عيّال الظالمي: قراءة في فنتازيا الوجع لـ(صعاليك هرم الملح)

صعاليك الهرم خائفون من أن تمطر السماء فيختفي اللوذ، من المعنون الخارجي تأتيك الصعاليك ببدلات لمّاعة فارغة الجيوب وألسن متشققة تتيه بها المفردات لوعورة التجاويف ، الصعاليك في الزمن اللاغابر كانوا رجالاً أشداء جارحين وصقوراً متمردين على أعراف قبائلهم .شعراء حتى ألجموا أفواه الصحراء بأحجار القول كي لا تتجهم . المجموعة القصصية (صعاليك هرم الملح)لمسار عبد المحسن والتي تتمرغ على أصابعي ولم تعجب بعويناتي الكهلة ،موشمة بفنتازيا اللغة اليومية ،التي أولدها الضجر والمقت من الواقع المعيش من الكتل التي تسد منافذ التنفس ،وتحجب خلفها عيون الضياء التي فشلت بالفحص الطبي ،لا أزعم قرأتُ قصصاً خارج أُطُرِ التورية والحدث ،إنما أعيشها بسماجة يومي الذي يبدأ وأنا أسير رافعاً مِرفَقَيَّ كـ(هارون) كي يرتطمان بنهود الكواعب حتى أنسلخُ بركن الدهليز لبيتي فألعن جيراني ودائرة البلدية ،وكبار الساسة ، ولا أستغفر أنْ ينتهي حلمي مدمي.
من(ورد الخال)إلى قصة (هرم الملح )،أجوب نفس المكان وحبل الزمان على غارب القارئ كبندول ،من (حبيبته الصائبية)كانت روحه الغير مغامرة ،قليلة الارتفاع حتى هلوساتها أو لقرب السقوف والأُطُر، فليس لها من نفاذ إلى فضاء الحرية والتجريب ،بل توارثت العويل ولكي  لا نبكي (كل على ليلاه) وضعنا الرثاء الحسيني حتى يكون البكاء مبرراً{حين تدسين أصابعك في شعرك ،فترفع روحي إلى السقف ممارسة طقوس العويل والرثاء الحسيني}.
فقد توارثنا الخوف من الغضب وبعد أنْ ذهبت الفزّاعات بغضبها المفتعل،أورثت التوجس حتى من غضب القوارير ،وحين يخلو الصحن من الزاد فنحن ملوك التبرير ،وأعظم التباين للخيم المتهيكلة،على فراغ عطشنا ولذة التمتع والتمنع المقيتة ،لذا نغمض عن {انتخابات –انفجارات –منطق- تفاهة-أماني ورديف حقائق سوداء-مرادفات أكلت الأخضر واليابس في وطني}لا يتهيب التبجح فكل الشعب ،لا أغلبه له بركات عبد القادر الكيلاني ومنزلة ابو حزامين وسطوة الخضر وفقه الحلي ونظرية لينين وعفة المسيح وشجاعة القعقاع بن عمرو ومكر معاوية وألاعيب عبدة النار وفي المساء لا في الظلام حين يخرج الملثمون ، يلوذ بعباءةٍ ويغور الصوت بمجاهل الأنفاق . حتى (شميت هيا)لن يتذكر (الجلجثة) ولم يتعمد قط بنهر (قدرون) ،لان مياهه قد تغيرت حسب انخذال الأمة ونقمة السادة الصهاينة ،ولا يعلمون بأنّا أسرع قوم بقطع الأربع مائة في القومية وأبطال بالتخلي عن الوطنية ،ولا ترهبنا ساحات الشعب المدججة بالمطبات والألواح الكونكريتية ،المهم إننا نمتلك طاقة شفائية {فرغيف اليوم الأبيض يفيد في اليوم الأسود} . ذكرني (مسار عبد المحسن) بأعظم صعاليك عائلتي الكبرى ،كان فحل من الكلاب ينبح مع صوت المؤذن  في الفروض ،ولما اجتمعت العائلة على خلاف ،قلت لهم هذا الفحل سيذكرنا بمواقيت الصلاة .حينما تغضب الكهرباء ،فمنذ خمس سنين ونيّف أحجم عن النباح.
بمعتركنا اتفقنا على أنْ لا يعرف أحد التفاصيل ما بيننا، وعلى العكس يُمكن أحد أن يدير موجة أذنه كي يسمع أصوات تهاترنا ،وتصريحاتنا المتناقصة،وما عليه إلا أن يسير قرب حيّنا سيحظى بكل أسرارنا بين شفاه سيقان عاهراتنا (المسار)وأنا وأنت الذي لا يقرأ إلا بتوجيه ،ستجد سرَّ طبخة عشاءك منشورة عند كل بطل (كورنري) ،يلوكه الخدر المورفيني والسفسطة. ويغريه طاووس الملك المقدس ،لاهياً عن وطن مسجون بعنق الزجاجة ،ومغمض عينيه عن جلاليب العدالة فوق أكتاف الحَجّاج فـ(أبو وقاص) لم يحرم الخمر قط لكنه لم يؤمن بأن أبناء قبيلته سيحملون راية الإيمان  .تحتار الجمرة الراقدة على شفاهنا لأن (زليخا)ما عادت تسأل عن حُبِّ يوسف ، فأخوته السبعون لن يكيدوا له من بعدما اتخموا بالمزايدات لتعبيد الشوارع والحفاظ على شرف الأرامل واليتامى ، وما عاد الجنس ممنوع حين أقرَّ البرلمان ولجنة الدستور شرعية أقاليم الأجساد.فأنتفت الحاجة للاستعانة بفكر يمر به عابرا (بيكيت) أو حديث يرويه (غانيميد) عن عمل السقاية ،فللماء جرم بالعراق لن نغفر له الى يوم الحشر الأعظم .
حينما عزموا اخوتي بحملة أعمار المكسور تذكرتُ جابر الأمة بحمله أعمار القرآن ،وبعد إن انتهى الزمن المماثل تيقنت من فشل الحملتين في نفوس الأهل ،وأصبحتا مجرد شعارات على ألسنة المذيعين.
النصوص المفتوحة التي رواها (مسار عبد المحسن)في نثيثه الكثير مفتوحة كحدود العراق لجهل الزمن بأننا نحسبه لتوثيق خطايانا ووفاة أعمالنا الصالحة .وبما   إنَّ ولكل منّا مذكرات حينما كانوا اجدادنا آباءنا نصّاحاً للرازي  ومعلمين لعبد القاهر الجرجاني وقادة دربوا نبوخذنصر على حمل السيف والأنتصار ، وجلُّ ما نحمل في حقائبنا الخائبة (كان) التي توجت ملكة دون أخواتها في تأريخنا الحاضر في شتى مجالات الوقت .وهنا لابد من إشارة صالحة الضوء ،بأن حنايا أجسادنا تحتوي في كل ذرة من قطرات دمنا نهر يكفي ثلاث أرباع المعمورة حنين .هكذا نَصبُّ في بغداد ما صبَّ÷(مسار عبد المحسن)حينما وصل الى بقعته السوداء {أحبُّ كلماتي في انحناءات جسدها المحموم بالرغبة ،فأحس بعبيرها المهاجر كالسنونوة}لان عمله كان متقاعدا فأستند لوسادة الكهول يجتر الدخان ويكيل السباب لمجمل أنواع الحشرات الجائعة للدم والتي تروم وافتراش الموائد مع الصالحين في لجنة حسب اليواقيت.مفارقات التوقع عند القاريء في مستقبل الجملة والمفاجئة التي يصطدم بها حين تعرى في تركيب جريء وفني مختلف يلفّه العبث بلغة الضاد واستنفار المفردات للتطاول والثورة على السياق الرتيب في معنى الجملة المستقبلي يسقيه اللذة بالتواصل والابتسام المؤلم ،كما هي اللذة في استنشاق الدخان لأحراق السيكارة (اللفافة)التي يواكبها احتراق عنفوان الشباب دون استغلاله في البناء الروحي والوطني {وانا حامل لكفني الموشى بنصائح الأجداد الذين تقودنا كلماتهم المعفرة بداء الموت ،يختال مغترا بحتميته ما بين شوارع يغداد الحبيبة} .وحينما غزتنا الحضارة الجلدية لم نتمكن من أن نكسي عقولنا بل ذهبنا لكي نكسي أجسادنا وأجساد بناتنا ملابس لا تشبهنا ، حتى تكون المنفتحات على عري الكساد تنسلخ لتتعلق بأثواب الأجانب أو تكوّن لها هالة كاذبة. ولتترفّع بكعب الكذب، بمؤسسة إعلامية من الفرافير ،ولتنسى ان رائحة الطين العالقة في ذاكرة الشَعَر المجعّد تفِحُّ تأريخ الفلاحة{اكتشفت الفاجعة الكبرى بعد وقت قصير ،الأهل الذين يعيشون في الخارج هم في الحقيقة خارج بغداد ويسكنون القرى والأرياف وبأنها ابنة فلاح مثلي}إشارة لعبث الانسلاخ .
أعتذر لـ(مسار)عن أغنية (مجنونة-مجنونة)لأننا لم نلتقي سابقاً،أما (زردشت)وكأس شبايي(شاعر جيكور)و أنا من الذين يطعمون قشور البيض بمختلف ألوانها للماشية لتنشيط البناء الجسمي والجنسي.
وفي حقيقة الأمر لم أكن من الطبقة التي تملك مزارع العجول بل من طبقة تملك آثار جروح قرون العجول ،ولي قناعة أينما سكنت برجا سيأتيني عزرائيل حتى لو كنت في (برج الحمل) وما زلت ألتفت (لثورة الشك)و (مرت جنبنا) لأحضان بعل يمتلك شقة فارهة وسيارة لم تخرج لستٍّ خلتْ على شاشات الدعايات .لا أصرح سياسيا عن هرم الملح ،بل أود أنْ أقول بأنَّ (الشورجة) لم تكُنْ، لو لم تكُنْ حقول مجنون ،ولم تبقى منطقة اقتصادية بالرغم من أسر تلك الحقول ،وأعلم لما أستبدلت دشداشة المنظمة لأن الرّقاع كبر عليه ما كان يتوقع من رقعة ،ولي رأي في صبيانية المنظمة لأن الزمن لم يساير حركة الفعل فتوهم ذلك حتى إني أتذكر من مذكرات (شاهد ما شفش)ضوء أن الرقاع اعتزل بعد أنْ أكلت دودة الأرضة لِحْمَةَ القضية ،وبهذا يكون الهرم قد قُلِب صحفيا في خبر .وفي نهاية قراءتي المعاكسة لمجموعة (صعاليك هرم الملح) إنَّ ديباجة نسجه السردي موكول باشتراطيه المواكبة لقراء لم تبلغ الحيرة منهم الزُبى ،ولم تُفرِِّّق خيوط الشمس شهوةُ خيالاتهم ،ولم يجمع ضياء القمر اشتهاء أفكارهم وبهذا {لقد حققنا الوحدة العالمية التي كانت في متناول الجميع دون أن يفقهوا لها .أما الرقاع فانه رمز جمعيتنا السرية حتى إشعار آخر}وهنا أتممت ما لا أتممت ودمتم.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *