هشام القيسي: جنور نامق.. منظور بين صور الذات وملامح الأفق

تغوص في رومانسية حتى الأطلال ، تقبع وتتأرق غير مثقلة بعذابات سقيمة . تتوهج بصور الأسفار التي لا تنتهي ، فبين رسومها الكتابية كأشكال جميلة وبين تخيلها مسارات لاتنكسر عند مداهمة العشق .
وعملية الخلق لديها حالات شعرية غير اعتيادية تفرض حضورها من خلال مخاطبة تبحث دائما عن الألق والحريق والدهشة:

( أين المفر من الأيام الخالية من الشوق
لعلني أمل الحياة
والساعات المستعارة
من أيام شابت فيّ
ولكني لا أمل منك
فحديثي يستعر في حنين
تجهله عين القدر
في صفحات تأريخ
يصارع صوت المقاتلين سهواً… ) ( 1 )
وهكذا فان هموم الأنسان قائمة بوعي يفيض وجدانها به ، وبنبرات تتخذ من المواجهة وعدم الألتجاء الى الانكسار والبكاء .
ان تصادمات الشاعرة لا تحيلنا الى مظاهر الحيرة السلبية والانهيار بمقدار ما تتفاعل في مجرى الحياة لتقيم توازناً بين المشاهد المحسوسة والرغبة في الكبرياء مما تزيد من حيوية التعبير النفسي المقرون بأحاسيس غير   خطابية :

( في هذا الاطار الضيق
كيف يتسنى للعشق الخلاص
وهل يستطيع هدم السدود
لا أدري هل لازلت
أشغل بال حبيبي الشارد الذهن
ترى الى متى يبقى صامتاً ؟ ) ( 2 )

في قصيدة ( أكحل عيني برقصات الريحان ) تواردات صورية تشير الى اتجاهات احتمالية تنزاح نحو مواحهة  لاتكون متطابقة بالضرورة ولذلك فالشاعرة تنقلنا من الوعي الى التحام الوعي بالوعي على النحو التالي :
تواردات صورية —– اتحاهات احتمالية —–: موجبة – سالبة  — مواجهة ( الحياء ، الحلم …)

من الوعي —————————————————-التحام الوعي بالوعي

فالتواردات الصورية :
قبيل تعطر جلباب خجل الروح الرقيقة
قبيل انكسار قوارير الرياح
قبيل كينونتي أنا وأبدية الفناء
قبيل فوران رائحة مقدسات حديقتي
كنت في حضرة الأوهام المجمدة .
تتجه الى خيال موجب :
المبدأ : قبيل فوران رائحة مقدسات حديقتي
الثبات : أشجار الصفصاف ( كونها معمرة)
الحرية : كنت أتوضأ برفرفة أجنحة الفراشات
الوفاء : كنت أخفي قبلتي في أشجار الصفصاف
والى مخيال سالب :

الزمن : الليالي الصعبة  ( كان الزمن يستحم فيضفاف الليالي الصعبة )
الآلام : الذكريات ( كنت أحفظ عناقيد قبلات الآلام في سندانة ذكرياتي )
الذنوب : الموت ( كنت أضم قافلة الذنوب المتجمدة على ضفاف الموت )
وهكذا فان تقصي أحوال الشاعرة الشعرية يقودنا الى مواجهات تنطوي على مفردات الحياء ، الحلم  ، الأنتقالات ، الكشف ، الملامح ، التناغم الايجابي ، الوضع النفسي 000 الخ لتزن بالتالي
الوعي في مرحلة التحام الوعي بالوعي 0
أيضاً نجد ان مخيالها يلامس الانطباعية بنيران الواقعية وباطلالات رمزية عبر سياقات محسوسة وملموسة ومعمقة بملامح تنهل من توهجات الحنين ، الحياة ، الأبدية ، الحرية ،الجمال000 الخ وعلى ذلك فهي تواجه أزماتها الخاصة لتصبح صرخة تقتحم الحقيقة ، فلا شيء
سيبقى غير لوحة تبقى تجتاحها 0
ان اعترافاتها بالهواجس الشخصية تمثل نهجاً في محاكمة الزمن لامحاكاته ، ولهذا فهي الامكنة
بعد أن تضرم حمى الوجد تارة والمسارات التي أحبتها تارة اخرى :

( الى الآن أو وقت آخر
أذهب بالطريق الى ما تحت أشجار الخيالات خطأ 000
في هذا الاحتفال الأنفرادي
لايستجيب أحد لندائي
غير شمعة 000 ) ( 3 )
في صور جنور لم تكن مفردات معجمها الشعري سوى ايحاءات لاتخطيء القصدية ، سواء كانت بالأفعال أو العواطف وفي حالات الاشباع وأنساق الاستجابة :

( لاتملني حين ألتمس الظلام
لاتودع نظراتي الباردة
فرحيلي تارة مع الغيوم
وتارة مع الحياة
ولكن رحيلي الأخير
مع تساقط الطيور 000) ( 4 )

وفي أخيلة الشاعرة وصورها المعبرة تستوطن التقابلات والتضادات لتواجه الهواجس خارج
المغارات وتحت الشمس من خلال درامية تضيء بها وتتجول ، فهي توحي بلسان الصدى ،
وتطرح خطاباتها الهادئة أحياناً بحد الصرخة 0 وهي تعشق وتغني وتحلم وتثور وفق انسيابية
مموسقة ينساب الحب منها كجسر تمر من خلاله الأحلام والرؤى ، لذلك فرومانتيكيتها تعد
شهادة حبها في الحياة وعطر وجودها ، وهذا ماتؤشرها مفرداتها بعذوبتها وحيويتها لتشهر
بالتالي سعة دائرة الشوق وصيرورتها رغم الصراعات والهموم والأشباح 0
وللمكان مساحة عميقة في مخيال الشاعرة فنزوعها اليه يشير الى جمالية عاشقة حميمة
ما يجعلها تعيش حالة من الهيام تفاجيء طقوسه المفتوحة كلماتها ونصوصها لتجعل النسيج
في حالة اشتعال دائم وبعنفوان لا يتوهم :

( انتظرنا ومرارا من بحار الكلمات نغتسل
انتظرنا وخرائط العالم تمسحنا
انتظرنا ورشفة كأس الأعياد تشربنا
واليوم أعود وأتوضأ شوقاً ببكائي
وآهاتي سفينة تحملني الى ضفاف النهار 0000 ) ( 5 )
وعليه فهموم الوطن / العشق هو بوصلة من بوصلات شعرها ورسالتها ، فهي تثير الأسئلة والمواقف بثنائية ترفع المواجهة الى مستوى الحقيقة الناطقة :

0 ظمآنة لمرآك ولا مفر ، أين الوطن ؟
تائهة في شوقك
وامسياتي مرقد يهدهده فراقي
فلا تشرب من عيني
عسى ألا يصيبك شوق الرحيل000) ( 6 )
واجمالا فان تعبيرات جنور نامق الشعرية موائمة بين صور الذات وملامح الأفق وهذا ما يجعل التصاقها الذاتي أوضح تعبيرا عن نفسها الطموحة ، المتطلعة ، المشرقة ، الموصولة بحيثيات
الألم الأنساني ورقته ، ووفق هذا المنوال نجد الشاعرة تنجح في اثارة الانفعالات حول الحبيب ،
الشوق ، الاغتراب ، وما ينطق به عالمها لتستدل به على هموم مماثلة بدهشة وحيوية 0

 الهوامش :
———–

( 1 ) قصيدة من أين أبدأ الحياة
( 2 ) قصيدة استراحة في أحضان أمسية خيالية
( 3 ) قصيدة شمعة تحترق في وحدتها
( 4 ) قصيدة عناق الرحيل
( 5 ) قصيدة وطن يراقص الألم
( 6 ) قصيدة عناق الرحيل

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *