغوية والشكلانية باالعلاقة مع المعنى.وخاصةاْهميتها السينتاكسية البنيوية في تركيبات اللغة ونظمها .
وبعد اتمام البعد النظري سنتناول ديوان (زائر الماء) للشاعر الكردي عبدالمطلب عبداللة ,لمعرفة قدرة الشاعر على انتاج هذه النواة الكاسحة في لغته الشعرية .
 النواة الكاسحة ونظام لغة النص
…………………………..
نعتقد ان اللغة التي يستخدمها الكاتب ,هي عبارة عن كيفية تنظيم المعنى في اْشكال تعبيرية متسمة بقدرتها على استقبال الاشارات والرموز ,وايضا قوتها في تحوير اللغة لمعاني واصطلاحات تعبيرية لها تسميتها الخاصة في البلاغة والاسس التي تستند عليها قواعد اللغة .الا ان جميع هذه المكونات اللغوية ستكون في نهاية الامر طرق تعبيرية لكيفية معالجة ما نريد قوله ,اْي الهدف وراء كتابتنا لنص اْدبي او فني,والسبب في ذلك ان لغة الكتابة هي لغة مصقولة محملة بالعلاقات الفوق معنويةوتمتاز بالاختلاف والتوازي, في تركيباتها ومفرداتها وخاصة في الخطابات اللغوية التي نستخدمها في حياتنا اليومية وفي كتاباتنا النثرية الاجتماعية او المعرفية او العلمية.نقصد بذلك ان اللغة بحد ذاتها لا تتوفر فيها هذه الصفة البنيوية في التعبير,فخيال الانسان وخصب الذاكرة المعرفية والحسية له هي التي تجعل من لغة الكتابة لغة مركزة ومصقولة.نقصد من هذا ,ان اْي نص اْدبي اوفني يستخدم معاني كثيرة من اْجل خلق معاني اْخرى وبعد ذلك خلق مضمون ذو صفة فردية في المعنى.
من المعلوم ان ما يهمنا في قراءة اي نص اْدبي ليس ما يطرحه النص من معاني مختلفة ومن ثم استذكار هذه المعاني دون رابطة شمولية وجامعة,بل ما يهمنا المعنى الجوهري له وما ينوي الكاتب قوله في جمل قصيرة .لقد اْستخدم في المصطلح لنقدي الحديث كلمة (ثيمة) لتحديد جوهر المعنى لجمل وفقرات ونص ادبي,ولكن هل للثيمة قيمة بنوية في اْنطمة اللغة من الممكن استخدامها في التحليل النقدي وقراءة النصوص ؟ من الصعب اسناد هذا الدور الى الثيمة .لانها تمتلك قيمة معنوية اكثر من امتلاكها قيمة تنظيمية في لغة النص ومعانيها اْي اْنها لا تمتلك قيمة تحليلية شكلانية .بالرغم من الحقيقة التي تبين ان الثيمة من الممكن استدراجها وتقبلها كقيمة تطويقية جامعة للمعنى,الا انها لا تتحمل قيمة تركيبية وتنطيمية داخل لغة الكتابة ونظامها اللغوي العام,وبالعكس من ذلك يمتلك كل نص اْدبي اْوفني مجموعة من التركيبات المعنوية والرمزية والدلالية التي تتوزع داخل متن النص,من الممكن وصفها كبنى سطحية للمعنى ,لها علاقات خفية بلحظات الكتابة ورؤية الكاتب الى الاشياء,ان هذه المكونات المعنوية والدلالية للنص,ترشدنا الى نظام لغوي ,اْى انها تكون علاقة تكميلية وترابطية بين جميع المعاني التي يعبر عنها الكاتب لايصال رؤيته ومخاطبته للمقابل ,الا ان كل وحدة معنوية او كل بنية للمعنى السطحي لها خصوصيتها ودورها في النص, بغض النظر عن هذه العلاقات ودورها الثاني في تكملة المعنى الجوهري فيه,هذه الصفة التي تمتاز بها المعنى هي خاصية دلالية ,من الممكن تحديد دورها في شد انتباه القارىْ واغرائه المستمرللقراءة البناءة.القراءة التي تتمكن من افراز اكبر قدر من العلاقات الحسية والمعرفية مع النص.
الا ان كيفية معالجة هذه المعاني المبعثرة للنص والتي تبلورها البنى السطحية هي عملية او فعل نقدي صرف .وذات صفة علمية في فعل التحليل,تعمل البنى السطحية على تجسيد كمية كبيرة من الدلالات والرموز والاصطلاحات التعبيرية ضمن الجملة الفنية .وليس شرطا على الكاتب اْن يوحد هذه الدلالات في صيغة معنوية موحدة,ولا في ايجاد ترابطات حسية سطحية متباينة فيما بينها,وفي حالات كثيرة تتنافر بعض من هذه الدلالات مع دلالات موجودة داخل السياق اللغوي ,فعلى سبيل المثال نقراْ لكاتب هذه الجمل:
عندما تلبدت السماء بالغيوم ,هجرنا قصبتنا متوجهين الى العاصمة.
ان جمل كهذه الجمل فقدت الصلة المعنوية للبنية السطحية اللغوية لها ,فما علاقة تلبد السماء بهجرتهم الى العاصمة؟من المعلوم ان تقطيع الجمل تتبعها تقطيع المعنى,فهنا تتوقف المعنى عن انتاج روابط حسية اْو دلالية بين تلك الجمل .ولكننا نقراْ في صفحات اْخرى هذه الجمل ونتابع من جديد وتيرة المعنى في تلك العلاقات المعنوية الحسية والدلالية :
عندما كانت تمطر السماء ,كنا نطماْن من اختفاء الطائرات في السماء ,الطائرات التي لم تفرق بين الحيوان والانسان .هنا ندرك ونستحضر المعنى الاولي للرابطة المفقودة مع الجمل التي تبعتها ,وان هجرتهم في لحظة تلبد السماء هي اللحظة التي يشعرون فيها بالاْمان,ماذا نستنتج من ذلك؟ لنتمعن هذه الصورة الشكلانية لتلك الفعل اللغوي:
الكلمة ..كاْكتساح تحريفي للحرف,
الجملة…كاْكتساح تحريفي للكلمة
المقطع…كاْكتساح تحريفي للجملة ,
النواة الكاسحة…كعلاقة ذهنية وشكلانية للمعنى وعلاقاتها اللغوية المنتجة.
ان لغة الكتابة الفنية هي لغة من غير الممكن تطبيق قواعد دلالية ومعنوية عليها تمكننا من تحديد حركة المعنى,ومن ثم تطبيق هذه القواعد عليها في انتاج نص مغاير او متواز للنص السابق,لان الصفة الاساسية للمعنى ,انها تفقد قيمتها الدلالية اذا ما تكررت بنفس الصياغات التعبيرية لها ,وان لغة الكتابة هي لغة لها القدرة في مسخ المعنى وتاْجيل المعنى ومعها كافة التركيبات المعنوية الاخرى تحركها وتوزع عليها الادوار ,بعد ذلك تاْتي القراءة النقدية في كشف وخلق هذه العلاقات الفوق لغوية ,في سبيل البحث عن الدافع الاساسي لتغيرها ومسخها وتكتمها,انها النواة الكاسحة للمعنى كبنية لغوية وذهنية خفية,تؤسس هذه العلاقات وتعطيها الادوار وتحددها لها ,ومن ثم تعمل على لم شملها المتناثرة في اللغة الحسية والمعنوية,فعندما نقراْ نصا ,انما نبحث عن نص مماثل لخيالنا وتوقد ذهننا ورؤيتنا للحياة .
القراءة الذهنية المعرفية هي الاستدلال الخفي على النواة التي لها الامكانية الخفية في تبعثر المعنى وتمحورها في بوتقة بنية خفية واحدة للنص والتي ترشدنا بدورها الى فهم الدوافع المعنوية والفكرية والمعرفية التي دفعت بالكاتب لكتابة نصه,ففيها تكمن سر المعنى الجوهري للنص ,
علاقة النواة الكاسحة بالبنية الخفية
……………………………….
اذا ماكانت البنية الخفية هي عملية استرجاع وتاْمل ذهني ومعرفي وفلسفي للحظات التي تسبق كتابة النص وبعدها استحضار هذه اللحظات الى دلالات ورموز النص االمنجز,اي كشف التمازج المعنوي بين لحظتين مختلفتين للكتابة الذهنية الاولى والكتابة المباشرة اْي التجسيدية الثانية,فاْن النواة الكاسحة هي بمثابة المنظم اللغوي والتي تعمل على اقامة علاقات معنوية وتركيزية للجمل التي بواسطتها عبر الكاتب عما يريد التعبير عنه.من الممكن البحث عن هذه العلاقات ضمن علاقة النواة الكاسحة واْشكالها اللغوية المتعددة الوظائف داخل لغة الكتابة ,فهي دائما تكون علاقة تكوينية مترابطة ,تنجز المعني بمفردها وتربط جميع المعاني التكوينية الاخرى في خدمة بنية معنوية واحدة,فكل نص ليس له الا بنية واحدة للمعنى,وان جميع اشارات ودلالات البنى السطحية التي تكون هذه النواة الكاسحة انما تعمل من اْجل بلورة قيمة شكلانية للغة الكتابة التي هي صورة موضوعية لبنية معنوية واحدة,اذا ان جميع اْشكال النواة الكاسحة ,تساعدنا في تحليل تعقيدات النص في تشابكات المعنى واشكالية كشف اللغة الخفية التي تحرك المعنى وتعطيه ادوارا بنيوية .لنتمعن معا هذا التخطيط لدور النواة الكاسحة:
المعنى كدلالات اشارية من1الى ….غيرمحدد
المعنى كبنى سطحية من 1 الى 1000 كحد اْقصى.
المعنى كنواة كاسحة من 1الى 5
البنية الخفية من 1 الى 1 فقط.
اذا ان المعنى كشكل لغوي وكنظام لغوي لها اْبعاد مختلفة في لغة النص ,ولكن الاهم في هذه الانظمة هي العلاقة التي لها قيمة توسطية وترابطية والاهم اكتساحية  بين البنى السطحية والبنية الخفية ,فوجودها داخل اللغة تتجسد في صفتها التي تغمر وتغطي جميع دلالات النص وتغير من وظيفتها وطبيعتها اللغوية المتعارفة عليها ,انها تؤدي دورا جامعا لكافة الدلالات المتبعثرة في لغة النص ,وتقيم علاقات فوق معنوية داخل اللغة التي نستلهمها نحن القراء .فنحن نؤدي نفس الدور الذي تلعبه النواة الكاسحة عندما ننتج في ذاكرتنا الاستحضارية شكلا اخرا للمعنى تختلف في قيمتها المعنوية وبشكل جذري عن طبيعتها وشكلها السابق داخل لغة النص .
البعد الشكلاني للمعنى في النواة الكاسحة
…………………………………..
هل للمعنى بعد شكلاني خارج الخارطة الدلالية اْوالاشارية لها؟ان اهمية البحث وراء البعد الشكلاني هي اهمية تعريفية خارج الاطار العام للمعنى .ومن الممكن تحديد شكلها في دورها .وتاْتي مكانتها في حالة التقاء البنى السطحية ببعضها ,سواء كانت تضادية او توافقية .تستنبط شكلها المعنوي من البنى السطحية بعد تحريفها ومسخها ,ولتقوم بعدذلك الى تكوين الترابطات المعنوية مع نفسها وذلك من اْجل تكوين الشكل المعنوي للبنية الخفية, لها في هذه التحولات الغريبة للمعنى دورا تحوليا وجامعا ,دون اْن ترتقي او تتحول الى دور مركزي داخل المعنى,وبما ان هذا الدور المزدوج في لغة النص ومعناه هو دور تنظيمي وتفكيكي اْيضا.فاْنه لمن العسير تصور بعد شكلاني واضح لها ,الا بعد معرفتها وكشفها في حالتها المستفرة و بعد اْدائها لهذا الدور,اْي بعد فهم وكشف دورها الاكتساحي والتطويقي للمعاني المتفرقة في لغة النص.لنتفحص هذه الخريطة اللغوية التقريبية لهذا الدور وشكلها .في هذا المقطع:
( لم يكن مفكرا في حياته ولم يقراْ كتابا ابدا,ولكنه قال لي (ان وجودي في الحياة يعطيني الحق في مسائلة الوجود ,كيف اْتيت للحياة ولماذا اتركه ,اعتقد اننا نعيش في فراغ دائم,مفعم بالامل والورود ..)
ان الاْشكال المختلفة لمعاني هذا المقطع النثري تتحدد في هذا الاطار اللغوي:
1-    انه موجود ويحس بوجوده.
2-    انه يشك في وجوده.
3-    انه يتحرر من الخوف في مسائلة الوجود .
4-    ياْتي الفراغ الوجودي كنتيجة للفراغ المعرفي .
5-    ليس امام فراغ الوجود الا البحث عن السعادة والامل,
هذه الجمل الدلالية تكون بنى سطحية محدودة للمعنى والشكل ,فحركتها في تحولات المعنى تنجز بعد شكلاني تبداْ من بداية تحول المعنى واستقرارها الاخير لها,لنا اْن نساْل عن هذه البنى السطحية التي نحددها بهذه المعاني.
1-    ليس في حياة الانسان يقين دون شك في اليقين .
2-    كل ما يفعله الانسان في وجوده هو املاء الفراغات الذاتية .
3-    وما الحياة الا صورة لوجود دون امل فيه,
هذه البنى الكاسحة للغة النص هي التي تجلب انتباهنا الى حقيقة ثابتة للمعنى .انها تخلف وراءها لغة ارتكازية وتمحورية في اطارها الاستنتاجي الخيالي والمعرفي لتقول لنا في جملة واحدة وما الحياة الا وهم العيش,
و ان الشكل التصوري والخيالي للمعنى .هو شكل تصاعدي وترابطي متوزاي وفي نفس الوقت متنافر وتراجعي,كما نبينه في هذه الخطوط التوضيحية .
الحياة كالوهم (=)توافقي) مع وجودية الحياة كوهم(#ا تضادي)مع اْلامل ,حقيقة نعيشها ونستقبلها.
انها حركة الاشكال الدلالية الكاسحة التي تجر المعنى الى تضادات بنوية للجملة ومفرداتها,وانها حركة شكلانية في جعل المعنى توافقية على وتيرة واحدة من الحبكة والصياغة ,اي ان حركة النواة الكاسحة كقوة تعبيرية تتخذ شكلا في معاني الجمل ضمن العلاقات المختلفة فيما بينها .وهي تشارك في تركيز اللغة وانفتاحها من اْجل تجسيد اْو كشف البنية الشكلية الخفية للمعنى.
بنية النواة الكاسحة على شكل قطرة ماء
…………………………………………..
نجات حميد اْحمد
…………………
بعد مجموعته الشعرية( ظل الماء) عام 1995 والمجموعة الشعرية الثانية (فلنصم زمنا من مشاهدة الماء) عام 1996تكونت لدى الشاعر عبدالمطلب عبدالله رؤية شعرية تتفتح دلالاتها وتتركز في كلمة الماء.انها كلمة وجودية ,تاْملية.خيالية وشكلية واْخلاقية ,ولكن ما يهمنا منها هي قوتها التعبيرية في خلق بنية اللغة الشعرية فقط وتمكنها من اكتساح لغة الشعر والرؤية الذاتية .
في هذه الدراسة المركزة نحاول تحليل البعد اللغوي البنيوي للنواة الكاسحة في ديوان( زائر الماء )*,في الابعاد التالية :
1-    الماء كنواة للبنية الكاسحة للمعنى.
2-    الماء كبنية وجودية كاسحة.
3-    الماء كبنية شكلانية كاسحة,
من الضروري تذكير القارىْ باْن غايتنا في هذه الدراسة ليست تحليل البنية الموضوعية لكلمة الماء ,وان اختيارنا للكلمة هي نتيجة قراءتنا لمجموعاته الشعرية التي تركزت صياغاتها الشعرية على كلمات(الماء,المطر,البحر) وهي كلمات ارتكازية وبنيوية كلما تعلقت المعنى بالشعر ,وكلما افرزت المعنى شكلا تعبيريا متحولا.
الماء كنواة كاسحة للمعنى
………………………
ان فكرة التركيز التعبيري على كلمة ماء ,هي ربطها وعلاقاتها المفتوحة اْمام المعنى الذي ينتجه الانسان في وجوده على هذه الارض.ليس كعنصر طييعي لها علاقة بالخلق ومع العناصر العضوية الاخرى,بل ما تمثلها هذه الكلمة من معاني ظاهراتية, ذات صفات انسانية ومعرفية وفلسفية .تنحدر الى هاوية الذات القلقة ,من اْجل اسناد هذا الدور السيمانتيكي والبنيوي لها ,واْيضا من اْجل الانتقاء اللغوي و التحديد الصياغي ,تمثل ميزتان مختلفتان ,فمن جانب الفكرة الارتكازية والجمالية للكلمة ومكانتها في الشعر,تضيق دائرة اللغة ومستويات التعبيرالشعري فيها ,عندما يكون الاختيار البقاء في دلالات كلمة واحدة .ومن الجانب الاخر فاْن كلمة الماء وفي بعدها السيميائي والبنيوي ,الفكري والفلسفي ,لها صفة انفتاحية غير محدودة على المعنى,وامكانية اقامة العلاقات المعنوية والرمزية والفكرية واخيرا الشكلانية والجمالية مع مفردات حياتنا وتاْريخنا الذاتي ,والنفسي والعقلي.لقد تمكن الشاعر من ايجاد وخلق هذه الروابط الحسية والفكرية لكلمة الماء .
الماء تنساب الى لحظاتنا التي نفتقدها .اللحظات التي نتوق اْن نعيش فيها.نتلذذ باْنكساراتنا النفسية التي تشبه انكسارات الماء وتموجها  ,ننبهر من الضياء التي تمثل بصيصا خفيا من الامل .انها روايات لذات فقدت صلاتها المتالفة مع المعاني التاْريخية المتفقة عليها.
من هنا يجب البحث عن فرضيات التمهيد لانفتاح المعنى اْمام الكلمة كنواة كاسحة لها ,مثلها كمثل الماء التي تاْخذ اْشكال عديدة لوجودها (المطر,البحر ,الندى,القطرة ,السحاب,الثلج .الموج,.. الخ) انها مفردات كاسحة للمعنى مشابهة لدور كلمة الماء في مستويات مختلفة .اذا بعد التوطئة هذه يتحتم ايجاد وكشف النسق البنيوي والذي بواسطته تمكن الشاعر من اسناد هذه الادوار لكلمة الماء كنواة كاسحة نلخصها في التكنيكات اللغوية الاتية:
التكنيك الرمزي كنواة كاسحة
………………………..
عندما تكون الكلمة الشعرية التناغمية والتناسقية كلمة لا تحدد معانيها ولا تكتفي بدلالات محدودة ,فاْنها تساير تكنيكات رمزية في الجملة ومعانيها.واْيضا تقيم تناغما شكلانيا لها ,عبر صور رمزية شكلانية ومعنوية مفتوحة الافاق على انتاج الفكر الذاتي للغة الكتابة الشعرية,لان الاساس هو البحث عن مدى ترابط الشعر بالكلمة اكثر من البحث عن المعنى في الكلمة ,تجذب الكلمات الاخرى وتغطيها في سياقها المعنوي لتسند اليها بعد ذلك اْدوار رمزية جديدة,بحيث نحس فيها ان كلمة الماء قد اْصبحت التماثل الفوقي للمعنى خارج المعاني المتعارفة عليها في لغة الكتابة ورموزها المعروفة,اْي تمتلك امكانية تطويقية للمعنى وتبرز التكنيك الرمزي كاْحتواء شامل لاستخدام الجملة الشعرية وقدرتها على الاكتساح المتوازي لجميع معانيها ومفرداتها, نحددها في هذه الخطوط:
ترميز وتحويرالكلمة عبر كلمة الماء
…………………………………………
في قصيدة (زائر الماء ) تتوالى التحولات الرمزية للكلمة,وذلك عبر فعل ترميز كلمة الماء ومن ثم ترميز كافة الكلمات الاخرى التي لها علاقة توافقية في الجمل,اْي مع كلمة الماء,انها تهمر على اللكلمات الاخرى,تخرجها عن طورها المعنوي السائد وتفرغها من دورها,لتتمكن من السناد اْدوار رمزية ومعنوية اْخرى لها :
1- قطرة ماء ملاْى بسورة الجنون
ملاْى بالفوضى والحيرة
تزور جثمان الضحكة الازور
في احدى الاماسي
وحيدة وحيدة
……………………. ص4
واْيضا:
2- قطرة ماء ملاْى بخطاب الانتحار
ملاْى بغريزة السفر
تجىْ مثل دنين طائرهائم
في صقع خفي
بعيد….
صقع يسير قلقا
خارج الزمن
………………..ص 5
واْيضا:
3-قطرة ماء
كاْنها انشغال لا يتهجى
كاْنها ظماْ لا يتكلم
بالهسيس تجىْ
صنو صور
مابعد العشق…ص6
……………………….
كيف تكون الماء(سورة الجنون ,الفوضى,الحيرة,زيارتها لجثمان ,الضحكة الازور,في اْحد الاماسي ,وهي وحيدة وحيدة؟) مع كل تلك المفاهيم والرموز ولدلالات المختلفة ؟
معلوم ان البعد الاختلافي والاشكالي البنيوي لمعنى هذه الكلمات لا تحددها طبيعة المعاني التي تمتلكها مسبقا في ذاكرتنا الجمعية المتفقة عليها,ولا في التماسك الدلالي لفكرة ومفهوم الكلمة .بل اصبحت الكلمة تتبع نسقا رمزيا جديدا قد تباعدت فيها الاستخدامات السابقة والتاْريخية المعروفة لها,لو اْفترضنا ان الماء او قطرة منها هي رمز لماهية اْو جوهر الحياة فمن المعقول ان تكون الحياة مللاْى بالصدمات والقلق والجنون ,وان الكائن البشري والوجود العضوي يمتلكان المساحة الكافية لاحتضان هذه الحالات .يعني ذلك بمجرد ان تكون كائنا له القدرة على التفكير والاحساس ,واْن تكون موجودا في هذه المساحات الشاسعة من الوجود المتحول,فاْن ذلك يكفي اْن تدرك باْن الوجود كله عبارة عن تحولات الجوهر الذي له القدرة على اْن تجعلنا حزينين ومنكفئين ,ومجانين وانسانيين ..الخ اذا غيرت كلمة الماء من دورها المعروف في التسمية ,وغيرت من طبيعتها وماهيتها ,كسائل تنتجها الطبيعة وتحولها الى اْشكال مختلفة  .فقد اْصبحت الان جوهر الوجود ,ولكن الاهم انها غيرت من الطبيعة الحسية للانسان الذي يفكر ,لتكون الدافع والمحرك الدلالي الديناميكي للحالات النفسية والوجودية والفكرية,واْخيرا فقد غيرت من زمن ومكانة وقيمة هذه الحالات كاْحاسيس متناقضة.نفهم من ذلك ان الفعل اللغوي الذي يمثل حالة الترميز تبعتها حالة التحوير في بنية المعنى .لتجعل من المعنى بنية لغوية خفية غيرت من وظائف الكلمات ومعانيها,وحتى من اْشكالها وتسمياتها الحقيقية المتالفة عليها,من اْجل خلق بنية لغوية اْخرى.فهذه هي الكلمة النواة التي اكتسحت ادوار الكلمة وحددت لها اْدوار جديدة في اللغة .
والحالة هذه تتكرر في المقطعين الاخيرين (الثاني والثالث) ,فهذا الجوهر الذي اْستقرت على شكل قطرة من الماء هو الذي حكم على الوجود وخطاباته,هو الذي ليس له شكل تجسيدي واْصبح خافيا عن العيان,هو الذي يحركنا ويرسم صورنا الوحشية والانسانية معا,انه فعل لغوي و رمزي يمتاز ببنية شعرية جمالية وفلسفية ,لها القدرة على اْن تغير من طبيعة الاشياء وماهيتها ,واْن تزودها باْدوار مختلفة ,تجعلنا محاربين ودعاة سلام .انها النواة التي تتمكن من اكتساح الوجود الانساني والوجود الطبيعي معا وفي ان واحد…
الانفتاح اللغوي كاْنفتاح البنية للنواة الكاسحة
………………………………….,….
المحرك الخفي للتدوين والتسطير الشكلي والمعنوي لن توفراها اللغة لاي شاعر ما لم يمتلك الدافع الروحي والحسي ازاء تحديات استخدام اللغة وجعلها لغة شعرية,بالاضافة الى المعنى فاْن الجملة الشعرية هي جملة ناقلة ومحاكاتية لما اْكتسبه الشاعر من تجارب حياتية وتجارب واسعة للقراءة الابداعية ,وبالرغم من ذلك ان التجارب ليست الاساس في الاستيعاب والفهم ولخلق لغة شعرية’ما لم نختار ونمتلك فهما مختلفا للعالم وللاشياء .الشاعر عبدالمطلب عبدالله هو الانسان الذي يمنح فضاءا منفتحا للخيال فالكلمة لديه لا تمتاز بطبيعتها التاْريخية ولا تتمكن من فرض هيمنة المعنى الثابت لها,انها معرضة للانحراف والانتهاك وبالتالي تلين اْمام تحويرها وتشفيرها وتغيرمن طبيعنها ووظائفها ,لتصبح كلمة متحولة تكتسح الجملة وتغطي اْدوارها البنيوية الخيالية والفنطازية.اذا ما اْصبحت الكلمة قابلة لهذه التغيرات الجوهرية في اْداءها السيمانتيكي والشكلاني ,فاْن اللغة اْيضا تتحمل انفتاح الكلمة وتغيرها اْيضا من وظائفها واْدوارها في الشكل والمعنى,لان قوة تغيرها وتحولها هي قوة خيالية غير ثابته ,انها تستقبل الظواهر الانسانية والوجودية ,تحاول اقتحام دلالاتها ,ومن ثم تحويرها على شكل رموز معرفية وفكرية وفلسفية.هذه هي طبيعة المعنى والشكل عندما تغمرانهما لحظات من التوتر النفسي والقلق الوجودي ,انها فعل اكتساح للمعنى والشكل .لنقراْ هذه الجمل في قصيدة (لا بداية للانسان ولا نهاية):-
دون اْن يعلم الانسان
مايؤديه المطر
لا هو اْسطورة ولا لعبة لغة
لاجحيم ولا سر سارق النار
مايؤديه المطر
كان الخيال ينقش النظرة  رقطا في راْسي
حول الانتحار
الانسان في هذا الحلم
لابداية له ولا نهاية
بين انتحار وانتحار
دون ان يفكر في الحلم
كل انسان حين يلقى انسانا
يصبح ماء
مع تغير الاداء السيمانتيكي لكلمة الماء وانفتاحها في المعنى.تتغير معها الكلمات والمفردات الاخرى واْيضا تتغير معها الجمل في طبيعة معانيها واْدوارها ضمن المقطع الشعري,كما نرى ان كلمة مطر (الماء) هي رمز لحركة الماء ,الفعل الذي باْمكانه تغير كافة الدلالات التي تبنيناها في ادراكنا المعرفي والتاْريخي .لايسند دوره اْي المطر الى هطول الماء من السماء ولا يعتبرها كاْحد العناصر الاساسية للخلق والاسطورة,بل هو اْي الشاعر يسند اليه دورا اْكثر فاعلية من تلك التاْويلات.فعندما تصبح ماء الجسد كماء السماء ,يصبح علاقتنا بالاخرين كتمازج الماء مع الماء .انها اسطورة الفعل الشكلي في الانسان والاشياء ,ما نقصده ليست التاْويلات المختلفة للقصيدة,لان طبيعتها الدلالية لها قوة انفتاحية.بل نقصد بذلك طبيعة التحولات الشكلية والمعنوية للكلمة وبالذات لكلمة الماء ,كما نبينها في التخطيط التالي:
الماء….علاقتها ب_____المطر..الاسطورة …الوضع النفسي….وجود الانسان ..علاقة الانسان بالانسان
الماء (الفعل) علاقتهاب______المطر كفعل شكلي …فعل اْسطوري ونفسي ووجودي وترابطي .
نفهم من ذلك ان الشاعر قد مسخ اْدوار الكلمة من اْجل البحث عن اوجه الانفتاح في الكلمة وبعد ذلك في اللغة الشعرية بشكل عام ,لكن الاهم من ذلك وهو مانقصده ان القصيدة باْكملها تستقبل التغييرات الدلالية والرمزية للكلمة بحيث ترتقي الى مستوى البنية التي تكتسح المعنى وتوزع اْدوارها عليها ومن ثم تستنتج معاني جديدة غير المعاني التي شكلت بنى سطحية في الشعر.

 الماء كنواة لبنية وجودية كاسحة.
……………………………..
عندما تتجه المعنى الى التاْثيرات الحسية لوجود الانسان والانحناء اْمام توجسات الذات وقلقها الوجودي,فليس بمقدور الكلمة والاسلوب الشعري الاستجابة لهذه اللحظات الذاتية الا بالتعايش الفكري والفلسفي مع اللغة التي قادرة على استيعابها واحتواءها .ان اللغة ليست بكيان تقاطعي للتعبير ,وليست لها ثوابت في مفرداتها وفعل تكوين جملها,بل لها القدرة على الانكماش والتوسع والانفتاح .لتستجيب لما نفكر به نحن وليس غيرنا .من صراعات ذاتية ونفسية ,مدعومة بترسبات تاريخية وكاسحة .ذلك الفعل هو في الاصل خلق لغة ذاتية لبنية المعنى التي نحن نستنتجها .ولاْن الحس الوجودي من اْكثر الاغراءات الفكرية تاْثيرا على الانسان ,لانها تغلف ذواتنا بصراعات ذهنية تخلصنا من التحيز النفسي والعقلي لفكر الجمع .وما يهمنا في ذلك هو فعل جعل الماء نواة ذات طبيعة ارتكازية واحتوائية للمعنى وبالتحديد الصراع الوجودي الذاتي للانسان ,وهذا ما سنركز عليه في هذا الحقل .لنقراْ معا:

الماء مبعث الالم
البحر مبعث الشرود
وكذا المطر
ولن اْشد الهباء من ذا
اْن تحاورنا في القسمة
……………………………………19
واْيضا:
ومهما كان الماء ناعما
في وسعه جرف الانسان فرادا
كلما كثر الانسان
في وسعه تقسيم الحياة
على القنوط فرادا
……………………….ز49
واْيضا:
وتجري الحياة
الى الفناء
من ماء….الى ماء هباء
…………………………….58

عندما تتوفر في كلمة الماء الامكانية التحويرية الكافية لتلقي اْبعاد المعنى الوجودي للانسان والاْشياء معا .فاْنها تجسد تمايزها واختلافاتها مع المعنى السائد لها .وبالتالي تجسيد سحرها في الحساسية الوجودية للانسان.وفي الافعال الوجودية التي رافقت الماء ,تتحدد قوتها في الحركة والتحوير ضمن الفكر والفلسفة كصراع وجودي .تجرنا الى دلالاتها وتغيرها المستمر,لنا اْن نفكر في هذه التحويرات المعنوية للكلمة كفعل كاسح للمعنى :
الماء ……..مبعث الالم
المطر……..تقسم الحياة على القنوط
البحر …….مبعث الشرود
الماء……..الحياة تجرها الماء هباءا
انها اْفعال لاتمت بصلة مع المعاني التي نتعامل معها في لغتنا الماْلوفة واليومية لنا ,انها سحر التغير في لغة الكتابة التي تكون شعرية لتكون بعد ذلك تحويلية متركزة ,غيرت من معناها في التنسيب الرمزي والتسموي ,لتقوم بدور سيمانتيكي جديد حددت دلالاتها في القلق الوجودي للانسان ,انه فعل التغيير في المعنى ,لان كلمة الماء تحولت من بعد تسموي ثابت لها الى كلمة تشابكية معقدة في المعنى ,تتغير ترادفاتها واْشكالها وتتغير معها وظائفها ,لتستقر على بنية جديدة للمعنى ,غير التي برزتها اللغة المكتوبة الى سطح النسق اللغوي.من الممكن تسمية هذا الفعل بنواة لبنية كاسحة للمعنى بمقدورها مد اللغة باْنفتاح بنيوي لها.تتغير حسب الجملة والمعنى,واْيضا حسب الاشكال التجسيدية المختلفة للماء,كيف تكون الماء مبعث الالم ؟
ركز الشاعر على كلمة الماء وكنهها التجسيدي الخلقي في وجودنا .انها تدخل الوجود باْشكال مختلفة .من الخلق الاول وحتى المماة,تجعلنا جزءا مترابطا مع الوجود والخلق ,تدفعنا الى ممارسة غرائزنا البشرية والكونية,تنحدر الى الاجسام العضوية وغير العضوية للوجود .الا ان الشاعر لم يتوقف عند هذه البنى السطحية لكلمة الماء ومعانيها,انه يبحث عن الجوهر والكنه الغائب في وجود الانسان والاشياء ,فاْستجابت اللغة من حيث وفرة المعاني الفكرية والفلسفية لهذا الانفتاح ,ولم يتركز على الكلمة من الجانب السيمانتيكي فقط.بل تجاوزت تاْملاته الذاتية هذه الى الطبيعة الشكلانية الهيولية الاولية لوجود الاشياء وقدرتها لخلق الاختلافات الذاتية والشكلية والخلقية,والوجودية لها,وتاْثيراتها الحقيقية على الانسان,وان اشكالية الخلق وتنافرها الشكلاني والمعنوي  مع الانسان والوجود هي اشكالية انفتاحية تستقر على الصراعات العقلية والفكرية له.كل ذلك دفعت باللغة الشعرية الى تكوين نواتها الانفتاحي كبنية خفية للمعنى حدد الشاعر سمتها الجوهرية في الفكر الوجودي ضمن اللغة الشعرية الابداعية.

الماء كتناسق للبنية الشكلانية الكاسحة
…………………………………
اْين تتواجد القيمة الشكلانية لبنية النواة الكاسحة؟وماذا ستكون القيمة الشكلانية في هذه القصائد؟
من المهم اْن نركز على القيمة الشكلية كاْنعكاس للمعاني الجديدة لبنية المعنى في كل المقاطع الشعرية التي اْصبحت جملها متغيرة من حيث الشكل والجوهر .يعني ذلك اْن الشكل الذي تجسدها اللغة الشعرية هي التناسق الهارموني البنيوي للمعنى وليس الشكل المختلف للكلمة اْو الاتساع التجسيدي للشكل ,انها لا تقيم اية علاقة شكلانية مباشرة مع الاشياء .
نقصد بالتناسق الهارموني للبنية المعنوية التماثل الذهني لفعل تغير المعنى وتغير طبيعتها واْستخداماتها في اللغة الشعرية,مضافة اليها التغير المستمر للوضع الانساني على هامش تغير وظائف الكلمة وامكانية خلق المعنى .من المعلوم ان القارىْ يحس وبشكل عفوي بالحالة الذهنية التي تخوله توسيع الخيال كلما تعلقت المعنى واْشكالها المتغيرة بحياتنا وصراعاتنا الداخلية اْو كا نريد اْن نقول ما يربط اْحاسيسنا بالفعل كحركة ذاتية خيالية وتفردية ,لانها تتغيروتختلف مع القراءات المتنوعة للنص,كيف نتصور نفسنا متاْلمين ونحن نحس بالماء اذا ما كنا نتصور الماء كسائل وليس كرمز لصراع فكري ووجودي في حياتنا ,لنقراْ معا هذه المقاطع:-
الماء مجرد خيل تحت جلد الحياة
انا يداي في شعر المطر
اسير
احلم بمشيب الماء
………………………….. 72
تجري الحياة احيانا كالماء
لايمكن ان لا نشك في شربه
……………………………79 قصيدة (الحياة تجري دون حدوى)
واْيضا:-
الرجل قبل ان يعري نفسه
امام الظهور المباغت لامراْة
يبلل الحياة
والمراْة امام الظهور المباغت لرجل ما
ياْخذها البحر
………………… 116(قصيدة الرسوم العارية للماء)
ليس بمقدور الصورة الشكلانية للمعنى في المقطع الاول نتتج المعانى المؤثرة لها ما لم نتخيل ضمن الخيال المعنوي في تقبل كلمة الماء وقد تغيرت من طبيعتها ودلالاتها,اْي ما لم نتمكن من ممارسة الانطلاق المعنوي لخيالنا ضمن الفعل الشكلاني المنبعث من الفعل المعنوي.فجملة(الماء مجرد خيل تحت جلد الحياة) وبقدرتها الكبيرة في خلق لوحة شكلانية اسطورية ,تبقى جملة متوقفة عن انتاج الشكل الحقيقي للمعنى الا في اطار فعل الترميز وقدرتها على ان تكون شكلا اكتساحيا لهذا الفعل .اذا ما تصورنا صورة الماء كرمز للقوة والتحفزاْوالغريزة الانسانية , اْي اذا ما اسندنا هذا الدور الرمزي لكلمة الماء فاْن الكلمات الاخرى ستتغير اْشكال معانيعا تباعا وتتغير الصور التجسيدية التشكيلية للجملة اْيضا.من الطبيعي وعلى ضوء هذا الفعل اْن ترمز اْسفل الجلد الى دواخل الجلد .ولكن الصورة الشكلانية الحقيقية ليست في هذه الجمل فقط,بل عندما نتخيل ان هذه القوة الانسانية الخفية تحرك الذات وتدفعه الى الخيال والتاْمل,ويحلم في تلك الوقت بمشيب المطر وهو سائر ويحس بكينونة اللمس  في دواخله ,حينها تاْخذ اللغة الشعرية نسقها وحبكتها اللغوية ,وتكتسح المعنى في قيمتها الشكلانية,اْي تكون دلالات الشعر مترابطة في بنية واحدة للمعنى ,وتؤدي دورا محددا في اتجاهها.ان كل تلك التاْملات الفكرية المغلفة بالتكنيك الرمزي لها تجسيد بنيوي في اللغة كنواة كاسحة للمعنى ,تاْخذ شرعيتها السيمانتيكية في الترميز المباشر من اْجل كبت البعد المعنوي السطحي للجملة ودفعها نحو افاق واسعة للتاْويل والتاْمل.ومن الممكن توضيحها في هذا التخطيط التسلسلي للمعنى كشكل بنيوي لها:-
الماء..رمز التحفز…..متناسقة مع….تحت الجلد..رمزدواخل الذات…..متناسقة مع….الرغبة في الانتهاء
من المعلوم ان هذا الترابط المعنوي له قيمة شكلانية تسلسلية في لغة التعبير وجوهر المعنى,وان الشكل الذي تستقر عليه المعنى هو شكل للمعنى ومن ثم الى نسق اللغة وحبكتها .
في المقطع الثاني هنالك مقارنة وجودية وشكلانية بين جريان الحياة والماء معا .فاْن سير الحياة يشبه في معناها سير الماء ,لماذا هذا التشابه اللغوي؟اذا ما اْفترضنا بقدم جريان الماء والحياة معا منذ الازل,واذا ما تصورنا هذه الظاهر الحياتية والطبيعية تمران دون ارادة كبيرة للانسان في تغير مجراها ومرساها,فاْنه من الحمة اْن نساْل عن مكانة الانسان بين هاتين الظاهرتين؟ فنحن نسايرهما كما نشربهما رغما عن ارادتنا ,ولكن شرب الحياة لا يعني تقبلها كشرب الماء دون ريبة منا ودون ممارسة حسنا الادراكي باْننا نساير ظاهرة ونحن نرتاب في حقيقتها اْو شرعيتها,الجانب المهم لنا في هذا التاْويل الغير المقصود الفعل الشكلاني للمعنى وليس المعنى,اْستخدم الشاعر اْسلوب المقارنة الشكلانية والمعنوية بين حركة الماء وحركة الحياة,وهما مترابطتتان مع الانسان في اطارهما الزمني والحتمي,ومن ثم الارتياب والشك في مسايرتهما وتقبلهما كحقيقة لوجودنا.اذا هنالك تسلسل معنوي باْبعاد شكلانية مترابطة ,بالامكان تصورها وتجسيدها في مخيلتنا الحسية والمعرفية (انسان يعيش مرتابا في الحياة) .
الحياة              معايشتها
………..  حركة ……….. الارتياب…قدرية الفعل
الماء                شربها
كما نلاحظ الجمل وعلاقاتها بكلمة الماء .فهي كلمة تنساب في المعاني وتعطيها شكل محدد.كنواة فعلي تهيمن على كتابة الشعر ومعانيها من اْجل انتاج صورة شكلانية جديدة.
في المقطع الثالث:-
الرجل يبلل الحياة………..
المراْة ياءخذها البحر …….. مشتركتان في الماء ,
انها علاقة شكلانية تخيلية للرجل والمراْة عندما يتعريان , فهما في حالة من الفعل والحركة ,ولكن جوهر الفعل ليس في الحركة الرمزية للفعل ,بل لما يستنتجه الفعل من تاْثيرات على ديمومتنا وحياتنا ,في اطار غرائزنا وما تعكسها من تغيرات في تفكيرنا وفلسفتنا في الحياة,ان الماء هي النواة الكاسحة للمعنى,تبلغ القيمة البنيوية للغة الكتابة.
……………………………..
*قام بترجمة قصائد الشاعر عبدالمطلب عبدالله  من اللغة الكردية الى اللغة العربية الاستاذ المترجم  محمد حسين .ولم تطبع الكتاب لحد الان .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *